إعداد: مونية الدلحي
إن الصدمة النفسية أو الخوف الذي يصيب الطفل في الصغر ولا يختفي أبدا، هو في الواقع السبب الذي يمكن أن يحول الخوف إلى حالة رهاب أو فوبيا في المستقبل، أي لدرجة أنه يصبح خوفا قويا جدا لا تمكن السيطرة عليه.
عند البشر من الممكن أن يتحول كل شيء إلى رهاب، مثلا الخوف من العواصف أو الخوف من الكلاب أو نوع معين من الحيوانات، أو حتى الخوف من الظلام أو من قشرة الكيوي، بحيث إن الخوف أو الصدمة النفسية، بالإضافة إلى آلية تجنب الأشياء المخيفة، هي المكونات الرئيسية التي تحول الخوف إلى رهاب.
وقد يكون العلاج التقليدي، الذي يعتمد على الواقع الافتراضي، العلاج الممكن لهذه الحالات.
إن الخوف شعور طبيعي وغالبا ما يكون ضروريا من أجل البقاء، لكن الرهاب يعرف بكونه مستوى كبيرا جدا من الخوف المرضي الذي يتعارض مع الخوف الطبيعي الضروري من أجل البقاء على قيد الحياة. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي الرهاب إلى تجنب الأماكن التي يمكن للمرء أن يجد فيها العناكب، أو قد يرفض الرحلات الممتعة التي قد تتطلب ركوب الطائرة.
ويشرح الدكتور ستيفان بوشار، خبير علم النفس ومشاكل اضطرابات القلق، وباحث في علم النفس السيبراني السريري، موضوع الرهاب لوسائل إعلام، ويقول إنه يمكن أن يأتي الرهاب من صدمة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، أو قد لا يكون له أي مبرر مطلقا.
وبحسب الباحث يمكن أن يتطور الرهاب أثناء الطفولة، مثل الخوف من الظلام، وهو الخوف الذي يعاني منه أغلبية الأطفال، ويعتبرون أن الظلام مكان تخرج منه الأشباح وتختبئ فيه. لكن، بشكل عام، فإن الخوف من الظلام يتلاشى في العادة خلال فترة المراهقة، عندما تظهر سلوكيات جديدة للمراهقة والتي تنهي آلية التجنب التي تغذي الرهاب، لكنها عند بعض الأشخاص قد تستمر في الكثير من الأحيان.
النساء أكثر عرضة للرهاب
يشرح الدكتور بوشار أن النساء أكثر عرضة بنسبة مرتفعة شيئا ما للرهاب من الرجال، وهناك حوالي 25 في المائة من الأسباب المرتبطة بالوراثة، إذ إن الوراثة تلعب دورا في الإصابة بالرهاب.
الأسباب المؤدية للرهاب
بالنسبة للدكتور بوشار، فإن ثلث الأشخاص الذين يعانون من الرهاب شهدوا حدثا ترك علامة لديهم، وتسبب لهم في حالة الرهاب هاته التي يعانون منها، من قبيل التعرض لهجوم من قبل كلب أو عضة كلب، على سبيل المثال. بينما الثلث الآخر يكون السبب لديهم هو المشاهدة مثلا، قد يصاب الطفل بالرهاب في حال كانت والدته مثلا تعاني من رهاب القطط، فهناك احتمال كبير بأن يصاب هو أيضا بالرهاب نفسه، أو مثلا مشاهدة تحطم طائرة عبر شاشة التلفزيون، وهو مشهد يترسخ في ذاكرته ولا يستطيع نسيانه، وبالتالي يصاب هو كذلك برهاب الطائرة، أما الثلث الأخير فقد يصابون بالرهاب دون أن تكون لديهم أية فكرة عن السبب الذي جعلهم يصابون بهذا النوع من الاضطراب، أو سبب هذا الرهاب الذي يصيبهم. ويقول الدكتور بوشار، في معرض حديثه، “في النهاية، ومهما كان السبب، فإن معدل نجاح العلاج المعرفي السلوكي سيكون هو نفسه، أي مهما اختلفت الأسباب فمن الممكن الوصول للنتيجة نفسها”.
الآلية التي تحول الخوف إلى رهاب
تجنب النظر لشيء ما باعتباره تهديدا في الواقع، لا يعني أن الشخص يحمي نفسه من ذلك الشيء، لكن الأمر يتحول في ما بعد إلى حالة رهاب. يقول الدكتور بوشار: «في كل مرة أرى فيها عنكبوتا أذهب بعيدا، بهذه الطريقة أبقي المعلومات المخزنة في نظامي الحوفي «منطقة الدماغ المسؤولة عن الملاحظات التي ترمز إلى الخوف». في الدماغ، يتم تشفير الخوف في اللوزة وهي مركز العواطف، وهي جزء من الجهاز الحوفي. عندما يتلقى إشارة من المهاد، الذي يتلقى تصوراتنا أي الصور التي نشاهدها، فإنه يتسلم فقط إشارة الخوف، والتي ترتفع بعد ذلك إلى الحصين وهو مقعد الذاكرة. يمكن للحصين والمناطق الأخرى المرتبطة بتحليل المعلومات أن تعطي بدورها إشارة تهدئة إلى اللوزة، إذا وجد الإدراك تفسيرا مطمئنا منطقيا، ولكن هذا لا يمكن أن يحدث إلا في عشر ميلي من الثانية بعد إشارة الخوف.
يقول الدكتور بوشار: «في حالة الرهاب، تتفاعل اللوزة العضلية بقوة لدرجة أن الإشارة التصحيحية لم تعد تصحح».
التعرض للخوف سبب للشفاء
لا يوجد سوى حل واحد لعلاج الرهاب، وهو التعرض التدريجي لمصدر الخوف. يوضح الدكتور بوشار «عندما تخاف من الظلام، تجب محاولة التغلب عليه بمواجهته، بحيث يتم ترك القليل من الضوء بداية، بعدها وبوجود شخص آخر في الغرفة يتم غلق الباب، وبعدها يتم الاستغناء عن الشخص في الغرفة مع نومه في الغرفة المجاورة وهكذا.
من المهم جدا في هذه المرحلة الاستعانة بأخصائي في العلاج المعرفي والسلوكي، والذي سيساعد الشخص على استبدال السلوك غير اللائق بآخر، وفقا لما يرغب فيه المريض، وبالتالي إنشاء صلة بين المعالج والمريض. وسيعتمد العلاج دائما على مواجهة الخوف، في حال وجود رهاب من العناكب، سيقوم الطبيب بعرض صور العنكبوت على المريض، وبعدها سيعرض عليه عنكبوتا من البلاستيك، ثم عنكبوتا مصنوعا من مادة أقرب إلى الحقيقة، وبعدها سيعرض عليه عنكبوتا محفوظا في برطمان، ثم بعدها قد يتم فتح الجرة.
يتطلب علاج الخوف بالخوف جرعات صحيحة والاعتماد على العلاقة الجيدة بين المعالج والمريض، الذي سيتعين عليه أن يمارس العنف مع نفسه. يقول الدكتور بوشار: “لقد عرفنا منذ أواخر الثمانينيات أن هذه التقنية تعمل في 90 في المائة من الحالات وتعطي نتائج بعد عشرة إلى اثني عشر أسبوعا من العلاج”.
الواقع الافتراضي طريقة جيدة في العلاج
إنها تقنية قد تكون متبعة منذ الثمانينيات، وبالنسبة للواقع الافتراضي، يقول الدكتور بوشار، فإنها خاصية العلاج نفسها، غير أنه في هذه الحالة من العلاج، فإن المعالج ليس في حاجة إلى جلب عنكبوت حقيقي إلى منزله، بحيث إنه، في الواقع الافتراضي، يمكن للمعالج التحكم في جميع معلومات التجربة، مثلا شكل الغرفة أو الموقع أو حجم العنكبوت، سواء كان يتحرك أم لا، وأيضا إعادة إنشاء المواقف الخاصة جدا بحيث لا يمكن استنساخها في خزانة تحتوي على خيال ومقاطع فيديو وبعض الضجيج، مثل محاكاة الاضطراب على متن الطائرة أو التحدث أمام مجلس يمكن للمرء السيطرة على ردود أفعاله. وفي الوقت الحالي، فقد أظهر الواقع الافتراضي فعالية مشابهة لتلك التي حققها العلاج السلوكي المعرفي التقليدي، لكن الدكتور بوشار يعتقد أن المختصين لم يذهبوا بعيدا بما يكفي مع هذه الأداة.
لأنه، وبحكم التعريف، فإن الواقع الافتراضي يجعل من الممكن التغلب على حدود الواقع، وللقيام بالأشياء نفسها التي يمكن القيام بها في العلاج الكلاسيكي. إذ يلاحظ الدكتور بوشار أنه، في الواقع الافتراضي، يمكن للعنكبوت الافتراضي مواجهة عنكبوت بحجم طاولة، ومن الممكن لشخص مصاب برهاب المرتفعات أن يتسلق مبنى وهميا، وفوق كل شيء يمكنه القفز إلى الفضاء وبعد ثلاث أو أربع قفزات، سوف يدرك أنه لم يعد يشعر بالسيطرة على الفراغ، وأنه لن يسقط إلا إذا أراد ذلك، ويمكن القيام بذلك فقط في الواقع الافتراضي.