شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

هل حان وقت المحاسبة؟اعتقالات في صفوف رؤساء جماعات وبرلمانيين وموظفين عموميين

يتابع الرأي العام الوطني باهتمام كبير حملة الاعتقالات التي شنتها المصالح الأمنية المختصة في صفوف رؤساء جماعات وبرلمانيين وموظفين عموميين وأرباب مقاولات، وكذلك محاكمة آخرين أمام محاكم جرائم الأموال، بسبب تورطهم في ملفات الفساد وتبديد واختلاس المال العام، وهناك ملفات أخرى أحالها المجلس الأعلى للحسابات على رئاسة النيابة العامة، بالإضافة إلى تقارير أخرى أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، والمفتشية العامة للمالية، وتدخل هذه الإجراءات في إطار تفعيل ما جاء به دستور 2011 بخصوص ربط المسؤولية بالمحاسبة.

مقالات ذات صلة

 

 

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

 

سنويا، ينشر المجلس الأعلى للحسابات تقارير حول صرف المال العام بالمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، ما يعيد النقاش حول فعالية تقارير المجلس بسبب عدم تفعيل المحاسبة والمتابعة القضائية، خاصة عندما تكشف هذه التقارير مجموعة من الاختلالات التي تطبع تسيير وطرق صرف المال العام في عدد من المرافق والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية. وإذا كان نشر مثل هذه التقارير يعتبر خطوة مهمة في طريق تخليق الحياة العامة وترسيخ الشفافية في مراقبة وتدبير المال العام، فإنها تتطلب، بالمقابل، تفعيل المبدأ الدستوري «ربط المسؤولية بالمحاسبة»، بالنظر إلى حجم الخروقات والاختلالات التي سجلت في العديد من المؤسسات، ومنها اختلالات تكتسي طابعا جنائيا تستوجب الإحالة على القضاء وتحريك المتابعة في حق المتورطين.

وكشف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2019 و2020، الذي رفعته رئيسة المجلس، زينب العدوي، إلى الملك محمد السادس، عن إحالة 22 ملفا على رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، من أجل اتخاذ المتعين بشأنها، لكون الخروقات والاختلالات المسجلة تكتسي صبغة جنائية، ما اعتبرته جمعيات حماية المال العام خطوة إيجابية في إطار محاربة الفساد وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وستعطي هذه الخطوة مصداقية لتقارير الافتحاص التي ينجزها المجلس سنويا، والتي كانت تثير الكثير من الانتقادات، بينها أن هذه التقارير تتحول إلى مجرد أرشيف وتبقى حبيسة الرفوف.

 

زلزال اعتقالات ومحاكمات

خلال الأسبوع الماضي، قرر قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء متابعة 31 شخصا بتهم جنائية ثقيلة، من بينهم موظفون بوزارة الصحة وأرباب شركات استفادت من صفقات الوزارة، وأمر قاضي التحقيق بإيداع 19 منهم رهن الاعتقال الاحتياطي بسجن عكاشة. و جاء تحريك البحث في هذه القضية بناء على شكاية وضعها وزير الصحة، خالد آيت الطالب، في سنة 2019، وذلك بعد توصله بتقرير افتحاص أنجزته المفتشية العامة للمالية، رصد اختلالات خطيرة في تفويت صفقات بالملايير تتعلق باقتناء أجهزة ومستلزمات طبية وبيوطبية. وبعد إحالة التقرير على رئاسة النيابة العامة، تم تكليف المكتب الوطني لمكافحة الجريمة الاقتصادية والمالية، التابع للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بإجراء الأبحاث والتحريات بخصوص هذه الخروقات.

وأسفرت نتائج هذه الأبحاث والتحريات عن الاشتباه في تورط مجموعة من الأطر والموظفين والمهندسين العاملين بالمصالح المركزية والجهوية لقطاع الصحة وبعض أصحاب الشركات والمقاولات والمستخدمين فيها تمارس أنشطة تجارية ذات صلة بنفس القطاع، في ارتكاب أفعال منافية للقانون تمثلت في تذليل وتسهيل تمرير ونيل صفقات عمومية خلال السنوات الفارطة تهم عمليات توريد واقتناء أجهزة ومعدات طبية مخصصة لتجهيز مستشفيات القطاع العام، مقابل الحصول على عمولات وتلقي مبالغ مالية ومنافع عينية.

وبمدينة فاس، قرر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، متابعة النائب البرلماني، رشيد الفايق، رفقة ستة متهمين، في حالة اعتقال، وأمر بإيداعهم السجن المحلي «بوركايز»، فيما قرر متابعة تسعة متهمين آخرين في حالة سراح مؤقت، مقابل كفالة مالية، في انتظار محاكمة الجميع أمام غرفة جرائم الأموال الابتدائية بالمحكمة نفسها في جلسة حدد لها تاريخ 5 أبريل الجاري، من أجل تهم ثقيلة.

وأحال المكتب الوطني لمكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية، التابع للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، على أنظار النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بمراكش، يوم السبت الماضي، عميد شرطة ممتازا ومسيرة لوكالة بنكية، بعد الانتهاء من إجراءات البحث التمهيدي في قضية تتعلق بـ«اختلاس أموال عمومية والفساد والابتزاز». وكانت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية فتحت بحثا قضائيا مع المشتبه فيها الثانية بسبب شبهات اختلاس أموال عمومية من الوكالة التي كانت تتولى تسييرها بمدينة تيزنيت، وذلك قبل أن تسفر الأبحاث والتحريات المنجزة عن الاشتباه في تورط موظف الشرطة في ارتباطه بالمعنية بالأمر بعلاقة غير شرعية، وحصوله على مبالغ مهمة من الأموال المسروقة عن طريق الابتزاز، فيما ذكر مصدر الجريدة أن المتهمة، في الثلاثينات من عمرها، كانت في علاقة مع العميد الموقوف لأزيد من سنة.

وقضت غرفة الجنايات الاستئنافية المكلفة بجرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بفاس، بإدانة الرئيس السابق لجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، بسنتين حبسا نافذا، وغرامة مالية قدرها 20 ألف درهم، بعد متابعته إلى جانب ثلاثة مسؤولين آخرين بالجامعة، من أجل «تبديد أموال عمومية»، وذلك بناء على اختلالات مالية في تدبير مركز البحث العلمي التابع للجامعة، وحكمت المحكمة ببراءة باقي المتهمين في الملف. وقرر قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال متابعة المتهمين في هذا الملف، وضمنهم الرئيس السابق «أ.ب»، من أجل «تبديد أموال عمومية»، وذلك بناء على اختلالات مالية رصدها تقرير صادر عن المجلس الأعلى للحسابات، أحاله الرئيس السابق للمجلس، إدريس جطو، على رئاسة النيابة العامة، التي أحالته بدورها على الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تحت إشراف الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بفاس.

 

ربط المسؤولية بالمحاسبة

يشدد الملك محمد السادس، في جل خطبه، على «ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة.»، حيث قال، في خطاب العرش لسنة 2018، إن الوقت حان «للتفعيل الكامل لهذا المبدأ»، مؤكدا على ضرورة تطبيق القانون على جميع المغاربة، لا فرق في ذلك بينهم، وفي هذا الإطار، يقول الملك، «يجب أن يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة».

 وإذا كانت الخطب الملكية وضعت الأصبع على الداء، فإن ربط المسؤولية بالمحاسبة يقتضي تفعيل وتطبيق جميع الآليات الرقابية والقضائية، للارتقاء بالأدوار المنوطة بمؤسسات الحكامة، وإحقاق سيادة القانون من أجل عقلنة تدبير الأموال العامة، وحمايتها من أي اختلالات محتملة، وممارسة أدوارها الرقابية، باستقلال عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأيضا تجسيدا لمفهوم الحكامة، كأقوى المفاهيم التي جاء بها الدستور الحالي، من أجل ترسيخ الخيار الديمقراطي، والحد من مظاهر الفساد وسوء التدبير الذي تعاني منه بعض المؤسسات العمومية.

