دعونا نربط بعض الأحداث وفق تسلسل تاريخي… وهي بعض جوانب النقمة في الملف، إذ في أحد حوارات القاضي البلجيكي Michel claise مع إحدى الإذاعات البلجيكية سنة 2011.. نجده يتهم المغرب بشكل مباشر بتمويله لنشاطات إرهابية من خلال تجارة المخدرات مثله في ذلك مثل أفغانستان… ويربط ضرورة محاربة المخدرات بمحاربة الإرهاب، ثم نرصد خروجه الإعلامي سنة 2016 ساخطا ومنتقدا للفاعلين السياسيين البلجيكيين وعجزهم عن مقاومة الفساد والجرائم المالية…
أكثر من هذا، فقد وصف، في المقال نفسه، وزير العدل السابق Van Koen بـ Erdogeens نسبة إلى الرئيس التركي أردوغان… وفي شهر أكتوبر من السنة نفسها، أي 2016، سيشرف بشكل شخصي على خلق فرع بروكسيل «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان»… وهو الفرع الذي سيستغل أحداث الريف لتنظيم حملات ووقفات أمام التمثيليات القنصلية المغربية ببلجيكا سواء بسبب مقتل «محسن فكري» أو بمواكبة محاكمة قادة الحراك، كما تم الإعلان عن «مشروع» تكوين فيدرالية أوروبية تجمع فروع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بكل من إسبانيا وفرنسا وبلجيكا…
في الفترة نفسها ستعرف كل من فرنسا (2015) وبلجيكا (مارس 2016) أحداثا إرهابية خطيرة من طرف جناة فرنسيين وبلجيكيين من أصل مغربي، حيث راح ضحيتها العديد من القتلى والجرحى وتركت خوفا جماعيا وضررا نفسيا كبيرا في أوروبا. تبعتها إجراءات عقابية قوية وقوانين جزائية ومحاكمات في فرنسا أولا، ثم بلجيكا ثانيا حيث انطلقت في شهر نونبر من سنة 2022 لتستمر إلى غاية شهر يونيو 2023، في أكبر محاكمة بمحكمة الجنايات البلجيكية…
قاضي «100 مليون»
القاضي البلجيكي «ميشيل كليز» سيعلن أكثر من مرة عن ميوله اليساري والجمهوري، وفي الآن نفسه يتمسك بملكية بلجيكا… وسيبحث عن الشهرة في قضايا الأموال وجر الأبناك والمؤسسات المالية إلى القضاء حتى سمي برجل «100 مليون» أي المبلغ الذي تستفيد منه خزينة بلجيكا سنويا كغرامات مالية…
وبحث عن الشهرة، كذلك، من خلال «قبعة» الكاتب والقاص المتخصص في الروايات البوليسية، حيث يتناول قضايا التهريب والتهرب الضريبي وقضايا الأموال والتحقيقات وغيرها.. وهي الإصدارات التي كسب من ورائها مساحة إعلامية كبيرة وكذا عائدات مالية مهمة واستدعاءات لحضور وتأطير طلبة المعاهد والجامعات… وقبل هذا مارس المحاماة لما يزيد عن عشرين سنة…
لكن رغبته في شهرة أكبر وصلت درجة الشراهة، فبعد ملفات ذات بُعد محلي ووطني، كانت «قطرغيت» هي منتهى رغبته في الركوب الإعلامي والوصول للعالمية من خلال دولة قطر وتنظيمها لمونديال خرافي ودورها في تأمين الأمن الطاقي بأوروبا والعالم… أو من خلال المغرب وما حققه في شهر، طيلة شهري نونبر ودجنبر 2022، من نتائج غير مسبوقة في تاريخ المونديال وخروج الملايين للاحتفال بإنجاز المغرب أمام منتخبات أوروبية عريقة، من قبيل إسبانيا وبلجيكا وفرنسا…
فهل تتوفر في القاضي Michel claise عناصر الموضوعية والحيادية والنزاهة… عندما يتعلق الأمر بالمغرب…؟
وكم تبقى له من رأسمال المصداقية وأخلاق القضاء النزيه، وهو يحاول تحوير عناصر التحقيق من أجل صيد اعترافات تورط بعض المسؤولين المغاربة…؟
وهل يحق لمسؤولي مؤسسة قُضاة التحقيق الفيدرالي البلجيكي السماح لقاضٍ (ميشيل كليزا) ساهم في خلق فرع جمعية حقوقية مغربية معروفة بخطها العدائي والتحريضي وتعاملها مع منظمات وأحزاب ووسائل إعلام مشهورة بعدائها للمغرب، وله كتاب عن الريف المغربي… ويتبنى خطاب معارضين مغاربة بالخارج… هل يحق لهم السماح له بأن يكون المسؤول الأول عن تحريك قضية ما أو الإشراف على تحقيق وإطلاق تصريحات إعلامية يكون الهدف منها إقحام المغرب عنوة في قضية هو بعيد عنها…؟
لكن عندما ننتبه للحظة، أنه استعمل طفلة رضيعة ذات 22 شهرا من أجل ابتزاز والضغط على والديها المتهمين Eva Kaili و Francesco Giorgi من أجل دفعهما لاعترافات تورط بصفة خاصة مسؤولين مغاربة… فإننا نصل إلى أننا أمام شخص منعدم الحس الإنساني والضمير المهني… وأنه يستثمر تداعيات التحقيقات القضائية في جرائم الأموال من أجل كسب مزايا سياسية مستقبلية… تذكرنا بمسارات قضاة أوروبيين، سواء في فرنسا أو إيطاليا أو إسبانيا… اشتهروا في قضايا قضائية وانتهى بهم الأمر في أحزاب سياسية ومؤسسات تشريعية (برلمانات) وهو ما سينتهي إليه حتما القاضي / القاص البلجيكي Michel claise…
أسباب عداء كليزا لوزير العدل السابق
وصف القاضي الفيدرالي البلجيكي Michel claise لوزير العدل السابق Koen genn Geens بـ Erdogeens، يعني، من جهة أولى، أنه لم يكن في وفاق تام مع السياسات الجنائية لوزير العدل الذي كان مدح، في أكثر من مناسبة، الجمعيات والمساجد الإسلامية على دورها أثناء جائحة كوفيد 19 وكذا دورها أثناء مطاردة مرتكبي الأفعال الإرهابية في مارس 2016… وهو اتجاه لم يعجب تيار اليمين واليمين المتطرف…
ويعني، من جهة ثانية، أنه في انسجام تام مع السياسات الجنائية للوزير الجديد Vincent Van Quickenborne سواء على مستوى اللوجيستي أو الموارد البشرية…
المثير للانتباه أن الوزير Vincent Van Quickenborne دشن حملة ضد الشأن الديني ودخل في صراع قانوني وقضائي مع المسجد الكبير لبروكسيل ورفض طلب الاعتراف به… واتهم الوزير ذاته قياديي «الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا» بالتخابر مع الخارج أي تركيا والمغرب، وذلك بناء على تقرير صادر عن جهاز المخابرات البلجيكية، اضطر معه المغربي «صلاح الشاوي»، الذي شغل منصب نائب رئيس الهيئة التنفيذية، إلى تقديم استقالته… لكن الهيئة رفعت دعوى ضد الوزير الذي خسرها أمام المحكمة التي رأت أن تصريحات الوزير تتعارض مع مبادئ حيادية الدولة بخصوص الشأن الديني، أضف أنها غير مدعومة بأدلة كافية… لكن الحكومة البلجيكية قامت بسحب الاعتراف بالهيئة التنفيذية باعتبارها ممثلا رسميا للمسلمين بالمملكة البلجيكية.. وهنا، أيضا، تنبعث رائحة اليمين واليمين المتطرف، إذا علمنا أن عدد المسلمين ببلجيكا يقترب من 800 ألف مسلم يشكلون نسبة 23.6 في المائة من سكان منطقة بروكسيل العاصمة ونسبة 5.1 في المائة من سكان منطقة الفلاندر (الشمال) ونسبة 4.9 في المائة من سكان منطقة فالونيا… كما أن نصف سكان بروكسيل هم مسلمون… وهو ما يعني وعاء انتخابيا كبيرا بإمكانه قلب المعادلات الانتخابية والسياسية لليمين المتطرف عند كل موعد انتخابي ببلجيكا…
وسيتعرض الوزير ذاته إلى محاولة اختطاف في شهر شتنبر من سنة 2022 من طرف عصابة «موكرو مافيا» التي يتزعمها أفراد من أصل مغربي… وهو ما اضطره إلى قضاء أعياد الميلاد لسنة 2022 في منزل سري مع عائلته وتحت حراسة أمنية مشددة. أكثر من هذا، تقدم الوزير نفسه بقانون من شأنه تسريع مسطرة تقديم المتهمين أمام القضاء بعد أحداث الشغب التي عرفتها بلجيكا بعد تغلب «أسود الأطلس» (المغرب) على «الشياطين الحمر» (بلجيكا) في مونديال قطر في دجنبر من سنة 2022…
إن كل هذه الوقائع والأحداث والشواهد… دليل إثبات واضح على أن المغرب يتعرض لحملة مبرمجة ومقصودة لتشويه صورته بالخارج، ودليل آخر على تكالب مجموعة من أجهزة المخابرات الجزائرية ومجموعات إعلامية مملوكة لعائلات يمينية (Agnelli مثلا)، ونموذج فاضح لتصفية حسابات سياسية وأمنية وقضائية داخلية… والقذف بها في ساحة البرلمان ومجموعات الضغط (اللوبيات) والمنظمات الحقوقية… والتشهير بالمغرب… وكأنه مشجب خاص بالقاضي الفيدرالي «ميشيل كليز» يعلق عليه آمال الشهرة والبحث عن مجد سياسي بعد التقاعد سنة 2024… أو خاص بوزير العدل «فان كويكنبورن» يعلق عليه أسباب فشله في القبض على عصابات المخدرات وفشله في فصل مغاربة بلجيكا بعيدا عن أواصر وطنهم الأصلي المغرب وعن وشائج الهوية الإسلامية… وعدم احترامه لأحد الحقوق الكونية، أي حرية العبادة، بتدخله الفج في تسيير الشأن الديني، متناسيا أن بلجيكا هي أول دولة اعترفت بالإسلام كديانة ثانية بعد المسيحية… وأن مسلمي بلجيكا يعيشون في نظام حيادي…
ويحق لنا، أخيرا، أن ننضم، مع رئيسة البرلمان الأوروبي «روبيرتا ميتسولا»، بقولها إن البرلمان الأوروبي تحت التهديد، والديموقراطية تحت التهديد… لأننا نشعر فعلا بأن كل هذا الصراخ الإعلامي المبرمج وتسخير السلطة القضائية البلجيكية من أجل مكاسب سياسية وشخصية… هو فعلا يضر بشرعية قرارات المشرعين الأوروبيين وبمصداقية مؤسسات الشفافية واللوبيزم والمنظمات والهيئات النقابية… ببروكسيل، ويهدد مؤسسات الاتحاد الأوروبي ليس أمام الرأي العام الأوروبي فقط، بل أمام الرأي العام المغربي أيضا…