شوف تشوف

الرئيسية

هكذا حولت فوضى المقالع المدينة الخضراء إلى المدينة الغبراء

حمزة سعود
بعد تصنيف تقرير لإقليم بنسليمان ضمن قائمة المناطق الأكثر تلويثا للهواء بالمغرب، زارت «الأخبار» دواوير الإقليم، لمعرفة ظروف استغلال مقالع الرمال والفحم والزفت والكرانيت والتوفنة، وكيف تستغل الشركات جهل السكان بالقانون 27.13 المنظم لاستغلال المقالع بالمغرب. تأثيرات تلوث الهواء بالمنطقة، شملت ظواهر متعددة خلال السنوات الأخيرة، لعل أبرزها الخسف الأرضي، الذي يؤثر على خصوبة التربة، وكذا تقلص النطاق الغابوي، بسبب الغبار المنبعث الذي يكسو الأوراق ويقضي على الأشجار، ويؤثر سلبا على قطعان الماشية. «الأخبار» عاينت حجم الأضرار، التي تعانيها دواوير، لكدية، أولاد يونس، بني عيسى، والبصاصلة.. طرق متضررة وزحف مستمر للمقالع، خلف على امتداد السنوات الماضية، أمراضا مزمنة أبرزها السيليكوز، في صفوف العائلات المرابطة بالإقليم ولم تسعفها ظروفها الاجتماعية في الرحيل صوب وجهة أخرى.. مزيدا من التفاصيل في التحقيق التالي.

لم تترك الشاحنات التي تعبر الطريق المؤدية إلى مقالع الأحجار والرمال والتوفنة، أي بديل لسكان دواوير جماعة عين تيزغة سوى الاحتجاج على الأوضاع التي تمر منها المنطقة منذ عقود.. التنمية هجرت دواوير لكدية، أولاد يونس، بني عيسى، والبصاصلة، بل لم يسبق لها زيارتها بالأساس. والتلوث أسقط العائلات في شرك الأمراض التنفسية والصدرية.
جماعة عين تيزغة التي تؤوي دواوير تختلف درجات تهميشها.. هواء هذه الدواوير ممزوج بمواد كيماوية سامة، تؤثر سلبا على صحة السكان، في ظل تزايد استغلال مقالع التوفنة والأحجار والكرانيت والرمال، طيلة 24 ساعة، دون الاكتراث لدفاتر التحملات أو القانون رقم 27.13 المنظم لاستغلال هذه المقالع. سكان المنطقة، وحسب ما وقفت عنده «الأخبار» تعاني من التلوث السمعي، بسبب الانفجارات المتكررة جراء الاستغلال العشوائي للمقالع، إلى جانب مئات الشاحنات التي تدك الطرق الوطنية والجهوية التابعة للإقليم، بشكل يومي، وتؤثر على جودتها. هذه الشاحنات التي تنقل الأحجار والرمال والتوفنة، يخلف مرورها يوميا، غبارا متناثرا يكون سحبا تنتقل عبر الهواء داخل تراب الإقليم ومنه إلى باقي الأقاليم المجاورة، إلا أنه يخلف حالات مرضية، في صفوف السكان، عدد من هذه الأمراض مزمنة. حسب شهادات السكان، فرغم صدور أحكام تقضي بمنع استغلال بعض المقالع بالمنطقة المخصصة للكرانيت والأحجار والرمال وكذا التوفنة، إلا أن استغلالها حسب السكان وعدد من الجمعيات البيئية التي تنشط في الإقليم مازال متواصلا وغير خاضع للمراقبة ولا تشمله دفاتر التحملات، رغم تخصيص القانون المنظم لاستغلال المقالع غرامات مالية جسيمة في حق مرتكبي المخالفات. من بين أهم الظواهر السلبية التي عرفتها المنطقة خلال السنوات الأخيرة، ظاهرة الخسف الأرضي التي تسببت في تقلص المساحات الزراعية على امتداد دواوير الإقليم.. استغلال المقالع بشكل مستمر بالإضافة إلى الانفجارات التي تعرفها المنطقة جعلت خصوبة التربة تتراجع مع مضي السنوات، وزيادة عن ظاهرة الخسف الأرضي التي تعرفها المنطقة، باتت العديد من الدواوير تعاني من انهيارات أرضية، سببها الرئيسي انفجارات تحدث بالمقالع خاصة على مستوى تراب جماعة الزيايدة، التي تعرف أيضا مرور العشرات من الشاحنات يوميا بين طرقها المنهكة.
بيوت السكان الذين استقت «الأخبار» تصريحاتهم، باتت متداعية وتتطلب الإصلاح موسميا، بالنظر إلى الانفجارات المتكررة، التي تحدث تصدعات وتشققات على مستوى واجهات وأساسات المنازل.

