باتت الكوارث الطبيعية تضرب دول العالم بشكل متزايد، في السنوات الأخيرة، حيث يتعرض عدد منها لزلازل مدمرة وفيضانات طوفانية وأعاصير جارفة. وقد حذر عدد من الخبراء من فقدان السيطرة على حجم الخسائر البشرية والمادية التي قد تتسبب فيها هذه الظواهر الطبيعية، وأشاروا إلى التدابير الأساسية التي يجب اعتمادها لمواجهة الأضرار المترتبة عنها.
سهيلة التاور
زلزال الحوز
اهتز المغرب مساء الجمعة 8 شتنبر 2023، على وقع زلزال عنيف وصلت شدته نحو 7 درجات على مقياس ريختر، وأسفر عن مقتل نحو أكثر من 2946 شخصا و5674 مصابا، إلى جانب انهيار عدد من المباني، وهو ما يجعله يصنف على أنه أقوى زلزال في المغرب.
وتعرض المغرب خلال السنوات الماضية لسلسلة من الزلازل التي تسبب بعضها في إحداث دمار هائل وخسائر بشرية كبيرة، غير أن زلزال الحوز الأخير، يُعد أقوى زلزال ضرب المغرب منذ قرن.
وفي هذا الصدد، ذكرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية أن زلزال المغرب كان «قويا بشكل غير عادي» بالنسبة إلى هذه المنطقة المغربية. وذكرت الهيئة الفيدرالية أن «الزلازل بهذا الحجم في المنطقة غير شائعة، لكنها ليست غير متوقعة».
وأضافت: «منذ عام 1900، لم تكن هناك زلازل بقوة 6 درجات على مقياس ريختر وأكبر في نطاق 500 كيلومتر من هذا الزلزال. كما لم تحدث سوى 9 زلازل بقوة 5 درجات وأكبر» خلال الفترة ذاتها، وهو ما يجعل زلزال الحوز أقوى زلزال في المغرب.
لا شك أن زلزال الحوز الذي ضرب المغرب ليلة الجمعة 8 شتنبر 2023، هو أقوى زلزال في المغرب عبر تاريخه الطويل وحتى وقتنا الحالي، حيث بلغت قوة هذا الزلزال 7 درجات على مقياس ريختر، ويعتبر الزلزال الأعنف في تاريخ المغرب حتى الآن.
حدّد مركز الزلزال بالقرب من بلدة إغيل في ولاية الحوز، على بعد حوالي 70 كيلومترا جنوب مراكش، أما عمقه فكان 18 كيلومترا تحت سطح الأرض، في حين حددت وكالة الزلازل المغربية مركزه على عمق 8 كيلومترات، وفي كلتا الحالتين، فإن مثل هذه الزلازل السطحية أكثر خطورة.
على العموم، تحدث الزلازل نتيجة لحركة الصفائح التكتونية للأرض، وهذه الحركة إما أن تكون متباعدة عن بعضها أو مصطدمة مع بعضها أو منزلقة عبر حدودها، ويتم تحديد قوة الزلزال حسب القوة التي تحركت بها الصفائح التكتونية، وتُعرف النقطة التي تحدث فيها هذه الحركة بالبؤرة الزلزالية.
ومن الواضح أن سبب حدوث زلزال المغرب الأخير والذي يعد أقوى زلزال في المغرب هو تقارب حدث بين القارتين الإفريقية والأوروبية، هذا التقارب كانت حركته باتجاه الشمال الغربي وبالتحديد المغرب.
كما أن مركز الزلزال الذي حُدّد بجبال الأطلس، جعله يكون قويا بالشكل الذي وقع عليه، إذ وصلت ارتدادته إلى مئات الكيلومترات، فحدوث الزلازل في مثل هذه الطبيعة الجغرافية يؤدي إلى حدوث أضرار أكبر بالعادة، بسبب أنها منطقة تحتوي على فوالق وتشققات، تعطي قوة أكبر للزلزال.
