هكذا تنكر أبناء مدللون لتضحيات آبائهم
مونية الدلحي
كثيرا ما تنقل وسائل الإعلام أخبارا عن حالات لأبناء عقوا آباءهم، أو أقدموا على تصرفات في حقهم دون أن يأبهوا بأنها قد تنتهي إلى ما لا تحمد عقباه. عدد من هؤلاء الأبناء أضحى العقوق بالنسبة إليهم سلوكا يوميا يكتوي بناره آباؤهم، الذين تعهدوهم بالرعاية إلى أن اشتد عودهم. تتفاوت درجات العقوق لدى بعض الأبناء تجاه آبائهم، والغريب في عدد منها أنها لا تصدر فقط عمن عانوا سوء التربية أوالحرمان المادي والعاطفي، بل عن أشخاص تربوا تربية حسنة وتوفرت لهم كافة شروط العيش المريحة التي تصل أحيانا إلى حد الدلال.
قيام الآباء بكل واجبهم تجاه أبنائهم لا يعني بالضرورة أنهم سيلقون المعاملة الحسنة من قبل أبنائهم، فعدد من هؤلاء يلقون كل تضحيات الآباء وراء ظهورهم، بما في ذلك ما تعلموه أثناء الصغر من أن «بالوالدين إحسانا».
في حالات كثيرة يصدم الأبناء والديهم بأفعال قاسية تجاههم، بل وفي كثير من الحالات يكون الابن قد عاش طفولة مدللة، وأخذ قسطا وافرا من الحب والرعاية من أبويه، ليكون المقابل معاملة سيئة وسخطا وتعاسة قد لا ينفع معها الندم.
عقوق الابن المدلل
وليد من الأبناء الذين عاشوا حياة الترف، كانت كل طلباتهم مجابة لكونه ينحدر من أسره ميسورة الحال، كان الابن البكر لأسرته، وبالتالي يحظى بمعاملة مميزة. يقول الحاج محمد والد وليد «بالنسبة إلي كان وليد ابنا مميزا، لأنه البكر، وكنت أشعر بأنه الأقرب إلي، أدخلته أفضل المدارس، وكنت دائما أقف إلى جانبه ليحقق مستوى عاليا في دراسته ليتخرج ويصبح شخصا مهما في المجتمع».
مرت سنوات طويلة ووليد يحظى بالمعاملة الخاصة، اقتنى له والده سيارة حتى يريحه من عناء التنقل من المعهد الذي يدرس به والمنزل، ولأنه كان يقطن بإحدى الأحياء الراقية بمدينة الدار البيضاء، فمن البديهي أن يرتدي أفضل الملابس وأن يحظى بمصروف شهري محترم.
موقف الحاج محمد إزاء ابنه لا يختلف عن تصرف بعض الآباء المميز اتجاه أبنائهم وهو الذي قد لا يخدمهم بقدر ما من شأنه أن يعطي ابنا مستهترا، ابنا أنانيا لا يفكر في غيره، وقد لا يفكر حتى في أقرب المقربين إليه وهما والداه.
دخل وليد في علاقة حب مع ابنة خاله، وهي في الأصل فتاة تحمل سمعة سيئة حسب قول أمه، بل والأكثر من هذا أن أم وليد وأب وشقيقها «والد الفتاة» انقطعت العلاقة بينهما منذ مدة.
تقول والدة وليد «بدأت أشك في العلاقة اللتي تجمع ابني بابنة خاله، لأننا لا حظنا أنه يكلمها كثيرا عبر مواقع التواصل، ويسألني عن علاقتي بأخي وسبب انقطاعها، وأصبح يخرج برفقتها إلى أن جاء اليوم الذي صدمنا فيه،أخبرنا بأنه ينوي الزواج منها، بالرغم من علمه بحقيقتها، رفضنا أنا ووالده رفضا قاطعا هذا الزواج وأمرناه بأن ينسى الموضوع، لكن ردة فعله كانت صادمة لنا، أخبرنا بأنه سيتزوجها أردنا أم أبينا وبأنه سيترك المنزل وسيأخذ كل أغراضه وبالفعل ترك المنزل».
لم يعر وليد عائلته أي اهتمام وترك المنزل دون أي مقدمات، لكن والديه سمعا من مقربين أنه يقطن في بيت خاله وبأنه خطبها رسميا بالرغم من أن والديه لم يوافقا على هذا الزواج، وفي أحد الأيام يقول والده عاد إلى المنزل ليطالبني بحقه في ممتلكاتي، أي في الإرث وأنا ما زلت على قيد الحياة، صدمتني كلماته ونهرته ورفعت صوتي عليه، وكذلك فعل هو أيضا. تطور الخلاف بيننا، لأرفع يدي عليه، فتصدى لي وحاول ضربي بل ودفعني إلى أن سقطت أرضا، وتدخلت بعدها أمه لتفض الصراع بيننا وتطرده من المنزل».
لم يتوقع الحاج محمد أن ابنه المدلل والمميز سيجرؤ في يوم من الأيام على رفع يده في وجه والده، يقول الحاج محمد بحسرة والدموع تنسدل على خديه: «منذ ذلك اليوم المشؤوم وأنا أشعر بأنني فقدت كرامتي، وأصبحت الدنيا سوداء في وجهي فكيف لشخص أحببته وفضلته على نفسي ووفرت له سبل العيش بسعادة أن يكافئني بهذه الطريقة، لم أكن أتوقع يوما أن أصبح ضحية ابن عاق، كل هذا لأننا رفضنا زواجه من فتاة لا تناسبه، لهذا قررت أن أنسى أني أنجت ذلك الابن، وأن أمسحه من ذاكرتي ومن قلبي».
ندم بعد فوات الأوان
آخر ما يمكن أن يتوقعه الآباء من أبنائهم، أن يديروا لهم ظهورهم في يوم من الأيام وأن يصبح الابن المفضل ابنا عاقا، وربما في حالة وليد مازال الوقت أمامه ليصحح خطأه بالرغم من أنه خطأ لا يغتفر، لكن الآباء مهما حصل فهم يسامحون أبناءهم بسهولة، لكن للأسف في حالة عادل فمن الصعب جدا أن يطلب المسامحة من والده المتوفي، حتى وإن وصل به الندم أشده.
كان والد عادل مصابا بمرض مزمن، وكان يحتاج إلى مراجعة طبية مستمرة وإلى أدوية تكلفتها جد مرتفعة بالنسبة إلى الأب الذي كان يعمل حارسا ليليا، وفي الوقت الذي كان فيه الأب يحتاج إلى من يمد له المساعدة ويساعده على شراء الأدوية، كان الابن البكر عادل الذي يشغل منصبا مهما يوفر له مدخولا جيدا، خارج التغطية.
في أحد الأيام «كان لوالدي موعد مع الطبيب بمدينة الدار البيضاء، حيث كنت أعمل أنا أتى من البادية، ونزل ضيفا عند أخت له، اتصل بي وأخبرني أنه في المدينة ويريد رؤيتي، لكنني لم أذهب لرؤيته، اتصل بي تكرارا لكنني لم أكن أجيب، بينما كنت أعلم جيدا أن حالته المادية صعبة، وأنه كان في حاجة ماسة إلى المساعدة، اتصل كثيرا وبعث لي رسالة مع ابن عمتي يقول لي فيها إنه جد مريض وفي حاجة إلى رؤيتي، لكنني لم أعر الأمر اهتماما وتهربت من زيارته حتى لا يطالبني بالمال»، يقول عادل.
شعر الأب بالخذلان وبالعار من ابن أدار له ظهره في عز أزمته، وتكلف بعض الأقارب بتوفير ثمن الدواء والطبيب للرجل المريض، ليعود بعدها إلى البادية، وهو ناقم على ابن رباه أحسن تربية ليكون في الأخير ابنا عاقا.
لم تمر إلا مدة قصيرة جدا حتى تلقى عادل اتصالا من إخوته الصغار يخبرونه فيه إن الوالد قد توفي.
يقول عادل: «أول ما وقع في ذهني بعد سماعي الخبر، هو معاملتي له في آخر مرة جاء فيها إلى الدار البيضاء من أجل العلاج، شعرت بالعار من نفسي، وتمنيت لو أن الزمن يرجع إلى الوراء لأصلح غلطتي، لأنني أدركت جيدا أن ما فعلته بأبي لا يغتفر، وأنني حتى وإن طلبت منه الصفح فقد فات الأوان لكي يسامحني. أشعر الآن بأنني كنت ابنا عاقا وبأن غضب والدي لي قبل موته هو سبب كل ما يحدث لي من أمور سيئة في حياتي، كما يقول المثل المغربي «الرابح من الوالدين والخاسر من الوالدين».
زنون: « لا يجوز للأبناء معصية الآباء في ما يرضي الله»
يقول عيسى زنون، أستاذ الدراسات الإسلامية إن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالإحسان إلى الوالدين وبرهما وعدم رفع الصوت في وجههما وعدم قول أف لهما، وأيضا أمرنا بالإحسان إليهما والعمل بكلامهما فيما يرضي الله، وقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من العقوق بالوالدين، وما له من إثم كبير، وقد جاءت الآية 24 من سورة الإسراء لتبين ذلك بقوله سبحانه وتعالى «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا».
ويضيف زنون أنه قد جاءت العديد من الآيات في القرآن الكريم أمرنا فيها الله سبحانه وتعالى ببر الوالدين والاحسان إليهما كما جاء في سورة الأحقاف «ووصينا الانسان بوالديه إحسانا». وفي حديث صحيح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: «هل أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور».
ومن هنا، يضيف زنون، يتبين لنا مدى أهمية البر بالوالدين وما خطورة عقوق الوالدين التي تعتبر من أكبر الكبائر، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نتجنب معصية الوالدين ونهرهما أو سبهما وشتمهما، ويعتبر سب الوالدين من الكبائر أيضا كما جاء في حديث لرسول الله عليه الصلاة والسلام، حين قال «من الكبائر شتم الرجل والديه، قيل:» يا رسول الله وهل يسب الرجل والديه استنكر الصحابة ذلك، قال: نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه». ويوضح زنون مدى خطورة عقوق الوالدين، وكيف يجب على الأبناء الاحسان بالوالدين وقول المعروف لهما، ومن ذلك مساعدتهما في الدنيا بالنفقة والسمع والطاعة ومساعدتهما، وتنفيذ أوامرهما ومساعدتهما في قضاء حوائجهما، والاحسان إليهما بعد الممات بالعمل الصالح والصدقة الجارية، كما جاء في الحديث الصحيح عن الرسول عليه الصلاة والسلام (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له).