يتم الاحتفال باليوم العالمي لحقوق المرأة في ثامن مارس من كل سنة، وهو مناسبة للاحتفاء بإنجازاتها التاريخية، وتسليط الضوء على الكفاح الدؤوب الذي خاضته للدفاع عن حقوقها. ويكتسي الثامن من مارس لهذا العام طابعا مختلفا مع جائحة كوفيد-19، حيث يجب الاحتفال بجميع النساء اللواتي كن في الواجهة لمكافحة الجائحة والآثار المترتبة عنها. وأكدت تقارير دولية أن النساء كن أكثر تأثرا بمضاعفات الجائحة خلال العام الماضي.
حسب تقرير للأمم المتحدة تحت عنوان موجز للسياسات: أثر مرض فيروس كورونا لعام 2019 (كوفيد-19) على النساء والفتيات»، فهذه الجائحة عمقت أوجه عدم المساواة القائمة من قبل، وكشفت ما يشوب النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وحسب التقرير فالنساء والفتيات يعانين بوجه خاص من آثار سلبية مضاعفة على الصعيد الاقتصادي، لأن دخلهن أقل بصفة عامة، وادخارهن أقل، ولأنهن يشغلن وظائف غير آمنة أو يعشن في مستويات قريبة من مستوى الفقر.
ورغم أن التقارير الأولية تشير إلى وفاة عدد أكبر من الرجال نتيجة لجائحة كوفيد-19، فإن تأثيرها على صحة المرأة سلبي عموما بسبب إعادة تخصيص الموارد والأولويات، بما فيها خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، وازداد عبء عمل الرعاية غير المدفوعة الأجر نتيجة لبقاء الأطفال خارج مدارسهم، وزيادة حاجة كبار السن إلى الرعاية، وكون الجهات المعنية بتقديم الخدمات الصحية منهكة بحمل يفوق طاقتها، ومع تزايد الضغط الاقتصادي والاجتماعي المقترن بتقييد التجول وفرض تدابير العزلة الاجتماعية بسبب جائحة كوفيد-19، أصبح العنف الجنساني يتزايد بشكل تصاعدي.
وثمة نساء كثيرات يُجبرن بسبب “الإغلاق العام” على أن يلزمن بيوتهن بجوار من يضطهدونهن، في وقتٍ أصبحت فيه خدمات دعم الضحايا معطلة أو بات الوصول إليها متعذراً.
تقليص الفجوات بين الرجال والنساء
أفادت دراسة بعنوان «الكلفة الاقتصادية لعدم المساواة بين الجنسين في سوق العمل بالمغرب»، بأن التقليص التدريجي للفجوة بين الرجال والنساء في مجال العمل في قطاع الصناعة بالمغرب، من شأنه أن يؤدي إلى تحقيق نمو ملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي الصناعي. وأوضحت نتائج هذه الدراسة، التي أجرتها مديرية الدراسات والتوقعات المالية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، بشراكة مع مركز التميز في الميزانية المراعية للنوع الاجتماعي، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، أن من شأن التقليص التام في الفجوة على مستويات النشاط بين الرجال والنساء أن يؤدي إلى ارتفاع بنسبة 39,5 في المائة في حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي كأقصى تأثير.
وقال مدير الدراسات والتوقعات المالية، منصف الدرقاوي، إن المغرب شهد انخفاضا ملحوظا في معدل مشاركة المرأة في القوة العاملة خلال العقدين الماضيين، حيث انتقل من 30,4 في المائة سنة 1999 إلى 19,9 في المائة سنة 2020. وأكد أنه «بصرف النظر عن المخاوف التي يثيرها، فإن هذا الانخفاض يمكن تفسيره كذلك كإشارة إلى وجود احتياطيات غير مستخدمة في النمو الاقتصادي، بحيث يمكن للبلاد أن تعمل على تعبئتها من خلال توفير الظروف اللازمة لمعالجة الاختلالات المتعددة التي تعيق تعبئة إمكانات النساء».
وشدد الدرقاوي على أن المغرب انخرط على مدى العقدين الماضيين بشكل مدروس وطوعي في ورش إصلاح واسع ومتعدد الأبعاد، وهو ما مكن من فتح آفاق واعدة، بما في ذلك تعزيز المساواة بين الجنسين، ولا سيما الدستور الجديد الذي كرس هذه المساواة في الولوج إلى الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
تحرر المرأة يمر عبر كسر “السقف الزجاجي”
أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن تحرر المرأة يمر بالضرورة عبر كسر «السقف الزجاجي» الذي يمثل الحواجز الاجتماعية والنفسية التي تميل إلى إبقاء المرأة في وضعية الجمود وتكريس دونيتها وتبعيتها.
وأوضح المجلس، في نقطة يقظة أصدرها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أنه لا يمكن لأي بلد أن يحقق طموح التنمية والتقدم إذا كان نصف قواه الحية -النساء- يعاني من الإقصاء. ففي وقت يتعبأ فيه المغرب نحو إرساء نموذج تنموي جديد أكثر إدماجا، لم يعد من المستساغ أن تتعرض النساء للعنف وأن يبقين على هامش الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وعند عتبة المواطنة النشيطة.
وأضاف أنه رغم التقدم المحرز، لا يزال هناك عدد من أشكال التمييز القائم على الجنس، والانتهاك لحقوق النساء، كما أن مشاركتهن في التنمية تظل ضعيفة، مبرزا أهمية القيام بجملة من التحولات من أجل النهوض بحقوق المرأة. وهكذا، أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بثلاثة تحولات كبرى (ذات طابع مؤسساتي وقانوني، وذات طابع إجرائي، وذات طابع اجتماعي وثقافي)، مستمدة من توصيات تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المخصصة للمساواة بين النساء والرجال ومحاربة كل أشكال التمييز.
وفي هذا الصدد، أوصى المجلس بتسريع وتيرة ملاءمة التشريعات الوطنية مع المبادئ والمقتضيات الواردة في الدستور وفي الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب بشأن الوقاية من جميع أشكال التمييز ضد النساء والفتيات والقضاء عليها.
وسلط المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الضوء، في هذا السياق، على ضرورة نسخ المقتضيات القانونية المتضمنة في جملة من النصوص القانونية التي يكون في تطبيقها حيف أو إلحاق ضرر بالأمهات العازبات وأطفالهن، وقد تحول دون تقديم شكاية عند التعرض للاغتصاب (كالفصل 490 من القانون الجنائي)، وكذا نسخ المواد 20 و21 و22 من مدونة الأسرة، من أجل القضاء على تزويج الطفلات.
دليل لدعم استقلالية النساء
نشرت الهيئة المغربية لسوق الرساميل دليلا حول»Gender Bonds»، بدعم من وكالة»FSD Africa»، المتخصصة في تطوير القطاع المالي بإفريقيا، والتابعة لبرنامج الحكومة البريطانية.
وأوضحت الهيئة، في بلاغ لها، أن «Gender Bonds» هي نوع من سندات التمويل الخاصة، وترمي إلى دعم استقلالية النساء، وتعزيز المساواة بين الجنسين، من خلال تمويل أنشطة تساهم في تحقيق هذه الأهداف. ويمكن لهذه الأنشطة أن تكون ذات طبيعة متنوعة، وأن تتعلق بمجموعات مختلفة من النساء، وتساهم في تقليص انعدام المساواة بين الرجال والنساء على مستويات مختلفة (بشرية، اجتماعية، اقتصادية…).
ويبرز هذا الدليل أهمية استقلالية المرأة والمساواة بين الرجال والنساء في إطار التمويل المستدام، فضلا عن أنه يقدم المعايير المرجعية المطبقة علىGender Bonds، مع اقتراح توجيهات عملية لإصدار هذا النوع من الأدوات المالية.
وستجد المقاولات، التي تعتزم تطوير برامج أو أنشطة تساهم في ترسيخ المساواة بين الرجال والنساء واستقلالية المرأة، في هذا الدليل أداة فعالة من شأنها تسهيل وضع التمويل الملائم. كما يمكن للأطراف الأخرى، خاصة المستثمرين، الرجوع إلى هذا الدليل من أجل فهم أفضل لأهمية Gender Bonds والمفاهيم المتصلة بها.
وتجدر الإشارة إلى أن الهيئة المغربية لسوق الرساميل قد ركزت في صياغة دليل «Gender Bonds» على المعايير الدولية المتوفرة، مع تثمين المقاربة المعتمدة في إصدار دلائل السندات الخضراء والسندات الاجتماعية والسندات المستدامة التي سبق أن نشرتها من قبل. ومن خلال إدخال هذه الأداة الجديدة للتمويل إلى السوق المغربية، وسعت الهيئة بشكل أكبر نطاق فرص التمويل المستدام.