يونس جنوحي
«القْصْرْ الآن، مدينة قديمة، وشوارعها ضيقة جدا. لذلك يرمي الناس كل شيء تقريبا وراء منازلهم، في أكوام كبيرة.
ومع الوقت، شكلت أكوام الطين المتراكمة خلف المنازل، حماية جيدة لرجالي عندما يُطلقون الرصاص. لذلك، أرسلتُ مبعوثين جددا إلى مولاي الصدّيق وأعطيتهم أحصنة سريعة.
أخبرته، عن طريق المبعوثين، أن ينشر جنودا مسلحين على طول أكوام الطين، خلال فترات متقطعة، ويأمرهم بإطلاق النار، حتى يعتقد الرميكي أن قوات المدينة كلها متركزة هناك لصد الهجوم.
بعد هذا، عليه أن يقسم بقية محاربيه إلى ثلاثة فرق. فريقان عليهما أن يغادرا ليلا بطريقة سرية، وهكذا سوف يتم قطع جناح العدو. ثم استدعيتُ قواتي من الفرسان والخيالة بدون سابق إنذار، وقلتُ لهم إنه ينبغي لنا أن نبدأ على الفور غارة ضد بعض المزارع التي رفضت أداء الإتاوة.
كان من المستحيل أن يصل الخبر إلى الرميكي، إذ لا أحد أبدا من الرجال كان يعلم إلى أين نسير. بدأنا التحرك مع منتصف الليل، وقدنا خيولنا لمدة أربع ساعات. وعندما علمتُ أن مدينة القْصْر صارت أمامي، أخبرتهم بخطتي. المسافة بين أصيلة والقْصْر كانت سبعين أو ثلاثة وسبعين كيلومترا، وخيولنا كانت مُتعبة. لكني أرسلت رجلا إلى المدينة لكي يحذّر مولاي الصديق، وعندما أطلقت طلقة من المدفع كإشارة، انضم الفريق الثالث لتطويق المدينة، وصرنا محاصرين مخيم الرميكي، الذي كان لا يزال نائما. قُتل الكثيرون وهرب البقية.
قفز القايد الرميكي فوق حصانه دون أن يرتدي جلابته ولاذ بالفرار لينجو بحياته. لكن ابن الجيلالي الذي يرافقه، ألقي عليه القبض وأحضر إلى أصيلا. أفراد قبيلة بني خلوط فوجئوا كثيرا عندما جاءتهم طلقات الرصاص من كل جانب، حتى أنهم لم يحملوا معهم أي شيء نهائيا خلال هروبهم.
حتى أننا وجدنا أدوات تجهيز الشاي وأحواض الغسيل والأباريق.
عندما عدتُ إلى أصيلة، أرسلتُ لإحضار ابن الجيلالي وقلتُ له:
-أليس من الأفضل أن تخدم الأسد بدل أن تخدم الثعلب؟
وأجابني:
-لا يمكنني أن أخدم الاثنين.
أبقيته في منزلي وعاملته مثل ما أعامل الضيوف. وقلتُ له:
-بإمكانك الذهاب. حصاني رهن إشارتك.
فقال لي:
-ليس لدي سلاح. سأكون كما لو أنني أعمى أمام أعدائي.
كنا نجلس معا في غرفة في الطابق العلوي، وأمرتُ أحد العبيد:
-اذهب وأحضر بندقية، وقم بحشوها.
أحضر العبد واحدة، وأعطيتها لابن الجيلالي الذي وضعها مقابل ركبتيه. وقتها قلتُ للعبد:
-اذهب وأخبر حراس البوابة أن ضيفي سوف يغادر.
عندما بقينا وحدنا أنا وابن الجيلالي قال لي:
-لقد وضعتَ حياتك بين يدي!
فأجبته:
-إن حياتي بين يدي الله.
وهكذا بقي معي لأيام أخرى، وأصبح صديقا لي. وخلال الحرب ضد إسبانيا كان قائدا لسلاح الفرسان التابع لي.
إنها الحقيقة، حياة الإنسان ليست في متناوله. إذا صان دينه وشرفه، فإنه لن يجعل صيانة حياته من بين أولوياته.
بعد هذه الواقعة بسنة، كنا في «العقبة الحمرا» ووصلتني أخبار مفادها أن الرميكي يوجد في مخيم يبعد عني بساعات قليلة.
قبائل «الخلوط» تسببت لي في متاعب ومشاكل كثيرة، لأن قائدها أصبح صديقا للمولى عبد العزيز، لذلك اعتقدتُ أن هذه هي فرصتي لوضع حد لهذه المشاكل.
وهكذا، أخذت معي عشرة رجال، واثنين من العبيد. أنتِ صرت تعرفينهما بالمناسبة، وهما «امبارك» و«گابح»، وقطعنا التلال بسرعة. كان الظلام دامسا، ولم يكن هناك قمر في السماء، والطريق كانت صعبة. أسرعنا كثيرا في المسير إلى درجة أن الخيول أصيبت بالإنهاك وسقطت أرضا أكثر من مرة. لكننا اصطحبنا فرسين إضافيين معنا، وكانا قويين.
نافذة: أفراد قبيلة بني خلوط فوجئوا كثيرا عندما جاءتهم طلقات الرصاص من كل جانب حتى أنهم لم يحملوا معهم أي شيء نهائيا خلال هروبهم حتى أننا وجدنا أدوات تجهيز الشاي وأحواض الغسيل والأباريق