عمل فيروس «كورونا» على حصد أرواح الآلاف من الأشخاص في الصين وإصابة العشرات حول العالم، كما كان السبب في تدهور اقتصادها بالدرجة الأولى والدول المجاورة لها، وكذلك تلك الدول التي تعتمد على الصين في الصناعة. فهناك توقعات اقتصادية سلبية يتنبأ بها المحللون الاقتصاديون في حين تبشر الصين بالتوصل إلى علاج عن طريق بلازما المتعافين منها.
توقعات سلبية
حسب ما ورد في إحدى مذكرات مجموعة «وود ماكنزي» الاستشارية، «يبدو من المحتمل بشكل متزايد أن شهر فبراير سيكون بمثابة ضربة اقتصادية للصين». ويتوقع معظم المتنبئين أن يتراجع نمو الاقتصاد الصيني في الربع الأول من العام قبل أن يتعافى بفضل الحوافز التي ستقدمها الحكومة في وقت لاحق من العام.
كما أن المعنويات بشأن آفاق النمو في الصين آخذة في التدهور. في هذا الصدد، يظهر استطلاع جديد أجراه مديرو صناديق «بنك أوف أمريكا» أن كبار المستثمرين يتوقعون أن تستقر معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة تتجاوز قليلا 5% سنويا على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة.
ووفقا لشركة «وود ماكنزي» الاستشارية، فالمحتمل أنه سيكون من الصعب أن يتعافى الاقتصاد الصيني بسرعة رغم الجهود التي تبذلها بكين لتعزيز الإقراض وخفض أسعار الفائدة.
إلى جانب ذلك، كان من المفترض أن تستمر الشركات الصغيرة والمتوسطة في دفع رواتب العمال الغائبين خلال فترة إغلاقها، لكن الكثير منها لن تكون قادرة على دفع الرواتب نظرا لتقلص إيراداتها. وهذا يعني انخفاض الدخل المتاح للمستهلكين. وهو ما سينجر عنه تحويل فترة التوقف المؤقتة في نسبة الطلب على الصعيد المحلي على السلع الاستهلاكية إلى تدمير دائم محتمل لقاعدة الطلب.
وفي تقرير بمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، قال الكاتب كيث جونسون إن الأثر الاقتصادي المتتالي لتفشي فيروس «كورونا» الجديد في الصين بات ملموسًا أكثر في جميع أنحاء العالم.
وذكر الكاتب أنه على الرغم من إصرار الصين على استقرار معدل الإصابات الجديدة، إلى جانب إخبارها بعودة مواطنيها إلى ممارسة أنشطتهم بشكل طبيعي في وقت سابق من هذا الشهر، فإن الضرر الاقتصادي الذي خلّفه الفيروس يبدو واضحًا داخل الصين.
فلا تزال بعض القطاعات، مثل صناعة السيارات، متوقفة في الوقت الذي تعاني فيه المصانع من تغيب العمال ونقص كبير في سلسلة الإمداد. كما تلقت قطاعات أخرى مثل التعدين والسفر والبناء وتجارة التجزئة ضربة كبيرة لأن المستهلكين والعمال الصينيين، الذين فُرضت عليهم قيود سفر وتنتابهم مخاوف من العدوى، فأوقفوا معظم أنشطتهم المعتادة.
تدابير اقتصادية آسيوية
على الرغم من حدوث معظم حالات العدوى بالفيروسات والوفيات داخل الصين، فإن التداعيات الاقتصادية أصبحت واضحة بشكل متزايد بين جيرانها الآسيويين. على خلفية ذلك، أعلن رئيس كوريا الجنوبية مون جي إن بشكل أساسي يوم الثلاثاء 25 من فبراير الماضي حالة طوارئ اقتصادية، ودعا إلى اتخاذ تدابير للحدّ من الأضرار التي لحقت باقتصاد الصين.
من جهتها، خفضت سنغافورة توقعاتها للنمو هذا العام، وتخطط إلى تقديم حزمة من الحوافز بمليارات الدولارات لتعويض خسائر النشاط الاقتصادي. كما خفضت تايلند وماليزيا توقعات النمو الخاصة بهما.
وتخطط ماليزيا لاتخاذ تدابير تحفيزية اقتصادية لاحتواء الضرر. في المقابل، فإن اليابان، التي توجد بها أكثر حالات الإصابة بالفيروس خارج الصين، من المحتمل أن تواجه تحديّات أكبر بعد أن تراجع نمو اقتصادها في الربع الأخير من العام.
كما أن شركات صناعة السيارات اليابانية مثل «تويوتا» و»نيسان» تشهد تعطّلاً في الإنتاج في المصانع الصينية واليابانية على حد سواء، نظرا للشلل الذي تشهده السياحة الصينية في الوقت الحالي. وهذا من شأنه أن يزيد من مخاطر حدوث ركود في اليابان، التي أطلقت حزمة تحفيز اقتصادي ضخمة في أواخر العام الماضي، وقد تحتاج إلى ضخّ المزيد من الأموال لتفادي حدوث أزمة كاملة.
تدابير اقتصادية أمريكية وأوروبية
إن الشركات الصينية التي تعمل في مشاريع مبادرة «حزام واحد طريق واحد» حول جنوب شرق آسيا ستتكبد خسائر فادحة جراء التأخير وارتفاع التكاليف الناجمة عن تعطل سلسلة الإمداد وانقطاع العمال عن مزاولة أنشطتهم.
ومن المرجح أن تشهد البرازيل، التي تعتمد على السوق الصينية كأكبر شريك تجاري لها، تباطؤا في نسبة النمو هذا العام بسبب تداعيات انتشار المرض.
ومن المحتمل أن يؤدي التباطؤ إلى عرقلة خطط الولايات المتحدة لزيادة صادرات المنتجات الزراعية والطاقة والسلع المصنعة إلى الصين بشكل كبير. من جهة أخرى، تأثرت نسبة إنتاج شركات صناعة السيارات الأوروبية مثل فولكس فاغن، لاسيما في المصانع التي توجد داخل الصين.
وهناك الآن مخاوف متزايدة من حدوث اضطرابات إضافية في سلسلة التوريد التي قد تؤثر سلبا على المصانع الأوروبية.
سيناريوهات اقتصادية محتملة
ندرة الهواتف المحمولة
الصين عملاق صناعي ولكن هناك قطاعات قليلة قد تتأثر أكثر من تأثر صناعة الهواتف النقالة، فالبلد أكبر منتج ومصدر لهذه الأجهزة في العالم، وعلى رأسها هواتف «آيفون» الأكثر مبيعا في جميع أنحاء العالم.
وأعلنت شركة «آبل» العملاقة في 17 فبراير الماضي، أن إنتاج ومبيعات منتجها الرئيسي قد تأثر بتفشي الفيروس، وقالت إن إمدادات أجهزة «آيفون» في جميع أنحاء العالم «ستكون محدودة إلى حين».
وتنبأ مركز الأبحاث بانخفاض سيصل إلى 50 في المائة من تصدير الهواتف النقالة في الصين بين الفترة الواقعة بين أكتوبر الماضي ومارس 2020.
تكدس الماركات العالمية
الصين هي أكبر مصدر للسياح في العالم. فالمال الذي ينفقونه يفوق ما ينفقه أبناء أي جنسية أخرى. وتظهر أحدث الأرقام الصادرة عن أكاديمية السياحة الصينية، أن السياح الصينيين قاموا بحوالي 150 مليون رحلة خارجية في عام 2018، وأنفقوا أكثر من 270 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق الـ 144.2 مليار دولار الذي أنفقه السياح الأمريكيون في الخارج، وفقاً لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة.
وقد أدى تفشي فيروس «كورونا» إلى فرض قيود شديدة على السفر من الصين وإليها، وهذه أخبار سيئة بالنسبة إلى ميانمار وتايلاند وكمبوديا وفيتنام، إذ يمثل الزوار الصينيون أكثر من خمس إجمالي عدد السياح الوافدين إلى هذه الدول.
«إذا استمرت الأوضاع على هذا المنوال، فقد أخسر وظيفتي في المستقبل»، يقول تشومفونت سوبراديتابرون، مدير «باريس لوك» (وهو متجر لبيع بضائع معفاة من الرسوم الجمركية في وسط المدينة).
تراجع أسعار تذاكر الطيران
تسببت قيود السفر المفروضة بسبب فيروس كورونا بعرقلة الرحلات الجوية الوطنية والدولية في الصين إلى حد كبير.
وقالت الرابطة الدولية للنقل الجوي في 21 فبراير الماضي، إن شركات الطيران ستخسر 29.3 مليار دولار من إيراداتها في عام 2020 بسبب فيروس كورونا.
إنها أخبار سيئة للغاية خاصة للشركات في الصين وبقية بلدان آسيا والمحيط الهادئ، والتي من المتوقع أن تتكبد خسائر تتجاوز 27 مليار دولار مجتمعة، ولا غرابة في ذلك لأن المنطقة تقود زيادة الطلب على الرحلات الجوية على المستوى العالمي.
وقال الكسندر دي يونياك، المدير العام لاتحاد النقل الجوي «تتخذ شركات الطيران قرارات صعبة لخفض عدد رحلاتها، وفي بعض الأحيان إلغاء محطات برمتها، ستكون هذه سنة صعبة للغاية لشركات الطيران» لكن ذلك سيكون لصالح المسافرين، حيث يعتقد بعض الخبراء أن شركات الطيران ستضطر إلى خفض أسعار التذاكر بشكل عام لتعويض خسائرها. وقال بيتر هاربيسون، وهو خبير في مجال الطيران لمجلة «المسافر»: «سيتعين على شركات الطيران، الاستجابة لتداعيات انتشار الفيروس وخفض أسعارها.
رخص النفط والمعادن
حلّت الصين محل الولايات المتحدة كشريك تجاري رئيسي لإفريقيا في عام 2009، بفضل تجارة المواد الأولية بشكل رئيسي، فعلى سبيل المثال، تصدر أنغولا 67 في المائة من نفطها إلى الصين، وفقا لإحدى مراكز الأبحاث.
لكن أفادت وكالة بلومبيرغ للأنباء في بداية شهر فبراير الماضي، أن الطلب الإجمالي للصين على النفط انخفض بنسبة 20 في المائة، وأدى ذلك إلى انخفاض الأسعار على جميع الأصعدة. كما حققت قيمة النحاس، وهي سلعة أخرى تصدرها البلدان الإفريقية إلى الصين، نجاحاً كبيراً.
ويقدر ديرك ويليم تي فيلدي، وهو باحث بمعهد التنمية لما وراء البحار في لندن، أن الدول الإفريقية ستمنى بخسائر في مجال الصادرات تصل قيمتها إلى 4 مليارات دولار».
منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية
حذرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أول أمس من التداعيات الكبيرة لتفشّي فيروس «كورونا» المستجد على الاقتصاد العالمي الذي توقعت ألا تتخطى نسبة نموه 2,4% هذا العام، فيما ستتحرك مجموعة السبع ومنطقة اليورو لإيجاد سبل للتنسيق لمواجهة الأزمة.
ويواجه الاقتصاد العالمي في الأساس خطر الانكماش في الربع الأول من العام، بحسب المنظمة. وفي نونبر، توقّعت المنظمة أن يبلغ إجمالي الناتج الداخلي العالمي 2,9%، وهو كان أصلاً في أدنى مستوى منذ أزمة 2008-2009 المالية.
وهذه أول مؤسسة دولية كبرى تنشر توقعاتها بشأن أثر تفشي الفيروس على الاقتصاد العالمي. وأوضحت أن السيناريو الأساسي الذي تنتظره هو أزمة صحية تبلغ ذروتها في الصين في الربع الأول من عام 2020، ستبقى خلالها بؤر المرض في دول أخرى تحت السيطرة.
وسينخفض النمو العالمي بالنصف إلى نحو 1,4% في حال دام تفشي الفيروس أكثر وتوسع في آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا وأمريكا الشمالية، بحسب المنظمة. وسيشهد العالم في هذه الحالة تقلصاً بنسبة 3,2% في التجارة العالمية.
وتفاديا لهذا السيناريو الكارثي، يعقد وزراء مالية مجموعة السبع اجتماعاً عبر الهاتف هذا الأسبوع بهدف «تنسيق استجاباتهم» للأزمة، كما أعلن وزير المال الفرنسي برونو لومير.
وأعلن رئيس منطقة اليورو البرتغالي ماريو سينتينو من جهته عبر تويتر عن اجتماع مماثل لوزراء مالية المنطقة.
وبعدما شهدت مؤشرات البورصة الأوروبية أكبر تراجع منذ 12 عاماً الأسبوع الماضي، تتوقع الأسواق تدخلاً من المصارف المركزية بعدما أكد رئيس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي أنه مستعد للتدخل إذا لزم الأمر.
وأوصى من جانبه حاكم مصرف فرنسا فرنسوا فيليروي دو غالو بعدم «المبالغة بردة الفعل»، معتبراً سياسته النقدية «شديدة المرونة أصلاً». واعتبر بدوره بنك التسويات الدولية (وهو بمثابة المصرف المركزي للمصارف المركزية العالمية)، أن النظام المالي العالمي أكثر متانة مما كان عليه في عام 2008، لكن حذر من أن الآمال في انتعاش سريع «غير واقعية إطلاقاً».
يعود ذلك أساساً لواقع أن الصين، محرّك الاقتصاد العالمي، ستحقق نمواً بنسبة 4,9% هذا العام فقط إذا بلغ تفشي الفيروس ذروته في مارس الجاري. وستغرق معها كافة الاقتصادات الكبرى، كما حذرت المنظمة.
في منطقة اليورو، سيتراوح النمو بين 0,8 و0,9% في فرنسا، وسيكون صفرا في إيطاليا البؤرة الأساسية لتفشي كوفيد-19 في أوروبا. ويتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة 0,3% فقط.
وتعاني اليابان أيضاً جراء الأزمة الصحية مع نمو عند 0,2%. لكن أداء الولايات المتحدة سيكون أفضل مع نسبة نمو تساوي 1,9%.
وتوضح منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ومقرها باريس «تقلص الإنتاج في الصين له أثر على العالم أجمع، في دليل على الأهمية المتنامية للصين في سلاسل الإمداد العالمية وعلى أسواق المواد الأولية».
دواء «كورونا»
أظهرت الصين تقدما واضحا في محاولات السيطرة على الفيروس وسط تفشيه في دول العالم، ففي منتصف الشهر الماضي حثت الصين المرضى الذين تعافوا من فيروس «كورونا» على التبرع بالدم حتى يمكن استخراج البلازما لعلاج الآخرين.
ووفقا لتقرير وكالة الأنباء الصينية «xinhuanet»، قدمت الصين العلاج بالبلازما لـ245 مريضا بفيروس كورونا COVID-19 يوم 28 فبراير الماضي، وأظهرت النتائج تحسن 91 حالة في المؤشرات السريرية والسيطرة على الأعراض.
وأعلنت الصين أنه تم جمع ما يصل إلى 544 جرعة من البلازما من المرضى بفيروس «كورونا» الجديد COVID-19 في جميع أنحاء البلاد لبدء العلاج بالبلازما للمرضى.
ومن جانبه، قال قوه يان هونج، المسؤول في اللجنة الوطنية للصحة (NHC) في مؤتمر صحفي، إن العلاج بالبلازما أثبت أنه آمن وفعال.
وأضاف وانج جوي شيانج مدير قسم الأمراض المعدية بمستشفى جامعة بكين الأول، إنه تم تحديد الأجسام المضادة المحايدة ضد الفيروس الجديد في بلازما المرضى الذين تم شفاؤهم وكانوا في فترة النقاهة.
كما دعا وانج إلى اختبار الأجسام المضادة قبل التبرع بالبلازما لضمان فعالية العلاج أولا، مضيفا أن الصين أنشأت فرق عمل خبيرة على المستويين الإقليمي والوطني لتحليل وتحسين استخدام علاج البلازما، كما أن اللجنة الوطنية للصحة تعمل مع السلطات الأخرى لتحفيز المزيد من المرضى الذين تم شفاؤهم للتبرع بالبلازما.
وأشارت الصين إلى أنه تم جمع أول جرعة من البلازما النقية من مريض COVID-19 في الأول من فبراير الماضي وتلقى أول مريض مصاب العلاج في مستشفى في ووهان، عاصمة مقاطعة هوبي التي ضربها الفيروس، في 9 فبراير الماضي، وأعلن شفاؤه.