وفي هذا الصدد، أحالت وزارة الداخلية ملفات مجموعة من رؤساء الجماعات على أنظار المجلس الأعلى للحسابات، بعدما رصدت المفتشية العامة للوزارة خروقات واختلالات في تدبير الميزانية، وأرفق وزير الداخلية هذه الملفات بوثائق من أجل رفع قضايا في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية تتعلق بجماعات ترابية، استنادا إلى نتائج مهمة تدقيق العمليات المالية والمحاسباتية المنجزة من طرف المفتشية العامة. وبعد دراسة الأفعال المضمنة بالتقارير والاطلاع على المستندات المثبتة، تبين وجود قرائن على وجود أفعال من شأنها أن تدخل ضمن نطاق التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، التي تحال على المجالس الجهوية للحسابات.

وتم تحريك متابعات قضائية أمام محاكم جرائم الأموال في حق عدد كبير من رؤساء الجماعات، ضمنهم برلمانيون أصبحوا مهددين بالاعتقال من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وذلك بناء على اختلالات وخروقات خطيرة رصدتها تقارير المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، والمجالس الجهوية للحسابات. وأسفرت عملية التفتيش عن تسجيل مجموعة من الخروقات، يتعلق أغلبها بقطاع التعمير، وخروقات تتعلق بالترخيص ببناء عمارات سكنية دون الحصول على الرأي الموافق للوكالة الحضرية، وتسليم شواهد إدارية دون احترام القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، ومنح رخص بناء فوق قطع أرضية ناجمة عن تجزيء غير قانوني أو بمناطق محرمة للبناء. وعلى مستوى تدبير المصاريف، سجلت المفتشية عدم تصفية العديد من الصفقات وسندات الطلب التي انتهت أشغالها أو تم تسلم الطلبيات الخاصة بها، بالإضافة إلى عدم إنجاز مجموعة من الأثمان في بعض الصفقات ما يشكل ضعفا للدراسات وخرقا لقواعد المنافسة، والتغيير في موضوع الصفقات، وعدم احترام مبدأ المنافسة في الحصول على الطلبيات العمومية، فضلا عن إبرام صفقات لتسوية وضعية أشغال تم إنجازها من قبل.

 

ترحيب حقوقي

رحبت الجمعية المغربية لحماية المال العام بالتحقيق الذي طال العديد من المتهمين ضمنهم أطر مركزية وجهوية وموظفون ومهندسون يعملون بقطاع الصحة، كما ثمنت الجمعية ذاتها القرار القضائي حول المتورطين بقطاع الصحة واعتبرته قرارا شجاعا ويتجاوب وتطلعات أعضاء وعضوات الجمعية المغربية لحماية المال العام ومحاربة الرشوة.

وقال محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام ومحاربة الرشوة إن الجمعية سبق لها أن تقدمت بشكاية إلى رئاسة النيابة العامة حول هذه الاختلالات التي اعترت تدبير الصفقات العمومية خلال جائحة كورونا. وأضاف الغلوسي أن هذه الاختلالات التي تحدث عنها تقرير رسمي صادر في الموضوع وأثارت حينها نقاشا مجتمعيا واسعا حول شفافية هذه الصفقات، خاصة وأن مبالغ مالية ضخمة خصصت لها وتم تمرير هذه الصفقات بإجراءات استثنائية خروجا على القواعد والمساطر الواردة بمرسوم الصفقات العمومية، و «نتمنى أن تشكل هذه المناسبة فرصة لفتح هذا الملف قضائيا وترتيب الجزاءات القانونية المناسبة».

وأوضح الغلوسي أن هذه القضية تكشف أيضا كيف يتم استغلال مواقع المسؤولية العمومية للتلاعب بالمساطر وخرق القانون إضرارا بالمجتمع وحقوقه في التنمية والعدالة ومراكمة الثروة بطرق مشبوهة من طرف مسؤولين وموظفين مؤتمنين على حقوق الناس. وأشار الغلوسي إلى أن هذه الاختلالات تحدث في الوقت الذي يعاني فيه قطاع الصحة من أمراض مزمنة وتفتقر بعض المؤسسات الصحية والاستشفائية للإمكانيات الضرورية المادية والبشرية للقيام بأدوارها.

وأشار المتحدث إلى أن المجتمع يضطر لأداء تكلفة الفساد ونهب المال العام مقابل إرضاء جشع وهوس بعض المسؤولين، وهو ما يفرض قانونا على النيابة العامة المختصة فتح مسطرة الاشتباه في تبييض الأموال ضد المتورطين في هذه القضية وحينها سيكتشف الرأي العام حجم الثروات التي راكمها البعض بطرق منحرفة. وطالب الغلوسي بأن يشكل قرار الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بفاس في قضية البرلماني ورئيس جماعة أولاد الطيب ومن معه فضلا عن قرار الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء مؤشرا إيجابيا للتصدي للفساد والرشوة ونهب المال العام وربط المسؤولية بالمحاسبة وتجسيد دور السلطة القضائية في تخليق الحياة العامة.

وشدد الغلوسي على أنه «على السلطة القضائية أن تكون حازمة في التصدي لكل مظاهر الفساد والرشوة ونهب المال العام واستغلال مواقع المسؤولية للاغتناء غير المشروع والتضحية بحقوق المجتمع في التنمية وذلك باتخاذ قرارات شجاعة وجريئة تقتضيها المرحلة الصعبة والدقيقة التي تجتازها بلادنا وسط انتظار وتطلعات المجتمع في تعزيز حكم القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة»، مبينا أن «الجمعية المغربية لحماية المال العام ستقوم، انطلاقا من أدوارنا الحقوقية وأهداف الجمعية الهادفة إلى محاربة كل مظاهر الفساد والرشوة، بمتابعة مسار ومجريات هذه القضية، وسنتخذ كل المواقف الضرورية إزاء هذا الملف الشائك كلما اقتضت الضرورة ذلك حرصا على سيادة القانون وتحقيق العدالة وربط المسؤولية بالمحاسبة، لكوننا نؤمن أن مكافحة الفساد والرشوة هي قضية مجتمعية تهم كافة الفاعلين والمؤسسات وضمنها قوى المجتمع المدني الحي والجاد» حسب الغلوسي.

 

ثلاثة أسئلة

 

بنيونس المرزوقي *

 

 

*أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق بوجدة

 

«سياسة محاربة الفساد باتت أكثر دقة وكشف ملفات الفساد يتطلب تضافر الجهود»

 

 

ما تقييمك لتحريك المتابعات، أخيرا، في عدد من الملفات المرتبطة بالفساد المالي؟

أعتقد أن ما يجري، حاليا، بخصوص العديد من الإحالات لمسؤولين متعددين ومتنوعين من حيث مجالات اشتغالهم، مؤشر على أن هناك سياسة جديدة في التعامل مع ملفات الفساد. ونلاحظ، أولا، أن الأمر يتعلق بملف يرتبط بأحد أعضاء البرلمان، وبالهيئة العليا المسيرة لأحد أبناك القطاع الخاص، ثم نلاحظ مجموعة تتعلق بموظفين عموميين داخل وزارة الصحة، ثم مجموعة ثالثة تتعلق برئيس سابق لرئاسة الجامعة (جامعة مكناس) وطاقم مرافق له، كما نسمع عن إمكانية إحالات رؤساء لمجالس جماعات ترابية، وهذا يدل، في البداية، على أن الأمر يتعلق بعملية ممنهجة، وتشمل قطاعات عديدة، كما يدل هذا الأمر على أن سياسة محاربة الفساد لا تميز بين القطاع العام والخاص المتعامل مع الدولة، ولا أعضاء مؤسسات دستورية، ولا أعضاء جماعات ترابية، ولا أعضاء مؤسسات أكاديمية، وهي مسألة لا يمكن لكل  الفاعلين، سواء سياسيين ونقابيين أو مدنيين، إلا أن يكونوا معها ومؤيدين لها.

 

هل تفي تقارير المجلس الأعلى للحسابات بالغرض في فضح الفساد وكشفه؟

بهذا الخصوص ينبغي أن نضع أشغال المجلس الأعلى للحسابات ضمن الإطار الدستوري والقانوني المنظم لعمل هذا المجلس، ويجب أن نشير، أولا، إلى وجود نوع من الغموض ما بين استعمال مصطلح المجلس واستعمال عبارة «محكمة الحسابات la cour des comptes»، لذلك فما يقع حاليا هو أن لدينا مجلسا يتمتع بصلاحيات متعددة، بعضها رقابي، ولكن بعضها أيضا يتسم بالطبيعة القضائية، وبالتالي فالمجلس يقوم بما هو مسند إليه، لكن على الجهات الأخرى التي يشير إليها، في تقاريره، أن تحرك المسطرة للمحاسبة القضائية.

أعتقد أن ما يجعل الرأي العام بصفة عامة، لا ينظر بعين الرضا لأعمال المجلس الأعلى للحسابات، هو بطء الإجراءات المترتبة عن هذه التقارير، وأحيانا عدم إحالتها على النيابات العامة أو على المحاكم، والسبب في ذلك يرجع إلى أن هذا المجلس، على سبيل المثال، في تقريره الأخير، قام بما يفوق 660 مهمة رقابية، ما يعني أنه حتى عند إحالة هذه الملفات على المحاكم، فتلك المحاكم لها مساطر أخرى للعمل، على اعتبار أن النيابات العامة تشتغل بمنطق آخر يختلف عن منطق المجلس الأعلى للحسابات، لذلك غالبا ما نلاحظ أن هناك بطءا في تحويل الملفات المشار إليها في هذه التقارير إلى ملفات فساد ذات طابع قضائي، ولذلك أعتقد أنه ينبغي العمل على مزيد من التحديث للقانون المؤطر لعمل المجلس الأعلى للحسابات.

 

ماذا بخصوص التنسيق بين المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد؟

في هذا الجانب، تجب الإشارة إلى أنه من الضروري أن تكون هناك فعلا جهات متعددة لمتابعة قضايا الفساد، والكشف عن ملفات الفساد يتطلب تضافر الجهود، بين هيئة النزاهة، والمجلس الأعلى للحسابات ومجالسه الجهوية، والمفتشية العامة للمالية، والمفتشيات الجهوية لباقي الوزارات، وبالتالي فهي عملية شمولية تتطلب إنهاض كافة المؤسسات المرتبطة بمحاربة الفساد وحماية المال العام، ولذا علينا أن نشير إلى نقطة مهمة، وهي أن هذه العملية وهذا «الحراك» ضد الفساد، جاءا في وقت تم فيه سحب مشروع تعديل القانون الجنائي، وهذه المسألة تتطلب، للمزيد من الفعالية، تأطير هذه الأمور بالقانون الجنائي، بما في ذلك مختلف المقترحات الرائجة بخصوص محارب الفساد.

كما أشير إلى أن التوجيه الملكي بخصوص ربط المسؤولية بالمحاسبة، والذي هو تفعيل لمقتضى دستوري، ينبغي أن يسير في هذا الاتجاه، وننتظر فتح ملفات جديدة، في مجالات جديدة، لكي نتحدث فعلا عن سياسة حكومية جديدة لمحاربة الفساد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى