هل انتهى «كورونا»؟
عمار علي حسن
كل حصيف يسأل نفسه الآن: هل ذهبت جائحة كورونا من بلادنا بلا رجعة؟ إنه سؤال اللحظة الذي قفز إلى ذهن هذا الرجل أو ذاك بعد أن كان يجتر مخاوفه طول شهور عصيبة، لكنه لو أطال النظر فيه سيجده سؤالاً عبثيا في حقيقة الأمر، سيما إن كلف نفسه عناء متابعة الأخبار التي تأتي من الشرق والغرب عن موتى ومصابين وناجين من الوباء.
ما الذي جرى إذاً وجعل هذا الرجل، الذي قد يكون أنت وهو وأنا، يعتقد أن الوباء قد حمل عصاه ورحل؟ ليست بالطبع الغفلة أو التغافل، لأنه لا يستطيع الهروب من أخبار تطارده كظله عن كل شيء يحدث في أي مكان بالعالم، وليس الشعور بالانتصار النهائي، فهو ما إن يسري في عروقه اطمئنان كاذب، وهو يرى الناس يتزاحمون في كل مكان وأغلبهم لم يعد منشغلا بإجراءات الوقاية، حتى يقفز الخوف من رقاده، ويأكل روحه من جديد.
ربما يكون الشعور بنهاية الوباء هو ابن الاعتياد، والطبع الذي يغلب التطبع، وقدرة البشر الدائمة على التكيف مع كل صعب، والالتفاف عليه، والنظر إلى الأمام نحو أي أمل يلوح، والإمساك به، والتعويل عليه حتى لو كان سرابا. وربما هو ابن تراجع اهتمام الإعلام بالوباء، بعد أن ضجر الإعلاميون، أو أنهم شعروا بأن الناس ليسوا راغبين في متابعة المزيد عنه، لأنهم يريدون أن يتناسوا هذا الكابوس، ولو ساعة من نهار.
لكن الرجل فهم خلال مناقشة طويلة مع أصدقائه أن الطبيعة البشرية قد تغلبت، وثبتت مكانها بعد تأرجح عاصف، فأحدهم قال بصوت مملوء بالثقة: حين تندلع الحروب الأهلية يرتعب الناس، ينكمشون في بيوتهم، وهم يصمون آذانهم عن صوت الرصاص والصراخ، لكنهم بعد فترة يتآلفون مع هذا الوضع، فيهبطون إلى الشوارع، دون أن يسدوا آذانهم، ويسلمون رقابهم للقدر. هذا ما حدث مع الحرب ضد الوباء.
فهم الرجل الآن لماذا لم يعد خائفا على النحو الذي كان عليه في شهر أبريل العصيب وما تلاه؟ إنه قد صالح نفسه مع حرب من نوع جديد، وأدرك أيضا معنى «التعايش مع الوباء» التي سمعها لأول وهلة بعد شهر واحد من الجائحة، وابتسم وقال لنفسه: لا بأس، نضطر أحيانا إلى معايشة من يسيئون إلينا. وتمنى في هذه اللحظة لو كان الفيروس شيئا مرئيا وعاقلا، ألم تقل الحكمة: «عدو عاقل خير من صديق أحمق».
في هذه الأيام، كلما سمع أحدا يتحدث عن موجة أخرى شرسة من الوباء ستهجم مع حلول الخريف، وتشتد مع صقيع الشتاء، يصم أذنيه، منعما بالغفلة أو الجسارة، فأيهما يحل في نفسه يرحب به، ويفتح له بابا واسعا ليتمكن، كي تمضي الحياة بلا خوف، حتى لو كان كل هذا محض وهم أو مخاطرة.
يعرف الرجل أن الآجال محددة، والأعمار مقدرة، فلماذا يدع الخوف يتملك منه فيموت مرات ومرات كل يوم؟! وليواجه مصيره بجبروت اللاهين عن كل شيء، ومن ليس لديهم ما يخسرونه، لعله ينجو بنفسه من الوقوع في فخ الرعب الذي عاشه قبل شهور، وهو يتابع الأرقام التي ترتفع بلا توقف، معلنة أن الوباء يضع رايات انتصاره في كل مكان.
لكن الرجل نفسه يجد أنه من الأفضل أن يحتاط، فالذين يتبلدون حيال حرب أهلية امتدت، يأخذون حذرهم وهم يفتحون النوافذ أو يسيرون في الشوارع ليلا أو نهارا، ويدركون مع الوقت أن الانتصار لإرادة الحياة، بالتجلد والصبر والتعايش، يتطلب العمل على البقاء على قيدها أولا، وغير ذلك يكون تعجيلا بالتهلكة.