شوف تشوف

الرئيسيةبانوراماتقارير

هكذا سيؤثر انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب على فقراء العالم

تنديدات عالمية وتخوفات من أزمة غذائية عامة

يدخل قرار روسيا الانسحاب من اتفاقية تصدير الحبوب في البحر الأسود دول العالم في موجة من القلق حول أسعار الحبوب، ويعتبر ضربة موجعة لدول العالم الثالث التي تعاني مسبقا من أزمة الجوع بسبب الحرب الأوكرانية- الروسية.

 

سهيلة التاور

 

 

أخطرت روسيا رسمياً، يوم الاثنين 17 يوليوز الجاري، الأمم المتحدة وتركيا وأوكرانيا بانسحابها من اتفاق تصدير الحبوب، الذي وقعته مع الأمم المتحدة وتركيا لتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، وهو الاتفاق الذي انتهى العمل به في التاريخ المذكور تمديده، لكن الأحداث التي شهدتها القرم عجلت بإعلان موسكو انسحابها من الاتفاق.

وقال مسؤولون روس إن جسر القرم، وهو طريق إمداد رئيسي للقوات الروسية في أوكرانيا، تعرض لأضرار في حادث «طارئ» أسفر عن مقتل زوجين وإصابة ابنتهما، في حين أوردت وسائل إعلام أوكرانية وقوع انفجارات على الجسر، وحمَّلت موسكو أوكرانيا مسؤولية الهجوم، فيما ذكرت وكالة الإعلام الروسية، نقلاً عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية، ماريا زاخاروفا، أن روسيا أبلغت تركيا وأوكرانيا والأمم المتحدة رسمياً بأنها تعارض تمديد اتفاق تصدير الحبوب في البحر الأسود.

ومن جهته، قال الكرملين، بدوره، إن روسيا علقت مشاركتها في اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية، وأضاف أن روسيا ستعود على الفور إلى اتفاق تصدير الحبوب بمجرد تلبية مطالبها.

 

اتفاقية تصدير الحبوب

خرج اتفاق تصدير الحبوب، الذي كانت أطرافه روسيا وأوكرانيا برعاية الأمم المتحدة، من وسط ساحة الحرب، للسماح باستئناف تصدير الحبوب الأوكرانية للعديد من مناطق العالم، قبل أن تنسحب موسكو، يوم الاثنين 17 يوليوز، بشكل رسمي من الاتفاق.

وكان الاتفاق يهدف إلى التخفيف من حدة أزمة الغذاء التي اجتاحت العالم منذ بداية الحرب بين القوات الروسية والأوكرانية في أواخر فبراير من العام الماضي، والتي بسببها تعذر تصدير الحبوب الأوكرانية إلى مناطق عدة في العالم تعتمد بشكل رئيسي على واردات الحبوب الأوكرانية لتلبية احتياجاتها من الغذاء.

ومُددت الاتفاقية ثلاث مرات، حيث سهلت نقل أطنان من الحبوب والمواد الغذائية في إطار محاولات معالجة أزمة الغذاء العالمية التي تصاعدت إلى مستويات قياسية بعد بدء موسكو شن عملياتها العسكرية.

وسمحت صفقة حبوب البحر الأسود لثلاثة موانئ أوكرانية بتصدير 33 مليون طن متري من الحبوب والمواد الغذائية الأخرى إلى العالم، منذ تحرك أول سفينة في 1 غشت 2022 حتى صباح الاثنين 17 يوليوز الجاري.

وفي ماي الماضي، تم تجديد الاتفاقية لمدة 60 يوماً بدلاً من 120 يوماً كما حدث سابقاً، ولكن، في الأشهر الأخيرة، تراجعت كمية الأغذية المشحونة وعدد السفن التي تغادر أوكرانيا، مع اتهام روسيا بمنع سفن إضافية من المشاركة.

وتعد روسيا وأوكرانيا الموردين الرئيسيين للقمح والشعير وزيت عباد الشمس وغيرها من المنتجات الغذائية ذات الأسعار المعقولة التي تعتمد عليها الدول النامية.

