هكذا تسببت الهواتف الذكية في رسوب تلاميذ وطلبة
حمزة سعود
الاستعمال المفرط للهواتف الذكية والولوج المستمر لمواقع التواصل الاجتماعي، يتسبب لعدد من المستخدمين في مشاكل تواصلية دراسيا ومهنيا تصل أحيانا إلى التراجع الدراسي والرسوب لدى الطلبة وتتسبب أيضا في مشاكل مهنية لدى الموظفين. دراسة حديثة أشارت إلى ارتفاع معدلات تفحص الهواتف الذكية من قبل المستخدمين بحوالي 221 مرة يوميا، كما أشارت الدراسة إلى أن الاستخدام المفرط للهواتف الذكية يتسبب في استنزاف طاقة الجسد، والشعور باضطرابات خلال النوم. حالات عاينتها «الأخبار» لشباب «أدمنوا» تفحص الهواتف الذكية.. والنتيجة مشاكل نفسية ومهنية ودراسية متراكمة، نظرا لصعوبة استغنائهم عن الخدمات التي تقدمها هذه الهواتف. مزيدا من التفاصيل في التحقيق التالي..
ضرورة استخدام الوسائل التقنية والتكنولوجيات الحديثة، في الحياة اليومية، يجعل عددا كبيرا من الشباب يقضون ساعات طويلة محدقين في شاشات الأجهزة الإلكترونية. ورغم اختلاف هذه الأجهزة والتقنيات، فإن الإدمان على استخدامها يتسبب لمستعمليها في مشاكل نفسية ومدرسية ومهنية، حسب دراسات أنجزت بهذا الصدد.
إبراهيم حكيم، شاب في 17 من العمر، يدرس في سلك الباكالوريا، أشار في حديث مع «الأخبار» إلى أن استخدامه المفرط لهاتفه الذكي، كاد أن يتسبب له في الرسوب في أحد المواسم الدراسية، بحيث تراجعت نقاطه في مجموعة من المواد الدراسية بعد إدمانه استخدام هاتفه الذكي.
المتحدث نفسه يقول إن إدمانه على استخدام هاتفه الذكي أبعده عن التواصل العائلي، وجعل قدراته التواصلية مع أصدقائه وزملائه في تراجع مستمر. «قبل أن أدمن على استخدام الهاتف الذكي، كنت أحرص على تنظيم الوقت بشكل أفضل، وتخصيص فترات للتواصل مع العائلة والأقارب والأصدقاء، بالإضافة إلى قضاء وقت مهم في مراجعة الدروس وإنجاز الواجبات المدرسية.. الآن أجد صعوبة كبيرة في العودة إلى تنظيم الوقت بالشكل السابق»، يحكي حكيم، مضيفا أنه بات يعاني اضطرابات في النوم، بسبب استخدامه المفرط لهاتفه الذكي خلال الليل، موضحا أنه يقضي ساعات طويلة قبل النوم في الدردشة واللعب وتحميل التطبيقات.
وتشير دراسات علمية إلى وجود علاقة بين الاستخدام المفرط للهواتف الذكية و»الإلهاء» في ساعات العمل الرئيسية، الأمر الذي يتسبب في توجيه إنذارات للعديد من الموظفين والعمال.
عبد الهادي، شاب يبلغ من العمر 27 سنة، يعمل ميكانيكيا. كان يمضي وقتا طويلا في الدردشة والتواصل عبر مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي حسب ما صرح به لـ «الأخبار» بسبب «إدمانه» على استخدام هاتفه الذكي، تم طرده في عدد من المرات من العمل الذي يزاوله بعد إنذارات مرتبطة بـ «التهاون والتقصير في أداء العمل»، حسب تصريحاته.
يقول عبد الهادي: «كنت أتفحص هاتفي الذكي بشكل مستمر، وعلى وجه الخصوص تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي، للدردشة مع الأقارب والعائلة والأصدقاء، واللعب والتسلية في أحيان أخرى. لم أكن أعر أدنى اهتمام للعمل والمهام التي أزاولها، الأمر الذي تسبب لي في العديد من المشاكل المهنية، تعرضت على إثرها لإنذارات متكررة ثم الطرد».
زهير نابل، مستخدم في شركة، أوضح في حديثه مع «الأخبار» أن استخدامه المفرط لهاتفه الذكي، تسبب له في أضرار على مستوى البصر، وأنه بات يعاني من نقص في النظر لاعتماده على إضاءة قوية في شاشة الهاتف خلال الليل.
المتحدث ذاته، أشار إلى أنه بات يعاني عسرا في النظر، بسبب الإفراط في استعمال هاتفه الذكي، مبرزا أن «إدمانه» على تفحص هاتفه الذكي تسبب له في العديد من المشاكل العائلية والمهنية.
من الاستعمال إلى الإدمان
حسب المعلومات المتوفرة، فالاستعمال المفرط للهواتف الذكية يتسبب في حالات مرضية لها علاقة بالاكتئاب، مع إمكانية بلوغ درجات من الإدمان تتسبب في تقلب المزاج ونفسية مستخدم الهاتف الذكي.
وهيبة أحفاري، طالبة جامعية، في العشرينيات من العمر، تعاني من الاكتئاب والاضطرابات النفسية المتعددة، أشارت في حديث مع «الأخبار» إلى أن إدمانها على استخدام هاتفها الذكي جعلها تفضل الانعزال عن باقي أفراد عائلتها وزملائها.
وهيبة أشارت إلى أنها بدأت تعاني في الأشهر القليلة الماضية من أعراض أمراض التوحد، بحيث صارت تفضل الإنزواء، وعدم الخوض في الأحاديث رفقة زميلاتها، مبرزة أن هاتفها الذكي «مصدر سعادتها» في حضور أقاربها أو في غيابهم.
الدكتورة بشرى الصروخ أشارت في حديث مع «الأخبار» إلى أن مراحل الإدمان تتمثل في الاستعمال والتجريب ثم الاستعمال المرضي، ومن ثم بلوغ مرحلة الإدمان. الطبيبة المعالجة بمركز الإدمان بتطوان أكدت أنه خلال مرحلة الاستعمال تمكن من مراقبة الحالة المرضية، والتحكم في استعمال واستهلاك المواد التي يمكن الإدمان عليها، والتي تحقق نشوة وإحساسا بنوع من الراحة.
وأوضحت المتحدثة ذاتها، أن الاستعمال المرضي، درجة ثانية من الإدمان يمكن بلوغها بعد مرحلة الاستعمال وتجريب المواد المستهلكة. فيما يتم بلوغ درجة الإدمان كمرحلة ثالثة «يصعب» معها التخلي عن المواد المستهلكة.
وخلصت الدكتورة الصروخ إلى أن هذه المراحل يمكن تجاوزها إذا توفرت الإرادة في الإقلاع عن الإدمان والوعي بخطورته.
استعمال مفرط.. ثم إدمان
أشارت دراسة ألمانية، أجريت حديثا، إلى أن الاستخدام المتزايد والمفرط للهواتف الذكية يزيد من مستويات التوتر لدى الأطفال والمراهقين، ويزيد أيضا من فرص إصابتهم بالإدمان على استخدامها.
وأوضحت الدراسة التي شملت حوالي 500 طفل ومراهق، بأن نسبة هامة من الأطفال بين سن 8 و14 يشعرون بضغط من أجل التواصل باستمرار مع زملائهم من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي.
وأشارت الدراسة إلى أن نسبة هامة من الأطفال، الذين جرى استطلاعهم يستخدمون الهواتف الذكية بشكل مفرط إلى درجة إمكانية إدمانهم على استخدامها.
وأشارت الدراسة إلى أن جل مستعملي الهواتف الذكية اعترفوا بأن استخدام الهاتف الذكي ألهاهم عن وظائفهم ومهامهم وواجباتهم المدرسية، فيما أكد عدد من المستجوبين على أنهم يعانون مشاكل على مستوى التحصيل الدراسي بسبب استخدامهم المفرط لهذه الهواتف.
وأكد عدد من المراهقين الذين شملتهم الدراسة، بأنهم تجاهلوا صداقاتهم الحقيقية بسبب هواتفهم الذكية، فيما أشار عدد من المستجوبين إلى أنهم تعرضوا إلى مضايقات من مجموعات خاصة في تطبيق الرسائل القصيرة «واتساب».
وحذر خبراء، من العواقب النفسية والجسدية على الأطفال جراء الاستخدام المفرط للهواتف الذكية، بالإضافة إلى تسجيل حالات مرضية مرتبطة بقصر النظر لدى الأطفال والشباب.
وكشف استطلاع حديث، أجرته مؤسسة «غالوب» لاستطلاعات الرأي، أن نصف مستخدمي الهواتف الذكية يتفقدون هواتفهم عدة مرات كل ساعة، وأن 81 في المائة من المستعملين يُبقون هواتفهم قريبة منهم طوال وقت اليقظة وخلال ممارسة مختلف الأنشطة اليومية.
وقدمت الدراسة تفاصيل عن درجات إدمان الشباب على استعمال الهواتف الذكية، بحيث يؤدي ذلك إلى فقر المهارات الإدراكية لدى الطلبة، مشيرة إلى أن واحدا من بين 5 شباب يقومون بالتحقق من هواتفهم مرة كل بضع دقائق.
وبينت الدراسة أن تفقد الهواتف باستمرار يأتي على حساب إهمال الأشخاص الآخرين، ويتسبب في زيادة القلق والتوتر والإلهاء، فيما أوضحت بأنه عند سماع الطلاب لرنين الهاتف المرتبط بمواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، لا يتمكنون من الإجابة على الأسئلة الدراسية، بالإضافة إلى ارتباط الرنين بزيادة معدل ضربات القلب، وزيادة ضغط الدم.
وذكرت إحصائيات أجريت حول تأثير الهواتف الذكية في سلوكيات المستخدمين، بأن متوسط استخدام الهواتف الذكية لإجراء المهام المختلفة والمتنوعة يصل إلى 221 مرة يوميا.
وأشارت الإحصائيات إلى أن الاستخدام المفرط للهواتف الذكية يؤدي إلى استنزاف طاقة الجسد، فيما يؤثر النظر فيها لوقت طويل على الرقبة، والشعور بالضغط في متابعة التطبيقات، بالإضافة إلى استقطاع أوقات وفترات لاستخدام الهاتف الذكي أثناء ساعات العمل الرئيسية. وارتباطا بالموضوع، تحذر دراسات طبية من الانبعاثات الضوئية التي ترسلها الأجهزة الإلكترونية عموما، إذ تُسبب اضطرابات في النوم وشعورا بالأرق، ودعت الدراسة إلى الاعتماد على تطبيقات مخصصة لتقليل انبعاثات اللونين الأزرق والأخضر.
علي شعباني : «اقتناء الآباء هواتف ذكية لأبنائهم جريمة على المدى البعيد»
يرى علي شعباني، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، أن الاستعمال المفرط للهواتف الذكية، ينعكس سلبا على آفاق الشباب ويجعلهم متعلقين بالعوالم الافتراضية بدل الاحتكاك بالواقع.
ويذهب شعباني إلى أن «الإدمان» على استعمال الهواتف الذكية يسيء بناء الذات، على اعتبار أن بناء الشخصية يتم من خلال الاحتكاك بالواقع وليس بالعالم الافتراضي. مستدلا بشرود التلاميذ خلال عملية إلقاء الدروس أثناء الحصص الدراسية بسبب «إدمانهم» على تفحص هواتفهم الذكية ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي.
ويضيف شعباني أن الهواتف الذكية تكرس انعزال الشباب في عوالم افتراضية خاصة، إذ أن الاستعمال المفرط للوسائل التقنية يدفع مستخدمي هذه الهواتف إلى الانزواء، مما يسبب لهم مشاكل نفسية كالاكتئاب.
واعتبر الأستاذ الباحث في علم الاجتماع أن الشاب المراهق ينجذب إلى مختلف الأنشطة التي لا تتعب العقل ولا تتطلب منه بدل مجهود، على اعتبار أن المراهق ينجذب إلى المزاح والتسلية والترفيه.
وأشار شعباني إلى أن استعمال الهاتف الذكي يأخذ وقتا زمنيا مهما على حساب الأوقات الرسمية المخصصة للعمل والدراسة، على اعتبار أن الدردشة والترفيه السلبي يضيع على الشاب وقتا ثمينا يمكن استغلاله في إنجاز مهام مختلفة.
وذكر شعباني أن السلوكيات المرتبطة بالاستعمال المفرط للهواتف الذكية، والولوج المستمر لمواقع التواصل الاجتماعي من أجل الدردشة، كرست فردانية الشباب، مشيرا إلى أن هذه المواقع تُظهر الإنسان «بطلا» عكس الواقع الذي يعيش فيه.
وأشار الباحث السوسيولوجي إلى أن الشاب المراهق كان شديد الارتباط بالواقع الذي يعيشه، عكس المظاهر السائدة حاليا والمرتبطة أساسا بالتظاهر الخادع والافتقار إلى الشخصية الحقيقية.
واعتبر شعباني أن تراجع المستوى التعليمي للشباب وتدهور الوضعية التعليمية بالمدارس والجامعات المغربية يعود بالأساس إلى الإدمان على استعمال الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي، مبرزا بأن الولوج المستمر لمواقع التواصل الاجتماعي، له تأثيرات صحية ونفسية متعددة تتسبب في قلة التركيز.
شعباني أوضح أن الآباء يرتكبون جرائم على المدى البعيد في حق أبنائهم من خلال منحهم هواتف ذكية وأدوات تقنية تزيد من فرص «إلهائهم» ولا تساعدهم على بناء مستقبلهم بشكل جيد.
ويخلُص شعباني إلى أن الأسر والمؤسسات التعليمية تتحملان بشكل مباشر مسؤولية تدني المستوى التعليمي للتلاميذ والطلبة بالمغرب، مشيرا إلى أن مختلف فعاليات المجتمع المدني من جمعيات وإعلام تتحمل مسؤوليتها في عملية التوعية بمخاطر «الإدمان» على استعمال الهواتف الذكية.