أنجزت وزارة الاقتصاد والمالية تقريرا يتضمن معطيات صادمة حول اختلالات خطيرة يعرفها قطاع الصحة، رغم الإمكانيات المادية الضخمة التي ترصدها الدولة لهذا القطاع. ومن بين هذه الاختلالات تدهور وضعية المستشفيات والمراكز الصحية، وتعثر مشاريع بناء وتأهيل المراكز الاستشفائية الجامعية الممولة من منحة دول مجلس التعاون الخليجي، وإتلاف حوالي 20 في المائة من الأدوية المخصصة للمستشفيات.
وجاء تقرير الوزارة بناء على التعليمات الملكية الواردة في خطاب العرش لسنة 2018، حيث دعا الملك محمد السادس إلى تصحيح الاختلالات التي يعرفها تنفيذ برنامج التغطية الصحية “RAMED”، بموازاة مع إعادة النظر، بشكل جذري، في المنظومة الوطنية للصحة، التي تعرف تفاوتات صارخة، وضعفا في التدبير. وفي هذا الإطار، ومن أجل وضع خارطة طريق للإصلاح الشامل للمنظومة الصحية الحالية، تشكلت ثلاث لجان تقنية بوزارة المالية مهمتها إنجاز دراسة حول الحكامة، الموارد البشرية ونظام المساعدة الطبية “راميد”.
وأشار التقرير إلى أن الدولة خصصت ميزانية كبيرة لدعم القطاع الصحي، حيث ارتفع حجم الميزانية القطاعية لوزارة الصحة، من أجل توفير البنية التحتية الاستشفائية وتحسين العرض الصحي لفائدة المواطنين، وتم تخصيص مبلغ يناهز 168 مليار درهم ما بين سنتي 2002 و2018، بمعدل سنوي يناهز 10,5 مليارات درهم، كما عملت على رفع الاعتمادات المرصودة للوزارة في مشروع قانون المالية لسنة 2019، بحيث وصلت إلى 16,33 مليار درهم مقابل 14,79 مليار درهم خلال السنة الماضية، أي بزيادة 10,41 في المائة، وكذلك الاعتمادات المخصصة لنظام المساعدة الطبية «راميد»، والتي تبلغ قيمتها 9 مليارات درهم سنويا منذ سنة 2007، بالإضافة إلى الهبة الممنوحة من طرف دول مجلس التعاون الخليجي من أجل بناء المستشفيات الجامعية، وتبلغ قيمتها 8 ملايير درهم. وينضاف كل هذا إلى المجهود الذي بذلته الدولة من أجل تحسين البنيات الأساسية للمستشفيات، من خلال تخصيص اعتمادات مالية بمبلغ مليار درهم سنويا ابتداء من سنة 2016. وأبرز التقرير أن هذا المجهود مكن المغرب من التوفر حاليا على 148 مستشفى، من بينها خمس مستشفيات جامعية و2890 مركزا صحيا.
اختلالات في الهبة المالية التي قدمتها دول مجلس التعاون الخليجي
وسجل التقرير، كذلك، اختلالات في صرف الهبة المالية التي قدمتها دول مجلس التعاون الخليجي لوزارة الصحة، والتي تقدر قيمتها بـ 8 ملايير درهم، كانت مخصصة لبناء مستشفيات جامعية بطنجة وأكادير وإعادة بناء مستشفى جامعي بالرباط ابن سينا. وكشف التقرير وجود تعثر كبير في هذه المشاريع، حيث تسير الأشغال ببطء شديد بكل من المستشفى الجامعي بمدينة طنجة والمستشفى الجامعي بمدينة أكادير، فيما لم تبدأ الأشغال بالمستشفى الجامعي الجديد بالرباط. وأكد التقرير أنه لحدود هذه السنة لم تصرف الوزارة سوى 1,2 مليار درهم. وبالنسبة لبرنامج تأهيل البنيات التحتية الاستشفائية، التي تكلف مليار درهم كل سنة ابتداء من 2016، لاحظ التقرير أن هناك تعثرا كبيرا في تنفيذ البرنامج، كما أن المراكز الصحية لا تستفيد من هذا البرنامج.
وعلى مستوى تدبير الأدوية، أوضح التقرير أن الدولة خصصت ميزانية مهمة لشراء الأدوية والمستلزمات الطبية، حيث رصدت لذلك مبلغا ماليا يقارب ملياري درهم سنويا، من خلال الصندوق الخاص بالصيدلية المركزية. وأكد التقرير أن تزويد المؤسسات الصحية بالأدوية لازال يثير الكثير من الانشغال، بسبب ضعف الحكامة في تدبير هذا القطاع الحيوي، الأمر الذي ينعكس سلبا على المرضى الموجه لهم هذا الدواء. ومن مظاهر سوء تدبير هذا القطاع، تضمن التقرير معلومات خطيرة، تتعلق بنسبة ضياع الأدوية بعد انتهاء مدة صلاحيتها، بنسبة تقارب 20 في المائة تسجل على مستوى سلسلة التموين بالأدوية، بالإضافة إلى عدة اختلالات مسجلة على مستوى دورة التموين (عقد الصفقات، التخزين، النقل…)، وتأخيرات مهمة مسجلة في مجال عقد صفقات شراء الأدوية، حيث إنه عند وصول الأدوية إلى المستشفى تكون طلباته الأصلية متجاوزة.
وتطرق التقرير، كذلك، إلى الاختلالات التي يعرفها نظام المساعدة الطبية “راميد”، الذي تم تعميمه على جل مناطق المغرب منذ سنة 2012. ولإنجاح ذلك عبأت الدولة ما يزيد عن 9 مليارات درهم إضافية لقطاع الصحة. ورغم هذه المجهودات المالية يعيش نظام «راميد» عدة صعوبات تتجلى في تعميم النظام دون الاستفادة وتقييم التجربة الرائدة التي تمت على مستوى جهة بني ملال، بالإضافة إلى النقص لحاصل على مستوى المستشفيات نتيجة التأخيرات الحاصلة في إنجاز المراكز الاستشفائية الجامعية، وبرنامج تأهيل المستشفيات وإشكاليات الموارد البشرية، فضلا عن مشكل تحديد الفئات المستفيدة، حيث إنه يفتح المجال لاستفادة فئات من السكان يمكنها الاستفادة من التغطية الصحية الإجبارية دون أن تتوفر فيها شروط الفقر والهشاشة.