إعصار ليبيا
ضربت عاصفة (دانيال) عددا من المدن الليبية، شملت مدن بنغازي، البيضاء، سوسة، سرت، ودرنة، وخلفت خسائر بشرية ومادية جسيمة. وأكد مصدر طبي ليبي ارتفاع عدد القتلى إلى نحو تجاوز 11,000 شخص، بينما بلغ عدد المفقودين نحو 20,000 شخص. نتيجة انهيار سدين بها، وهو الانهيار المؤدي إلى اندفاع سيول جارفة، دمرت المنطقة بشكل شبه كامل، مع تعذر إجراء حصر دقيق للخسائر، مع فقدان أثر 7000 عائلة، لا يزال مصيرها غامضا، وخسائر كبيرة في الممتلكات والطرق وشبكات الاتصالات، بفعل الفيضانات والسيول الناجمة عن العاصفة التي أغرقت مئات البنايات السكنية، وهدمتها على قاطنيها، في العديد من المدن المنكوبة.
حرائق الجزائر
اندلعت حرائق ضخمة في ولايتي بجاية وتيزي وزو المتجاورتين شمال شرقي الجزائر، وبينما تم إخماد حريق تيزي وزو تتواصل العمليات للسيطرة على حريق بجاية.
وقد اندلع الحريق في غابة مهوي قرب مدينة تيشي وحريق آخر في غابة عش الباز بولاية بجاية، وحريق ثالث في غابة قرية إيغداسن بولاية تيزي وزو. وشاركت في مواجهتها فرق للتدخل من ولايات برج بوعريريج وسطيف والبويرة المجاورة، وكذلك من العاصمة. وتدخلت مروحيات الإسعاف الجوي أيضا، بحسب الدفاع المدني الذي لم يشر إلى سقوط ضحايا.
وفي نهاية يوليوز الماضي، شهدت المناطق نفسها حرائق هائلة أدت إلى مصرع 34 شخصا وأتت على مساحات شاسعة من الغابات والأشجار المثمرة.
ويشهد شمال الجزائر وشرقها سنويا حرائق غابات، وهي ظاهرة تتفاقم عاما بعد آخر، بسبب تأثير التغير المناخي الذي يؤدي إلى جفاف وموجات حر شديد.
وحذرت مصلحة الأرصاد الجوية في نشرة خاصة من موجة حر في مناطق شمال شرقي البلاد، منها بجاية وتيزي وزو، يومي السبت والأحد، إذ من المتوقع أن تبلغ درجات الحرارة 43 درجة مئوية.
الأرض «غير آمنة»
حذر باحثون من أن الأنظمة البيئية والحيوية التي تعتمد عليها الحياة على كوكب الأرض قد تضررت بشدة، لدرجة أن الكوكب صار «خارج نطاق التشغيل الآمن للبشرية»، مشيرين إلى أن التدابير الأساسية المطلوبة لمواجهة هذه الأضرار تشمل التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، والتخلي عن سبل الزراعة المدمرة للأراضي.
وخلص تقييم للباحثين إلى أن 6 من أصل 9 «حدود كوكبية» قد انتُهكت بفعل التلوث الذي يسببه الإنسان والتدمير الذي تعرضت له الطبيعة، حيث تتعلق هذه الحدود بحالة النظم الأساسية للحياة على الأرض – مثل المناخ والمياه وتنوع الحياة البرية- والتي إذا تجاوز الضرر الواقع عليها حدودا معينة، فإنها قد تعجز عن التخلص من ملوثاتها وتفشل في الصمود أمام التغيرات المُعيقة لاستمرار الحياة على هذا الكوكب.
وتشمل الحدود الكوكبية وفقا لصحيفة «The Guardian» البريطانية، لعدد الأربعاء 13 شتنبر 2023، الاحتباس الحراري، والتنوع البيولوجي، والبيولوجيا الكيميائية، وتحمض المحيطات، واستخدام الأراضي، والأمن المائي، ونضوب الأوزون، وتركيز الهباء الجوي، والتلوث الكيميائي.
وقال الباحثون إن هذا أول تقييم من نوعه لحالة الحدود الكوكبية التسعة، و«أول فحص علمي لسلامة الكوكب بأكمله».
وانتهى الباحثون إلى أن 6 من هذه الحدود قد انتُهكت، وهناك اثنان منها على وشك الانهيار، هما: تلوث الهواء وحمضية المحيطات. أما الحد الوحيد غير المعرض للخطر، فهو حالة طبقة الأوزون في الغلاف الجوي، إذ أدت التدابير التي اتخذتها الدول في العقود الماضية إلى التخلص التدريجي من المواد الكيميائية المضرة، وتقليص ثقب الأوزون.
