هل ستشكل الانتخابات المقبلة بداية مرحلة جديدة بالمغرب؟
تتزامن مع تنزيل النموذج التنموي الجديد والمشروع الاجتماعي الملكي
إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
الكل يراهن على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، لتكون نقطة مفصلية في تاريخ المغرب، وتشكل بداية المرحلة الجديدة التي نادى بها الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العرش، خاصة أن هذه الانتخابات، التي ستشمل جميع المؤسسات المنتخبة التشريعية والجماعية والمهنية، تتزامن مع إطلاق الورش الملكي الكبير، المتجسد في توفير التغطية الاجتماعية والصحية لكل المغاربة، وكذلك مع بداية تنزيل النموذج التنموي الجديد، لذلك فإن المرحلة الجديدة تتطلب إفراز حكومة قوية وأحزاب قادرة على تحمل مسؤوليتها، لأن هذه الأحزاب هي التي ستتولى تنزيل هذه الأوراش الكبرى من خلال مشاركتها في تدبير الشأن العام، سواء عن طريق الحكومة أو المجالس الترابية المنتخبة، لذلك هناك رهان على الانتخابات المقبلة لتدشن مرحلة جديدة بالمغرب.
الرهان الاجتماعي.. تعميم التغطية الاجتماعية بداية مرحلة جديدة
يشكل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية أحد أهم الملفات التي تنتظر حملها من الحكومة المقبلة، وقد بدأت فعلا الخطوات الأولى لتنزيل هذه الخطة من خلال تسطير مشروع القانون الإطار الخاص بالحماية الاجتماعية والذي أشار إلى أن الدولة ستتكلف بتغطية الاشتراكات ليتم الدمج الكلي للفئات المعوزة المستفيدة من نظام المساعدة الطبية، المقدر عددها بـ11 مليون مستفيد، وذلك بغلاف مالي سنوي يقدر بـ9 ملايير درهم، أي بزيادة 7 مليارات درهم سنويا مقارنة مع شراء الأدوية في إطار “راميد”، حيث إن المبلغ المذكور سيتوزع على تعميم التغطية بالتأمين الإجباري عن المرض بـ10 ملايير درهم، وتعميم التعويضات العائلية 20 مليار درهم، وتوسيع قاعدة المنخرطين في نظام التقاعد بـ16 مليار درهم، وتعميم الولوج إلى التعويض عن فقدان الشغل بمليار درهم.
وينص مشروع القانون الإطار على تعميم التعويضات العائلية خلال سنتي 2023 و2024 لتشمل 7 ملايين طفل في سن التمدرس، وتوسيع الانخراط في أنظمة التقاعد سنة 2025 لفائدة 5 ملايين مغربي من الساكنة النشطة التي لا تحصل على حق التقاعد.
كما نص مشروع القانون كذلك على تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض خلال سنتي 2021 و2022، ليشمل 22 مليون مستفيد إضافي من التأمين الأساسي على المرض الذي سيغطي تكاليف التطبيب واقتناء الأدوية والاستشفاء والعلاج.وصادق مجلسا النواب والمستشارين بالإجماع، في جلسة عمومية، على مشروع القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية، وفي إطار الاشتغال على مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، باشرت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة منذ العام الماضي تهيئ مشروع القانون الإطار إلى تعميم الحماية الاجتماعية لتشمل الأشخاص الذين لا يتوفرون عليها، تفعيلا للتوصيات الملكية، وهو مشروع القانون الذي صادق عليه المجلس الحكومي وأحيل على البرلمان بغرفتيه وتمت المصادقة عليه في مارس الماضي بإجماع النواب والمستشارين.
وينص هذا القانون، الذي رسم الخطوط والتوجهات الكبرى لهذا الورش الاجتماعي، على أن تعمل الدولة على إصلاح الأنظمة والبرامج الاجتماعية المعمول بها، سيما الإصلاح التدريجي لنظام المقاصة، وتفعيل السجل الاجتماعي الموحد، وإصلاح المنظومة الصحية الوطنية وتأهيلها، وتنسيق عمل كافة المتدخلين المعنيين بتعميم الحماية الاجتماعية، واتخاذ جميع التدابير ذات الطابع التشريعي والمؤسساتي والمالي، التي تمكن من تفعيل تعميم الحماية الاجتماعية.
وحسب القانون نفسه، فإن التزامات السلطات العمومية تتمثل في السهر على تنسيق عمل كافة المتدخلين المعنيين بتعميم الحماية الاجتماعية، باعتبارها أولوية وطنية، وتطوير الجوانب المتعلقة بتدبير وحكامة هيئات الضمان الاجتماعي، وضمان التقائية أنظمة الحماية الاجتماعية، واتخاذ جميع التدابير ذات الطابع التشريعي والتنظيمي والمؤسساتي والمالي التي تمكن من تفعيل تعميم هذه الحماية.
وحسب ديباجة القانون، سيتم تنزيل هذا الإصلاح داخل أجل خمس سنوات، وذلك عبر تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض خلال سنتي 2021 و2022، وتعميم التعويضات العائلية من خلال تمكين الأسر التي لا تستفيد من هذه التعويضات وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، من الاستفادة، حسب الحالة، من تعويضات للحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة، أو من تعويضات جزافية، وذلك خلال سنتي 2023 و2024، ثم توسيع الانخراط في أنظمة التقاعد وتعميم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل سنة 2025.
واعتبارا لما سبق، يؤكد المشروع على أن إدراج المبادئ والأهداف الأساسية لإصلاح منظومة الحماية الاجتماعية في قانون – إطار، من شأنه أن يضمن التطبيق الأمثل والتنزيل الأسلم لهذا الإصلاح ويؤمن استمراريته وديمومته، مشيرا إلى أن تعميم الحماية الاجتماعية وفق مدلول هذا القانون الإطار، الذي يجب أن يتم داخل أجل أقصاه خمس سنوات، لا يحول دون استمرار تطبيق السياسات العمومية الأخرى التي تعتمدها الدولة في هذا المجال.
وحسب ديباجة القانون، سيتم تنزيل هذا الإصلاح داخل أجل خمس سنوات، وذلك عبر تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض خلال سنتي 2021 و2022، وتعميم التعويضات العائلية من خلال تمكين الأسر التي لا تستفيد من هذه التعويضات وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، من الاستفادة، حسب الحالة، من تعويضات للحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة، أو من تعويضات جزافية، وذلك خلال سنتي 2023 و2024، ثم توسيع الانخراط في أنظمة التقاعد وتعميم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل سنة 2025.
واعتبارا لما سبق، يؤكد المشروع على أن إدراج المبادئ والأهداف الأساسية لإصلاح منظومة الحماية الاجتماعية في قانون – إطار، من شأنه أن يضمن التطبيق الأمثل والتنزيل الأسلم لهذا الإصلاح ويؤمن استمراريته وديمومته، مشيرا إلى أن تعميم الحماية الاجتماعية وفق مدلول هذا القانون الإطار، الذي يجب أن يتم داخل أجل أقصاه خمس سنوات، لا يحول دون استمرار تطبيق السياسات العمومية الأخرى التي تعتمدها الدولة في هذا المجال.
ويرتكز تعميم الحماية الاجتماعية على آليتين للتمويل، وهما آلية قائمة على الاشتراك بالنسبة إلى الأشخاص القادرين على المساهمة في تمويل هذه الحماية الاجتماعية، وآلية قائمة على التضامن لفائدة الأشخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك، وترتكز الآلية القائمة على الاشتراك على الأداء المسبق لمبالغ الاشتراك من طرف الأشخاص المؤمنين أو عن طريق الغير لحسابهم الخاص، ويتم تمويل الحماية الاجتماعية في إطار هذه الآلية عن طريق الاشتراكات المستحقة تطبيقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
تعليمات ملكية صارمة لضمان نزاهة وشفافية الانتخابات المقبلة
أعلنت وزارة الداخلية عن تنصيب اللجنة المركزية لتتبع الانتخابات خلال اجتماع عقد لهذه الغاية، جمع قادة الأحزاب الممثلة في البرلمان، بمقر الوزارة، تنفيذا للأوامر الملكية التي وجهها إلى وزير الداخلية ورئيس النيابة العامة، في شأن السهر على سلامة العمليات الانتخابية المقبلة والتصدي لكل الممارسات التي قد تسيء إليها. وأشارت الوزارة الوصية إلى أنه تم على الصعيد الترابي إحداث لجان إقليمية لتتبع الانتخابات، والتي تضم في كل عمالة وإقليم وعمالة مقاطعات كلا من الوالي أو العامل والوكيل العام للملك أو وكيل الملك، ولجان جهوية عهد إليها بمواكبة أشغال اللجان الإقليمية على صعيد كل جهة من جهات المملكة.
وفي السياق ذاته، أكدت وزارة الداخلية أن المهمة الأساسية للجنة المركزية واللجان الإقليمية والجهوية تتمثل في اتخاذ التدابير العملية الكفيلة بصيانة واحترام نزاهة العمليات الانتخابية، وذلك من خلال تتبع سير مختلف مراحل العمليات المذكورة، للحفاظ على سلامتها، والتصدي في حينه لكل ما قد يمس بها، ابتداء من التسجيل في اللوائح الانتخابية إلى غاية الإعلان عن نتائج الاقتراع وانتخاب أجهزة وهياكل مجالس الجماعات الترابية والغرف المهنية، موضحة أن اللجنة المركزية واللجان الإقليمية والجهوية ستباشر مهامها في تقيد تام بالقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، دون المساس بالاختصاصات والصلاحيات التي يخولها القانون للأجهزة التشريعية والإدارية والقضائية.
وأصدر عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، والحسن الداكي، رئيس النيابة العامة، منشورا مشتركا بخصوص تفعيل التدابير المتعلقة بتتبع الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وتهدف هذه التدابير إلى التصدي للجرائم الانتخابية، واستعمال التقنيات الحديثة لكشف «الفساد الانتخابي»، من ضمنها تقنية التنصت على المكالمات الهاتفية، للإطاحة بالمرشحين الذين يستعملون المال لاستمالة أصوات الناخبين.
وأعلن الوكيل العام للملك بمحكمة النقض، رئيس النيابة العامة، عن إصدار منشور مشترك بين رئاسة النيابة العامة ووزارة الداخلية، بشأن تفعيل التدابير المتعلقة بتتبع الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. وأوضحت دورية لرئاسة النيابة العامة موجهة إلى الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف، ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية، أن هذا المنشور المشترك الموجه إلى الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية، يأتي في إطار التحضير للاستحقاقات الانتخابية التي ستشهدها المملكة خلال الأشهر المقبلة من السنة الجارية.
وأضافت الدورية أنه حرصا من السلطات العمومية على توفير كل الظروف اللازمة لإنجاح العمليات الانتخابية، تم إحداث لجنة مركزية تتألف من وزير الداخلية ورئيس النيابة العامة، مشيرة إلى أنه تم في الإطار نفسه إحداث لجان جهوية وإقليمية على صعيد عمالات وأقاليم وعمالات المقاطعات وجهات المملكة، للسهر على تتبع العمليات الانتخابية المقبلة وضمان شفافية ونزاهة العمليات الانتخابية، من خلال الحرص على التصدي لكل ما من شأنه المساس بحرمة الانتخابات ومصداقيتها.
وأصدر رئيس النيابة العامة تعليمات صارمة، من أجل السهر على نزاهة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة والتصدي لمفسدي الانتخابات، وفي هذا الصدد تم إحداث خلية مركزية على صعيد رئاسة النيابة العامة، تتألف من قضاة سيتولون تتبع ومواكبة سير العمليات الانتخابية والتنسيق مع الخلايا الجهوية والمحلية خلال كافة مراحل الاستحقاقات الانتخابية. وينص المنشور المشترك بين وزير الداخلية ورئيس النيابة العامة، على إحداث اللجان الجهوية والإقليمية للسهر على تتبع العمليات الانتخابية وضمان شفافيتها ونزاهتها، من خلال الحرص على التصدي لكل ما من شأنه المساس بحرمة الانتخابات ومصداقيتها، حيث سيتم إحداث خلية جهوية على مستوى محكمة الاستئناف تناط بها مهام التنسيق بين مختلف الخلايا المحلية المحدثة على مستوى المحاكم الابتدائية، تعمل على تجميع المعلومات الضرورية على المستوى الجهوي، والتنسيق مع الخلية المركزية المحدثة على مستوى رئاسة النيابة العامة، وستتولى الخلايا المحلية تلقي الشكايات والوشايات المتعلقة بالاستحقاقات الانتخابية، ومعالجتها انطلاقا من تطبيق معلوماتي خاص أحدثته رئاسة النيابة العامة لتدبير القضايا الانتخابية.
ثلاثة أسئلة عتيق السعيد الباحث الأكاديمي بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء والمحلل السياسي : «المرحلة المقبلة اختبار حقيقي للهيئات السياسية لضمان آليات تفعيل الأوراش الاجتماعية»
1- المغرب مقبل على محطة انتخابية جديدة في ظل وضعية استثنائية، ربما تعرف متغيرات عديدة؟
أولا، وقبل اختبار فرضية أن تدفع هذه الفترة الاستثنائية بمتغيرات كثيرة في مختلف المجالات، ومنها تحديدا ما هو مرتبط بنسق التدبير السياسي/ الانتخابي، لابد من تفكيك السياق العام الذي تشهده بلادنا على غرار باقي دول العالم من أزمة وبائية صنفت في درجة الجائحة العالمية، وما لها من تداعيات وآثار اقتصادية واجتماعية. وبالتالي يمكن القول إن المرحلة المقبلة وما تعرفه من تحولات عديدة، سواء مرتبطة بتداعيات وآثار الأزمة الوبائية لـ«كوفيد- 19» شملت انعكاساتها مختلف القطاعات الاجتماعية، والتي كان لها تأثير كبير على مداخيل الأسر، وميزانية الدولة، أو في تزامنها بالتحضير لسنة انتخابية سيتم خلالها تجديد كافة المؤسسات المنتخبة الوطنية والمحلية والمهنية، كل هذه المتغيرات وغيرها تدفع في تفاعلاتها التدبير السياسي الحالي إلى وضع خارطة طريق دقيقة واضحة المعالم، تستدعي ضرورة الانكباب بفعالية عالية على أنجع الطرق التدبيرية للدخول السياسي، قوامها بالأساس تقويم الأوراش الاجتماعية وتعزيز القوة الاقتصادية، التي رسم معالمها الخطاب الملكي لعيد العرش المجيد في الذكرى الحادية والعشرين لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين.
بناء عليه التدبير الحكومي المرتقب، سواء تعلق بعملية التحضير للاستحقاقات المقبلة أو مختلف الأوراش الاجتماعية، يتطلب برمجة آنية لمخطط دعم وتقويم القطاعات المتضررة من أجل جعل كل الظروف متهيئة لجميع الفرضيات، فالمغرب أمام الوضع الاجتماعي يراهن على عملية تقويم شامل للوضع بعد الجائحة العالمية، وهي تتطلب بدرجة أولى استغلال فرصة التعبئة السياسية ورجوع روح التضامن المجتمعي، لأن استثمار الثقافة التضامنية يعد ركيزة أساسية لنجاح السياسات الاجتماعية، وبالتالي المرحلة المقبلة اختبار حقيقي للهيئات السياسية من أجل وضع آليات التفعيل الناجع والفعال للأوراش الاجتماعية.
لابد من الإشارة إلى أن الدخول السياسي المقبل لن يكون عاديا، وبالتالي لا يجب أن يكون روتينيا أو مرحلة عبور بين مرحلتين؛ سياسية/ انتخابية وأخرى، نحن نتحدث عن فترة محاطة بأزمة وتداعياتها المتناثرة على مختلف القطاعات الحيوية، سيما في ترابطها بالمجال الاجتماعي الذي حظي باهتمام وعناية جلالة الملك في مختلف الخطابات السامية على مدار السنة، فالأزمة الوبائية طرحت إشكالات جديدة مرتبطة بهذا المجال، حيث إن مجرياتها أكدت بشكل واقعي أن الحكومة مطالبة اليوم قبل أي وقت مضى بنهج تدبير أكثر فعالية، قوامه خطة سوسيو- اقتصادية يقوم عمادها على الإطار التضامني، يكون بمثابة صمام الأمان الرادع ضد المتغيرات المتلاحقة للأزمة التي كان وما زال لها تأثير على نمط وحركية النسيج المجتمعي. وبالتالي رهان تنفيذ مجموعة من الأولويات التي تحكم الأجندة السياسية في هذه الفترة، يدفع نحو الحاجة إلى تجويد التدبير السياسي بشكل جاد ومسؤول وروح وطنية عالية بغية التفكير الجماعي في سبل تفعيل الأوراش الاجتماعية، في مقدمتها النموذج التنموي، والسجل الاجتماعي الموحد، وتعميم التغطية الصحية وغيرها من المشاريع التي قدم هندستها جلالة الملك برؤية استشرافية للمرحلة.
2- الانتخابات وتحقيق التنمية، أي رهانات لتفعيل نموذج تنموي جديد؟
إن الحديث عن العلاقة بين التفاعلية التنمية والعملية الانتخابية، سواء ارتباطها الوطيد بالمحلي أو المركزي، يعد مدخلا من مداخيل متعددة لتحقيق التنمية بمفهومها الشامل، ومنه تشكل هذه العملية محكا حقيقيا لتدبير القضايا المرتبطة بالجغرافية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجال الترابي. وحيث إن الديمقراطية ليست مجرد إجراء انتخابي مرحلي، وإنما تستمد شرعيتها الديمقراطية من القاعدة الشعبية التي تمنح المواطن فرصة الاختيار التمثيلي، وهي أيضا الآلية التي تضمن التداول السلمي للسلطة، عدا عن أنها تشكل محورا أساسيا لترسيخ الانتقال الديمقراطي، وبالتالي هذه العلاقة تتقاطع مع العمل أو السعي إلى تحسين ظروف العيش المجتمعي من خلال ربط مصالح الناخبين بمصالح وأهداف الهيئات السياسية، وإفساح المجال أمام المواطنين لاختيار الممثلين الذين يعكسون إرادتهم. من هنا، تدفع الانتخابات إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومنه يمكن القول إن الانتخابات تشكل حافزا لتعزيز الأمن والاستقرار الاجتماعي المفضي إلى التنمية البشرية، ذلك عندما يؤمن الناخبون بأنها عملية تدبيرية للشأن المحلي تنبثق من اختيارهم لتعكس طموحهم، وإنما في ظل غياب انتخابات تحظى بالمصداقية وتكرار الوجوه نفسها، آنذاك ستندثر الثقة في الوسائط السياسية وسيتعذر تحقيق التغيير السياسي المنتظر، وبالتالي تتعطل آليات ومشاريع إنتاج التنمية مهما كان مخططا ومسطرا لها مسبقا.
تقرير النموذج التنموي يعتبر وثيقة سياسية برؤية جماعية لمغرب الغد، ترتكز على بناء ميثاق عقد اجتماعي جديد، يهدف إلى تحرير الطاقات البشرية الإبداعية بشكل أفقي محليا وجهويا ووطنيا، وكذا تعزيز القدرات الإنتاجية لمختلف القطاعات. ومنه يصبو التصور التنموي تعبئة كافة مكونات المجتمع بروح المواطنة، وحس التضامن، والسعي نحو تحديد الأولويات، ومجابهة التحديات لصيانة وتأمين الازدهار والرفاه المستدام لكافة مكونات المجتمع. وبالتالي يجب على الهيئات السياسية جعل النموذج التنموي الجديد هدفا استراتيجيا لتحقيق تغيير التدبير السياسي، وتعزيز متانة الدولة الاجتماعية كدعامة أساسية ثابتة تروم رفع رهان سقف المبادرات التنموية، كإطار مؤمن من كل التحولات والمتغيرات الداخلية والخارجية كيفما كان حجمها. وبالتالي يشكل هذا التعاقد السياسي اللبنة الأساس في العملية الانتخابية المقبلة، التي تتطلب أن تعكس الارتباط بقيم المواطنة الإيجابية والفاعلة، وتقوية روابط الثقة في التدبير السياسي/ الحزبي.
إن نهج مرجعية جديدة للتنمية بالمغرب يفضي إلى إحداث توجه تنظيمي يكرس التفاعل والتكامل في الوقت ذاته بين دولة مؤسساتية مستثمرة، ومجتمع حيوي متماسك، تعد حصنا قويا رادعا من الآثار الآنية للأزمات والجوائح أو تداعياتها المستقبلية. وبالتالي ورش النموذج التنموي يتطلب إطلاق دينامية جديدة لخلق الثروة، تمكن من إدماج جميع المواطنين وجميع المجالات الترابية، وتعبئة إمكانات الدولة، وتغتنم كافة الفرص المتاحة، باعتباره دعامة لمغرب مزدهر قائم على رؤية اجتماعية شاملة بأبعاد متعددة، ترتكز في المقام الأول على تنمية العنصر البشري وتحقيق الازدهار المجتمعي، ولن يستقيم هدا التوجه دون جعل الانتخابات حاضنة للنخب الجديدة، ومرآة عاكسة للتغيير الآني المساير لتحولات المجتمع وتطلعاته المستقبلية.
3- ما مستلزمات تجديد النخب في المرحلة المقبلة؟
لقد بات بحكم المؤكد أن أي تحول إصلاحي يستلزم التفعيل السليم لمقتضيات الدساتير وباقي النصوص القانونية، بغية تبني مسار متقدم من الإشراك والمشاركة الفعلية للكفاءات الشابة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وبالتالي الأحزاب السياسية مطالبة بمنح التزكيات لذوي الكفاءات، التي تتوفر على القدرة على المشاركة الناجعة والفاعلة في عملية التسيير والبناء. فمن بين المظاهر السلبية التي تعرقل السير العادي للمؤسسات المنتخبة والناتجة عن ضعف تكوين المنتخبين، غياب النظرة الشمولية للقضايا المطروحة، وغياب هذه النظرة الشمولية يتمثل في عدم تشخيص القضايا وتحديد الأولويات، وبين هذا وذاك تضعف وأحيانا تختفي وظيفة الهيئات السياسية في عملية الوساطة الاجتماعية، وهي مسألة غاية في الأهمية، سيما مع ما يصاحبها من حركات احتجاجية ببعض المناطق التي تعرف فراغا وسائطيا.
على هذا الأساس، ينبغي على من تحمل مسؤولية تمثيل المواطنين أن يكون أهلا لهذه المسؤولية، وأن يكون على دراية تامة بأساليب التدبير، وتتوفر فيه الكفاءة والأمانة حتى يساهم في معالجة كل الأعطاب والاختلالات. ومن أجل تجاوز هذا الاختلال وإعطاء فرص أكبر لإنجاح تجربة المسؤولية التمثيلية، فإن ذلك يتطلب تأهيل الأحزاب بشكل يفعل دورها الإيجابي في التأطير ويجعلها مدارس حقيقية لتكوين النخب الواعية النزيهة التي تتحمل مسؤوليتها بكفاءة وباقتدار، وإذا كانت المطالب والشروط السابقة معول عليها لترسيخ الانتقال الديمقراطي، فإن مسؤولية الأحزاب السياسية في مسلسل الديمقراطية تبقى ذات أهمية كبيرة. وذلك نظرا لما تفرزه من نخب مؤهلة، والتقدم إلى الانتخابات بمرشحين مؤهلين وذوي كفاءات ومؤهلات عالية، وليس بمرشحين تربطهم بالحزب رابطة المصلحة الذاتية.
تجديد النخب هو عماد المرحلة المقبلة، بل أكثر من ذلك هو أصل كل تغيير في منهجية التدبير السياسي. وبالتالي الانتخابات المقبلة إن لم تكن حاضنة لنخب بكفاءات عالية قادرة على تدبير العقد الاجتماعي الجديد، ستساهم في تعميق أزمة الثقة بين المواطن والأحزاب السياسية، وبالتالي ستضيع فرص التنمية وسيعيش المواطن الإكراهات نفسها والمعيقات ذاتها. لهذا لابد من التركيز الجاد في إشراك وتمكين النخب في العملية الانتخابية، وأن لا يكون وجودها محصورا في إطار شكلي، لأن المرحلة المقبلة مصحوبة بالعديد من التحولات المجتمعية والمشاريع التنموية.