أمراض تتربص بسكان الإقليم
يعاني سكان إقليم بنسليمان، الأمرين بدواوير لكدية، أولاد يونس، بني عيسى، والبصاصلة.. شكاياتهم ومراسلاتهم المتكررة، حسب فعاليات المجتمع المدني لا تجد آذانا صاغية، ولا مشاكلهم تجد بدورها طريقا إلى الحل، رغم علم المسؤولين بها.. معظم أفراد السكان يعانون أمراض القلب والشرايين وضيق التنفس، والسيليكوز.
السكان يشتكون تجاهل المسؤولين للهدر المدرسي الذي يتفشى في صفوف العائلات والتلاميذ، وعدم تغطية النقل المدرسي للعديد من مناطق ودواوير الإقليم، علما أن هذا الأخير من بين أغنى الأقاليم بالمغرب من حيث الثروات الطبيعية والمعدنية، ويعرف ضعفا مهولا من حيث إدماج الشباب في منظومة العمل. استغلال المقالع بالإقليم ليل نهار، ولـ24 ساعة يوميا، حسب السكان تسبب في استنزاف خصوبة التربة وأثر بشكل بالغ على المحاصيل، في ظل ندرة قنوات المياه المخصصة للسقي والشرب.. مقالع التوفنة والأحجار والفحم والرمال، إلى جانب كل هذه الأضرار البيئية يتسبب غبارها المتناثر في أمراض تتعلق بالربو والحساسية.
من بين أهم الأمراض التي يعاني منها سكان الإقليم والأكثر انتشارا بالدواوير، الالتهاب والتليف الرئوي والسيليكوز، بالإضافة إلى مرض السيديروز، والجمرة الخبيثة، وأمراض تعفنية وأخرى لها علاقة بالأمراض الفطرية والحمى، وأصناف مختلفة من أمراض السحار، والتليف الرئوي الخلوي.
مقالع الكرانيب والكاياس والأحجار والتوفنة، تنقسم انبعاثاتها من الغبار الذي يتنفسه السكان، إلى مركبات خطيرة وأخرى غير عضوية، من بين المواد الرئيسية، مادة الحرير الصخري، والسيليكا والفحم، والبيريليوم والمركب الكيميائي كربيد التنجستن، بحيث تتوفر كافة المقالع على مركبات كيميائية ضارة، من بينها معدن الحديد والقصدير والباريوم، وغبار السماد، بالإضافة إلى احتواء مجموعة من هذه المقالع على جزيئات شعر الحيوانات وبول الفئران المجفف، وبقايا فاسدة من قصب السكر.

جهل أم تجاهل للقانون ؟
من الناحية القانونية ينص القانون رقم 27.13 المنظم لاستغلال المقالع بالمغرب، على ضرورة احترام عدد من البنود المتعلقة أساسا باستغلالها السليم، وفي حال الإخلال بهذه البنود، تواجه الشركات المعنية، ضرائب وغرامات إدارية ومالية. القانون رقم 27.13، الذي ينظم استغلال المقالع بالمغرب، حدد من بين أولوياته معاقبة الشركات التي تستغل المقالع وتلحق أضرارا بالبيئة ولعل الانفجارات العنيفة التي تهز وتفزع السكان وتقض مضجع النساء والصغار، واحدة من بين المخالفات الجسيمة.
القانون أيضا، خصص عقوبات جسيمة في حق الشركات المستغلة للمقالع والمتهربة ضريبيا، وأيضا في حق الشركات التي تعتمد حمولات غير مسموح بها في الاستخراج والنقل عبر الشاحنات، وتفوق الكمية المصرح بها في العقود ودفاتر التحملات، المبرمة مع الجهات الوصية.
القانون رقم 27.13، الذي يتضمن حوالي 12 بابا وحوالي 65 مادة، ينص في بابه المخصص للتدابير والغرامات الإدارية، على معاقبة كل من يستغل مقلع معين دون القيام بأشغال التهيئة اللازمة بغرامة مالية تصل إلى حوالي 100 ألف درهم، وبنفس الغرامة كل من استغل مقلعا تم توقيف العمل به في وقت سابق. والحال بالإقليم، حسب ما وقفت عنده «الأخبار»، فمجموعة من البنود الواردة في القانون رقم 27.13، لا يتم احترامها أو مراعاتها في استغلال مقالع «الكاياس» والتوفنة والرمال والزفت، وهو ما يشكل خطرا على السكان والطبيعة.