ومن أكثر النتائج «إثارة للقلق» في تقرير الباحثين أن الحدود البيولوجية الأربعة المعنية بالأنظمة الحيوية، قد تبين أنها عند مستوى الخطر، أو تجاوزته. وتعد الأنظمة الحيوية أكثر أهمية من غيرها لكوكب الأرض؛ لأنها توفر له أسباب الاستدامة بتعويض بعض التغيرات الفيزيائية، مثل امتصاص الأشجار للتلوث بثاني أكسيد الكربون.
ومع ذلك، قال العلماء إن اختراق الحدود الكوكبية لا يعني تحولات لا رجعة فيها، ولا آثارا مفضية إلى تدهور مباغت وفادح العواقب، بل هي سيرورة تشتد بعدها مخاطر حدوث تغييرات جوهرية في أنظمة دعم الحياة الفيزيائية والبيولوجية والكيميائية للأرض. وقد صاغ العلماء الحدود الكوكبية لأول مرة في عام 2009، وجرى تحديثها في عام 2015.
في السياق ذاته، قال البروفيسور يوهان روكستروم، المدير السابق لمركز ستوكهولم للمرونة وقائد الفريق الذي ابتكر الحدود الكوكبية: «العلماء والعالم بأسره في خوف شديد من الأحداث المناخية المتطرفة، التي تضرب المجتمعات في جميع أنحاء الكوكب. ولكن أشد ما نخشاه هو العلامات المتزايدة على تراجع صمود الكوكب في مواجهة الأضرار اللاحقة بأنظمته البيئية والحيوية».
وأضاف روكستروم: «إن كنا نرغب في تحقيق الأمن والازدهار والمساواة للبشرية على الأرض، فإن علينا العودة إلى نظام التعامل الآمن مع الحدود الكوكبية، وهذا أمر لا نرى أن العالم مقبل عليه حاليا».
فيما أوضحت كاثرين ريتشاردسون، البروفيسور بجامعة كوبنهاغن والمشرفة على الدراسة: «نحن نعلم أن البشرية يمكن أن تنجو في ظل الظروف التي كانت موجودة منذ 10 آلاف عام، لكننا لا نعرف ما إذا كانت تستطيع النجاة في ظل هذه التغيرات الكبيرة والمؤثرة»، فالأرض صارت مثل مريض يعاني الإصابة بالارتفاع الشديد في ضغط الدم، فهو وإن لم يكن مصابا بنوبة قلبية في هذه اللحظة، فإنه معرض للإصابة بها في أي وقت.
ونُشر التقييم في دورية «Science Advances» واستند إلى ألفي دراسة علمية، وخلص في نتائجه إلى أن كثيرا من الحدود الكوكبية قد انتُهكت منذ مدة طويلة.
إلى ذلك، قال الباحثون إن حد التنوع البيولوجي، الذي يقيس أداء النظم البيئية، قد اختُرق في أواخر القرن التاسع عشر، إذ أدى تدمير الطبيعة إلى تدمير الحياة البرية. كذلك فإن إزالة الغابات أدت إلى انتهاك البشر لحد استخدام الأراضي في القرن الماضي.
وتابع الباحثون: «ينتهي هذا التقرير إلى أن ستة من الحدود الكوكبية التسعة قد انتُهكت، ما يعني أن صارت الآن خارج نطاق الاعتماد الآمن للبشرية عليها».
ويرى الباحثون أن التدابير الأساسية المطلوبة لمواجهة هذه الأضرار تشمل التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، والتخلي عن سبل الزراعة المدمرة للأراضي.
من جهته، قال البروفيسور سايمون لويس، من جامعة كوليدج لندن: «هذا تقرير مفزع عن واقع مثير للقلق بالفعل. فالكوكب يتدهور إلى حالة جديدة أقل استقرارا بكثير، وليس ثمة تحذير أوضح من هذا بأن الحاجة صارت ملحة إلى تغييرات هيكلية عميقة في كيفية تعاملنا مع البيئة».