شوف تشوف

خاصسياسية

هل تخاف الحكومة من سلطة القضاة؟

إعداد: محمد اليوبي- نعمان اليعلاوي ــ كريم أمزيان
مع اقتراب موعد نهاية الولاية الحكومية، ارتفعت حدة المواجهة بين الحكومة، في شخص وزير العدل والحريات، والقضاة، حول استقلالية السلطة القضائية، وبالخصوص بشأن العديد من الفصول والبنود الواردة في القوانين التنظيمية المحالة على البرلمان، والتي يرى فيها القضاة مساسا مباشرا بحريتهم وتكريسا لهيمنة وزارة العدل على مجال الاشتغال ولتبعية السلطة القضائية للسلطة التنفيذية.
عاد الجدل مجددا حول موضوع استقلالية السلطة القضائية، بالتزامن مع إحالة القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية ومشروع القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، على أنظار مجلس المستشارين، بعد مصادقة مجلس النواب عليهما، ما تسبب في توتر غير مسبوق بين وزارة العدل والحريات والجمعيات المهنية للقضاة، وصلت إلى حد استدعاء بعض أعضاء نادي قضاة المغرب للمثول أمام المجلس الأعلى للقضاء، بعد تقديم فرق الأغلبية البرلمانية لشكايات ضدهم، بسبب تعبيرهم عن آرائهم بخصوص هذه القوانين.
ومن بين النقط المثيرة للجدل استقلالية النيابة العامة عن سلطة وزير العدل والحريات، وأثير هذا النقاش بقوة داخل البرلمان في بداية دراسة القوانين التنظيمية داخل لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، نتج عنه توقف أشغال اللجنة وانسحاب المعارضة منها. كما وصلت القوانين إلى الجلسة العامة من أجل المصادقة، وتمت إعادتها من جديد إلى اللجنة لإعادة دراستها والمصادقة عليها. واحتجت فرق المعارضة وقتها، على عدم تجاوب الحكومة بشكل إيجابي مع التعديلات التي قدمتها على هذه القوانين، فيما فوجئ أعضاء اللجنة بتعديلات جديدة قدمها وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، أثناء الاجتماع دون إطلاع المعارضة عليها، وهي تعديلات تتعلق باستقلالية السلطة القضائية واستقلالية النيابة العامة عن سلطة وزير العدل، في حين رفضت الحكومة جل التعديلات التي اقترحتها المعارضة وعددها 68 تعديلا.
لكن نقطة الخلاف التي فجرت اجتماع لجنة العدل والتشريع، كانت عندما وصل النقاش إلى المادة 51 من القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والذي تقدمت بشأنه الحكومة والأغلبية بتعديل يقضي بمنح صلاحيات واسعة لوزير العدل تسمح له بالتدخل في كل كبيرة وصغيرة، ويتحكم في كل شيء ما يضرب في العمق مبدأ استقلالية السلطة القضائية.
وبخصوص التعديل الذي اقترحته الأغلبية على المادة 51 من قانون المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والذي اعتبرت المعارضة أنه يضرب استقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، فينص على إحداث هيئة مشتركة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل، تتولى التنسيق في مجال الشؤون القضائية والإدارة القضائية، ووضع وتنفيذ السياسة الجنائية بما لا يتنافى واستقلال السلطتين عن بعضهما البعض، تعمل تحت إشراف كل من الرئيس المنتدب للمجلس والوزير المكلف بالعدل، كل في ما يخصه، بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية. وعلاوة على ذلك، يمكن للمجلس، بمبادرة منه أو بناء على طلب الوزير، أن يوجه الدعوة إلى هذا الأخير لحضور اجتماعاته من أجل تقديم معلومات أو معطيات أو بيانات يطلبها المجلس، وتتعلق بالشؤون القضائية، والسياسة الجنائية للحكومة، والبرامج الحكومية وسياساتها الخاصة بقطاع العدل، بما لا يتنافى مع مبدأ فصل السلط واستقلالها. وينص التعديل على تسجيل طلب الوزير بالأولوية في جدول أعمال أقرب دورة للمجلس.
وبررت الأغلبية هذا التعديل بأخذ الترتيبات التشريعية لضمان أكبر مستوى من التواصل والتنسيق بين السلطتين القضائية والتنفيذية.
وفي ما يتعلق باستقلالية النيابة العامة عن سلطة وزير العدل، وافقت الحكومة على تعديل تقدمت به فرق الأغلبية، ينص على تبعية النيابة العامة للوكيل العام لدى محكمة النقض باعتباره رئيسا لها، ويقدم هذا الأخير تقريرا سنويا حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة أمام اللجنتين البرلمانيتين المكلفتين بالتشريع بمجلسي البرلمان يكون متبوعا بمناقشة.
وبعد الجدل الذي أثارته القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية، صادقت لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، في اجتماع لها، بالإجماع على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وذلك بعد إعادته إلى اللجنة، إثر اعتراض فرق المعارضة على محاولة وزير العدل والحريات تمريره بالجلسة البرلمانية العامة. لكن بعد إعادة القوانين إلى اللجنة، تمت المصادقة عليها بالإجماع، وجاء ذلك عقب سحب وزير العدل والحريات لتعديلات أدخلها على المادة 51 من القانون، والتي كانت سببا في إشعال فتيل المواجهة بينه وفرق المعارضة التي انسحبت من اجتماع سابق للجنة. وبعد نقاش ساخن، قررت اللجنة بموافقة الوزير على سحب كلمة «بمبادرة» حضوره اجتماع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ما اعتبرت المعارضة أنه يضرب استقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، وتم تعويض كلمة «بمبادرة» بعبارة «بطلب من الوزير أو بطلب من المجلس»، ما يعني سحب مبادرة الوزير للحضور في أشغال المجلس بشكل تلقائي، وأن يكون ذلك مقترنا بطلب مسبق إما من الوزير أو من المجلس إن اقتضت الضرورة ذلك.
