شوف تشوف

الرئيسيةخاص

هكذا تستنزف زراعة الجزر الفرشة المائية وتهدد سكان برشيد بالعطش

وكالة الحوض المائي و منظمة «الفاو» تدقان ناقوس الخطر المهدد للمنطقة

برشيد: مصطفى عفيف
تعيش مجموعة من الدواوير السكنية بكل من جماعة الفقرة أولاد عمر والمباركيين وجاقمة وأولاد زيدان وقصبة بن مشيش بضواحي برشيد، منذ شهور، على صفيح ساخن بسبب أزمة العطش التي باتت تهدد الأمن الاجتماعي بالمنطقة، وجعلت سكان الجماعات المذكورة يخرجون في وقفات احتجاجية يومية لمطالبة الجهات المعنية بتوفير حلول فورية للمشكل الذي عمر طويلا، سيما أن المنطقة أصبحت تعاني ندرة الموارد المائية الجوفية والسطحية بعد تراجع منسوب المياه في الفرشة المائية، وهي الوضعية التي تفاقمت مع تزايد المساحات المزروعة بالجزر والتي فاقت 7000 هكتار بإقليم برشيد. الأمر الذي دفع بالسلطات الإقليمية ووكالة الحوض المائي بابن سليمان إلى إصدار قرار يقضي بتقنين العملية وتقليص المساحة المسموح استغلالها في زراعة الجزر من 7000 هكتار إلى أقل من 2000 هكتار، إضافة إلى استعمال العدادات بالآبار المرخصة، وهدم غير المرخصة، وحصر لائحة الأشخاص الذين يقومون ببيع المياه الجوفية بدون سند قانوني. «الأخبار» رصدت تداعيات أزمة المياه في المنطقة وتتبعت شرارة الاحتجاجات ضد مزارعي الجزر.

وجد عدد من كبار الفلاحين أرضية خصبة في منطقة برشيد لزراعة الجزر. هذه الأخيرة شهدت تزايدا خلال السنوات الأخيرة ومعها تكاثرت عمليات الحفر العشوائي للآبار، والتي كان لها أثر كبير على استنزاف الموارد المائية بالمنطقة. فقبل أزيد من 10 سنوات، كانت المنطقة واحدة من مناطق الشاوية المعروفة بخصبة تربتها وتنوع زراعة الخضر بها، حيث يتبين من خلال المعطيات المتداولة في أوساط الفلاحين، أن المساحات المزروعة المخصصة للجزر عرفت تطورا كميا ونوعياً. لكن هذا التطور تم على حساب الاستغلال البشع للمياه الجوفية وتحت أنظار السلطات المحلية ووكالة الحوض المائي، بحيث كانت جمعيات فلاحية بالمنطقة سباقة إلى دق ناقوس الخطر منذ سنوات، إذ وضعت المسؤولين أمام مجموعة من الخيارات للحد من أزمة تراجع الفرشة المائية، في الوقت الذي تستنزف فيه هذه الثروة من طرف مستثمرين في زراعة الجزر الشيء الذي يسفر عن استنزاف الفرشة المائية بإقليم برشيد، في عن غياب سياسة مائية بتعدد المتداخلين في هذا المجال، وغياب تنقيط المخطط الوطني حول الماء، الذي سجل انخفاضا خطيرا على مستوى منسوب المياه في الفرشة المائية، الشيء الذي أسفر عنه جفاف العديد من الآبار بهذه المناطق، أثر سلبا على المزروعات المعيشية وكذا على الماء الذي يستعمله سكان الجماعات القروية ببرشيد الأكثر تضررا في سنوات الجفاف وقلة التساقطات المطرية .
وحسب التقديرات المتداولة، تبلغ المساحات المغروسة من الجزر بإقليم برشيد ما يفوق 6000 هكتار سنويا، تنتشر بالأساس في منطقة الفقرة أولاد عمر والمباركيين وجاقمة وبن مشيش وأولاد زيدان، علماً أن عمق الحفر للوصول إلى المياه الجوفية في تلك المنطقة يتراوح بين 100 و200 متر، موزعة على أزيد من 200 ثقب أغلبها تم حفرها بدون تراخيص قانونية، ناهيك عن الأحواض التي تفوق مساحتها هكتارين لتجميع مياه السقي في غياب دور السلطات المختصة.
كراء أراض وآبار وبيع مياهها
كشف البحث الميداني الذي قامت به «الأخبار» عن ظاهرة تتسبب في استنزاف آلاف الأطنان من مياه الآبار التي يتم تبذيرها في عملية غسل الجزر بعد جنيه، والتي تتجاوز ستة أطنان من المياه في كل عملية، بحيث يعمد المزارعون إلى احتكار عملية البيع في السوق الوطني حينما يكون ثمن البيع منخفضا، حيث يرفضون جني محصول الجزر والاحتفاظ به بالحقول وهي عملية تتطلب السقي باستمرار رغم نضجه، إلى أن يحصل ارتفاع في ثمنه بالسوق ومن ثم يقومون بجنيه وبيعه. كما أصبح عدد من المزارعين بإقليم برشيد يحترفون عملية بيع المياه لغسل الجزر الذي يتم جلبه من مناطق الحوز.
وقد أصبح عدد من مزارعي الجزر مختصين في كراء قطع أرضية بمساحات صغيرة بثمن يتراوح بين 3000 و5000 درهم من أجل حفر آبار عبارة عن ثقوب دون تراخيص. واستغلال تلك الآبار في عملية بيع مياهها للفلاحين عبر أنابيب تمتد لمئات الأمتار من أجل سقي أراض تتجاوز عشرات الهكتارات والتي يتم تخصيصها في زراعة الجزر، في وقت يتم بيع مياه الفرشة المائية بأثمان خيالية سنويا. هذه العملية رصدت «الأخبار» أنها لا تقتصر على المزارعين بعدما وقفت خلال جولتها الميدانية على أن من بين المخالفين للقانون هناك منتخبون ومسؤولون في قطاعات حساسة وبرلمانيون بين المستنزفين للفرشة المائية بإقليم برشيد.
مؤسسات صناعية تستنزف الفرشة المائية وتلوث الآبار
في الوقت الذي تعالت فيه أصوات الاحتجاجات على مزارعي الجزر بسبب استنزافهم للفرشة المائية، وقفت الجريدة على وقع كارثة بيئية أخرى تتمثل في وجود عدد من الوحدات الصناعية المختصة في صناعة «الزليج» و«الأجور» بكل من جماعتي رياح والمباركيين وسيدي المكي وجاقمة، باعتبارها مساهمة بدورها في استنزاف الفرشة المائية من خلال عدد الآبار التي يتم استغلالها بطرق خارج المراقبة في جلب المياه التي يتم استعمالها في عملية التصنيع، قبل أن يتم التخلص منها عن طريق رمي أطنان المياه المستعملة والمحملة بمواد تكون سامة في آبار أخرى داخل الشركة جفت منها المياه ما يؤثر على البيئة ويؤدي إلى تلوث الفرشة المائية ويضر بصحة سكان الدواوير القريبة من تلك الوحدات الصناعية، الذين أصبحوا يعانون من مشكل تلوث الآبار أو انخفاض نسبة المياه بها.
احتجاجات تجبر السلطات على إغلاق آبار
أمام التزايد الكبير لاستنزاف الفرشة المائية، نظم عدد من سكان الجماعة القروية الفقرة أولاد عمر والمباركيين وجاقمة وسيدي المكي بإقليم برشيد، وقفات احتجاجية أمام الجماعة الترابية وعمالة الإقليم، للتنديد بما آلت إليه أوضاع الآبار بالمنطقة، والتي جفت مياهها جراء السقي غير المقنن للخضروات من طرف المستثمرين، وهي الوقفة التي أعقبها تدخل السلطات الإقليمية وشرطة المياه بالمنطقة، حيث أشرفت على إغلاق عدد من الآبار التي يتم استغلالها بطرق غير قانونية، مما يجعل المصالح المختصة مطالبة بالتحقيق ومراقبة أصحاب آلات حفر الآبار التي يتم استغلالها من قبل المستثمرين في مجال الفلاحة من أجل حفر الآبار خلال ساعات قليلة.
بالمقابل، نظم عشرات المستثمرين في مجال الفلاحة بكل من برشيد وسطات، وقفة احتجاجية أمام وكالة الحوض المائي بمدينة ابن سليمان، احتجاجا على ما وصفوه بالمضايقات التي أصبحوا يتعرضون لها من طرف سكان بعض الدواوير الذين منعوهم من الاستثمار في الفلاحة، وكذا لمطالبة وكالة الحوض المائي لتزويد الآبار التي يستغلونها بعدادات لقياس الكمية المستغلة من المياه وبالتالي أداء تكلفتها حتى يتمكنوا من الاشتغال بحل حرية.
وكالة الحوض المائي ومنظمة (الفاو) يدقان ناقوس الخطر
مسؤول وكالة الحوض المائي لأبي رقراق الشاوية، اعتبر في عرض سابق خلال لقاء دراسي أن حوالي 80 في المائة من المساحات المسقية بإقليم برشيد، تشكل زراعة الجزر الأكثر استهلاكا للماء وتشمل 6300 هكتار أي 35 في المائة من مجموع المساحة المسقية، كما أن هناك عجزا في الموازنة المائية يبلغ 30 مليون متر مكعب في السنة بسبب الطلب المتزايد على الماء، وذلك راجع بحسب المسؤول نفسه إلى ارتفاع عدد نقط جلب الماء بـ3000 بئر وثقب، كما أضاف أن هناك ارتفاعا لنسبة الملوحة بالمياه الجوفية يتسبب في تأثيرها السلبي على التربة وعلى الإنتاجية الزراعية والتي حددها في نسبة النترات بـ50 ملغ في اللتر الواحد بمختلف مناطق الفرشة. وخلال هذا اللقاء عرض مسؤولو وكالة الحوض المائي أمام كل المتداخلين ما سمي بمشروع عقد الامتياز، من أجل تقنين جلب المياه الجوفية من الطبقة المائية برشيد. وهو المشروع الذي تأمل من خلاله وكالة الحوض المائي أن يتم دعمه باتفاق مع منظمة الأغذية والزراعة (الفاو).
هذا الوضع جعل خديجة بولاراش، ممثلة المدارس الحقلية بمنظمة الزراعة والأغذية (الفاو) خلال لقاء تواصلي مع الفلاحين إقليم برشيد قبل شهر، تعمل على دق ناقوس الخطر بسبب الخطر الذي يهدد إقليم برشيد والذي أصبحت تداعياته جلية بعد نضوب العديد من الآبار العشوائية التي يتم حفرها من طرف المستثمرين الذين وجدوا بمنطقة برشيد واحدة من طبقات المياه الجوفية الأكثر استغلالاً، حيث يقومون بكراء عشرات الهكتارات من أجل زراعة الجزر والبطاطس، وغيرهما من الخضروات، كما يقومون بحفر آبار يفوق عمقها في أغلب الأحيان 160 مترا، ما جعل الآبار التي كانت بعمق 80 مترا تجف منها المياه، ما أدى إلى انخفاض مستمر في منسوب المياه الجوفية بأغلب مناطق إقليم برشيد وخاصة منها الفلاحية التي تدار بأنماط غير مستدامة ما خلق أزمة عطش لدى الفلاحين الصغار، سواء بالنسبة للماء الشروب للإنسان أو الأغنام و كذا لسقي الأراضي الصغيرة.
كما أن الأراضي المسترجعة، والتي تعد بمئات الهكتارات، التي استفاد منها كبار الشخصيات وبعض البرلمانيين عن طريق الكراء طويل الأمد (99 سنة) حيث يقومون بعد ذلك بكرائها لفلاحين آخرين للاستثمار فيها عبر زراعة الخضروات أثر سلبا على الفرشة المائية زد على ذلك عملية حفر الآبار غير المرخصة والاستغلال غير المعقلن للمياه الجوفية ساهم أيضا في نقص لمياه آبار الفلاحين الصغار.

زراعة الجزر الأكثر استهلاكا للماء
سنة 2017 كان نور الدين أوعبو، عامل إقليم برشيد قد دق ناقوس الخطر بسبب استنزاف الفرشة المائية ببعض الجماعات الترابية بالإقليم، والتي تعرف إقبالا كبيرا من طرف الفلاحين على زراعة بعض المنتجات الفلاحية كالجزر الذي يتطلب كميات كبيرة من المياه، مما جعل عددا من سكان بعض الجماعات القروية مهددين بالعطش بسبب جفاف الآبار التي كانت تستعمل في جلب مياه الشرب. ونبه المسؤول الأول بالإدارة الترابية، وقتها، كل المتدخلين من فلاحين وجمعيات مهتمة بالماء خلال لقاء دراسي بمقر العمالة خصص لدراسة وضع اتفاقية من أجل تدبير تشاركي ومستدام للفرشة المائية الجوفية، والذي نظم من طرف وكالة الحوض المائي لأبي رقراق والشاوية، إلى خطورة الاستعمال المفرط والعشوائي للمياه الجوفية، مشيرا إلى أن 95 في المائة منها موجهة إلى النشاط الفلاحي، بالإضافة إلى مشكل تلوث المياه الجوفية بسبب الاستعمال غير العشوائي لبعض الأسمدة والمبيدات الحشرية التي تصل نسبة منها إلى الفرشة المائية، وهو ما يشكل خطرا على المواطنين الذين يضطرون لاستعمال تلك المياه للشرب، كما طالب بتقنين بعض الزراعات التي تكون مصدر استنزاف للمياه الجوفية ووضع مراقبة على الآبار التي يتم كراؤها للفلاحين من أجل استعمالها خارج الإطار الذي أنشئت من أجله، كما حث وكالة الحوض المائي على ضرورة إحداث لجن للمراقبة من أجل زجر المخالفين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى