شوف تشوف

الرأي

هل دقت ساعة ترامب

عيسى الشعيبي

بداية، لا شماتة بالمرض ولا تشفي بالموت، حتى وإن كان المريض دونالد ترامب المثير للحفيظة، المكروه كرها لا مثيل له، سيما ممن فاقم توأم نتنياهو السيامي ظلمهم، وشدد نكيره عليهم، فالأقدار المقدرة، والمصائب الشخصية، لا يُجدي معها درهم كراهية، ولا قنطار أحقاد.
حتى أوائل العام الحالي، كانت الرياح تهب لمصلحة أشرعة سفينة ترامب، المتهادية على مهل مهلها في الطريق نحو رصيف ولاية رئاسية ثانية، كما كانت الأمور على خير ما يرام بالنسبة إلى رئيس محظوظ، نجا من محاولتين جادتين لعزله، وبدد كل التهم التي واكبت فوزه، وانتصر بجلاء على كل الحملات الإعلامية المنهجية ضده، ثم أخذ يصعد في استطلاعات الرأي العام بقوة، حيث لا وجود لمنافس يعتد به، ولا تحد ذي بال يعترض سبيله، فيما الاقتصاد الأمريكي، وهو بيت القصيد في كل انتخابات رئاسية، في ذروة ازدهاره.
هكذا كان القمح يصب في طاحونة ترامب قناطير مقنطرة، وكانت البشائر بإعادة فوزه تتقاطر إليه زرافات، إلى أن وقع ما لم يكن في حسبانه، حين ظهر وباء كورونا في الصين، ثم اجتاح أوربا، وانتقل منها إلى الولايات المتحدة، حاصدا مئات آلاف الضحايا، وموقعا أشد الخسائر الاقتصادية، ومنذرا ببطالة وبكساد أعظم مما عرفته أمريكا طوال تاريخها، الأمر الذي قلب الهرم على رأسه، وبدل المعطيات التي كانت تتراكم لدى الرجل البرتقالي حتى الأمس القريب.
والحال أنه إذا كان من الصعب على الرئيس الجمهوري المفتون بنفسه أن يخسر الجولة المرتقبة، وأن يفقد منصب رئيس رؤساء العالم بين عشية وضحاها، فقد كان من الصعب عليه أكثر أن يتجرع مثل هذه الكأس أمام جو بايدن، المرشح الديمقراطي الباهت، الذي استصغر ترامب شأنه، واستخف به، فما بالك وأن الضربة هذه لم تأت من لدن خصم قليل الحيلة، بل من فيروس مجهري لا يُرى بالعين المجردة، انقض عليه في ربع الساعة الأخير من زمن الجولة الأخيرة؟
وقد كان من غير المستبعد أن يقوم ترامب، الذي لا يأخذ بآراء مستشاريه، بكل ما من شأنه حرف الأبصار وتشتيت الاهتمامات عن نقطة ضعفه، كأن يهرب إلى الأمام، باختلاق أزمة كبرى، تُفضي إلى مواجهة خارجية، قد تعيد تعويمه في الاستطلاعات، وتمنحه طوق نجاة، سيما أن لديه، في هذه الآونة، ذريعة شبه مكتملة، ودافعا قويا للانتقال من الدفاع إلى الهجوم، بمبررات تلقى قبولا لدى أنصاره.
في البداية، ألقى الرئيس الأمريكي على الصين تهمة التسبب بالجائحة، وحملها مسؤولية ما لحق بالولايات المتحدة من خسائر بشرية ومادية فادحة. ولما بدا التصعيد مع بكين غير كاف لقلب الطاولة، لوح ترامب، الذي أعاد فرض العقوبات الدولية على طهران من طرف واحد، بضرب القواعد الإيرانية على طول الساحل الشرقي في الخليج العربي، عندما اتهم طهران بتخصيب مواد انشطارية كافية لصنع قنبلة نووية قبل نهاية العام الحالي، لتسويغ هجمة كان قد تعهد مرارا بتنفيذها كي يمنع الجمهورية الإسلامية من حيازة هذه القنبلة.
بعد هذا الحدث من العيار الثقيل، تغيرت كل هذه المعطيات بسرعة، وتبدل المشهد الانتخابي الأمريكي كثيرا، حتى وإنْ تعافى الرجل في الوقت بدل الضائع من المباراة، فهل انقلبت التوازنات مثلا؟ هل دقت ساعة ترامب حقا؟ وهل دنت لحظة جو بايدن فعلا؟ ومع أن أحدا لا يملك، اليوم، الإجابة عن مثل هذه الأسئلة، غير أنه يمكن القول، بقدر معقول من الثقة، إن العالم سيكون بعد ترامب أكثر أمنا، وإن ارتدادات هذه الواقعة على منطقتنا ستكون إيجابية، حيث ستذهب الصفقة التي ارتبطت باسم ترامب إلى مثواها الأخير، وتخسر إسرائيل رهانها على رئيس متفان في حب صهيون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى