تراخيص غامضة وتلوث يتعارض والمشاريع الملكية لحماية البيئة
من يصدق أن مدنا بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة ما زالت تفتقر لأبسط مقومات ومعايير البنيات التحتية اللازمة، ويعتمد عدد من سكان أحيائها على حُفر بدائية لجمع مياه «الواد الحار»، في ظل غياب شبكة التطهير السائل، علما أن ربط المنازل بشبكة مياه الشرب تسبقه تجهيزات شبكة التطهير السائل، وبنود دفاتر التحملات الموقعة بين الأطراف المعنية في إطار ما يسمى التدبير المفوض، تؤكد على دفع مقابل خدمة التطهير السائل في فواتير استهلاك الماء ملزم بالنسبة لجميع الزبناء.
تطوان: حسن الخضراوي
توالت العديد من الأحزاب على تسيير الشأن العام المحلي بمدن الشمال، وتم إطلاق وعود انتخابية معسولة، بتوفير البنيات التحتية بكافة الأحياء السكنية ناقصة التجهيز، والقطع مع ظاهرة الحُفر لتجميع مياه «الواد الحار»، لكن مع توالي شهور وسنوات التسيير، يظهر عجز المجالس المعنية وفشلها في توفير الميزانيات المطلوبة لإطلاق مشاريع حقيقية لتجهيز البنيات التحتية، فيتم اللجوء لتدابير ترقيعية وسياسة التسويف والمماطلة، والتعامل مع شكايات المتضررين بالوعود الزائفة وتقاذف المسؤوليات بين المسؤولين، حتى نهاية الولاية الانتخابية وظهور مجلس جديد بوعود جديدة تبدأ من الصفر، في خرق تام لمبدأ استمرارية المرفق العام.
المثير بل الصادم في ظاهرة انتشار الحفر الخاصة بجمع المياه العادمة، هو كشف مصالح وزارة الداخلية بالشمال لوجود تراخيص بناء بأحياء تمت الموافقة عليها من قبل الوكالة الحضرية لتطوان والجماعة الحضرية للفنيدق وقسم التعمير بالعمالة، وذلك دون أبسط شروط التجهيز، وفي غياب تام لشبكة الطرق وضعف جودة الإنارة العمومية، وعيش السكان في عزلة بعد تنصل كافة المؤسسات من التزاماتها، مقابل دفع المتضررين كل الضرائب والواجبات لخزينة الدولة، وحصولهم على شهادة تسليم السكنى من قبل رؤساء الجماعات المعنيين، وتبخر وعود الهيكلة وفك العزلة.
وقامت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بتدخلات مكثفة بأحياء هامشية بمدن جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، من أجل التخفيف من مشاكل غياب البنيات التحتية والمرافق العمومية، لكن ذلك لم يكن كافيا بالنظر لاتساع رقعة البناء بشكل متواصل، وفشل المجالس الجماعية المعنية في مواكبة النمو الديمغرافي بالمدن المعنية، والقيام بتدابير ترقيعية للاستمرار في الكرسي طيلة الولاية الانتخابية، وبعدها تسليم كافة المشاكل والإكراهات والمعيقات للمجلس الموالي الذي يقوم بدوره بالشيء نفسه، مع ظهور تعقيدات أكثر بسبب التراكمات وغياب الحلول الناجعة، والاتكالية ومحاولة رمي الكرة في ملعب مصالح وزارة الداخلية، باعتبارها المسؤولة عن حفظ الأمن والسلم الاجتماعي.
وتواترت الشكايات التي قدمها متضررون واحتجاجهم على غياب شبكات الصرف الصحي ببعض مدن الشمال، دون أن يحرك ذلك المجالس المعنية للقيام بتنزيل استراتيجية خاصة بتجهيز أماكن البناء وفتح الطرق وتوسيع شبكات الماء والكهرباء والتطهير السائل، قبل منح تراخيص البناء المسلمة من الوكالة الحضرية والجماعة والعمالة، مع التأكد من التوفر على المعايير الخاصة بالسكن اللائق والحفاظ على البيئة من التلوث قبل توقيع تسليم السكن.
تسربات وتلوث
من الأخطار التي تواجهها البيئة بمدن الشمال، تسربات «الواد الحار» بسبب انتشار حفر بطريقة بدائية، في غياب شبكات التطهير السائل، حيث تتسرب المياه العادمة بالأعماق وتظهر كذلك على السطح، ما يهدد بالتلوث البيئي وانتشار الأمراض والأوبئة، ويتعارض والتعليمات الملكية السامية التي أكدت، خلال العديد من المناسبات، على ضرورة حماية البيئة وتوفير كافة سبل العيش الكريم للسكان، والجودة في الخدمات العمومية، بما يضمن تنزيل بنود دستور المملكة وتفعيل دور المؤسسات المنتخبة.
وتسببت تسربات للواد الحار بحي أغطاس بالجماعة الحضرية للفنيدق، قبل أيام قليلة، في احتجاج السكان وتساؤلهم حول إهمال شكايات تم تسجيلها بمكاتب الضبط بالمؤسسات المسؤولة، حيث أمر عامل الإقليم بتشكيل لجان متعددة زارت المكان، وقامت بجمع تقارير مفصلة، تبين من خلالها أن الحي مرخص من الوكالة الحضرية بتطوان، والجماعة الحضرية وقسم التعمير بالعمالة، غير أنه يعيش في عزلة تامة، ولا يتوفر على أبسط معايير ومقومات وثائق تسليم السكنى التي وقعها الرئيس السابق عن حزب العدالة والتنمية.
وقال أحد سكان الحي المذكور إن عمليات شراء القطع الأرضية بالحي كانت تتم بواسطة أشخاص يضمنون حصولك على كافة تراخيص البناء في ظرف وجيز، فضلا عن وعود سياسيين بتجهيز البنيات التحتية قبل تسليم السكنى، والربط بشبكات الكهرباء والماء، على أن يتم تعبيد الطرق بعد تزايد عدد السكان والبنايات، وفتح مسالك متربة بمجرد الحصول على التراخيص، وهو الشيء الذي تم التنصل منه تماما، باستثناء الربط بشبكة الماء بدون تطهير سائل وشبكة كهرباء عمومية مهترئة، لا تتوافق والجودة والمعايير المطلوبة.
وأضاف المتحدث نفسه أن السكان المتضررين أقاموا حفرا من أجل تجميع مياه «الواد الحار»، على أمل ربطهم بشبكة التطهير السائل بعد شهور فقط، قبل أن تتحول مدة الانتظار لسنوات، حيث زادت حدة التسربات الباطنية من الصراعات بين الجيران، وأصبحت تهدد أساسات منازل، فضلا عن تلوث البيئة، وظهور تسربات سطحية تهدد بخطر انتشار الأمراض والأوبئة.
وحسب المتحدث ذاته، فإن العديد من اللجان زارت الحي المذكور، وقامت بإعداد تقارير خاصة حوله، كما تمت زيارة تقنيين وجمعهم معطيات حول الدراسة التقنية لمشاريع الهيكلة، لكن تكررت الوعود منذ سنة 2019 دون جدوى، ما دفع المحتجين للتصعيد والتحضير لمراسلة مؤسسات مركزية في الموضوع، قصد تبليغ صوتهم وتضررهم من أداء مقابل خدمات لا يستفيدون منها، وحصولهم على شهادات تسليم السكنى دون أدنى معايير وشروط السكن اللائق، حيث تتوفر أحياء عشوائية على بنيات تحتية أفضل من حيهم.
حُفر بدائية
قامت «الأخبار» بالاتصال بعدد من النواب بجماعات ترابية بجهة الشمال، لاستفسارهم حول استمرار اعتماد حفر لتجميع مياه «الواد الحار»، فتم التأكيد على أن الظاهرة موجودة بعمالة المضيق وعمالة شفشاون التي أطلقت برنامجا لتوسيع شبكات التطهير السائل، فضلا عن مناطق أخرى..، وذلك بسبب فشل المجالس الجماعية في تجهيز البنيات التحتية، وانتشار البناء العشوائي، فضلا عن الميزانيات الضخمة التي تتطلبها التهيئة، والأوراش الخاصة بشبكات الماء والكهرباء والطرق والتطهير السائل والكهرباء العمومية، والمرافق العمومية من مساحات خضراء وأماكن للتنفيس عن السكان من الجدران الإسمنتية.
ويتم استعمال الحفر الخاصة بتجميع مياه «الواد الحار» ببعض مدن الشمال، دون معايير خاصة بسهولة إفراغها وغياب العمل على ذلك بشكل منتظم، فضلا عن خطر التسربات التي تحدث بالقرب من آبار تستعمل في الشرب، وإلزامية مراقبة جودة مياهها من قبل الجهات المسؤولة بشكل دوري، تنزيلا لشروط السلامة والوقاية من الأخطار، وحماية للبيئة من التلوث، ومنع انتشار الأمراض والأوبئة.
وذكر أحد المتخصصين الذي رفض ذكر اسمه لأسباب خاصة، أن استعمال الحفر لتجميع مياه «الواد الحار» بعدد من مدن الشمال، غير مقبول في إطار معايير الحفاظ على البيئة، لكن بالنسبة لتدبير الأمر الواقع، في انتظار توفير الميزانيات والشراكات المطلوبة، لتجهيز البنيات التحتية، يجب أن تتم إعادة تشييد جميع الحفر من قبل مصالح الجماعات المعنية، وفق شروط ومعايير صارمة، ووضع برنامج خاص لإفراغها بواسطة الشاحنات المختصة.
وأضاف المتحدث نفسه أن المؤسسات المعنية مطالبة بالتنسيق لجرد وإحصاء عدد الحفر المستعملة لتجميع مياه «الواد الحار»، ووقف التراخيص بالمناطق التي لا تتوفر على البنيات التحتية اللازمة، والعمل على إطلاق برامج تجهيز بشراكة مع القطاعات الحكومية المعنية، من أجل إنهاء مشاكل تلوث البيئة، فضلا عن توفير معايير السكن اللائق، ومواكبة المشاريع الملكية التي أنجزت لمعالجة المياه العادمة، وإعادة استعمالها في سقي المساحات الخضراء.
وأشار المتحدث إلى أن المغرب انخرط في برامج واتفاقيات عالمية لحماية البيئة، ومشاريع إنتاج الطاقة النظيفة، لذلك لا يمكن القبول بتاتا باستمرار استعمال حفر بشكل بدائي لتجميع مياه «الواد الحار»، وتخلف وفشل مجالس جماعية في مسايرة المشاريع والتوجهات الملكية، فضلا عن تقاذف المسؤوليات والتهرب من تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة.
تراخيص غامضة
أفادت مصادر مطلعة بأن مصالح وزارة الداخلية بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة باشرت التحقيق في تراخيص بناء سلمت في ظروف غامضة من قبل الوكالة الحضرية بتطوان والجماعات الترابية المعنية، دون تجهيز البنيات التحتية ودون التوفر على الطرق، وفي غياب شبكات التطهير السائل، مع الربط بشبكة الماء، واضطرار سكان لتقديم التزامات وتعهدات بعدم المطالبة بخدمات التطهير السائل عند الربط بالماء.
واستنادا إلى المصادر نفسها، فإن السلطات الإقليمية بالمضيق عملت، قبل أيام قليلة، على فتح تحقيق موسع في توقيع الوكالة الحضرية بتطوان، تراخيص بناء بأحياء سكنية لا تتوفر على أبسط معايير التجهيز، فضلا عن توقيع قسم التعمير بجماعة الفنيدق، تسليم السكنى في ظروف غامضة، وربط منازل بشبكة الماء ودفع السكان لميزانية الربط، في غياب شبكة التطهير السائل، علما أن فواتير الماء تؤدى فيها فواتير الربط بشبكة التطهير السائل بشكل أوتوماتيكي.
وحسب المصادر ذاتها، فإن عامل إقليم المضيق أمر بمده بتقارير مفصلة في موضوع تسليم السكن بالجماعة الحضرية للفنيدق، وكيف تم الترخيص بأحياء من قبل الوكالة الحضرية بتطوان، في غياب البنيات التحتية، فضلا عن التحقيق في تراخيص جديدة بمنصة التعمير، في غياب شبكة التطهير السائل، كما أمر المسؤول الإقليمي القياد المسؤولين بالعمل على حماية سلامة أساس المنازل من خلال التنسيق مع مصالح الجماعة والبحث في تسربات «الواد الحار»، ومعالجة المشاكل بشكل مستعجل في انتظار برمجة مشاريع الهيكلة في أقرب وقت ممكن.
وأصبح تحقيق مصالح وزارة الداخلية في ملفات تراخيص بناء غامضة، يؤرق مسؤولين سياسيين، وغيرهم من مسؤولي أقسام التعمير ومسؤولين بالوكالة الحضرية بتطوان، سيما في ظل تأكيد التعليمات على تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، والبحث في أرشيف الشكايات والملفات، واحتجاجات السكان على عدم التفاعل مع شكاياتهم، ومنحهم وعودا بالجملة دون تنفيذها، بالرغم من دفعهم الضرائب الضرورية.
وينتظر أن يتم استدعاء رئيس الجماعة الحضرية للفنيدق، من أجل استفساره حول توقيعه لتراخيص بناء وتسليم السكنى في غياب البنيات التحتية اللازمة، فضلا عن غياب شبكة التطهير السائل، ووجود سكان حي مرخص من الوكالة الحضرية بتطوان، في حالة عزلة تامة وغياب الطرق، والغرق في الأوحال عند التساقطات المطرية.
ملفات تصل البرلمان
توجد تقارير سوداء حول أخطار تلوث «الواد الحار» بعدد من مدن الشمال، على طاولة مسؤولين في الوزارات المعنية بالمؤسسة التشريعية بالعاصمة الرباط، وذلك وسط مطالب بتسريع خروج شراكات ودعم مديرية الجماعات المحلية، للتجاوب مع شكايات كافة المتضررين من تسربات للتطهير السائل بعدد من مدن الشمال، واستمرار اعتماد سكان على حُفر لجمع مياه «الواد الحار»، رغم حصولهم على تراخيص بناء، ووثائق تسليم السكن المسلمة من رؤساء الجماعات الترابية المعنية مثل ما وقع بالنسبة لرئيس جماعة الفنيدق السابق الذي وقع تسليم السكن بأحياء خارج الهيكلة والتنمية.
ونبهت العديد من الأصوات المهتمة بالبيئة إلى أن اعتماد الحفر بطرق بدائية لتجميع «الواد الحار»، يتعارض مع أهداف المشروع الملكي الذي تم تشييده بالملايير، عبر إنشاء محطة لتصفية مياه «الواد الحار» بعمالة المضيق، وإعادة الاستعمال في سقي المساحات الخضراء، مباشرة بعد الانتهاء من مراحل المعالجة الضرورية وفق المعايير المطلوبة.
وتأتي مطالب تدخل الوزارات الوصية بالمركز، بعد تراكم الشكايات والملفات المتعلقة بغياب تجهيز البنيات التحتية، نتيجة فشل عدد من الجماعات الترابية بالشمال، وعجزها التام عن معالجة مشاكل «الواد الحار» والتسربات التي تهدد البيئة ومياه الشرب بالآبار، حيث مازال الاعتماد على حفر للتطهير السائل هو السائد، عوض إنجاز شبكات بمواصفات ومعايير مقبولة، وتجهيز البنيات التحتية قبل منح تراخيص البناء.
وفي الموضوع نفسه توصلت الجريدة بنسخة من رد مصالح شركة «أمانديس» على مراسلة لرئيس الجماعة الحضرية للفنيدق، كون موضوع استعمال حفر «الواد الحار» بحي مرخص من الوكالة الحضرية بالمدينة، سبق وكان محط دراسات من الشركة وظهر أنه يكلف 607000 درهم، غير أن الأشغال غير مبرمجة حاليا، وذلك في انتظار ما ستسفر عنه الاجتماعات المستعجلة في الموضوع والتوصيات الصادرة عنها.
وكانت سلطات المضيق قامت بتشكيل لجنة مختلطة تضم ممثلين عن شركة «أمانديس» الموكول لها تدبير الماء والكهرباء والتطهير السائل بالشمال، فضلا عن ممثلين عن مصالح الجماعة الحضرية للفنيدق، وممثلين عن مصالح وزارة الداخلية، وذلك قصد البحث في موضوع تلوث «الواد الحار»، واستمرار استعمال العديد من السكان حفرا لتجميع المياه العادمة، ما يتعارض والمشروع الملكي الذي تم إحداثه بعمالة المضيق لمعالجة مياه «الواد الحار» بواسطة محطة تصفية، وإعادة استعمالها في سقي المساحات الخضراء.
وأصبح العديد من المسؤولين والسياسيين في ورطة حقيقية، بسبب تعليمات صارمة من مصالح وزارة الداخلية، بالبحث بشكل دقيق في إهمال الشكايات السابقة للسكان، والتنصل من وعود ربطهم بشبكة التطهير السائل بعد مدة وجيزة من الحصول على تراخيص البناء، ليستمر التماطل والتسويف منذ سنة 2019 دون جدوى، حيث واصلت المؤسسات المعنية توزيع تراخيص البناء في غياب البنيات التحتية الضرورية.
نافذة
نبهت العديد من الأصوات المهتمة بالبيئة إلى أن اعتماد الحفر بطرق بدائية لتجميع «الواد الحار» يتعارض مع أهداف المشروع الملكي