شوف تشوف

الرئيسيةسري للغاية

هكذا كان يتم تجهيز عرائس الريسوني وجناح حريمه كان مغلقا ومظلما

نافذة: -لا تهتمي بها مع مرور الوقت ستنام وتنسى
سألتُها:
-ستنسى ماذا؟
أجابت:
-عائلتها وبيتها وقومها ربما إن الشريف يخيف الكثيرات في البداية إن هذا ضرب من الحمق لأن الشريف طيب جدا ومهما كان ما تطلبه المرأة سوف يحققه لها»

يونس جنوحي
انضمت إلينا نساء أخريات وبدأنا نطرح الأسئلة والأجوبة المعتادة عن عمري وعدد أطفالي، ولماذا تركتُ زوجي.
كان الشاي يقطع الإحراج الروتيني للمحادثة.
عائشة، وهو اسم منتشر جدا في قسم الحريم، كانت تحمل أوراق النعناع، وتصدر منها إشارات تشير إلى معاناتها من آلام في الرأس. همست إلى جارتها التي وافقتها الرأي:
-سنحتفظ بالنعناع إلى الأخير وبعدها سنحكي القصص.
عندما فاحت رائحة الأعشاب الطرية التي مُزجت مع ماء زهر البرتقال، دخلت واحدة من العبيد، سوداء البشرة، أرغموها على رواية قصة ما لتسليتي باعتباري ضيفة.
بفم خال من الأسنان بدأت تقول:
«كل الحكايات هنا عن سيدي».
بدون مزيد من اللغط، كانت الحكايات التي قيلت لي كلها شخصية، ومليئة بالحشو ويستحيل تصديقها جميعا. ولحسن الحظ فهمتُ نصفها فقط.
في الأخير تكلمت الفتاة الجْبْلية وقالت إنها تعرف قصة، وكانت طريفة جدا.
بدأت حكايتها هكذا:
«ربما رأيتِ أحمد الحمري. قبل مدة ليست بالطويلة كان رجلا قويا. كان أكثر رشاقة وخفة من كل الرجال. كان أفضل رام وأفضل فارس. كان الشريف يحس معه بالمتعة ويروح عنه، وكان يسأله دائما ماذا يجدر به القيام به لمكافأته. وكان أحمد يرد بجملة واحدة فقط:
-زوّجني يا سيدي زوّجني.
فيجيبه الشريف:
-أنت لا تزال صغيرا. اصبر قليلا.
لكن أحمد كان يأتي كل يوم إلى سيدنا ويقول له:
-زوجني يا سيدي زوجني.
في الأخير، لكي يتخلص الشريف من صداعه، بحث له عن زوجة، ووجد واحدة، صغيرة السن ومتوهجة. ولم يعد أحد يرى أحمد في غرف الشريف واجتماعاته.
سأل عنه عدد من الرجال فكانت الإجابة تأتيهم:
-إنه في المخيم مع زوجته.
والله لقد تغير كليا. ولم يعد يمارس الرماية ولا القنص أبدا. ولم يعد يركب الخيل. كان يجلس طوال اليوم هادئا ويسرح بخياله إلى أن اجتمع عليه الناس يوما وسألوه:
-أين ذهبت تلك الروح التي كانت لديك؟
لكن أحمد لم يجبهم.
وذات يوم حدثت ضجة في المخيم. اختفى أحد أفضل أحصنة الشريف. كان حصانا يساوي الكثير، لذلك حاول الجميع إيجاده وإمساكه.
كان الجميع متأثرين، يصيحون ويبحثون، إلى أن وصلوا إلى خيمة أحمد. وكان جالسا مكانه لا يتحرك، ويحدق في الأرض. قالوا له:
-يا ولد! ألم تر حصان الشريف؟ حاول أن تُمسكه وتوقفه.
لم يُجهد أحمد نفسه، وكان الحصان قد اختفى ولا بد أنه ابتعد كثيرا، وقال لهم:
-ماذا يمكننا القيام به؟
صاح فيه المطاردون الذين يبحثون عن الحصان:
-العلم لله، الحيوانات دائما تهرب هكذا.
فرد عليهم أحمد:
-زوجوه. زوجوا ذاك الحصان وسيهدأ. لقد كنتُ أنا أيضا هكذا من قبل».
أعتقد وقتها أنني استسلمتُ للنوم عندما كانت النساء لا يزلن يثرثرن بعد تلك الحكاية، لأن الجو كان ساخنا وخانقا في جناح الحريم. وكان الهواء يتسلل بصعوبة من شقوق النوافذ المغلقة بإحكام والستائر، وهو ما تسبب في انتشار رائحة ثقيلة في المكان. عندما جُلت ببصري مرة أخرى في المكان، كانت العروس في مكانها لم تتحرك أبدا.
كانت تبدو مثل فتاة من «نابولي»، ببشرتها الزيتية الرطبة، وعينيها الداكنتين برموش طويلة.
كان ثغرها مفتوحا قليلا، وتحدق بثبات في الجدار الأقرب إليها. كان ضوء الشمس المتسلل إلى المكان ينعكس بقوة على الأحجار الكريمة من الزمرد والياقوت الذي أثقل أصابعها ولا يناسب صغر سنها ونحافة عنقها.
انسحبت أغلب النساء بعيدا، حيث كانت هناك كومة من المساند. لكن بقيت سيدة طاعنة في السن بجانبي. كانت تكسوها التجاعيد. جاء صوتها قويا وأجش، بينما كانت يداها أثارتا انتباهي لأنهما كانتا مثل مخالب النسر:
-لا تهتمي بها، مع مرور الوقت ستنام وتنسى.
سألتُها:
-ستنسى ماذا؟
أجابت:
-عائلتها وبيتها وقومها ربما. إن الشريف يخيف الكثيرات في البداية. إن هذا ضرب من الحمق لأن الشريف طيب جدا، ومهما كان ما تطلبه المرأة سوف يحققه لها».
حدقتُ في عيني السيدة العجوز، وكانتا قد شهدتا الكثير من الأحداث، إلى درجة أنهما لم تعودا تعبران عن أي شيء على الإطلاق باستثناء التعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى