حسن البصري
في مسرحية «حاجتي في كريني» تم إقحام خادمة في بيت مناضل حقوقي، ألا يبدو هذا الإقحام دخيلا على النص؟
في قضية الخادمة، التي ظهرت في بيت مناضل، يجب وضع المسرحية في سياقها التاريخي الذي يعود إلى الستينات والسبعينات أو ما يعرف بسنوات الرصاص. في تلك الحقبة الزمنية كان في كل بيت خادمة ليس بمفهوم عاملات البيوت كما هو الحال اليوم، بل بمفهوم الشريكة في تربية الأبناء.
في بيتنا بحي الحبوس بالدار البيضاء عاشت معنا سيدة اسمها زهور هي من أشرفت على تربيتنا، وكانت لها صلاحيات واسعة في البيت، حيث يمكن أن تضربنا إذا اقترفنا أفعالا مرفوضة، وحين نذهب إلى الأب أو الأم لنشتكي من عنفها تجاهنا نكتشف أن صلاحية التأنيب والتربية من اختصاصها. لم تكن هذه الخادمة تتناول طعامها حين ننتهي من تناول الوجبات ولا تنام في المطبخ، بل تعامل معاملة الأم، تتقاسم معنا الطعام وفي الأعياد والمناسبات يشتري لها الأب من الألبسة التقليدية ما يشتريه لأمنا التي غالبا ما تكون لها انشغالات أخرى داخل البيت، خاصة وأنها كانت ولادة. ففي كل عائلة لا يقل عدد الأبناء عن الستة، صعب جدا على امرأة متعددة الولادات ومتعددة المشاغل أن تدبر البيت لوحدها، لهذا من الضروري الاستعانة بخادمة، وهذه الخادمة قد تصبح يوما زوجة الأب الثانية أو الثالثة، لكن الأهم أن الخادمة في تلك الفترة كانت مكونا أساسيا من مكونات العائلات العريقة، ومناضلنا، بطل المسرحية، ينتمي لهذه العائلات، والأهم أن الخادمة لا تعامل بنوع من الدونية. وفي مسرحية «حاجتي في كريني» كانت الخادمة مساعدة للزوجة أو الأرملة بعد وفاة زوجها.
تعرضت لكسر خلال عرض مسرحيتك «المقال الأخير»، كيف واجهت الموقف؟
المسرح كالملاعب يحتاج من الممثل لياقة بدنية عالية، لسوء حظي أنه لا وجود لممثل بديل كما هو الشأن في مباريات الكرة. كانت حادثة من حوادث الركح بعد مرور عشرين دقيقة على بداية العرض، للأسف لم يكن هناك مسعف فتوقفت المسرحية التي كانت تشاركني تشخيصها سعيدة خيي وزهرة نجوم على خشبة مسرح محمد الخامس بالرباط. توقف العرض وتم نقلي إلى المستشفى الجامعي ابن سينا، حيث تم تشخيص إصابتي بكسر على مستوى الرجل تستدعي إجراء عملية جراحية.
هناك بعض المواقع والصفحات الفايسبوكية التي أعلنت نبأ وفاتك..
قالوا إنني مت وترحموا علي، هذا خبر عاجل وربما حصري. لكنني لا أرد على مثل هذه الأخبار لأعلن وجودي على قيد الحياة. أنا لا أملك صفحة فايسبوكية ولا حسابا على انستغرام، ولولا الزلزال الذي ضرب الحوز لما كان لي هاتف ذكي.
كيف؟
كنت في مدينة مكناس يوم ضرب الزلزال إقليم الحوز، لاحظت أن هاتفي لا يشتغل بينما كان زملائي يتصلون بشكل عادي عبر تقنية «واتس أب»، حينها تبين لي أن هاتفي ليس ذكيا فقيل لي: عليك استبداله بهاتف آخر، وهكذا تمكنت من ربط الاتصال بأفراد عائلتي أستفسرهم عن أحوالهم.
ما غلطة عمر عاجل؟
إذا كنت تعتقد أن غلطة عمري هي زهدي في محراب المسرح فهذا غلط، أنا لن أعيش بدون مسرح. ولن أندم لتعاطي هذا الفن. الغلطة الوحيدة التي اقترفتها هي أنني لم أتعلم اللغة الإنجليزية، باعتبارها لغة حية تساعدني على اختراق أدبيات المسرح العالمي.
تعيش بين الحبوس والحي المحمدي، بين مسقط الرأس والقلب، أين تجد ذاتك؟
أنا موزع بين درب السلطان والحي المحمدي، بين قلعتي الإبداع في الدار البيضاء. في الثامنة أو التاسعة أشد الرحال إلى الحي المحمدي، وأعود إلى درب السلطان في حدود العاشرة ليلا. أرض الله كلها أرضي.
كيف ارتبطت بالفنانة نجوم الزهرة، هل يصدق عليكما القول المأثور: نظرة فابتسامة وموعد ثم لقاء؟
اللقاء الأول كان في دار الشباب بوشنتوف بدرب السلطان، رأيت نجوم الزهرة تدخل دار الشباب. كانت تأكل حبات «زريعة»، قلت لها مازحا: «ذوقينا من الزريعة» وافقت على الفور وسيكتب لنا أن تكون لنا «زريعة»، أي أن يكون لنا أبناء. كانت في زيارة لصديقاتها اللواتي مارسن الرقص ضمن فرقة «بنان» الشهيرة، وهي الفرقة التي أطرت الحفل الافتتاحي الاستعراضي لألعاب البحر الأبيض المتوسط، كانت بدورها ضمن الفرقة لكن عائلتها منعتها. عرضت عليها ممارسة المسرح فوافقت دون تردد، سلمتها نص مسرحية وضربنا موعدا في اليوم الموالي من أجل الموافقة أو الرفض، رافقتها إلى حينا وتعرفت على عنوان بيتنا ووعدتني بالرد في الغد. أشعرت الوالدة بحضورها، استغربت ثم وافقت، وبالرغم من الأمطار جاءت الزهرة وهي تحمل مظلة عصفت بها الريح وكسرت قضبانها النحيلة. الزهرة أعجبتها المسرحية، وأمي أعجبتها الزهرة، كان ذلك سنة 1980 وبدأت القصة.
ألا يواجه «الكوبل» الفني إكراهات؟
الحمد لله كنا موفقين، المشكل يكمن في حياة زوجين متنافري الاهتمامات كأن يكون الزوج في مجال القانون والزوجة في قطاع الخياطة أو النسيج، لا وجود لنقط تقاطع بينهما هو يتحدث عن الفصول وهي عن الفصالة، أنا والزهرة نقطة واحدة تجمعنا هي المسرح. أما أبنائي فـ«عصام» يهتم بالقطاع السمعي البصري، بينما «نزال» له اهتمام بالتدبير الاقتصادي ويحضر شهادة الماستر، لكنهما يحضران أعمال والديهما.
ما الفرق بين جمهور المسرح وجمهور كرة القدم؟
الفرق يكمن في عدد المتفرجين، في المكان، في الإشعاع الإعلامي، في قدرة الكرة على استقطاب الشباب. جمهور الكرة يعرف اللعبة معرفة جيدة، بينما جمهور المسرح لا يعرف المسرح وشروط التموقع فوق الخشبة والديكور والتعبير الجسدي. الكرة لديها شعبيتها، لكن السؤال المطروح: هل يمكن لمسرحي أن ينجز عملا مسرحيا حول الكرة؟ لا أظن.