هذا وأصبحت المادة 51 المثيرة للجدل، بعد تعديلها داخل اللجنة، تنص على إحداث هيئة مشتركة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل، تتولى التنسيق في مجال الشؤون القضائية والإدارة القضائية، ووضع وتنفيذ السياسة الجنائية بما لا يتنافى واستقلال السلطتين عن بعضهما، تعمل تحت إشراف كل من الرئيس المنتدب للمجلس والوزير المكلف بالعدل، كل في ما يخصه، بما لا يتنافى واستقلال السلطة القضائية. وعلاوة على ذلك، يمكن للمجلس بطلب منه أو بناء على طلب الوزير، أن يوجه الدعوة إلى هذا الأخير لحضور اجتماعاته من أجل تقديم معلومات أو معطيات أو بيانات يطلبها المجلس وتتعلق بالشؤون القضائية، والسياسة الجنائية للحكومة، والبرامج الحكومية وسياساتها الخاصة بقطاع العدل، بما لا يتنافى مع مبدأ فصل السلط واستقلالها. وينص التعديل على تسجيل طلب الوزير بالأولوية في جدول أعمال أقرب دورة للمجلس. وبررت الأغلبية هذا التعديل بأخذ الترتيبات التشريعية لضمان أكبر مستوى من التواصل والتنسيق بين السلطتين القضائية والتنفيذية.
وبالموازاة مع النقاش الذي عرفه البرلمان، وضع النسيج المدني للدفاع عن استقلال السلطة القضائية، مذكرة ترافعية، تضمنت مختلف الملاحظات والتوصيات بخصوص هذه القوانين. وأوضحت جميلة السيوري، منسقة النسيج المدني، في ندوة نظمها النسيج بشراكة فعلية مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن الندوة الترافعية المنظمة بمجلس المستشارين، تأتي تداركا للأخطاء الاستراتيجية على مستوى المنهجية والمضمون التي شابت قصور المقاربة التشاركية المعتمدة من طرف وزارة العدل، في إطار الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، والتي غيبت قسرا أهم المكونات الحقوقية والمهنية، من محامين وقضاة وكتاب ضبط وعدول وموثقين وخبراء، مشيرة إلى أن النسيج المدني سجل وجود ردة وانتكاسة دستورية للمشروعين من ناحية عدم وجود أي مقومات لسلطة قضائية حقيقية وفعلية مستقلة وكاملة لانعدام الاستقلال المؤسساتي والإداري والمالي للسلطة القضائية عن وزارة العدل، وتبعية النيابة العامة لها وضعف الضمانات الفردية للقضاة، وعلى رأسها عدم إحداث مجلس دولة كهيئة قضائية إدارية عليا، والمساس بحصانة القضاة ضد النقل من خلال شرعنة الانتدابات وتنقيل القضاة بسبب الترقية، مع فتح منافذ جديدة للتأثير على استقلال القضاء عن طريق الإبقاء على إشراف السلطة الحكومية على التدبير المالي والإداري للمحاكم وتقييم أداء المسؤولين القضائيين، فضلا عن ضعف الطابع التداولي لطريقة اشتغال المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
ويقترح النسيج المدني للدفاع عن استقلال السلطة القضائية، من خلال المذكرة التي سلمها لرؤساء الفرق البرلمانية، تقوية استقلالية السلطة القضائية مؤسساتيا وماليا وإداريا، وتعزيز دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية كهيئة دستورية ناظمة لها ولاية كاملة على تسيير الشأن القضائي والإشراف على الإدارة القضائية للمحاكم، واستقلالية النيابة العامة عن وزارة العدل وتخويل رئاستها للوكيل العام بمحكمة النقض، مع إحداث وتكريس مجلس الدولة باعتباره أعلى هيئة قضائية إدارية بالمملكة، ودعم مبادئ الشفافية والمساواة والإنصاف والعدالة في تدبير الوضعية الفردية للقضاة، وتكريس حق القضاة في التعبير الفردي والجماعي والانتماء للجمعيات، وتخويلها صفة المخاطب أمام المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
كذلك وضع المجلس الوطني لحقوق الإنسان مذكرة بخصوص مشروعي القانونين المتعلقين بالسلطة القضائية، تضمنت مقترحات تروم وضع قضاة النيابة العامة تحت سلطة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض. كما يقترح المجلس تعديل المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية من أجل التنصيص على مبدأي استقلال النيابة العامة في القيام بمهام الأبحاث والمتابعة، وتمكين وزير العدل من أن يبلغ إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ما يصل إلى علمه من مخالفات القانون الجنائي، لكن دون أن يكون لوزير العدل إصدار أمر كتابي بمتابعة مرتكبيها ولا تكليف من يقوم بذلك. كما يقترح المجلس إشراف وزير العدل على تنفيذ السياسة الجنائية التي تحددها الحكومة، وأن تناط بالوزير مهمة السهر على انسجام تطبيق السياسة الجنائية، وذلك عبر توجيه دوريات عامة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، تتضمن توجهات الحكومة بخصوص السياسة الجنائية.

هكذا ستبسط وزارة العدل يدها على القضاة
لقد تضمنت مشاريع القوانين المتعلقة بالسلطة القضائية، والتي أقرتها وزارة العدل وصادق مجلس النواب عليها، في انتظار مصادقة مجلس المستشارين لتصبح سارية في حق مهنيي العدالة، (تضمنت) عددا من الفصول والبنود التي رأى فيها القضاة مساسا مباشرا بحريتهم، وتكريسا لهيمنة وزارة العدل على مجال اشتغالهم وتبعية السلطة القضائية للسلطة التنفيذية.

الموقف السياسي أو التصريح المعتبر كذلك
المثير للجدل هو توسيع مجال الحظر ليشمل ليس فقط الموقف السياسي، وإنما أيضا التصريح المعتبر سياسيا، أي الذي يكتسي صبغة سياسية-المادة 97- والمعد خطأ جسيما يترتب عنه توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه والذي قد يترتب عنه عزله من سلك القضاء، مما سيعصف بشكل واضح بحرية التعبير بالنسبة إلى القضاة وسيجعلهم قضاة صامتين لا رأي لهم، لأن كل تصريح أو موقف إذا لم يكن سياسيا سيعتبر كذلك من باب الاشتباه قياسا على «الظهير المنسوخ لكل ما من شأنه» للتضييق عليه، وهذا خلافا للدستور ولاسيما الفصل 111 الذي متع القضاة بحرية التعبير، طالما أن التعبير متوافق مع مبادئ التجرد والاستقلال والأخلاقيات القضائية، فضلا عن أن هذا المفهوم غير منضبط بالمرة، ويستوعب جميع التصريحات التي يمكن الإدلاء بها من طرف القاضي بمناسبة عمله الجمعوي أو المهني أو العلمي في المنتديات العلمية والثقافية وفي وسائل الإعلام، والهدف منه، حسب القضاة، إقبار كل رأي قضائي مدافع عن استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، لأنه سيؤدي إلى فتح مجالات المتابعات التأديبية الموجهة عن كل انتقاد للسلطة التشريعية، أو التنفيذية، أو حتى لمؤسسات السلطة القضائية، وكأنها معصومة من الخطأ.

حظر تأسيس الجمعيات المدنية وتسييرها بأي شكل من الأشكال
حظرت المادة 38 من مشروع القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة على القضاة تأسيس جمعيات مدنية غير مهنية، أو تسييرها بأي شكل من الأشكال بالمخالفة الصريحة والقاطعة للفصل 111 من الدستور، رغم أن المشرع الدستوري لم يضع أي تقييد على حرية الانتماء للجمعيات غير المهنية، ولم يميز مطلقا بين العضوية العادية والعضوية التسييرية بالجمعيات المهنية أو غيرها من الجمعيات الحقوقية أو المدنية، لأن تنظيم الجمعيات وتسييرها وفق الفصل 12 من الدستور يجب أن يكون مطابقا للمبادئ الديمقراطية، وبذلك يكون معه أي تقييد غير دستوري وتحكمي ويستهدف الإجهاز على حرية القضاة في التنظيم والتعبير، ويشكل انتكاسة حقيقية للفصل 111 من الدستور.

الإدارة القضائية للمحاكم وإشكالية الاستقلال المالي والإداري يسجل في المشروع الإبقاء على الإدارة القضائية على وضعيتها الحالية مع بعض التعديلات الطفيفة التي لن يكون لها تأثير على مستوى الواقع، مما جعل القضاة وحدهم في المغرب مفصولين عن محيطهم المهني، فالقضاة تابعون للمجلس والمحاكم تابعة للوزارة، فمثلا الرئيس المنتدب لا يملك حتى حق اقتناء قلم للمحاكم، مما يجعل الاستقلالية أقرب منها للخيال من الحقيقة لغياب الاستقلال المالي والإداري للمحاكم، بحيث اختزلت السلطة القضائية في المجلس فقط دون المحاكم التي أصبحت غريبة عن السلطة القضائية.
حضور وزير العدل لأشغال المجلس الأعلى للسلطة القضائية
هذا الحضور غيب المعطى الدستوري لاستقلالية السلطة القضائية، فبعد أن صوت الشعب بالإجماع على مقتضى دستوري -الفصل 115- يخرج وزير العدل من تشكيلته، إيذانا بنهاية وجوده في المشهد القضائي، إلا أن المشروع المصادق عليه من قبل مجلس النواب، ولاسيما المادة 54 من مشروع القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أعاده من النافذة بعدما خرج من الباب الواسع، ليقرر حضوره الدائم في عضوية المجلس، بطلب حضوره التلقائي فقط ودون منح المجلس صلاحية الاستجابة من عدمه.

رقابة السلطة التشريعية على النيابة العامة كسلطة قضائية
إن تقديم الوكيل العام للملك بمحكمة النقض تقريرا عن السياسة الجنائية، ومناقشته أمام البرلمان، يعتبر مخالفا للدستور ولا يمكن تقرير قاعدة غير دستورية، لأن السلطة القضائية سلطة مستقلة لا يمكن مراقبتها من طرف البرلمان، لأنه دستوريا يراقب فقط السلطة التنفيذية، فضلا عن أن الدستور، ولاسيما أن الفصل 160 منه قطع الشك باليقين بتحديده على سبيل الحصر المؤسسات التي تقدم تقارير أعمالها إلى البرلمان، وهي مؤسسات الحكومة وبعض المؤسسات العامة، ولا يمكن بداهة لسلطة دستورية أن تقدم تقريرها لسلطة أخرى على قدم المساواة والتوازن معها.

6-تقييم وزارة العدل للمسؤولين القضائيين
نصت المادة 72 من مشروع القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة، على أنه يراعي المجلس كذلك التقارير التي يعدها وزير العدل على مستوى أداء المسؤولين القضائيين بشأن الإشراف على التدبير والتسيير الإداري للمحاكم، مما يعني ضربا لاستقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، قد ينتج عنه مع توالي الأيام تأثير لها على قرار القاضي من خلال منفذ المسؤولين القضائيين بالمحاكم، كما أن جعل تقييم المسؤولين من طرف وزارة العدل يعزز منافذ التحكم والتأثير على القضاة، ويمس باستقلال القضاء والقضاة من خلال بوابة التعليمات والمتابعات التأديبية الموجهة، فضلا عن مساسه بالاختصاص الحصري لاختصاص المجلس والتدخل غير المقبول في مهامه في تناقض تام مع الدستور، وهذه العلة وحدها كافية لهدم مقومات السلطة القضائية التي أصبحت بمقتضى المشروعين تحت وصاية وزارة العدل، مما يجعل أي حديث عن هذه السلطة القضائية الموعودة وهما كبيرا لم يتحقق، لأن التقاطعات مع وزارة العدل تجعل السياسي يتحكم في القضائي.

نادي قضاة المغرب: «مشاريع القوانين المرتبطة بالسلطة القضائية تجعل القضاة تحت وصاية وزارة العدل»

يرى نادي قضاة المغرب أن المرتكزات الدستورية والمعايير الدولية لاستقلال السلطة القضائية، غائبة نصا وروحا عن مشاريع القوانين المتعلقة بالسلطة القضائية، والتي تقترحها وزارة العدل والحريات، حيث يقول محمد الهيني، العضو المؤسس بالنادي، إن هذه المشاريع تتضمن إساءة حقوقية للوطن وصورته في الخارج، لأن الخيار الديمقراطي للدولة بما يتضمنه من فصل للسلط والمكتسبات الحقوقية، من حرية التعبير والحق في التنظيم للقضاة، صار في مهب الريح.
وحسب النادي، فالمشاريع تؤسس لوهم كبير اسمه السلطة القضائية التي لم يبق منها إلا الاسم، إذ حلت محلها سيطرة وزارة العدل على المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وعلى القضاة والمحاكم، حيث لا وجود لاستقلال حقيقي وفعلي للسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل، وكأنه ليس هناك دستور 2011. وعلى حد تعبير الهيني، فإنه تم التراجع بشكل خطير حتى عن بعض إيجابيات النظام الأساسي للقضاة ساري المفعول، متسائلا كيف يمكن تصور سلطة قضائية بدون مقومات الحياة والوجود.
ويقول عضو النادي إن استقلالية القضاء انتهكت من خلال المس بالقضاء الفردي والمؤسساتي، بتخويل الوزير صلاحية تقييم المسؤولين القضائيين، وتخويله حق الحضور لأشغال المجلس متى طلب ذلك، وإعدام أي استقلال إداري أو مالي سواء للمجلس أو المحاكم، حتى صار المجلس المذكور مجرد لجينة للبت في ضمانات الوضعية الفردية للقضاة تحت نظر وبصر الوزارة، التي ترقي من تشاء وتؤدب من تشاء بغير ضابط، وأصبح الرئيس المنتدب رئيسا لمجلس وليس لسلطة قضائية مستقلة دستوريا، فلا يمكنه حتى اقتناء قلم واحد للمحاكم، ولا الإشراف على الإدارة القضائية للمحاكم والمسؤولين القضائيين، مما ترتبت عنه وضعية شاذة ليس لها مثيل في التاريخ، قضاة تابعون للمجلس ومسؤولو محاكم تابعون للوزير، وترتب عنه أن القضاة باتوا مفصولين عن محاكمهم.
وأوضح المتحدث ذاته أنه جرى أيضا المس باستقلالية النيابة العامة كسلطة قضائية مستقلة، من خلال إلزام رئيسها الوكيل العام للملك بمحكمة النقض بعرض تقريره أمام البرلمان، رغم أنه لا يمكن مراقبتها من طرفه، لأنه دستوريا يراقب فقط السلطة التنفيذية، فضلا عن أن الدستور، ولاسيما أن الفصل 160 منه، قطع الشك باليقين بتحديده على سبيل الحصر المؤسسات التي تقدم تقارير أعمالها للبرلمان، وهي مؤسسات الحكومة وبعض المؤسسات العامة، ولا يمكن بداهة لسلطة دستورية أن تقدم تقريرها لسلطة أخرى على قدم المساواة والتوازن معها.
وأضاف الهيني أن مشاريع القوانين تكرس التعاطي التحجيري مع حق القضاة في التعليم والتكوين والتدريس والبحث العلمي كحقوق مضمونة دستوريا، مضيفا أن الصفة القضائية لا يمنحها الرئيس المنتدب وإنما ظهير التعيين، فضلا عن أن الغرض من هذه القيود التضييق على القضاة في نشاطهم الجمعوي والمهني وحراكهم الحقوقي والقضائي بمبررات غير مقبولة، فالأنشطة العلمية تفيد القضاة ولا تؤثر على أدائهم المهني إلا إيجابيا وليس سلبا، لأن العلم وسيلة لترقية الفكر والأداء القضائي، ولم يكن يوما يتصور إقامة حواجز عليه، كما أن تقييد البحث العلمي بإذن أو رخصة يبدو مثيرا للسخرية لأن التفكير لا يخضع للرقابة، فعملية التفكير والبحث مضمونة، فشتان بين البحث العلمي كمنهج وفكر ومنشوراته كنتاج وتحصيل العملية الذهنية.
واعتبر الهيني أن إعادة النظر في مشاريع الردة الدستورية التي تجعل القضاة تحت وصاية الوزارة العدلية بشكل جذري، يبقى مطلبا مجتمعيا وليس قضائيا، معتبرا أن الأمر يصب في اتجاه ضمان استقلالية السلطة القضائية، من منطلق أن الأمن القانوني والقضائي للقاضي أولوية الأولويات، لأنه لا يمكن للقاضي حماية الحقوق والحريات وهو مفتقد للحماية الذاتية، مادام أن استقلال القاضي ليس امتيازا شخصيا له، وإنما امتيازا للمتقاضين للاحتماء بقضاء مستقل وعادل.

قضاة ومحامون وعدول يتوحدون للمطالبة باستقلالية السلطة القضائية
تزامنا مع الجدل الذي يثيره موضوع استقلال السلطة القضائية، ودراسة القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أمام غرفتي البرلمان، توحدت مكونات الجسم القضائي في إطار نسيج للدفاع عن استقلالية السلطة القضائية، قدم مذكرة مفصلة حول الموضوع تتضمن ملاحظات وتوصيات حول مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والنظام الأساسي للقضاة.
وجاءت مبادرة تشكل النسيج، في سياق الصراع الذي يعرفه الجسم القضائي بمختلف مكوناته، والذي وصل إلى حد إحالة وزير العدل، مصطفى الرميد، قضاة على المجلس الأعلى للقضاء، واتخاذ إجراءات تأديبية في حقهم. وأوضحت الجمعيات القضائية الموقعة على المذكرة، أن هذا الوضع استدعى عددا من المكونات المهنية المشتغلة بالحقل القضائي، وهيئات مدنية مواكبة لورش الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة، الهادف للنهوض بأوضاع قطاع العدالة بحزم ومسؤولية من أجل تحصين وحماية العدالة، وأمام التدافع الحاصل بين مختلف الأطياف في مسألة تنزيل المقتضيات الدستورية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية، «هذا التنزيل الذي واكبه التضييق غير المسبوق الذي يتعرض له قضاة الرأي والذي وصل حد عزل وتأديب العديد منهم».
وتضمنت المذكرة ملاحظات حول القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتوصيات تروم حماية استقلال السلطة القضائية، بينها مراعاة مقاربة النوع الاجتماعي بضمان تمثيلية منصفة للنساء القاضيات، وإقرار مسؤولية المجلس الأعلى للسلطة القضائية تحت إشراف رئيسه المنتدب على عملية انتخابات المجلس الأعلى للقضاء منذ بدايتها إلى نهايتها، وإقرار مبدأ التفرغ لأعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ضمانا لحسن سير الأشغال بالمجلس، وتسهيلا للتواصل المفترض قيامه بين أعضاء المجلس وباقي القضاة، فضلا عن ضمان انفتاح المجلس وأعضائه على الجمعيات المهنية القضائية من خلال السماح لممثلي هذه الجمعيات بحضور اجتماعاته كملاحظين، وتنظيم الآثار القانونية لصفة الجمعية كمخاطب، مع ضمان صفتهم الاستشارية.
هذا وشددت المذكرة على ضرورة تمتع المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، وإلغاء الإشراف الإداري للوزارة على المحاكم والمسؤولين القضائيين. ويتعين أن يكون الأمين العام قاضيا لأنه سيبت في القضايا التي تهم الوضعية الفردية للقضاة، وضمان شفافية الاشتغال والحق في المعلومة، وذلك من خلال الإعلان عن جدول أعمال دورات المجلس العادية والاستثنائية وكذا نتائج اجتماعاته بغرض إطلاع القضاة والرأي العام على ذلك، مع عدم نشر العقوبات التأديبية إلا بعد صيرورتها نهائية بانتهاء مسطرة الطعن القضائي. كما طالب النسيج بحذف أي مقتضى لتمديد سن التقاعد، وإلغاء إمكانية التكليف، لضمان حكامة المرفق القضائي، والتنصيص على ضمان سهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية فعليا على استقلال القضاة في مختلف أطوار مشوارهم المهني.
وطالب النسيج المدني في مذكرته، بتوسيع حصانة النقل من خلال النص على مبدأ تخصص القضاة بالمحاكم المتخصصة، وعدم جواز نقلهم لمحاكم عادية إلا بطلب منهم، وإجبارية إحالة الملف على النيابة العامة المختصة لمباشرة التحريات بشأن المس باستقلالية القضاء، وصيانة مبدأ استقلال السلطة القضائية في علاقتها مع السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، وذلك بجعل آلية التنسيق بين المجلس والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل يقتصر على المسائل الإدارية فقط، مع التأكيد على ضرورة البت في المساطر التأديبية للقضاة داخل آجال معقولة، وإقرار مبدأ عدم المس بالوضعية المهنية للقاضي أو للقاضي المتدرب إلا بعد استنفاد مسطرة تأديبية شفافة تضمن فيها مبادئ المحاكمة العادلة.
ويقترح النسيج أن يتولى المجلس الأعلى للسلطة القضائية وظيفة وضع مدونة أخلاقيات تعتبر الإطار المرجعي والسلوكي لتدعيم الأخلاقيات بالنسبة لأعضاء السلطة القضائية، ووضع قواعد معيارية مؤطرة للشأن المهني تكفل ضبط القيم القضائية، وإحداث هيئة للتفتيش تتكون من قضاة منتخبين تتوفر فيهم شروط التجرد والمهنية والكفاءة والتجربة التخصص، على رأسها مفتش عام يعينه المجلس، ويقوم بمهامه لمدة محددة غير قابلة للتجديد أسوة بالأعضاء المنتخبين والأمين العام للمجلس، لما في ذلك ضمان ودعم لاستقلالية القضاء، مع المطالبة بضمان المساواة في المعايير بين قضاة النيابة العامة وقضاة الحكم عند البت في طلبات الانتقال مع مراعاة رغبات القضاة المتعلقة بالانتقالات ووضعيتهم الاجتماعية، وحاجيات المحاكم مع ضرورة تعليل جميع مقررات المجلس في هذا الشأن.

4 أسئلة : لعبد السلام البقيوي : «على الرميد أن يجلس لمراجعة ذاته ويسائل نفسه إلى أين يسير؟»
ما تقييمك لمنظومة العدالة والقضاء في المغرب، في ظل الحكومة الحالية؟
لا يمكن تقييم قطاع العدل، أو ما يسمى إصلاح منظومة العدالة، في معزل عن الإصلاح العام، لأن منظومة العدالة هي جزء من الكل. فالحديث عن وجود فساد في منظومة العدالة، لا يعني أن القطاعات الأخرى، في القطاع الخاص أو العام، أو في كافة مرافق الدولة، ليس فيها محسوبية أو تفشي الرشوة، إذ إن حكومة عبد الإله بنكيران، التي يعد حزب العدالة والتنمية عمودها الفقري، ركب على شعارات حركة «20 فبراير»، التي رفعت سابقاً شعار «إسقاط الفساد»، بعدما جاءت بها الحركات الاحتجاجية التي لا يجب تغييبها، إذ بعدها منح الدستور لرئيس الحكومة سلطات عدة، تخلى عبد الإله بنكيران عن جزء كبير منها للمؤسسة الملكية، لا لشيء سوى ليترك انطباعاً بأنه مستعد للعمل تحت إمرة الملك، وبدون ممارسة اختصاصاته. وفي هذا الإطار يمكن طرح إصلاح منظومة العدالة بالمغرب، والذي كنا ننادي به في جمعية هيئة المحامين في المغرب، حتى آخر مؤتمر لها والذي تم تنظيمه في مدينة السعيدية، إذ وصلنا إلى أن إصلاح منظومة العدالة ينبع من توفر إرادة سياسية حقيقية تنزل الإصلاح، وليس فقط بالشعارات.
نحن لا نحتاج في هذه الفترة نسبيا إلى مناظرات وندوات وطنية، واجتماعات دورية يحاول من خلالها مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، تمرير إصلاحاته في غياب عمل تشاركي، خصوصا القانونين التنظيميين المتعلقين بالسلطة القضائية والقانون الأساسي لرجال القضاء.

ماذا حققت الحكومة الحالية في ما يخص إصلاح القضاء؟
على الرغم من مرور هذه السنوات كلها من عمر الحكومة، والتي أطلقت الوزارة في بدايتها ما سمته الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة، تبين أن كل مل قام به مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، لا علاقة له إطلاقا بـ«إصلاح منظومة العدالة». فكل مبادراته هي في الأصل أحادية الجانب، يرفضها القضاة والمحامون وكتاب الضبط والموثقون والعدول.. وبالتالي مع من يتحاور هذا الوزير؟ يبدو أنه يحدث نفسه فقط، فما يقوم به ليس إصلاحاً، والإصلاح منه براء. فيجب على الوزير الرميد أن يجلس إلى نفسه ويراجع ذاته، ويسائل نفسه إلى أين يسير؟
والحديث عن التخليق يعني أن هناك فسادا في البلاد، وإقرارا بوجوده في منظومة القضاء، كما يوجد في المجتمع كله، لكنه لا يحارب بواسطة الشعارات، حيث إن من يمكنه رفعها هي الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية وهيئات المجتمع المدني، وليس الحكومة أو الوزارة بنفسها.
فلما يقول مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، إن الرشوة والفساد ينخران جهاز القضاء، ويشارك في ذلك قضاة ومحامون، فلماذا لا يفتح تحقيقا في ذلك، ويكسر هذا الطابو المسكوت عنه؟ وتجب متابعة المتورطين والمشتبه في ضلوعهم في ملفات كهذه، وذلك لا يمكن أن يكون بواسطة قضاء فاسد ومرتشٍ، مع وجود قضاة شرفاء يعانون، إذ إن المرتبات التي يتقاضونها تكاد تكفيهم في تغطية مصاريفهم، في الوقت الذي يعيث المفسدون في الأرض فساداً، مع العمل بمبدأ عدم الإفلات من العقاب، لكن لا شيء من ذلك تم تفعيله، ما يعني أننا أمام حكومة تبيع الأوهام للمواطنين.

أحلت ملفات أحكام قضائية «مشبوهة» على وزارة العدل، كيف تم التعامل معها؟
الملفات التي بين يدي فيها أحكام فاسدة، وتشتم منها رائحة الرشوة بدون أي منازع. فلما كان لدي لقاء مع وزير العدل، أدليت له بأسماء أخرى، وانتظرت أن يستقبلني بصدر رحب، ويعاملني بشكل إيجابي، ويتفاعل مع مبادرتي التي تضم طلبي فتح تحقيق في ملفات أحكام صدرت بناءً على طلب، وبناء على رشوة، والأكثر من ذلك أن الملفات التي تحال على محاكم طنجة الجنحية والجنائية، ما على الوزير سوى أن يعود إلى سجل محكمة النقض بشأنها، حتى يتبين له أنها تنقض في أغلبها، وبعدها لا ترجع إلى تلك المحاكم للبت فيها من جديد، بل تحال على محكمة فاس أو الرباط، ما يعني أن قضاة محكمة النقض لا ثقة لهم في أولئك القضاة الذين يصدرون تلك الأحكام.
الوزير وضع نفسه في زواية أخرى، ليست تلك التي كان يفترض أن يحدثني منها، وبدأ يطالبني بالحجج المادية التي يصعب على أي مواطن كيفما كان، أن يدلي بها، إلا في حالات قليلة ونادرة، وأخشى أن تكون النتيجة كتلك التي تنتهي بها الشكايات التي تستقبلها الوزارة، وتجد مكاناً لها في رفوف الوزارة، أو يستقبل المشتكي ذلك الجواب الروتيني، الذي يفيد أن الملف مازال رائجاً في إحدى المحاكم سواء الابتدائية أو الاستئنافية.
في يد وزير العدل الضابطة القضائية والفرقة الوطنية ومراقبة الحدود، التي ستمكنه من مراقبة القضاة الفاسدين، وتحركاتهم ورفقتهم، والاطلاع عبر المحافظة العامة على الرسوم العقارية لعدد منهم، ومراجعات حساباتهم، وغير ذلك من الإجراءات التي قد تضبط له عددا من حالات الفساد.

وهل يخاف الرميد من سلطة القضاة؟
الرميد لا يخاف منهم، لكن ليس هناك أي استراتيجية من أجل محاربة الفساد في منظومة القضاء، في وقت يتابع عدد من القضاة، ومنهم القاضي الهيني، الذي عبر عن رأيه القانوني والفقهي فقط، فتم انتقاده، وكذا الانتقام من القاضي عنبر وقاضي العيون وعادل فتحي، وتم اتهام بعضهم بمعاناتهم من اضطرابات نفسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى