شوف تشوف

الرأي

هل ستكون القوات الكردية «حصان طروادة» الأمريكي؟

في شهر ديسمبر الماضي التقيت في بيروت بأستاذ علوم سياسية، ورئيس مركز أبحاث كردي مرموق في أربيل، ووزير سابق في حكومتها، وأعربت له عن إحساسي بأن الولايات المتحدة تخطط من أجل استخدام قوات كردية «كحصان طروادة» لاقتحام الموصل، وإخراج قوات «الدولة الاسلامية» منها، فأكد لي أن إحساسي هذا في غير محله، لأن الأكراد لن يكونوا أداة في يد الأمريكان لمحاربة العرب، والغرق في بحيرة دموية من الثارات تستمر لعقود.
بعد ستة أشهر من هذا الحديث يصل إلى الأراضي السورية، وبالتحديد مدينة عين العرب (كوباني) الجنرال الأمريكي جوي فوتيل في زيارة سرية خاطفة، يلتقي خلالها قوات أمريكية خاصة على الأراضي السورية (250 جنديا)، ومسؤولين في «قوات سورية الديمقراطية»، التي تتبع للسيد صالح مسلم، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، بالإضافة إلى مقاتلين عرب سوريين، يعتقد أنها «قوات النخبة» التي أسسها السيد أحمد الجربا، رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض السابق. الجنرال الأمريكي بيرت ماكفورك، مبعوث الرئيس الأمريكي باراك أوباما لدى التحالف الدولي لمحاربة «الدولة الاسلامية» وصل إلى مدينة عين العرب أيضا، والتقى السيد مسلم، الذي حضر إلى المدينة من السليمانية على ظهر طائرة أمريكية، ويعتقد أنه التقى أيضا الجنرال فوتيل.كل هذه التحركات الأمريكية الكردية السورية المعارضة تأتي في إطار الاستعداد لخوض حربين متوازيين، الأولى في الشرق لمحاربة «الدولة الاسلامية» في الموصل، والثانية، في الجانب الغربي المقابل لـ«تحرير» مدينة الرقة، وإخراج قوات «الدولة» منها.
الخطة الأمريكية الجديدة تقوم على أساس تقدم قوات البشمرغة الكردية المدعومة من قبل قوات أمريكية خاصة، إلى جانب بعض وحدات الجيش العراقي باتجاه الموصل، بينما تتقدم قوات جيش سورية الديمقراطية الكردية، التي يزيد تعدادها عن 50 ألف جندي، نحو الرقة، مما يؤدي إلى حصار «الدولة الاسلامية» وقواتها من كل الجهات تمهيدا للقضاء عليها. الحرب النفسية تشتعل تمهيدا للحرب العسكرية، فالسيد أبو محمد العدناني، المتحدث باسم «الدولة الاسلامية» ظهر لأول مرة منذ سبعة أشهر (جرى تسريب أنباء عن مقتله) في شريط مصور يحث أنصاره على تنظيم هجمات ضد الولايات المتحدة وأوروبا، مؤكدا أن الحشودات الأمريكية لا تخيف التنظيم ورجاله الذين سيواصلون القتال، ومشددا على أن الرقة لن تسقط، فبينما تقوم طائرات التحالف الأمريكي بإلقاء منشورات تطالب أهالي المدينة بالمغادرة، وتقول لمقاتلي «الدولة» «اقترب موعدكم، اقتربت نهايتكم»، فهل اقتربت النهاية فعلا؟
من الصعب الإجابة على هذا السؤال، فالهجوم على الرقة والموصل لم يبدأ بعد، وإن كانت الاستعدادات جارية، وفق الخطة التي وضعها الجنرال الأمريكي فوتيل، والتي ستشرف عليها القوات الأمريكية الخاصة أرضا، وطائرات التحالف الأمريكي جوا، والجنرال فوتيل هذا كان قائدا لعموم القوات الخاصة الأمريكية بمختلف وحداتها، وكان ضابطا فيها، أي أنه يملك خبرة ميدانية كبيرة.
لا شك أنها ستكون معركة صعبة على الجانبين، الجانب المهاجم، والجانب المدافع أيضا، وستكون دموية، تسفر عن خسائر كبيرة في الأرواح، أرواح العسكريين والمدنيين أيضا، فالرقة والموصل غابتا إسمنت، ولن يكون أمام مقاتلي «الدولة الاسلامية» أي خيار آخر غير القتال حتى الموت.
هناك ثلاثة أسئلة تطرح نفسها ولا بد من إجابة عليها إذا أردنا التكهن مبدئيا بتطورات هذه الحرب الوشيكة ونتائجها:
الأول: كيف يصل جنرال أمريكي، ويحمل هذه الرتبة العالية (الجنرال فوتيل) إلى الأراضي السورية، ويجتمع مع قواته الخاصة، وأخرى عربية وكردية، دون أن يأخذ إذنا من أحد، فهل أصبحت سوريا أرضا مشاعا مفتوحة للجميع، لكي يعدوا طبخاتهم حول حاضرها ومستقبلها؟ وكيف يقبل الجنرالات الروس بذلك، ولماذا لم يصدر عنهم أي احتجاج، والشيء نفسه يقال أيضا عن حلفائهم السوريين والايرانيين، فهل هم جميعا متواطئون في هذه الطبخة؟ أم انهم آخر من يعلم؟
ثانيا: ما هو الثمن الذي سيحصل عليه الأكراد، سواء السوريين منهم أو العراقيين، مقابل الدخول في هذه الحرب المحورية ضد «الدولة الاسلامية»؟ وهل ستأتي الدولة الكردية الموعودة على أنقاض «الدولة الاسلامية»، كليا أو جزئيا؟
ثالثا: أين العرب، وحلفاء أمريكا خصوصا، مثل قطر والسعودية؟ وأين الأتراك؟ وهل هم على علم بهذه السيناريوهات ويشكلون طرفا فيها؟ أم أنهم مهمشون كليا مثل «الجيش الحر» و«المعارضة المعتدلة»، على سبيل المثال؟
نكتفي في هذه العجالة برصد ملامح الطبخة الأمريكية الجديدة وعناصرها، دون تذوق طعمها، أو وصف رائحتها، وهي كريهة على أي حال، وطرح هذه الأسئلة التي من المفترض أن ترسم إجاباتها أول ملامح الحدود الجديدة لدول اتفاق سايكس بيكو2، الذي تضع خطوطه العريضة التفاهمات بين سيرغي لافروف، الروسي وجون كيري الأمريكي.
«الدولة الاسلامية» سيطرت على الموصل بعد الرقة في شهر رمضان عام 2014، فهل سيكون رمضان المقبل الذي بات على الأبواب شاهدا على هزيمتها، وبالتالي زوالها؟
لدينا شكوك كبيرة.. ولكن ما نعرفه، ونؤكد عليه، أن هذه «الدولة» لن تذهب بسهولة، مهما تعاظمت القوى التي تتحشد ضدها.. فهذه حرب طويلة ومعقدة، وغير مأمونة العواقب، وإن كانت حتمية.
ربما توقف تمدد هذه «الدولة» في سورية والعراق في الأشهر الماضية، وتبدو في طريقها للانكماش في ليبيا، إذا ما بدأ هجوم متوقع لقوات خاصة غربية وأردنية ضدها، ولكن لا نعتقد أن الاحتفالات بإنزال أعلامها ورفع أعلام التحالف مكانها باتت وشيكة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى