هكذا يعاني سكان الأحياء العشوائية بالشمال من التهميش والإقصاء
استغلال سياسي ولوبيات متحكمة ومناطق تتحول إلى مشاتل للإجرام والتطرف
تطوان: حسن الخضراوي
تحولت مجموعة من الأحياء العشوائية بمدن الشمال، من قبيل حي الديزة بمرتيل، وحي كرة السبع وجامع مزواق بتطوان، وحي رأس الوطا وحومة الواد والحومة الكحلة بالفنيدق، والبوير بجماعة أزلا..، إلى مشاتل لتفريخ الإجرام والاتجار في المخدرات بأنواعها، فضلا عن مشكل استقطاب الشباب من طرف شبكات التطرف الديني، ناهيك عن خطر الاستغلال من قبل مافيا التهريب المنظم وتبييض الأموال والاتجار في الممنوعات، وهو الشيء الذي يساهم في خلق مشاكل وإكراهات تصعب مواجهتها وفق المقاربة الأمنية الجافة في غياب المقاربات الاجتماعية وتوفير الشغل لفئة الشباب العاطل.
وتستنزف برامج إعادة الهيكلة ومشاريع الحماية من الفيضانات بالنسبة للأحياء العشوائية التي شيدت داخل مجاري الوديان في ظروف غامضة، ميزانيات كبيرة من المال العام يتم رصدها للتخفيف من أضرار تسرب مياه الأمطار إلى المنازل، وقد كان بالإمكان بحسب مصادر اتخاذ إجراءات استباقية تحول دون البناء وسط الوديان والأماكن الخطيرة، لكن الاستغلال السياسي لظاهرة البناء العشوائي من طرف الأحزاب السياسية واللوبيات المتحكمة يحول دون تنفيذ عدد من الإجراءات الصارمة، سيما والمعاناة الاجتماعية للأسر الفقيرة وغياب البديل الحقيقي أو تغييبه على الأصح من طرف المجالس الجماعية التي تعيش أغلبها صراعات شخصية فارغة وتصفية حسابات لا تخدم الشأن العام المحلي في شيء.
لوبيات البناء العشوائي بالفنيدق ومرتيل سبق ونسقت مع العديد من السياسيين بطرق ملتوية، من أجل التغاضي عن مشاكل التجزيء السري وبيع القطع الأرضية بواسطة عقود عرفية، فضلا عن استغلال الرخص الانفرادية من أجل البناء، والحصول بعد ذلك على شهادات إدارية تسهل الربط بشبكة الماء والكهرباء، ناهيك عن التلاعبات التي شابت بعض الملفات وأدت إلى تنبيه عدد من رؤساء الجماعات بالساحل الشمالي، و خروج قرار عزل رئيس جماعة مرتيل السابق، علي أمنيول ونائبه عبد الخالق بنعبود، وكذا مقاضاة رئيس جماعة المضيق من طرف العمالة، في انتظار نتائج تقارير لجان التفتيش التابعة لوزارة الداخلية في خروقات تعميرية بالجملة وعشوائية قاتلة تشهدها جماعات ترابية من قبيل جماعة أزلا وجماعة واد لو والمناطق المجاورة لها.
عشوائية قاتلة
من خلال الجولة التي قام بها طاقم “الأخبار” لزيارة كل من الأحياء العشوائية الموجودة بتطوان ومدن عمالة المضيق-الفنيدق وجماعة أزلا والمناطق المجاورة، تبين أن العشوائية القاتلة هي المشترك الذي تتقاسمه الأحياء الهامشية، وما ينتج عنها من مشاكل تتعلق بضيق الأزقة والطرق غير المعبدة التي تتحول إلى أوحال يصعب معها المرور، ناهيك عن تدني جودة النظافة وفوضى أسلاك شبكة الكهرباء العمومية، ومشاكل اختناق قنوات الواد الحار، واضطرار المصالح المختصة للتدخل بشكل متكرر بالنقط السوداء.
ويعاني سكان حي الديزة العشوائي بمرتيل من مشاكل لاحصر لها، تتعلق بهشاشة البنيات التحتية والروائح الكريهة التي تنبعث من الدرع الميت لوادي مرتيل، فضلا عن خطر الفيضانات الذي يعود شبحه مع كل فصل شتاء من السنة والتساقطات المطرية الغزيرة وارتفاع منسوب أمواج البحر الأبيض المتوسط.
العديد من السماسرة والسياسيين الفاسدين، ساهموا في اتساع رقعة البناء العشوائي بحي الديزة، وذلك بتسهيلهم لعمليات المصادقة على العقود العرفية والتجزيء السري، فضلا عن تغاضي المسؤولين على مشكل البناء داخل المياه، في غياب أدنى شروط السلامة والوقاية من الأخطار، وفي واضحة النهار.
فشل رؤساء الجماعات الذين تعاقبوا على تسيير الجماعة الحضرية لمرتيل، في إطلاق مشاريع حقيقية لتسهيل حصول المواطن على السكن اللائق، ساهم في تدمير جمالية المدينة التي تتطلع لتكون قبلة للمشاريع السياحية، وانتشار العشوائية والفوضى وتوافد العديد من سكان القرى النائية للاستقرار بالهوامش والسكن في ظروف مزرية.
انتشار العشوائية بأحياء مرتيل استنزف ميزانيات مهمة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كان بالإمكان صرفها في مشاريع أخرى، ويتعلق الأمر ببرامج إعادة الهيكلة وتحمل جزء من مصاريف تجهيز البنيات التحتية واكراهات توفير المرافق العمومية الضرورية، كالمساحات الخضراء والملاعب والفضاءات العامة.
ويشكل حي الديزة العشوائي بمرتيل خزانا انتخابيا لمجموعة من الأحزاب السياسية التي تتهافت عليه عند كل محطة انتخابية وتقوم بتوزيع وعود بالجملة، ترتبط بالإصلاح ورفع المعاناة وتجويد الخدمات، لكن سرعان ما تعود الأمور إلى سابق عهدها بمجرد ظهور النتائج، حيث يتبخر كل شيء وتستمر معاناة السكان إلى وقت غير معلوم.
فيضانات خطيرة
من مشاكل البناء العشوائي المستعصية، نذكر مشكل البناء داخل مجاري الوديان في ظروف غامضة، كما هو الشأن بالنسبة لحي كنديسى السفلي وحومة الواد بالفنيدق، فضلا عن حي الديزة الذي شيد فوق المياه من الأصل وجزء من حي كويلمة بتطوان، حيث تتسبب التساقطات المطرية في تسرب المياه إلى المنازل، وضياع الأثاث والتجهيزات، فضلا عن خلق الهلع في نفوس الأطفال والنساء، سيما وضعف تدخل لجان اليقظة وصعوبة تصريف مياه الأمطار في غياب قنوات كبيرة وبنيات تحتية هشة تم إنجازها كترقيع فقط.
وقال مستشار بجماعة الفنيدق، إن تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، يقتضي مساءلة كل من يسهر على التدبير حاليا وسابقا، والبحث في أسباب انتشار البناء العشوائي، والجهات التي استفادت بشكل خفي وحققت أموالا طائلة من وراء بيع القطع الأرضية بشكل عرفي والتجزيء السري والتغاضي عن البناء وسط مجاري الوديان.
المتحدث نفسه كشف أن المجالس الجماعية وعوض مساهمتها في تنظيم التعمير والبناء والعمل على تسهيل المساطر القانونية، انخرطت في الاستغلال السياسي لظاهرة العشوائية حيث تم توزيع رخص البناء الإنفرادية بالجملة وشهادات الربط بالماء والكهرباء، ناهيك عن رخص الإصلاح التي تستعمل في إضافة طوابق عشوائية، وضيق الأزقة والطرق واستحالة وصول رجال الإطفاء والإسعاف وشاحنات إصلاح الكهرباء العمومية إلى العديد من المنازل المعلقة بالجبال، وكأن الأمر يتعلق بقرى نائية وليس مدن سياحية تتطلع لمستقبل زاهر بخصوص جلب الاستثمارات والقطع مع الاقتصاد غير المهيكل.
واستنادا إلى المتحدث ذاته فإن مشروع حماية أحياء الفنيدق من الفيضانات كلف ميزانيات كبيرة من المال العام بلغت أكثر من 16,8 مليون درهم ، وهو الآن قيد التنفيذ بحي كنديسى السفلي وحومة الواد، لكن معاناة السكان مع ضيق الأزقة وغياب أرصفة الراجلين، ومشاكل اختناق الواد الحار وهشاشة البنيات التحتية، والافتقار إلى المساحات الخضراء وعدم وصول أشعة الشمس إلى غرف المنازل، ستبقى مستمرة لاستحالة حلول الهدم وإعادة الإسكان من جديد.
وقام عامل المضيق-الفنيدق بزيارات مفاجئة لمجموعة من الأحياء العشوائية بمدن الإقليم، حيث وقف على معاناة العديد من السكان واستمع الى مشاكلهم، كما اطلع على استمرار البناء العشوائي ببعض المناطق الهامشية، وأمر السلطات المحلية بإنجاز تقارير مفصلة في الموضوع قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتنزيل دورية وتعليمات وزير الداخلية في الموضوع.
إلى ذلك يهدف مشروع الحماية من الفيضانات بالفنيدق، الذي أشرف على إعطاء انطلاقته عامل الإقليم في وقت سابق، إلى التقليص من أخطار الفيضانات وتدفق مياه وادي كنديسى على الساكنة، فضلا عن حماية حومة الواد من تسرب مياه الأمطار الى المنازل، والتسبب في خسارات مادية جسيمة عند كل فصل شتاء من السنة.
جريمة وتطرف
خلال الجولة التي قامت بها “الأخبار” بالأحياء العشوائية بمدن الشمال، تبادلنا أطراف الحديث مع بعض آباء وأولياء التلاميذ، فكان هاجسهم الأول هو الخوف على أبنائهم من خطر الإدمان والرفقة السيئة، والاستقطاب من طرف شبكات الإتجار في المخدرات القوية والسرقة بالعنف، أو الارتماء في أحضان شبكات التطرف الديني التي تلعب على وتر الفقر والبطالة الحساس، وتعد جميع الشباب اليائس بالعيش في فردوس الآخرة والحور العين، إن هو قبل بالسفر إلى بؤر التوتر بسوريا والعراق وليبيا للمشاركة هناك في الحروب الطاحنة ونصرة المسلمين على حد زعمهم.
شخص يقطن بحي عشوائي بالشمال، رفض الكشف عن هويته لحساسية الموضوع، قال إن شقيقه القاصر كان يتابع دراسته بشكل جيد وكان مجتهدا ويحصل على نتائج مستحسنة، لكن تم استقطابه من طرف شبكة متطرفة أقنعته بالسفر إلى سوريا عبر تركيا من أجل الجهاد في سبيل الله، وقد تم ذلك دون أن تلاحظ الأسرة أي تغيير في سلوكه أو تنتبه لتغيبه مرات عن الدروس.
وأضاف المتحدث نفسه أن خبر سفر شقيقه إلى سوريا نزل كالصاعقة على جميع أفراد الأسرة، لكن شاءت الأقدار أن يتم القاء القبض عليه على مستوى الحدود التركية السورية بمدينة اسمها غازي عنتب، حيث تمت إعادته الى تونس ومن ثم إلى الدار البيضاء، لتتسلمه الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ويتم التحقيق معه والحكم عليه بسنوات من السجن مازال يقضيها حتى الآن بسجن سلا.
شبكة التطرف التي استقطبت شقيقه بحسب المتحدث ذاته لجأت إلى العزف على وتر المعاناة الاجتماعية التي تعيشها الأسر الفقيرة بالأحياء العشوائية، والهوة الواسعة بين الفقر المدقع والغنى الفاحش بالشمال، فضلا عن انتشار القطاعات غير المهيكلة وتجارة التهريب وتنافس الشباب في جمع الثروات بطرق غير قانونية، واللجوء إلى ما يسمى ضربات الحظ مع المافيات الإجرامية عوض الجد والمثابرة والتحصيل العلمي والتدرج في الكسب المشروع والمنافسة الشريفة.
وتباشر السلطات الأمنية بالشمال حملات منظمة ودوريات مكثفة، لمحاربة الجريمة والإتجار في المخدرات بأنواعها داخل الأحياء العشوائية والنقط السوادء، حيث يتم إلقاء القبض على العديد من المتهمين والمطلوبين للعدالة بموجب مذكرات بحث قضائية، لكن المقاربة الأمنية تبقى غير كافية لوحدها في غياب مقاربات موازية تتعلق بالسياسات العمومية ورفع الحكومة من نسبة النمو لخلق مناصب شغل للشباب وتوفير السكن اللائق والمرافق العمومية والقطع مع جميع الأسباب التي توفر الأجواء والبيئة المناسبة لتفريخ الجريمة وتشتيت شمل الأسر والهدر المدرسي وكل الآثار السلبية المتعلقة بما سبق.
فشل المجالس
فشلت المجالس الجماعية بالشمال بشكل ذريع في الحد من اتساع ظاهرة البناء العشوائي والاعتداء على الملك العام الغابوي، وذلك بسبب غياب استراتيجيات واضحة لتوفير البديل الحقيقي، الذي يضمن حق المواطنين الفقراء في السكن اللائق والاستفادة من المرافق العمومية وكذا احترام شروط الصحة والسلامة والوقاية من الأخطار.
وكشفت مصادر مطلعة أن الأغلبيات المسيرة تعيش صراعات داخلية وخلافات حادة وتصفية حسابات شخصية تحول دون التنسيق أو الاجتهاد من أجل البحث عن حلول ناجعة لمشكل البناء العشوائي، ناهيك عن تزكية الأحزاب السياسية لأشخاص لا يتوفرون على أي تجربة أو كفاءة يمكنهم من خلالها تجويد الخدمات والسهر على ملفات تسيير الشأن العام المحلي والإبداع في الحلول عوض الركون الى تدبير الأمر الواقع والاستغراق في المشاريع الترقيعية.
واستنادا إلى المصادر نفسها فان البناء العشوائي لا يمكن أن يشكل حلا لمشكل السكن بالنسبة للطبقات الفقيرة، لأنه يرتبط بالرشوة والفساد، وتستفيد منه لوبيات متحكمة تغرق الأحياء في العشوائية، ما يتطلب تدخل الدولة في كل مرة لتدارك الأمر بواسطة برامج إعادة الهيكلة واستنزاف المال العام، ناهيك عن صعوبات وتعقيدات تنفيذ المشاريع.
وحسب العديد من المهتمين فإن الجماعات الترابية بالشمال متأخرة بشكل كبير في مسايرة الرؤية الملكية بخصوص هيكلة القطاعات، وتوفير المناخ المناسب للاستثمارات وتجهيز البنيات التحتية، فضلا عن القطع مع العشوائية في التدبير وتنزيل بنود الدستور الجديد الذي يضمن للمواطن حقوق السكن اللائق والشغل والكرامة.