هل غير الإسلام السياسي في فلسطين اتجاهه
داود كتاب
استجد، في غضون الأحداث أخيرا في فلسطين، تطور فكري وغريب لدى الحركات الإسلامية، ففي حين يبدو أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تأخذ خطوات أقرب إلى الحركة الوطنية الفلسطينية، رأينا أن الحركة الإسلامية (الجنوبية) داخل الخط الأخضر ابتعدت عن التيار الوطني، وتحولت إلى حركة براغماتية إلى أقصى الحدود.
لم يكن التغيير الذي جرى في «حماس»، وأبرز مظاهره الأقوال والإشارات الإيجابية من قادة الحركة وليد الساعة. لقد خصص القائد في غزة، يحيى السنوار، جزءا من مؤتمره الصحافي الأول بعد وقف إطلاق النار في القطاع، لمديح الحركة الوطنية الفلسطينية، وذكر أسماء القائدين ياسر عرفات (أبو عمار) وخليل الوزير (أبو جهاد) باسميهما. وأعقبت الخطاب عدة تحركات، شملت لقاءات أمين سر حركة فتح، جبريل الرجوب، مع نائب المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، وبشكل عام توجه «حماس» إلى الانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية.
في الطرف الآخر، رأينا ابتعاد رئيس الحركة الإسلامية (الجنوبية)، عباس منصور، وحركته نفسها عن التيارات الوطنية في الداخل، ودخولها غير الخجول في أول ائتلاف حكومي منذ النكبة في عام 1984، على الرغم من غياب أي نص يشير إلى الحقوق الفلسطينية، أو حتى مبدأ المساواة لفلسطينيي الداخل. وقد كانت قمة البراغماتية (أو الانتهازية، بحسب بعضهم) ما ذاع أن سبب الانفصال عن القائمة العربية المشتركة هو تصويت بعض أعضائها على قانون متعلق بحقوق المثليين، في حين أن عباس منصور وحزبه وقعوا على اتفاق مع قادة مؤيدين للمثلية، ومع يمينيين يعلنون صباحا ومساء عداءهم للشعب الفلسطيني وحقوق المساواة للمواطنين العرب غير اليهود في إسرائيل.
ليس واضحا إذا كانت تلك التغييرات تكتيكية أم استراتيجية. هل اختار هذا الإسلام السياسي قراراته، بناء على قراءة محلية للوضع وضرورات المرحلة، حسب قاعدة الضرورات تبيح المحظورات؟ قد تكون بعض تلك القرارات البراغماتية انعكاسا لتراجع الإسلام السياسي وخسارته في عديد من مواقعه الرئيسية، أهمها مصر، ولكن السؤال المحير: هل نحن أمام تغيير استراتيجي ذي دلالات طويلة الأمد، أم أن الأمر قابل للتغيير في حال تغيير المعطيات على الأرض؟ والأهم من ذلك: هل التغيير العملي للإسلام السياسي سينجح في استبدال الحركة الوطنية الفلسطينية، والذي ساد خلال القرن الماضي؟
لا شك في أن التغيير البراغماتي للحركة الإسلامية في فلسطين سيزيد من الضغوط على الحركة الوطنية لتجديد فكرها، وأدوات عملها وشخوص قياداتها. في الداخل الفلسطيني، كان الحزب الشيوعي (راكاح)، ولا يزال، ومن خلال الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، أداة العمل الوطني، في حين كانت حركة فتح، ومن خلال منظمة التحرير الفلسطينية، المهيمنة على العمل الوطني.
من المتوقع، إذا استمر الحوار الحالي أن تصبح «حماس» ومن خلالها الحركة الإسلامية، جزءا من منظمة التحرير. طبعا لا تزال «فتح» وغيرها من الحركة الوطنية، مصرة على استحواذ الأغلبية في أي تعديل جذري، يتم خلاله إدخال «حماس» إلى المنظمة، ولكن ليس مؤكدا ما إذا كان هذا سيكون انعكاسا للوضع العام. .. قد تكون هناك غالبية في الشارع الفلسطيني خلف الحركة الوطنية، ولكن في غياب انتخابات أو تفاهم حركة فتح بين أعضائها وتفاهم حقيقي لتحالف وطني للحركة الوطنية، فسنكون في وضع يطيح فيه التيار الإسلامي البراغماتي بالحركة الوطنية الفلسطينية.