النعمان اليعلاوي
كشف المكتب المركزي للأبحاث القضائية عن تفاصيل تفكيك الشبكة الإجرامية المتخصصة في السطو المسلح، بمدينة طنجة، والتي كانت آخر عملياتها محاولة فاشلة لسرقة ناقلة للأموال، حيث عرض المكتب عددا من المحجوزات التي تم ضبطها لدى أفراد العصابة الإجرامية، والتي تنوعت بين أسلحة نارية وأخرى بيضاء بالإضافة إلى أجهزة متطورة ومعدات زراعية.
أياما قليلة على محاولة سطو مسلح فاشلة، تعرضت لها ناقلة أموال بمدينة طنجة بتاريخ الثالث عشر من شهر غشت الجاري، وبالتحديد بعد ستة أيام من العملية الفاشلة، أفادت المديرية العامة للأمن الوطني بأن مصالح ولاية أمن طنجة، بتنسيق مع الفرقة الوطنية للشرطة القضائية والمكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، تمكنت في عملية نوعية من تفكيك الشبكة الإجرامية الدولية التي تنشط في ميدان السرقات المسلحة وترويج المخدرات، وهي الشبكة التي نفذت عملية السطو الفاشلة على ناقلة الأموال وتبين في ما بعد أنها نفذت أيضا عددا من الجرائم على رأسها سرقات للسيارت والهجوم السنة الفارطة على ناقلة أموال نجا سائقها بأعجوبة.
رصاص وثلاث أسلحة نارية وصاعق كهربائي وعدد كبير من لوحات السيارات وآلة كبيرة لتقطيع الفولاذ، بالإضافة إلى هواتف نقالة، بعض من عدة أشياء خلقت دهشة لدى الصحافيين الذين عاينوا كمية ونوع المحجوزات التي وضعت المصالح الأمنية يديها عليها لدى العصابة المسلحة.
عملية مشجعة
أورد عبد الحق الخيام، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، وبعد عرض مفصل للمحجوزات لدى عصابة طنجة، أن التحريات الأمنية المنجزة أفادت بأن المشتبه فيه الرئيسي، البالغ من العمر 39 سنة، والرأس المدبر للعصابة من ذوي السوابق القضائية العديدة في مجال السرقات المسلحة والاتجار في المخدرات بكل من المغرب وبلجيكا وإسبانيا، له باع طويل في استعمال الأسلحة النارية وسبق أن توبع من قبل السلطات البلجيكية قبل أن يعود إلى المغرب ويقرر الاستقرار بمدينة طنجة.
المتهم الرئيسي وزعيم العصابة الإجرامية، الذي عاد إلى المغرب محملا بقناعات إجرامية، باشر أول عملياته الإجرامية من خلال كراء سيارة من وكالة خاصة بكراء السيارات، قبل أن يقوم بنسخ المفاتيح الخاصة بها ويعود لسرقتها من الوكالة ذاتها برفقة مساعده، الذي سيصبح شريكا له في الجرائم التي سيقدم عليها، والتي تمثلت بعد السرقة الأولى الناجحة في استهداف إحدى السيارات من نوع بيجو 206 بتاريخ 31 ماي 2013، حيث أقدم زعيم العصابة على الاستيلاء على السيارة بعدما قام بإطلاق ثلاث أعرية نارية على مالكها إذ أصابته إحداها في الصدر وأخرى في الكلي توفي إثرهما مباشرة. عملية الاستيلاء على سيارة الضحية، بعد اردائه قتيلا من طرف الجناة وبدم بارد، ما كانت لتتم دون تخطيط الرأس المدبر وبالاستعانة بالسيارة المسروقة الأولى التي قام الجاني الرئيسي بتفكيكها وبيعها في سوق قطع الغيار المستعملة مخافة العثور عليها في ما بعد، في حين تم تغيير ملامح السيارة المسروقة الثانية وتغيير لوحة أرقامها الأصلية بأخرى مزورة، كما تم تزوير الوثائق الخاصة بها من قبل الجاني الذي يتوفر على طابعات متطورة لهذا الغرض.
سيارة أخرى
بعد نجاح العملية الثانية، حسب ما أكده الخيام، فإن الجاني وأفراد تنظيمه الإجرامي اكتسبوا الثقة في النفس، ليقرروا سرقة سيارة ثالثة بعد تخطيط دقيق، وبعد رصد للسيارة التي ألف صاحبها المغاردة ليلا من إحدى المحلات الليلية بكورنيش مدينة طنجة وركن السيارة الفارهة بأحد الأزقة المظلمة، وهو الزقاق الذي تبعه إليه الجناة وبعد التأكد من خلوه من المارة نزل الجاني الرئيسي مرفقا بسلاحه الناري وتوجه صوب صاحب السيارة الذي لاذ بالفرار، فما كان من الجاني إلا أن أطلق صوبه أعيرة نارية أصابته في الركبة قبل أن يسطو منه على مفاتيح السيارة ويلوذ بالفرار، رفقة شريكه الذي استقل السيارة الثانية.
بعد هذه العملية الثالثة، والتي كللت هي الأخرى بالنجاح بسبب الاحتياطات التي كان يتخذها الجناة، لما كسبوه من خبرة بعد السرقتين، زادت ثقتهم في النفس أكثر ليقرروا سرقة سيارة لنقل الأموال، حيث أعدوا العدة لعمليتهم الأولى من هذا النوع، وقاموا بتجميع جميع المعطيات، ليشرعوا في مرحلة التنفيذ، مستعملين سيارة تم تغيير لوحاتها الترقيمية، تابعة لشركة يملكها زعيم العصابة، وذلك بعدما ترصدوا سيارة الأموال جيدا وتتبعوا مسارها.
وتقدم الجاني بعد ركن سيارته على بعد أمتار صوب سائق سيارة نقل الأموال حيث دق باب السيارة، في الوقت الذي قام فيه الضحية بفتحه معتقدا أن مرافقه عاد بعد توجهه صوب الوكالة البنكية، ليفاجأ بمسدس مصوب نحوه، ما جعله يضرب زعيم العصابة بصندوق أزرق، ليقوم الأخير بإطلاق رصاصات عليه، ويقوم بإخراجه من السيارة، ليتكلف هو ومرافقه بنقل الأموال إلى سيارتهم الخاصة، وذلك أمام أعين موظفي الوكالة وبعض المواطنين الذين اكتفوا بتصوير الحادث.
العملية تحصل منها الجناة على 470 مليون سنتيم، و50 ألف أورو، و400 دولار، وفروا صوب وجهة مجهولة، صعب التعرف على الجناة خلالها بسبب استعمالهم للأقنعة بالإضافة إلى القفازات، كما قام الرأس المدبر بإحراق جميع الملابس وكسر المسدسين المستعملين في عملية السطو ورميهما في مجاري المياه العادمة، حسب اعترافاتهم خلال التحقيقات، مخافة العثور عليه في ما بعد، وهو الأمر الذي لم يتم حينها ما أكسبهم ثقة أكبر وشجع رجال العصابة على تكرار عملية السطو المسلحة.
13 غشت…
بتاريخ الـ13 من غشت الجاري، ستعيش مدينة طنجة على وقع عملية سطو فاشلة ستكون القشة التي ستقصم ظهر عصابة منظمة روعت مدينة البوغاز سنة 2014 وشكلت لغزا خطيرا لرجال الأمن صعب عليهم فكه. وفي محاولة للسطو على سيارة لنقل الأموال، جاءت بعد سنة ونصف من آخر عملية نفذتها العصابة، قام الفاعل الرئيسي ومرافقه برصد سيارة نقل الأموال، وعند توقفها أمام باب وكالة بنكية ونزول مرافق السائق لوحده، توجه زعيم التنظيم الإجرامي صوب السائق حاملا لقنبلة دخانية، غير أنه وجد الأبواب مغلقة ليقوم برميها صوب الوكالة البنكية للتشويش على كاميرات التصوير وإخافة الموظفين، قبل أن يقوم مرافقه بحمل آلة لقطع الحديد، ليصطدم بوجود الأبواب في وضعية إغلاق، ما أجبر الفاعل الرئيسي على إطلاق أزيد من عشرين رصاصة على سائق العربة دون أن ينال منه، بحكم أن الزجاج مضاد للرصاص. العملية الفاشلة للعصابة الإجرامية ستكون الأخيرة لها بعد توقيف عناصرها الأربعة والذين منهم الرأس المدبر، حيث كان من المفترض لو نجحت تلك العملية أن تتناسل القضايا الشبيهة بهذا النوع من السطو المسلح والذي استنفر رجال الأمن، ليتم التنسيق بين رجال الشرطة القضائية والشرطة العلمية والمكتب المركزي للأبحاث القضائية وهو التنسيق الثلاثي الذي أطاح بالعصابة الإجرامية، ليتم تسليمها لقسم محاربة الجريمة المنظمة داخل المكتب المركزي بغرض التحقيق مع أفرادها، وهو التحقيق الذي قال عبد الحق الخيام، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، إنه لم يسفر بعد عن معطيات تتعلق بعلاقة هذه العصابة الإجرامية بتنظيمات إرهابية أو متطرفة وأن هناك شبهة إرهاب تحوم حول الرأس المدبر للخلية والذي كان متابعا من قبل السلطات البلجيكية وله عدد من السوابق الإجرامية، كما له تجربة طويلة في استعمال السلاح الناري.
