شوف تشوف

الرئيسيةبانوراما

هل تقدم أمريكا على غزو عسكري لفينزويلا؟

سهيلة التاور
على مر التاريخ، سعت أمريكا إلى السيطرة على القارة الأمريكية بشكل عام. فكانت تبحث دائما عن سبل تخريب الاستقرار العام. وقد تدخلت عسكريا في مجموعة من الدول التي تسميها بمصطلحها الذي جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي السابق، جون كيري، سنة 2013 «حديقتها الخلفية» والتي تشمل أمريكا الوسطى والجنوبية، فقد قادت غزوا في بنما سنة 1903، والمكسيك سنة 1914، وغواتيمالا سنة 1954، وكوبا سنة 1961، والبرازيل سنة 1964، والشيلي سنة 1973، والأرجنتين سنة 1974، والسلفادور ونيكاراغوا في الثمانينات، وغرانادا سنة 1983، وبنما للمرة الثانية سنة 1989، وهايتي سنة 1994. كل هذه التدخلات العسكرية تجعل احتمال فرض قوتها العسكرية في فينزويلا شيئا واردا جدا، وذلك لاستعادة السيطرة الشاملة في المنطقة.
فينزويلا من الدول التي تعطي أهمية بالغة لقوة الجيش ولهذا الغرض احتاجت لأزيد من عقد ونصف العقد، بالإضافة إلى مبالغ هائلة لإنتاج وحدات جيش بكل تخصصاتها، قوية بمعداتها وتأهيلها التام، لتحتل الرتبة الأولى في المنطقة. فهي قادرة على سحق أي عدو محتمل باستثناء الجيش الأمريكي.
وقد قامت فينزويلا بإعداد ثلاثة تقسيمات، واحدة منها فرقة «غابات» خاصة بالحرب في الغابات، وفرقة جوية خاصة بـ «الإنزال الجوي» و«سلاح الفرسان» للتدخل السريع مهما كان الهجوم. وهي مستعدة لحرب العصابات في حالة حدوث غزو أمريكي حقيقي، إضافة إلى أن عشرات الآلاف من الناس على استعداد للقتال لسنوات حتى النهاية. كما يبلغ عدد الشرطة الشعبية الفينزويلية حوالي مليون شخص.

ضغوطات أمريكية
كعادتها للوصول إلى هدفها المنشود، توجهت الولايات المتحدة إلى استعمال أسلوب الضغط على الرئيس الفينزويلي نيكولاس مادورو، بفرض عقوبات على بعض كبار مسؤوليه الأمنيين ورئيس شركة النفط الحكومية، وكشفت النقاب عن خطط لنقل أكثر من 200 طن من المساعدات جوا إلى الحدود الكولومبية.
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية إنها فرضت عقوبات على مانويل كيفيدو، رئيس شركة النفط والغاز الطبيعي المملوكة للدولة «BDFSA» بفينزويلا وثلاثة من كبار مسؤولي المخابرات ورافائيل باستاردو، الذي يقول مسؤولون أمريكيون إنه رئيس وحدة تابعة للشرطة الوطنية مسؤولة عن العشرات من عمليات القتل التي نفذت خلال مداهمات ليلية بأوامر من مادورو.

الورقة الهندية
قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط على الهند في بحثها على وقف شراء النفط من حكومة الرئيس الفينزويلي نيكولاس مادورو. وذلك لقطع شريان الحياة المالي عن مادورو، زاعمة أن ذلك يعد مساعدة لهذا النظام ضد الشعب الفينزويلي. كما بعثت إدارة ترامب بنفس الرسالة إلى حكومات دول أخرى كما قدمت حجة مماثلة للبنوك والشركات الأجنبية التي تعمل مع مادورو. وفي الوقت ذاته، هددت الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون الذين يدعمون زعيم المعارضة الفينزويلية خوان غوايدو بفرض مزيد من العقوبات لوقف تدفق العائدات على حكومة مادورو وإجباره على التنحي. وأعلنت تجميد أصول كبار مسؤولي الحكومة الفينزويلية وفرض حظر على حصولهم على تأشيرات.

تخريب البنية التحتية
اتهم رئيس فينزويلا نيكولاس مادورو أمريكا بتورطها في أزمة انقطاع الكهرباء في أنحاء فينزويلا التي أثرت على منظومات الصحة والاتصالات والنقل.
ورجح مادورو أن سبب انقطاع الكهرباء في بعض المناطق في فينزويلا جاء بعد هجوم إلكتروني استهدف نظام التحكم الآلي بمحطة توليد الطاقة الكهرومائية، مما استدعى إغلاقها مؤقتا. وهو ما زاد من الشعور بالإحباط بين مواطني فينزويلا الذين يعانون بالفعل من نقص الغذاء والدواء خصوصا وأن 17 مريضا بمستشفيات في أنحاء فينزويلا توفوا بسبب انقطاع الكهرباء. ومن جهتها، نفت وزارة الخارجية الأمريكية الاتهامات الموجهة إليها.
وعادت الكهرباء إلى العمل لفترة وجيزة في بعض أنحاء العاصمة كراكاس وعدد من المدن الأخرى، لكنها انقطعت مجددا بعد يوم واحد، فيما قال خبراء إن هذه هي أكبر موجة انقطاع للكهرباء في فينزويلا منذ عقود. ولم تكن هذه المرة الأولى التي تحصل فيها هذه الأزمة، فقد انقطعت الكهرباء في كراكاس و17 ولاية أخرى لمدة ست ساعات في عام 2013. وفي عام 2018، حسب ما أكده مسؤولون حكوميون، انقطعت الكهرباء لمدة عشر ساعات في ثماني ولايات.

إيرادات النفط
لزيادة الضغوطات على الرئاسة الفنزويلية، عين الكونغرس الذي تهيمن عليه المعارضة في فينزويلا مجالس إدارة جديدة انتقالية لشركة النفط الوطنية المملوكة للدولة وفروعها في الولايات المتحدة، بما في ذلك شركة التكرير «سيتجو بتروليوم»، في محاولة لانتزاع السيطرة على الإيرادات النفطية للبلد العضو بمنظمة «أوبك» من الرئيس نيكولاس مادورو. ورغم أن دولا غربية كثيرة اعترفت بغوايدو كرئيس شرعي للبلاد، إلا أن مادورو يحتفط بالسيطرة على مؤسسات الدولة. ويحتاج غوايدو إلى أموال إذا كان له أن يشكل حكومة مؤقتة.
وهبط إنتاج شركة النفط الفينزويلية إلى أدنى مستوياته في 70 عاما بسبب ديون ضخمة وفساد منتشر وضعف صيانة بنيتها التحتية. وفرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي تساند غوايدو، عقوبات على القطاع النفطي في فينزويلا في الثامن والعشرين من يناير الماضي بهدف كبح الصادرات إلى الولايات المتحدة وزيادة الضغوط على نيكولاس مادورو.

مبدأ «مونرو» الأمريكي
عزز إعلان زعيم المعارضة الفينزويلية خوان غوايدو موافقته على التدخل العسكري الأمريكي في بلاده، للإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو، إمكانية إقدام واشنطن على خطة التدخل العسكري الأمريكي، خاصة بعد تصريحات صدرت من الرئيس الأمريكي ومسؤولين في إدارته لوحوا فيها بأن كل الخيارات مفتوحة للتعامل مع الأزمة الفينزويلية بما فيها التدخل العسكري.
فأمريكا لطالما تبنت مبدأ «مونرو» وهي استراتيجية أمريكية عملت بها منذ عام 1832، للسيطرة التامة على كامل القارة الأمريكية الجنوبية وإقصاء دول الاستعمار الأوروبي التقليدية عنها. تدخلت واشنطن عسكريا وبشكل مباشر نحو 56 مرة لتغيير نظم الحكم المتعددة منذ مطلع القرن العشرين وحده، دون احتساب محاولاتها المتعددة بانقلابات عسكرية وعصابات الكونترا والقوات الخاصة والحصار الاقتصادي والديبلوماسي وأساليب أخرى. بخصوص فينزويلا، جربت جميع أنواع الضغوطات، الاقتصادية وأعمال تخريب للبنى التحتية وشبكات الكهرباء والمياه، ولم يتبق إلا الأسلوب المفضل وهو إقامة قواعد عسكرية (جوية) في كل من كولومبيا والبرازيل، تحت غطاء إغرائهما بموقع مميز في حلف «الناتو».

إغراء الدول المجاورة
جدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعوته لتسهيل بلاده إجراءات انضمام البرازيل لحلف «الناتو» خلال استقباله الرسمي للرئيس البرازيلي الزائر، مضيفا أنه سينظر في الأمر بقوة سواء كانت عضوية حلف شمال الأطلسي أو شيء يتعلق بالحلف. ما قصده ترامب في الشطر الأخير هو إغراء البرازيل بعضوية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الدولية التي حاولت دخولها كعضو منذ عام 2017.
أما فرنسا، العضو البارز في حلف «الناتو» ودعم السياسات الخارجية الأمريكية، فعارضت موقف ترامب بشدة قائلة إن معاهدة الحلف لا تتيح انضمام دول غير أوروبية، وفق البند العاشر الذي ينص على أن أي محاولة لضم دول غير أوروبية تتطلب تعديلاً لنصوص المعاهدة.

الغزو العسكري
تسعى أمريكا إلى حد الآن إلى السيطرة على فينزويلا، إما بالغزو المباشر أو بأساليب توظيف الوكلاء المحليين والإقليميين لتلك المهمة في أعمال تخريب واسعة. فقد استضافت لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأمريكي بعض الخبراء لمناقشة الغزو المباشر، انطلاقاً من شبه إجماع داخل مجلسي الكونغرس بدعم مساعي الرئيس ترامب للتدخل العسكري، وتوقفت عند إقرار أحدهم بأن عملية عسكرية لتحقيق هدفها في تغيير النظام تتطلب تسخير نحو 100.000 إلى 150.000 جندي أمريكي لمواجهة نحو ثلاثة أضعاف ذلك العدد من القوات الفينزويلية المسلحة، في أراضٍ مترامية تبلغ ضعف مساحة العراق.
واستمرار مراهنة المؤسسة الحاكمة الأمريكية على تطبيق نموذج ما من التدخل العسكري أدى بها لاستحداث قواعد عسكرية شبه ثابتة في البلدين المجاورين لفينزويلا، مع توظيف شبكات من قوى الثورة المضادة، الكونترا، وفرق القوات الخاصة الأمريكية للإشراف على عملياتها والتدخل المباشر حينما تقتضي الظروف العملياتية ذلك. لكن جملة الترتيبات الأمريكية بعيدة المدى ما زالت تواجه الرفض الدولي، وتشهد عليها الصعوبة التي تواجهها في حشد دعم دول صديقة لفينزويلا، لم تتعد الخمسين دولة بقليل، على الرغم من التباينات الواسعة بينها جميعا، سواء كانت أوروبية أم أمريكية لاتينية، وأخذ المؤسسة الحاكمة تلك المسألة بعين الاعتبار خاصة بعد مواجهتها لقرار «فيتو» مزدوج في مجلس الأمن من قبل روسيا والصين مما نزع عنها محاولات التخفي وراء مزاعم دعم أممي للإطاحة بحكومة بلد عضو في الهيئة الدولية.

تهديد روسي
حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نظيره الأمريكي مايك بومبيو، خلال اتصال هاتفي، من أي تدخل أمريكي في فينزويلا، بما في ذلك استخدام القوة، وفق ما أفادت الدبلوماسية الروسية. كما صرحت الخارجية الروسية في بيان بأن لافروف حذر من أي تدخل في الشؤون الداخلية لفينزويلا، بما في ذلك استخدام القوة الذي تهدد به واشنطن والذي يمثل انتهاكا للقانون الدولي، مشيرة إلى أن روسيا جاهزة للحوار بشأن القضية الفينزويلية بما يتوافق مع مبادئ الأمم المتحدة. وذلك بعد أن أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التأكيد في وقت سابق على أن التدخل العسكري في فينزويلا خيار مطروح، مع تصاعد الضغوط الدولية على الرئيس الفينزويلي نيكولاس مادورو كي يتنحى. ويواجه مادورو تحديا من المعارض خوان غوايدو الذي أعلن نفسه رئيسا انتقاليا في يناير الماضي.
ومن جهتها، قدمت الولايات المتحدة مسودة قرار إلى مجلس الأمن الدولي تنص على تقديم مساعدات إنسانية عاجلة لفينزويلا وإجراء انتخابات رئاسية. كما صرحت بأن فينزويلا تواجه نقصا في المواد الأساسية مثل الدواء والغذاء مع انهيار الاقتصاد في ظل حكم مادورو. وتقول الأمم المتحدة إن 2.3 مليون فينزويلي قد غادروا البلاد منذ 2015، هربا من أخطر أزمة اقتصادية في التاريخ المعاصر لهذا البلد النفطي.
وتستغل أمريكا الأزمة الإنسانية التي تواجهها فينزويلا والتي ينفي وجودها مادورو خوفا من أن تكون خطوة أولى نحو تدخل العسكري، حيث تخزن أطنانا من الأدوية والمواد الغذائية أو السلع الأساسية، في مستودعات بمدينة كوكوتا الكولومبية، القريبة من جسر تيينديتاس الحدودي الذي أغلقه جنود فينزويليون بحاويتين وصهريج. كما وافقت البرازيل التي كانت إحدى أوائل البلدان التي اعترفت بخوان غوايدو بعد الولايات المتحدة، على أن تفتح، مركز تخزين ثانيا في ولاية رورايما الحدودية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى