هكذا كانت تُواجَه عمليات السرقة بميناء الدار البيضاء
يونس جنوحي:
احتل الفرنسيون المكان سنة 1907، وكانت المدينة وقتها عبارة عن ميناء صيد صغير يسكن بالقرب منه 5000 نسمة. لسنوات كان الفرنسيون «يَقرِضون» الساحل المغربي، إلى أن تمكنت شركة فرنسية في الأخير من الحصول على امتياز بناء ميناء في الدار البيضاء.
في واحدة من الانتفاضات المعادية للأجانب، قُتل عدد من العُمال الأوروبيين. أطلقت السفن الحربية الفرنسية النار ونزلت القوات إلى الأرض، وسرعان ما امتدت سلطتهم إلى المناطق المحيطة. في ذلك الوقت كانت المناطق الخاضعة للسلطان قليلة، ومنذ ذلك الوقت كان تقدم القوات سريعا.
ربما تكون الدار البيضاء أفضل مدينة في شمال إفريقيا وأكبرها مساحة، بعدد سكان يتخطى 700 ألف نسمة ويستمر في التزايد.
إنها تستقبل أكثر من 75 بالمئة من مجموع الصناعة المغربية، وتحتل ثلث المساحة الحضرية للبلاد. وكما يمكن تخيله، فإن المدينة لم تتمكن من الإفلات من المشاكل التي كانت تنمو وقتها كالفطر.
كان من المناسب تفحص الأرصفة أولا، كان هناك القليل من العوامل الطبيعية الإيجابية التي تُساعد على توفير كمية كبيرة من المياه. كان لا بد من تطويق المرفأ لكي يكون بعيدا عن البحر، كما أن المدينة أقيمت فوق شاطئ رملي. وبكل المعايير الحديثة، يمكن اعتبار هذا الإنجاز جيدا. الميناء شديد الاكتظاظ، وعندما لاحظتُ أن هناك عشرات السفن في انتظار دورها لكي ترسو بأمان، قيل لي إن ذلك اليوم كان أحد أيام الركود مقارنة مع الأيام الأخرى. المعدات متينة من الدرجة الأولى، وكانت هناك جبال من محاصيل الحبوب بكميات هائلة.
تحدثت إلى العديد من عمال الرصيف. كما في بريطانيا، بدا أنهم قبيلة مستقلة عن باقي العمال. وحسب المعايير المغربية العامة، فإن أجورهم كانت جيدة – يكسبون 450 فرنكا مقابل تسع ساعات عمل في اليوم- بمعدلات تعويض عن العمل الإضافي تصل إلى مئة بالمئة.
عندما يشتغل عامل الميناء 12 ساعة في اليوم، فإنه يربح 914 فرنكا. تنضاف إليها تعويضات أخرى مثل التعويض عن الأطفال، والذي يصل إلى خمسين فرنكا في اليوم، والعطل المؤدى عنها، المنح والتعويضات عن المرض والحوادث.
رؤساء العمال والميكانيكيون المنتمون إلى الفريق الرسمي الدائم، مؤهلون للحصول على وظائف أعلى، ويكسبون أجورا تصل إلى 1000 فرنك في اليوم. بالنسبة للمغاربة، فإن هذا المبلغ ضخم.
الموظفون المُسيرون كانوا متحمسين بخصوص موضوع نمو الميناء. وطبعا، كل مسؤول يعتقد أن القطاع الذي يشتغل فيه هو الأكثر أهمية من القطاعات الأخرى.
أحد ضباط الأمن، وكان مغربيا، كان يتحدث مثرثرا، وفي صوته نبرة انتشاء. يقول:
-«كما في أغلب أرصفة الموانئ، تحدث لدينا الكثير من حوادث السرقة الصغيرة، لكن، في السنة الماضية، تراجع عددها إلى ستمائة، بعدما كان معدلها سابقا خمسة آلاف».
-«كيف حققتم هذا الأمر؟ هل بتوظيف المزيد من رجال الشرطة؟».
-«لا، بفرض قوانين أكثر صرامة. في المدينة، إذا سرقت كيلوغراما من السكر سيتم إرسالك إلى السجن لمدة ثمانية أيام، أما إذا أقدمت على هذا الفعل في الميناء، فالعقوبة ستة أشهر!».
وعدتُ نفسي أن أبقي يديّ بعيدا عن سُكّره الذي بدا أن ثمنه باهظ جدا بسبب عقوبة من هذا النوع. ثم توجهتُ إلى مدرسة لتكوين البحارة، في الوقت الحاضر تشغل مكانا مؤقتا فوق مساحة واسعة، لكن أعطيت وعود بتشييد مبان جديدة لاحتضان المدرسة. كان هناك مئة وخمسون رجلا في التدريب. عندما يدخلون إلى المدرسة، يتعين تعليم أغلبهم القراءة والكتابة أولا. وبعد ذلك يُنقلون إلى مرحلة دراسة مدتها أربع سنوات، يدرسون خلالها المحركات، الراديو، الملاحة ومواضيع أخرى معقدة. المدرسة كانت عملية جدا ومعداتها تتضمن قارب صيد للرحلات التجريبية.