أسلحة خطيرة
إلقاء السلطات الأمنية القبض على عناصر العصابة الإجرامية كشف كما هائلا من الأسلحة بين النارية التي توزعت في أخطرها بين رشاش حربي وبندقية بالإضافة إلى سيوف.
واعتبر الخيام أن أخطر هذه الأسلحة التي تم عرضها،هو الرشاش الحربي الذي تستطيع خزاناته حمل 190 رصاصة، وبندقيتين تحملان على الأكتاف، وخزانات للرصاص وخراطيش من أنواع مختلفة، وقنابل باعثة لدخان رمادي قادر على حجب الرؤية للمتواجدين بالمحيط والتشويش على كاميرات المراقبة، كما ضمت المحجوزات قارورات غاز تسبب حساسية مفرطة بالعين وصاعق كهربائي يشل الحركة ويؤدي للوفاة بالنسبة للمصابين بمشاكل في القلب والتنفس.
كما تم حجز أسلحة بيضاء عبارة عن خنجر وسيوف ونبال وعصي حديدية وخشبية، ومقلاع بكويرات مختلفة، وأصفاد، وكاشفات ضوئية يدوية، وجهاز لكشف المعادن، وأقنعة للتنكر والتخفي وقفازات وشعر مستعار، كما تم العثور على اللباس الرياضي الذي استعمله الجاني في آخر عملية سطو، والتي اعتبرت فاشلة.
بالإضافة إلى كل هذا، تم العثور في ضيعة الجاني الرئيسي على آلة تستعمل لتزوير أرقام السيارات المعدنية، تعمل إلكترونيا وميكانيكيا، وألة إنذار تستعملها الشرطة، ومفاتيح سيارات فاخرة، وآلة متطورة لصنع المفاتيح، وآلة لقطع الإطارات الحديدية وكسر الأقفال، بالإضافة إلى رسم تخطيطي لعملية سرقة وكالة بنكية، وهي المحجوزات التي كشفت أن أفراد العصابة كانوا يقومون بتزوير الوثائق الإدارية المغربية والأوربية، حيث عثر على آلة طباعة تستعمل لتزوير الوثائق، ومجموعة من المطبوعات الإدارية الفارغة، وأوراق للاستيراد المؤقت للسيارات ورخص سياقة وجوازات سفر وبطائق إقامة، وبطائق بنكية، ومبالغ مالية من العملتين الوطنية والأجنبية.
عناصر الشرطة العلمية الذين قاموا بعرض محجوزات العصابة، فاجؤوا الجميع بعرض شتلات لنبثة الماريخوانا والتي تتم زراعتها داخل مشاتل باستعمال أساليب تقنية متطورة، حيث أورد الفريق العلمي التابع للشرطة العلمية، أن أفراد الشبكة كانوا يقومون بزراعة النبتة وتوفير الظروف الملائمة لنموها، باستعمال مسخنات لضمان حرارة مرتفعة بالمنبت، ومروحيات هوائية لتجديد الهواء، وصهاريج بلاستيكية، وأغطية عاكسة للضوء وأسمدة وآليات كهربائية أخرى، وكميات جاهزة للاستهلاك، والتي أكد رئيس المكتب المركزي أن زعيم العصابة كان مدمنا عليها ويزرعها للاستعمال الشخصي، مؤكدا أن ذلك لا يمنع من نشاطهم في الاتجار الدولي للمخدرات.