 

أسباب عدم تمديد الاتفاق

قال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إن روسيا ستعلق مبادرة حبوب البحر الأسود حتى تلبية مطالبها بإيصال طعامها وأسمدتها إلى العالم، بينما اشتكت روسيا من أن القيود المفروضة على الشحن والتأمين أعاقت صادراتها الزراعية، فقد شحنت كميات قياسية من القمح، حسبما ورد في تقرير لموقع Cleburne Times Review  الأمريكي.

وعلى الرغم من أن العقوبات الغربية تنص على إعفاءات للأغذية والأسمدة الروسية، إلا أن الكرملين يجادل بأن العقوبات التي تستهدف الأفراد الروس وبنك الزراعة الحكومي الخاص به تعيق صادراته، ما يخالف اتفاقاً ثانياً تم في يوليوز الماضي والتزمت بموجبه الأمم المتحدة بتسهيل الصادرات الروسية.

وهددت موسكو مراراً بالانسحاب ما لم تُرفع هذه العقوبات قبل أن يعود البنك الزراعي الحكومي إلى نظام الدفع المصرفي الدولي » «SWIFT.

وهذه المرة، لم يكن الكرملين يخادع، حسب وصف صحيفة Politico الأمريكية، حيث رفضت موسكو حلاً وسطاً اقترحته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لإنشاء وحدة جديدة داخل البنك يُسمح لها بإجراء معاملات تتعلق بتجارة الحبوب.

وتضارب موقف موسكو بشأن إلغاء الصفقة، فرداً على سؤال عما إذا كان هجوم على جسر يربط شبه جزيرة القرم بروسيا عاملاً في القرار بشأن صفقة الحبوب، قال المتحدث باسم الكرملين إن الأمر لم يكن كذلك، رغم أن مصادر روسية أخرى ربطت وقف الصفقة بالهجوم.

ومن الواضح أن هناك أسباباً أخرى إضافية غير الهجوم وشكاوى روسيا من العقوبات الغربية، تتعلق بالمواقف الأخيرة لتركيا، الوسيط في الصفقة، التي أغضبت موسكو على ما يبدو.

وأثناء قمة الناتو الأخيرة التي عقدت في ليتوانيا، قال رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي، فيكتور بونداريف، إن تركيا «تتحول إلى دولة غير صديقة بعد اتخاذها سلسلة من القرارات الاستفزازية، وذلك بسبب موافقتها على عضوية السويد في الناتو، إضافة إلى تسليم تركيا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، خلال زيارته لأنقرة، قادة الكتيبة الأوكرانية التي دافعت عن مجمع «آزوفستال» للصلب بمدينة ماريوبول الأوكرانية، والذين كانوا أسرى لدى موسكو، وتم إبعادهم لتركيا بشرط بقائهم هناك إلى حين انتهاء الحرب».

 

تأثير الانسحاب

تعتبر أوكرانيا أحد المصدرين الرئيسيين للحبوب في العالم، بحصة عالمية تبلغ 42% من صادرات زيت عباد الشمس، و16% من صادرات الذرة وما يقرب من 10% من صادرات القمح العالمية. وبذلك كانت بعض البلدان تعتمد بشكل كبير على الإمدادات من أوكرانيا، التي وفرت أيضاً حوالي 40% من إمدادات القمح لبرنامج الأغذية العالمي.

وفي الأشهر الأولى من الحرب الروسية ضد أوكرانيا، منعت البحرية الروسية حركة المرور من الدخول والخروج من الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود، حيث حاصرت حوالي 20 مليون طن من الحبوب المعدة للتصدير داخل البلاد، إلى جانب مواد غذائية أخرى؛ مثل الذرة وزيت عباد الشمس. ليرتفع سعر القمح الشتوي الأحمر الناعم، في بورصة مجلس شيكاغو للتجارة، تسليم شتنبر، بنسبة 1.15 بالمائة إلى 6.69 دولار للبوشل، وقفز سعر القمح بنسبة 50% منذ عام 2021، وكذلك شهدت الحبوب الأخرى قفزات كبيرة.

وصعدت العقود الآجلة للذرة تسليم شهر دجنبر بنسبة 0.30 بالمائة إلى 5.15 دولار للبوشل، فيما ارتفعت أسعار فول الصويا لشهر نونبر بنسبة 0.60% إلى 13.78 دولار للبوشل.

وساهم ذلك في ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية حول العالم، وإلى جانب الزيادات في تكلفة الطاقة، تم دفع البلدان النامية إلى حافة التخلف عن سداد الديون، ووجدت أعداد متزايدة من الناس أنفسهم على شفا المجاعة، خاصة في الدول الفقيرة المعرضة بالفعل لخطر انعدام الأمن الغذائي.

وتجددت مخاوف العالم بانتهاء العمل باتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية، وسط ترقب لأزمة غذاء جديدة يمكن أن تجتاح العالم قد تقفز معها معدلات التضخم إلى مستوى قياسي.

 

تنديدات عالمية

قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن «مئات الملايين من الأشخاص يواجهون الجوع» بسبب  قرار روسيا الانسحاب من اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية، فيما «المستهلكون يواجهون أزمة عالمية لكلفة الحياة. سيدفعون الثمن».

وأضاف غوتيريش أن هذا القرار يعني إنهاء اتفاق ذي صلة بين الأمم المتحدة وموسكو للمساعدة في تسهيل صادرات الحبوب والأسمدة الروسية.

ونددت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة بانسحاب روسيا من الاتفاق، واصفة ذلك بأنه «عمل وحشي».

وقالت ليندا توماس غرينفيلد، للصحافيين، «في وقت تمارس فيه روسيا ألعابا سياسية، فإن أناسا فعليين سيعانون»، متهمة موسكو بـ«احتجاز الإنسانية رهينة».

أما وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن فقال إن «نتيجة ما قامت به روسيا اليوم من استخدام الغذاء كسلاح.. ستكون جعل وصول الغذاء إلى الأمكنة التي في حاجة ماسة إليه أكثر صعوبة، إضافة الى زيادة الأسعار»، مضيفا «خلاصة القول إن (ما حصل) غير مقبول».

ومن جهتها، أعربت الحكومة البريطانية عن «خيبة أمل» حيال إعلان روسيا إنهاء اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية.

وقال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني، في تصريحات صحفية، إن القرار «مخيب للآمال»، لكن، في المقابل، ستعمل بريطانيا على مواصلة المحادثات في سبيل إعادة العمل بالاتفاق. وأضاف المتحدث: «إذا لم تجدد روسيا الاتفاقية فستحرم الملايين من إمدادات الحبوب الأساسية بالنسبة لهم».

وفي أوكرانيا، نقل سيرغي نيكيفوروف، المتحدث باسم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي – الاثنين- عن الرئيس قوله إنه يجب القيام بكل شيء ممكن حتى يستمر استخدام ممر تصدير الحبوب عبر البحر الأسود.

وأضاف زيلينسكي «حتى بدون روسيا الاتحادية، يجب القيام بكل شيء حتى نتمكن من استخدام ممر البحر الأسود هذا.. لسنا خائفين».

ومضى يقول: «تواصلت الشركات وأصحاب السفن معنا.. قالوا إنهم مستعدون، إذا سمحت لهم أوكرانيا بالمغادرة، وواصلت تركيا السماح لهم بالمرور، فعندئذ سيكون الجميع على استعداد لمواصلة توريد الحبوب».

وبدوره، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، يوم الاثنين الماضي، إن قرار روسيا بالانسحاب من اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود «سيوجه ضربة للمحتاجين في كل مكان».

وأضاف غوتيريش أن هذا القرار يعني إنهاء اتفاق ذي صلة بين الأمم المتحدة وموسكو للمساعدة في تسهيل صادرات الحبوب والأسمدة الروسية.

وفي إسطنبول، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إنه يتواصل مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، مؤكدا أن بوتين يريد الاستمرار في اتفاق تصدير الحبوب رغم التصريحات الروسية بشأن الاتفاق.

وأضاف أردوغان، في مؤتمر صحفي، أنه سيناقش الموضوع مع بوتين خلال زيارته إلى تركيا في غشت المقبل، كما ستتم مناقشة وسائل فتح الطريق أمام نقل الحبوب والسماد الروسيين إلى العالم.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى