سهيلة التاور
ظهرت الصين في صورة القوة الخارقة التي استطاعت أن تبني مستشفيات عملاقة، تستوعب العدد الهائل من ضحايا فيروس كورونا بسرعة قصوى، اندهش لها العالم. وأبانت عن براعتها في الانتصار على الوباء في زمن ليس بالطويل، لكن كل هذه الإنجازات طرحت مجموعة من الأسئلة، حول صحة المعلومات التي أفصحت عنها الصين للعالم. والأهم من ذلك، هل أفصحت عنها في الوقت المناسب، أم بعد فوات الأوان؟
كشف تقرير صيني أن السلطات الصينية أخفت عن الصينيين والعالم حقيقة المرض القاتل، الذي علمت السلطات بانتشاره قبل منتصف شهر دجنبر 2019، إلا أنها تكتمت على الأمر ولم تعترف به، حتى نهاية السنة، عقب ازدياد عدد الحالات.
التقرير خلص إلى أنه «لو لم تتأخر الصين في إقرار الإجراءات الكفيلة بمنع تفشي العدوى ومن ذلك التباعد الاجتماعي، لأسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، لكان بالإمكان خفض عدد الإصابات في البلاد بنسبة قد تصل على التوالي إلى 66 في المائة، 86 في المائة، أو 95 في المائة».
انتقاء المعلومات المسربة
كشف الإعلامي الصيني الأمريكي شانغ وي وانغ، وهو أحد الإعلاميين المخضرمين في الصين، أن البيروقراطية تسببت في التستر على المرض وعدم التعامل معه على المستوى المطلوب. وأشار إلى أن التطور السريع للفيروس وانتشاره إلى مسافات بعيدة، تسببا في تصاعد الشكوك حول علم الصين بالمرض مبكرا، لكنها تكتمت على ذلك، ومع انتشار المرض وتحدث الناس عنه، أُجبرت السلطات على الاعتراف بوجوده وانتشاره. وتابع إن بعض المسؤولين في القطاع الصحي كانوا على علم بالمرض، لكنهم أخفوا خطورة المرض في مراحله الأولى؛ ما تسبب في خفض إجراءات الحماية والوقاية، وأدى بالتالي إلى الانتشار المرعب للمرض.
وأكد تقرير الإعلامي الصيني أن السلطات لم تغلق سوقا لبيع الأطعمة البحرية في مدينة ووهان، التي انتشر منها المرض إلا في شهر يناير، رغم وجود معلومات مع بداية ظهور المرض، أن السوق البحري الذي تباع فيه أيضا حيوانات برية، السبب الأول الذي انتشر منه فيروس كورونا.
وتابع أن المسؤولين المحليين في القطاع الصحي، بدؤوا في الإفراج عن المعلومات حول المرض، في 31 دجنبر 2019، إلا أن هناك انتقائية في تحديد نوعية المعلومات التي يتم الإفراج عنها.
وكشف التقرير أنه لم يكشف المسؤولون المحليون في مدينة ووهان عن تسبب أحد المرضى الخاضعين لعملية جراحية عصبية، في نقل المرض إلى طبيب و13 ممرضة، كما أنه تم القبض على 8 مواطنين؛ لتناقلهم معلومات حول المرض في بداية الأزمة، واعتبرتهم أشخاصا خارجين عن القانون بنشر معلومات غير مؤكدة، كما وجهت تحذيرات إلى آخرين من نشر المعلومات، أو الانقياد خلفها على اعتبارها شائعات.
وتابع أنه رغم الإشارات الحالية الواضحة لانتشار الفيروس القاتل، وانتقاله من إنسان إلى آخر، ظلت السلطات المحلية في ووهان تدعي أن الأمور طبيعية وسمحت بإقامة شعائر أحد التقاليد المحلية، يوم 18 يناير الماضي، وحضره نحو 40 ألف أسرة، وفي اليوم التالي خرج الرئيس الصيني شي جين بينغ؛ مؤكدا ضرورة اتخاذ تدابير صارمة لاحتواء المرض، وجعل صحة الناس أولوية قصوى.
غاو فو يفضح الصين
حذر الطبيب الصيني غاو فو، وهو المدير العام للمركز الصيني للمراقبة والوقاية من الأمراض، في تاريخ 4 مارس 2019، من أن هناك «فيروسات جديدة مماثلة لفيروس سارس (متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد) ستظهر في المستقبل»، دون تحديد الموعد المرتقب لظهور هذا المرض «المجهول» أو تداعياته المحتملة. واكتفى فو بالطمأنة بأن هذا المرض «لن يتسبب في حدوث وباء مماثل (لفيروس سارس)». لكن وبعد أشهر، وتحديدا في 30 دجنبر 2019، وبينما كان فو نفسه يتصفح بعض المنتديات الإلكترونية المتخصصة، للتأكد من أن الوضع تحت السيطرة، أصيب هذا الطبيب بالصدمة، حيث بدأ الأطباء في مدينة ووهان، عاصمة مقاطعة هوبي (وسط الصين)، التي يصل سكانها إلى 11 مليون نسمة، بالتحدث عن وجود التهاب رئوي «مجهول».
وتواصل غاو فو حينها مع اللجنة الصحية في ووهان، التي أكدت له ما يتم تداوله في الأوساط الطبية، لكنه عجز عن إخطار السلطات في بكين بشكل فوري، بسبب خلل في النظام الحاسوبي الوطني للإبلاغ عن الأمراض المعدية، ما مهد الطريق أمام انتشار واحد من أخطر الأوبئة التي شهدتها الإنسانية في التاريخ المعاصر.
وفي الفترة نفسها، تداولت الأوساط الطبية وأيضا مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في ووهان، أنباء عن تفشي حالات من الحمى في سوق هوانان للحيوانات. وسرعان ما سجلت مصلحة الأمراض التنفسية في المدينة، التي تعتبر الأكثر اكتظاظا في البلاد، إقبالا محسوسا لمرضى يعانون من الحمى والسعال، فيما لم تعط الأدوية المستعملة عادة لعلاج مثل هذه الحالات، أي نتيجة تذكر.
تحذيرات طبيبة صينية
أشارت الطبيبة الصينية آي فان، مديرة قسم الإسعاف والطوارئ بالمستشفى المركزي لووهان، إلى استقبال مريض في قسم الأمراض التنفسية بتاريخ 28 شتنبر 2019، ومريضين آخرين في 16 و27 دجنبر الماضي. وأظهرت التحاليل لاحقا، أن المرضى مصابون بما اصطلحت عليه فان «كورونا- سارس»، وأن العدوى تنتقل عبر اللمس أو التواجد على مسافة قريبة من المصابين.
وبعد التحدث مع زملائها في القسم، أرسلت آي فان فيديو وصورة لتقرير حول المرض، إلى عدد من الأطباء في المدينة، وأحاطت عبارة «فيروس كورونا- سارس» باللون الأحمر. وشرع الوسط الصحي في تداول «الأنباء المرعبة»، وقال طبيب العيون بالمستشفى نفسه الدكتور لي وينليانغ لمئات الأطباء، إنه قد «تأكدت سبع حالات إصابة بالسارس في سوق هوانان».
ورغم أنها باتت رسميا على علم بظهور الفيروس، قررت اللجنة الصحية لمدينة ووهان التحفظ على هذه المعلومات الهامة لا بل الخطيرة، حيث أخطرت الدكتورة آي فان في رسالة بأنه «لا ينبغي نشر هذه المعلومة للجمهور. وفي حال وقوع أي ذعر، سيتعين عليك العثور على الشخص المسؤول».
نوع جديد من فيروس كورونا
في 31 دجنبر 2019، أبلغت الصين منظمة الصحة العالمية عن نوع جديد من فيروس كورونا nCOV، وأنه قد تم عزل المرضى، وأنه لا دليل على تفشي العدوى بين البشر، حسبما قالت المنظمة في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني.
وفي الثاني من يناير الماضي، أبلغ مدير مكتب «فحص الانضباط» بالمستشفى المركزي لمدينة ووهان، الطبيبة آي فان، بأن عليها التحفظ على كافة المعلومات الخاصة بالإصابات الأخيرة بالالتهاب الرئوي الفيروسي. وقال في هذا الصدد: «بصفتك مديرة، كيف أمكنك نشر إشاعات خاطئة؟ عودي إلى قسمك واخبري الجميع، بشكل فردي، بالتوقف عن الحديث عن هذا الالتهاب الرئوي. لا تخبري أحدا، بمن فيهم زوجك».
وشعرت الطبيبة الصينية حينها بأنها مهددة، إما بالإقالة أو حتى بالزج بها في السجن. وبرغم المخاوف، أخبرت آي فان زوجها تشونغ نانشان في 20 يناير المنصرم بالحقيقة الكاملة، والذي ساهم في نشر خبر انتقال عدوى فيروس كورونا في ربوع الصين، واختفت منذ ذلك الحين وحتى اليوم.
وقالت يومية «سواث تشينا مورنينغ بوست» الصينية الناطقة بالإنجليزية، إن المصاب رقم صفر شخص عمره 55 سنة، والحالة ترجع إلى تاريخ 17 نونبر 2019، مشيرة إلى أن العدوى بدأت في الانتشار بنسبة 1 إلى 5 إصابات يوميا، وذلك وفق بيانات رسمية.
وسرعان ما بدأ الفيروس في التفشي بوتيرة أكبر، ففي 31 دجنبر الماضي بلغ عدد الإصابات 266، ثم 381 في اليوم التالي، بحسب أرقام نشرها أطباء صينيون.
وأعلنت تايلاند في 13 يناير الفارط عن تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا المستجد، أي أول حالة سجلت في الخارج. وبرغم تلك المعطيات المقلقة، اكتفى لي كون، مسؤول الطوارئ في اللجنة الوطنية للصحة بالصين، بالقول في كلمة متلفزة إن «الخلاصة أن خطر انتقال العدوى بين البشر ضعيف».
أعطال في المعدات الطبية
قامت السلطات الصينية بتهديد الأطقم الطبية في ووهان، مصدر تفشي «كوفيد- 19»، بعد عدة شكاوى كانوا قد سجلوها بشأن أعطال في أجهزة فحص الفيروسات والأوبئة المعدية.
وحسب تحقيق صحيفة «لوموند» الفرنسية، فإن تفشي الفيروس في الصين بدأ مع أعطال في أجهزة فحص الفيروسات والأوبئة المعدية بالمستشفيات والمراكز الصحية في ووهان، بشكل جعلها لا تعمل إطلاقا ولا تكشف الحالات المصابة بالفيروسات والأوبئة المعدية.
وبناء عليه، سارعت الأطقم الطبية بمستشفيات ومراكز ووهان، إلى إنذار الحكومة بـ«أعطال أجهزة الفحص وعدم عملها»، إلا أن السلطات أجبرت الأطقم الطبية على عدم البوح بهذه المعلومات لأي كان، ومنعتهم بتعليمات صارمة من «قول هذه المعلومات للعموم، لأنها ليست للنشر»، في المقابل كانت تعمد إلى عدم نشر أخبار تتعلق بتفشي الوباء في بدايته، رغم تسجيل إصابات جديدة بوتيرة مرتفعة. وهنا بدأت الفاجعة.
جاو فو، المدير العام للمركز الصيني للوقاية والأمراض، الذي قال إنه «تفاجأ في نهاية دجنبر الماضي، بوجود حالات مصابة بفيروس غريب يفتك بأجهزتها التنفسية»، سيكتشف في ما بعد أنه فيروس فتاك جديد، من عائلة فيروسات «كورونا»، هو «كوفيد-19».
وقال إن سلطات البلاد أخذت علما بالأمر، وأيضا تم إشعارها قبل ذلك بأعطال متكررة لأجهزة الحاسوب الفاحصة للفيروسات المنقولة عبر البشر، والموجودة في أغلب المستشفيات والمراكز الطبية في ووهان.
وعن فاعليتها، قال الخبير الصيني، كما نقلت «لوموند»: «إنها كانت تعمل ببراعة في عام 2004 وساعدت في كشف سائح كوري مصاب بفيروس «سارس»، وأيضا ساهمت في الحد من عدد الإصابات بالفيروس في البلاد، حيث لم يتعد عدد الإصابات حينها 186 مريضا و32 حالة وفاة».
تصدير معدات لا تعمل
عادة ما تخفي السلطات الصينية ضعف جودة صناعاتها، لنجاح تسويقها وتصديرها إلى دول أخرى. لكن دولا عدة كشفت أن الأجهزة المستوردة من الصين لاختبار الإصابة بكورونا «لا تعمل».
وفي مارس الماضي، باعت الصين إلى كل من إسبانيا وإيطاليا والتشيك الآلاف من أجهزة اختبار الإصابة بفيروس كورونا المستجد، وتبين أن نسبة كبيرة منها لا تعمل.
وأعادت السلطات الإسبانية 9000 جهاز اختبار تم استيرادها من الصين، بسبب نتائجها «غير الموثوقة»، حسب شبكة «سي إن إن»، وتعهدت السلطات الصينية بالتحقيق.
ووفق موقع إخباري تشيكي، وجدت السلطات الصحية أن 80 في المائة من 150 ألف اختبار محمول وسريع للفيروس غير دقيقة في نتائجها.
وأمام هذه «الفضيحة الطبية»، قررت السلطات في التشيك العودة إلى استعمال الأجهزة المختبرية التقليدية، والتي تجري منها حوالي 900 اختبار في اليوم.
إخفاء الصين للمعلومات الصحيحة
ذكرت صحيفة «بلومبرغ» أن تقريرا سريا، قدمته الاستخبارات الأمريكية للبيت الأبيض، أكد أن الصين لم تعط العالم معلومات صحيحة بشأن تفشي فيروس كورونا لديها، وزيفت الكثير من المعلومات.
وخلص التقرير، الذي وصل إلى البيت الأبيض، إلى أن الصين أخفت مدى تفشي الفيروس التاجي على أراضيها، حيث لم تبلغ عن إجمالي الحالات والوفيات بسبب الفيروس.
ونقلت «بلومبرغ» عن مسؤولين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، قولهم إن التقرير سري ورفضوا تفصيل محتوياته، لكنهم قالوا إن الاتجاه هو أن التقارير العامة في الصين عن الحالات والوفيات غير مكتملة عمدا. وقال اثنان منهم إن التقرير خلص إلى أن أرقام الصين مزيفة.
ونقلت الصحيفة عن ديبورا بيركس، الأخصائية في المناعة بوزارة الخارجية الأمريكية، قولها إن «التقارير العامة التي قدمتها الصين أثرت على الافتراضات في أماكن أخرى من العالم حول طبيعة الفيروس، وهذا ما حدث في إيطاليا وإسبانيا».
وزعم مسؤولون غربيون أن الصين ليست الدولة الوحيدة التي لديها تقارير علنية مشبوهة بشأن تفشي كورونا، بل إن إيران وروسيا وإندونيسيا، وخاصة كوريا الشمالية تخفي الحقيقة، لافتين إلى أن دولا أخرى مثل السعودية ومصر قد تقلل من أعداد المصابين لديها.
تلاعب بأرقام الضحايا
نبه موقع «فينانسفيلتماركت»، الاقتصادي الألماني، إلى ما أسماه تلاعب السلطات الصينية بعدد وفيات فيروس كورونا، بوقاحة ودون حرج أمام التناقضات. فقد خفضت بكين عدد وفيات الفيروس لليوم الثالث عشر من الشهر نفسه إلى النصف، أي من 216 إلى 108 فقط، بدعوى أنه تم احتساب عدد الموتى مرتين. الموقع أكد أن السبب الحقيقي يعود إلى رغبة بكين في الحفاظ على نسبة وفيات لا تتجاوز 2.1 في المائة، وبالتالي مواصلة إرسال إشارات الاطمئنان إلى الداخل والخارج، والإيحاء بأن السلطات تواصل سيطرتها على الفيروس. وأن يكون موقع اقتصادي ألماني انتبه إلى هذا التلاعب، ليس من باب الصدفة.
ورغم أن لي كه تشيانغ، رئيس الوزراء الصيني، حذر كوادر الحزب الشيوعي الحاكم من التستر على عدد الإصابات الحقيقي بفيروس كورونا، لمجرد الحفاظ على معدل عند مستوى الصفر، إلا أن العديد من المراقبين الألمان يعتقدون أن ذلك بالضبط هو ما يحدث حاليا، خصوصا بعد إعلان الرئيس شي جين بينغ رسميا الانتصار على الفيروس، وأمر بالعودة إلى النمو الاقتصادي.
مجموعة من الأطباء الإيطاليين رسموا مسار وصول الفيروس إلى إيطاليا، حيث تم رصد أول مريض في لومبارديا في 20 من فبراير الماضي، واستنتجوا أن الفيروس وصل إلى إيطاليا على الأقل في الأول من يناير المنصرم، قبل أن ينتشر بسرعة وصمت في كل أنحاء البلاد. وهو التاريخ نفسه الذي أخبرت فيه الصين منظمة الصحة العالمية بتسجيل عشر إصابات في ووهان، مؤكدة أن الفيروس لا ينتقل بين البشر، قبل أن تفرض الحجر الصحي على المدينة في 22 من الشهر ذاته. تعتيم الصين كلف إيطاليا، كما العالم ثمنا باهظا من حيث هدر الوقت، والتأخر في التصدي للجائحة.