هكذا وصلتُ إلى غلاف المنبر الشهير «Nouvel Observateur»
يونس جنوحي
خيبة أمل كبرى أصيب بها هشام عبود عندما كان بصدد التعامل مع الصحافة الفرنسية بعد حصوله على اللجوء السياسي في باريس صيف سنة 1998.
لم تكن الصحافة الفرنسية، في مجملها، تريد طرح توجه آخر في تغطيتها لما كان يقع في الجزائر خلال التسعينيات. كان الإعلام الفرنسي يركز فقط على «الإثارة» ونقل أخبار الدم خلال فترة العُشرية السوداء. بينما كان عبود، كأي صحافي حاصل على لجوء سياسي في أوربا هربا من نظام عسكري، يحلم بطرح مواضيع تكشف نهب ثروات الجزائر وسيطرة حفنة من الجنرالات على الاقتصاد.
لا أحد يحصل على كل ما يريده كاملا. لكن الجنرالات كانوا كذلك. إذ، في تلك الفترة، كان الجنرال بلخير وخالد نزار وبقية أعضاء المافيا، يعيشون وضعا مُريحا جدا، ولديهم في كل إدارة عيون وآذان وأياد تنفذ التعليمات. حتى الرئيس الجديد عبد العزيز بوتفليقة، الذي كانت لديه خبرة سياسية واسعة، وجد نفسه مُحاصرا أمامهم.
غريب في باريس
يحكي هشام عبود كيف أن الجزائريين أصيبوا مرة أخرى بخيبة أمل كبيرة. وبدا لهم أن الجنرالات لن يسقطوا أبدا في يوم من الأيام. نظامهم لحُكم الجزائر كان محكما جدا.
لكن عبود لم يفقد الأمل. يقول إنه انتظر منذ حصوله على اللجوء السياسي ما بين يونيو ويوليوز 1998، حتى ماي 2001، لكي يحصل على فرصته مع الصحافة الفرنسية، ويعرف الرأي العام الفرنسي بقضيته. وقتها فقط رأى هشام عبود أن الصحافة الفرنسية بدأت فعلا تهتم بما كان يقع في الجزائر من تجاوزات ونهب للمال العام، بدل قصص المذابح والمجازر التي كانت تقدم الجزائر على أنها حمام دم فقط.
يقول هشام عبود إن الفضل في إثارة اهتمام الصحافة الفرنسية بما كان يقع في الجزائر فعلا من نهب وتجاوزات سياسية، يعود للروائي والكاتب الجزائري ياسر بنميلود. هذا الأخير، حسب هشام عبود، كان معروفا في فرنسا بتوقيع مقالاته، «الكرونيك»، بالأحرف الأولى من اسمه فقط. أي YB. وكانت تلقى إقبالا كبيرا في فرنسا.
لكن كيف استطاع هذا الكاتب إقناع الصحافيين الفرنسيين بالكتابة عما يقع فعلا في الجزائر؟
ميلاد جديد
يحكي هشام عبود أن الكاتب ياسر بنميلود نجح في إقناع الصحافيين فريد عيشون، وجون بابتيست نوديت، وهما معا كانا صحافيين في Nouvel Observateur، لكي يجريا حوارا مع عبود بعد أن تأكدا فعلا من مصداقيته. اللجوء السياسي الذي حصل عليه بناء على ملف قوي ومدروس بعناية، لعب أيضا دورا كبيرا في عملية الإقناع.
يقول هشام عبود: «بعد أن تأكدت إدارة الجريدة من مصداقيتي، أعطت موافقتها على إجراء الحوار معي. وأعطتني شرف تخصيص غلاف عدد 14 يونيو لي».
وصف عبود تلك الخطوة بالنجاح المبهر، وكأنه ميلاد جديد له. إذ إن الحوار أثار ردود أفعال مهمة جدا في فرنسا ولفت انتباه الفرنسيين، مواطنين وسياسيين، إلى ما كان يحدث فعلا في الجزائر. إذ إن الأمر لم يكن يتعلق فقط بما يشبه حربا أهلية بين متمردين أو جماعات محظورة ضد جيش الدولة. بل إن الأمر كان اختطافا لبلاد بأكملها على يد مجموعة من الجنرالات، سيطروا على الحياة المدنية والسياسية والاقتصاد ووضعوا كل من يخالفهم الرأي أو يعارضهم «وراء الشمس».
تداعيات الحوار الصحافي الذي نشرته «نوفيل أوبسيرفاتور» الشهيرة، والتي كانت تحظى بمتابعة كبيرة في أوربا وشمال إفريقيا وتحاور رؤساء ومعارضين وسياسيين كبارا من مختلف الجنسيات، أصابت الجنرالات بزلزال حقيقي. ولم يتوقعوا أن يكون هشام عبود، الذي تعرض لمضايقات كثيرة في الجزائر، بهذا الإصرار على مواجهتهم.
أصبحت باريس، إذن، معقلا لمعارضي الجنرالات، وأيتامهم أيضا. ولم يكن الحوار الصحافي الذي فضح كل هذا أمام الرأي العام الفرنسي لأول مرة، إلا بداية قصة مثيرة عاش هشام عبود كل تفاصيلها لحظة بلحظة.