مدينة بنسليمان.. من تلوث الهواء إلى تلوث من نوع آخر
في الطريق إلى مدينة بنسليمان، وتحديدا عند النقطة الكيلومترية رقم 33 . بمدخل المدينة، تصادف مرتاديها والزائرين، قوارير بلاستيكية ونفايات من أنواع وأحجام مختلفة.. على امتداد مساحات خضراء ملوثة بات من يقصد المدينة يتجنب مد بصره لرؤية حافة الطريق، أمام هول المشهد.
ليست الشاحنات، المثقلة بأطنان المعادن، والتي تخترق دواوير الإقليم، وحدها من تتسبب في التلوث بالمنطقة، بل حتى شركة النظافة الوحيدة المفوض لها تدبير نظافة المدينة، تساهم في حجم التلوث بالمدينة، شارع الحسن الثاني و»الفيلاج القديم» وأحياء لالة مريم 1 و2 وكذا الحي الحسني وحي الفرح، كلها تعرف نسبا عالية من التلوث بسبب «مزيج» الأكياس البلاستيكية بروث البهائم التي تجوب المدينة.
جولة سريعة بالمدينة تكشف لزائرها، مدى زحف النفايات البلاستيكية والورقية على حيز مهم من المساحات الخضراء، وقد يصادفك خلال زيارتك إلى أحياء المدينة، أيضا، زحف القطيع على شوارع متعددة بالمدينة، ناهيك عن الخصاص الكبير في حاويات النفايات. «الأخبار» تتبعت حركة بعض الشاحنات التي تخترق المدينة قادمة إليها من دواوير مجاورة.. وجهة هذه الشاحنات، «السوق القديم»، المجاور لمحطة «الطاكسيات» الشهيرة بالمدينة، وهو محل نزاع إلى حدود كتابة هذه الأسطر بين ثلة من القاطنين فيه، وشركة عقارية. هذه الشاحنات التي تتوقف، فوق تراب السوق، تفرغ بشكل مستمر حمولات بمحتويات مجهولة من النفايات، وسط العديد من تساؤلات المارة وسكان حي القدس، وهو ما دفع السكان، حسب إفاداتهم إلى مراسلة الجهات المعنية من أجل معرفة التفاصيل.. الأرضية الرملية للمدينة في عدد من الأحياء تختلط ببراز وفضلات الدواب، والسكان أجبروا منذ سنوات على تجنب المرور عبرها.

هكذا يُسبب غبار المقالع السرطان
يؤكد محمد لعبوري، رئيس جمعية الأصدقاء للسياحة البيئية، أن المقالع المتنوعة بالمنطقة تشكل مصدرا للأضرار الصحية بالنسبة لسكان دواوير إقليم بنسليمان، معتبرا تسبب الشاحنات المحملة بأطنان من المواد المعدنية والتي تعبر وتخترق الإقليم في التلوث السمعي، إلى جانب تلوث الهواء بالمنطقة. نفس المتحدث اعتبر أن الأضرار التي تحدثها الشاحنات بالنسبة للطرق الوطنية والجهوية الرئيسية بالإقليم، تشكل ضررا ومسا بالمؤهلات السياحية التي تحظى بها المنطقة، ناهيك عن باقي الأضرار الصحية، والتنفسية.
الغبار الذي تحدثه المقالع، عبارة عن جسيمات إما «معدنية» أو «عضوية»، وتختلف حسب مصدرها، بحيث يمكن أن يتشكل الغبار المعدني من طحن المعادن، مثل الصخور أو التربة، ويتعلق الأمر بمكونات عدد مهم من هذه المقالع من بينها، السيليكا والفحم. يؤثر الهواء على السكان المجاورين، والمحمّل بجزيئات الغبار الخاصة بالمقالع، والتي تمر عبر دفاعات تجويف الأنف والممرات الهوائية، إلى الحويصلات السنخية الصغيرة داخل الرئتين، والتي هي ضرورية ليتلقى الجسم الأوكسجين ويزيل ثاني أكسيد الكربون.
عندما تصل جزيئات الغبار إلى الأكياس السنخية والممرات الهوائية السفلية، تتعرض لهجوم من خلايا خاصة تسمى البلاعم. البلاعم تشكل عنصرا مهما في دفاعات الرئة، بحكم منعها تراكم الأجسام الغريبة في الحويصلات السنخية، وفي نفس الوقت تقوم البلاعم بابتلاع الجزيئات.
بالإضافة إلى البلاعم، لدى الرئتين نظام دفاعي آخر يسمح لها بإزالة الغبار، بحيث يمكنها أن تدافع عن نفسها ضد وجود جزيئات تحمل جراثيم من خلال إنتاج بروتينات معينة، تتمكن بعض الجسيمات الدقيقة المشبعة بالجزيئات الملوثة، من عبور تجويف الأنف للوصول إلى المنطقة التي تنقسم فيها القصبة الهوائية إلى مجريين ينزلان إلى الرئة خاصة بالنسبة، لعمال هذه المقالع، ويمكن أن يسقطون ضحايا أمراض السيليكوز والجمرة الخبيثة، جراء الغبار المستنشق، وهو ما يخلق التهابات رئوية، قد تؤدي إلى أمراض أخرى أبرزها السرطان.

لحسن أيت ناصر رئيس جمعية أصدقاء البيئة بنسليمان : شركات «المقالع» لا تحترم القانون ودفاتر التحملات والوزارات المعنية «آوت»
قال لحسن أيت ناصر، رئيس جمعية أصدقاء البيئة ببنسليمان، إن الإقليم، يعتبر من أغنى المناطق بالمغرب، إلا أن دواويره تعاني وتفتقر لأبسط شروط العيش بما فيها تجاهل المسؤولين لشباب المنطقة.
وأكد أيت ناصر، أن جماعات الزيايدة وعين تيزغة والشراطّ، تسد احتياجات العديد من المدن المغربية من حيث المعادن، رغم تأثيراتها وخطورتها الكبيرة على البيئة والإنسان بالإقليم بما في ذلك تسببها في أمراض الربو والأمراض الجلدية.
واعتبر نفس المتحدث، أن هذه المقالع باتت تشكل بؤرا موقوتة بالنسبة للسكان ككل، بعدما غابت المراقبة وتقنين استغلال المقالع وفق دفاتر التحملات، من طرف الأجهزة الوصية على القطاع.
وأكد نفس المتحدث، أن عشرات الشاحنات المحملة بأطنان المواد المعدنية، التي تعبر وتخترق دواوير الإقليم، تتسبب في إلحاق أضرار بالغة بالطرق الوطنية والجهوية بالمنطقة، في غياب أي تدخل أو ردود فعل من وزارة التجهيز والنقل، أو الطاقة والمعادن.
وأفاد أيت ناصر، بأن مصانع وأوراشا جديدة، اقتحمت المجال السكني بجماعة عين تيزغة، بسرعة وحولت أراضي فلاحية بين عشية وضحاها إلى مقالع للـ «كاياس» والكرانيت، مما تسبب في تضرر الفرشة المائية بالإقليم.
واعتبر نفس المتحدث، في حديثه مع «الأخبار» أن الانفجارات بالمقالع تصيب الصغار والكبار على حد سواء بالهلع والخوف، كما تتسبب في تزايد معدلات الأمطار الحمضية بسبب تبخر الغبار المنبعث من مقالع الكرانيت والتوفنة أساسا.
وأكد نفس المتحدث، وجود عدد غير محدود من المقالع التي يجري استغلالها إلى الآن بشكل غير قانوني، رغم شكايات ومراسلات السكان ووجود أحكام قضائية صادرة تمنع استغلالها، أمام صمت وتجاهل الجهات المعنية.
وأضاف نفس المتحدث، أن الشركات الخاصة، التي تستغل المقالع الخاصة بالكرانيت والأحجار والزفت والفحم والتوفنة، لا تهتم لصحة وسلامة السكان، على حساب أرباحها المالية، وهو ما يشكل في عدد من المناسبات خرقا سافرا لدفاتر التحملات المعتمدة في استغلال المقالع.
واعتبر نفس المتحدث، أن المجلس الجماعي للإقليم يتجاهل بشكل مقصود مطالب السكان ويرفض الجلوس إلى طاولة الحوار مع فعاليات المجتمع المدني من جمعيات بيئية والتنسيقيات وكذا هيئات حقوقية، لإيجاد حلول رغم اقتراحات السكان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى