تمت الموافقة على قانون الهجرة في الجمعية الوطنية بفرنسا، مساء يوم 19 دجنبر الماضي، بعد التوصل لاتفاق بين نواب الجمعية الوطنية وأعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي. ويشدد القانون الجديد على شروط استقبال وحياة الأجانب في فرنسا. وتتعلق بعض الأحكام مباشرة بالطلاب الأجانب، بمن في ذلك الطلاب المغاربة الذين يشكلون أكبر تجمع طلابي أجنبي في فرنسا.
إعداد: سهيلة التاور
«أصوات العار»، هكذا يصف المعلقون من اليساريين على شاشات التلفزيون الفرنسية ووسائل التواصل الاجتماعي التصويت على مشروع قانون الهجرة. ففي مساء 19 دجنبر الماضي، في باريس، تمت الموافقة من قبل الجمعية الوطنية على مشروع قانون الهجرة الذي قاده وزير الداخلية، جيرالد دارمانين، بعد يوم سياسي مليء بالتقلبات.
وأقر البرلمان الفرنسي قانون الهجرة الجديد، بعد أن رفضت الجمعية الوطنية نقاشه، قبل أسبوع، ولكن البرلمان شكل لجنة استجابت بشكل مباشر للمطالب التي تقدم بها اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان، التي صرحت بأن القانون يمثل نصرا إيديولوجيا لحزب الجبهة الوطنية، فهو يقر مبدأ الأفضلية الوطنية الذي لطالما نادى به اليمين المتطرف، وهذا يعني كما يرى كثير من الفرنسيين تخليا عن مبدأ المساواة، وهو مبدأ تقوم عليه الجمهورية الفرنسية منذ الثورة، بالإضافة إلى الحرية والإخاء.
ويثير النص جدلا حادا حتى داخل الأغلبية نفسها، حيث صوت 59 نائبا ضده، أو امتنعوا عن التصويت، وتهديدات من وزراء من حزب الرئيس إيمانويل ماكرون بتقديم استقالتهم، إذا تمت الموافقة على مشروع القانون، وقام وزير الصحة بتنفيذ تهديده. ومن الجهة الأخرى للقاعة البرلمانية، تتعالى أصوات التفاؤل. بالنسبة إلى التجمع الوطني الذي تقوده مارين لوبان، يعتبر مشروع قانون الهجرة «انتصارا إيديولوجيا لا لبس فيه للتجمع الوطني».
النص، الذي يتميز بكرهه الشديد للأجانب، مستوحى بشكل كامل من الطابع السياسي لليمين المتطرف، الذي كان حتى ذلك الحين يقاومه نواب حزب الجمهورية إلى الأمام. في حين تظل فرنسا هي المكان الرئيسي للطلاب المغاربة الذين يختارون متابعة دراستهم في الخارج (وفقا لتقرير من كامبوس فرانس، كان عددهم أكثر بقليل من 46,000 طالبا في عام 2022)، والذين سيتأثرون بشكل كبير بالقانون الجديد للهجرة، الذي يحدد لأول مرة في تاريخ فرنسا مبدأ التفضيل الوطني.
«كفالة العودةcaution retour »
حتى الآن، كان الأجانب المقيمون في فرنسا مؤهلين للحصول على المساعدات الاجتماعية، بما في ذلك المساعدات الشخصية للإسكان (APL)، التي يدفعها الصندوق الوطني للأسرة. تعتبر هذه المساعدة الاجتماعية وسيلة لمساعدة الأشخاص الذين يحتاجون إليها على تلقي قدر مالي شهري لمساعدتهم في دفع الإيجار. من الآن فصاعدا، ستكون منح APL للأجانب خاضعة لفترة انتظار، حسب نوعية طلب الشخص. على الأجانب الذين لا يعملون الانتظار لمدة خمس سنوات من الإقامة في الأراضي الفرنسية لطلب APL، بينما يجب على العاملين الانتظار ثلاثة أشهر. ورغم أن هذه القيود الجديدة لا تنطبق على الطلاب، إلا أنها تنطبق على الخريجين الشبان الذين يأتون إلى فرنسا لبدء مسارهم المهني. ولكن التغيير الرئيسي بالنسبة إلى الطلاب الأجانب، هو دفع «كفالة العودة caution retour»، التي ستكون شرطا لمنح تصريح الإقامة. حتى الآن، كان على الطلاب المغاربة أن يثبتوا احتجاز 80,000 درهم للحصول على تأشيرة الطالب، وهو مبلغ يمكن فك حجزه لاحقا عند وصولهم إلى فرنسا. والآن، ستُطلب «كفالة العودة caution de retour» من الطلاب للحصول على تصريح الإقامة، ولن يتم إعادة هذا المبلغ إليهم، إلا عند مغادرتهم الأراضي الفرنسية في نهاية دراستهم. وأثارت هذه الإجراءات موجة من الاحتجاجات من قبل رؤساء الجامعات والمدارس الكبيرة، مما دفع رئيسة الوزراء، إليزابيث بورن، في 20 دجنبر الماضي، إلى التعليق على الأمور على راديو «فرنسا إنتر». «ربما لم يكن لديهم وقت لقراءة النص الذي نقول فيه بشكل واضح جدا إن وزير التعليم العالي يمكنه تخفيف هذه الكفالة عن الطلاب، بناء على دخلهم ومسارهم الدراسي والجامعي»، صرحت الوزيرة، مشيرة إلى أنه قد تتم «مراجعة» هذا الإجراء.
ويتضمن مشروع القانون أيضا زيادة جديدة في رسوم التسجيل للطلاب الأجانب، وكان قد تم اعتماد إجراء مماثل في عام 2019، حيث حددت رسوم التسجيل للطلاب الأجانب غير المواطنين للاتحاد الأوروبي عند 2770 أورو سنويا في الدراسة الجامعية، و3770 أورو لدورات الماجستير والدكتوراه. وكانت العديد من الجامعات العامة قررت عدم تطبيقها آنذاك، معتبرة أنها تعيق مبدأ المساواة بين الطلاب.
الجامعات تعترض
استنكرت جمعية الجامعات في فرنسا بشكل حاد، قبل حتى إقرار مشروع قانون الهجرة الأحكام المتعلقة بالطلاب الأجانب. يمكن قراءة في بيان صحفي أصدرته الجمعية: «المطالبة بتقديم «كفالة العودة» المسبقة للطالبات والطلاب الراغبين في متابعة دراستهم في فرنسا، تتعارض مع قيم الجمهورية والتقليد العريق لفتح الجامعة الفرنسية للعالم». وتقدر الجمعية أنه «سيفقد التعليم العالي والبحث نبله، وبالتالي اللغة الفرنسية وصورة فرنسا، ستتأثران بشكل سلبي»، وتدين بشدة «تسويق التعليم العالي الفرنسي» و«تفاقم الوضع المالي الهش للطلاب والطالبات الدوليين».
وفي مساء 18 دجنبر الماضي، وقع 18 رئيس جامعة بيانا صحفيا يعبر عن الموقف نفسه، «لا يمكن أن يكون الوصول إلى المعرفة والتكوين تعيقه اعتبارات مالية ضيقة وغير مبررة، مثل فرض «كفالة العودة»، أو تقييد المساعدات الاجتماعية. ويعتبر الموقعون على هذا البيان الذين يشملون جامعة باريس السوربون وجامعة نانتير وجامعة تولوز- جان جوريس، وجامعات بوردو وليون، أن الطلاب والطالبات الدوليين هم ثروة لفرنسا ويسهمون في حيوية المجتمع الأكاديمي».
وكانت الأحزاب اليسارية، بما في ذلك «لا فرانس إنسوميس» و«الحزب الاشتراكي»، هي القوة الرئيسية المعارضة لاعتماد مشروع القانون. وفي هذا السياق، قالت النائبة الفرانكو- مغربية فريدة عمراني (لا فرانس إنسوميس): «بعد كارثة السياسة القصرية لتأشيرات الهجرة التي أدت إلى تدهور العلاقات بين فرنسا والمغرب، ستوجه الحكومة ضربة حقيقية إلى علاقاتنا الدولية بالتوجه إلى الطلاب الأجانب – بما في ذلك المغاربة – الأقل حظا». واستمرت قائلة: «هذا المشروع ليس سوى تنفيذ لبرنامج قومي يؤكد تطرف الحكومة. هذا القانون يجسد رغبة في منع مثل هذه الملفات من الوصول إلى الساحة السياسية. إنها، كما أشادت مارين لوبان بذلك، انتصار لفكر اليمين المتطرف».
صعوبات جديدة
من الأمور الأساسية في قانون الهجرة إلغاء حق الأرض، حيث بموجب هذا القانون يمكن نزع الجنسية الفرنسية من مزدوجي الجنسية، في حال القيام باعتداء على موظف، كما أن الجنسية الفرنسية لن تعطى للذين ولدوا في فرنسا من أبوين أجنبيين إلا بعد إتمام سن الثامن عشرة، حيث يتقدم الشخص لطلب الجنسية، وإذا كانت في صحيفته الجنائية جنحة فتمنع الجنسية عنه.
ويستمر القانون في التضييق على المهاجرين، فالمهاجر لن يحصل على المساعدة الاجتماعية المتعلقة بالأطفال، إلا بعد مرور ثلاث سنوات إذا كان يعمل، وخمس سنوات إذا لم يكن كذلك، كما أن المهاجرين غير الشرعيين لن يحصلوا على المعالجة المجانية من قبل الدولة إلا في حالات استثنائية بما يمثل خرقا واضحا لمبدأ المساواة ، أما أولئك الذين يرغبون في تسوية أوضاعهم فيجب عليهم العمل لفترة طويلة، ثم التقدم إلى البلدية من أجل الحصول على الإقامة الشرعية.
ولم الشمل العائلي في القانون الجديد أصبح مسألة في غاية الصعوبة وفي غاية التعقيد، فزوجة المقيم في فرنسا عليها أن تتعلم اللغة الفرنسية، ويكون لديها مستوى جيد من اللغة، حتى تعطى «الفيزا» للقدوم إلى فرنسا.