هكذا خطط الفرنسيون لتحويل مياه أم الربيع إلى ما وراء الأطلس المتوسط
يونس جنوحي:
واصل المراقب الفرنسي كلامه قائلا:
-«النقطة الأساسية، إن الرجل الآن صار واثقا أنه سوف يجني المحاصيل. اذهب إلى الجهة الأخرى من الوادي، والتي لا يوجد بها نظام للري. هناك، سوف يزرع الرجل ويأمل أن يأتي بعض المطر. إذا هطل المطر، سيحصد محصولا ضئيلا. وإذا لم يهطل المطر، فلن يحصل على شيء.
أما هنا، فيعلم أنه سوف يجني محصولا، وهذا المحصول يكون جيدا.
التربة جيدة بما يكفي، ومع وجود الشمس، الماء والعمل الجاد، لا يمكن أبدا أن يفشل.
حجم عائداتنا يتجاوز بخمس عشرة مرة حجم عائدات الجهة الأخرى من الوادي. ومع ذلك، فإن هذه المردودية الجيدة، لم تتحقق إلا قبل سنوات قليلة فقط».
-«هل تنصح الفلاحين باستعمال البذور، وما يُشبهها؟».
-«بل أفضل من هذا، نحن نزودهم بها على سبيل الإقراض، ونخصم تكلفتها من المحصول. ونزودهم أيضا بالجرارات وبعض الآلات الفلاحية الأخرى، إذا أرادها هؤلاء الفلاحون».
تجولتُ في المنطقة، متعجبا من حجم ثرائها بالمؤهلات الطبيعية، خصوصا عند مقارنتها مع الأراضي المجاورة الفقيرة.
حتى الآن، تم تجهيز 26 ألف هكتار بتقنية الري. تزداد القنوات سنة بعد أخرى، وقريبا سوف تصبح مساحة أزيد من 40 أكرا من حقول منطقة بني موسى وبني عْمر موضوع أنشطة زراعية مكثفة.
سألتُ المراقب:
-«لكن ما هي الغاية من آلة القياس الخشبية هذه؟».
أجاب بابتسامة عريضة:
-«إنه يمكنني من إلقاء نظرة مستمرة على كل شيء، خصوصا عندما ينطلق الماء في الصباحات الباكرة. ثم يكون بمقدوري التأكد ألا أحد يسرق كمية الماء، التي يجب أن تكون جارية في المزرعة المجاورة!».
قال لي أحد خبراء الري الفرنسيين:
-«نعم، لقد حققنا بداية جيدة».
هذا، وعلى الرغم من أن التوقعات لم تكن تنتظر هذا الحجم، اتضح أنها حقيقية. انبثقت أفكار جريئة، كانت وراء النجاح المبهر للتجربة، في ظل ظروف متواضعة وبعيدة عن الكمال.
المخطط الحالي، كما سبق أن شرحتُ، يغطي الحقول الواقعة في الضفة اليمنى لنهر أم الربيع، لكن ماذا عن الجهة اليسرى الواقعة بين الوادي والجبال؟
هنا يبدو أنه لا يوجد حل واضح، ولا يوجد نهر قريب لكي تُستغل مياهه. إلى أن طرح المهندسون الفرنسيون خطة غاية في الجرأة.
في الجهة الأخرى للأطلس المتوسط يجري رافد متفرع من نهر أم الربيع، وهو وادي «عبيد»، ويجري بالموازاة مع المجرى الرئيسي للماء.
إن مياهه ممتازة، وتأتي من تجمعات المياه القادمة من الوديان العليا.
لم لا يتغير مجرى النهر إذن؟ لم لا يُنقل مجرى الوادي كاملا إلى الجهة الأخرى من الجبل؟
هذا هو الأساس البسيط لهذا المخطط الضخم.
من الواضح أنه مكلف جدا ماديا، لكن مع ابتكار طريقة جديدة للعمل، فإن استغلال الماء سوف يتضاعف.
سوف يتم توليد الطاقة الكهربائية أولا، ثم يتم تنفيذ مخطط للري ليشمل السهول.
توغلتُ بسيارة الـ«جيب» إلى قلب الأطلس المتوسط، لكي أجد مشهدا لمُعسكر بُني حديثا لكي يستقر به المُنقبون. لقد تم فعلا نصب جدار خرساني شاهق. ولحسن الحظ، فإن الوادي يجري في منطقة «بين الويدان»، بين مضايق صخرية. وعندما يُنشر هذا الكتاب فإن العمل على هذا المعسكر سوف يكتمل.