شوف تشوف

الرئيسيةسري للغاية

هكذا تحول الجيش الجزائري من مؤسسة إلى شركة «تبيض ذهبا»

يونس جنوحي

«خلال سنواتي في الخدمة العسكرية، لم أستفد يوما من أي امتياز، كما كان يفعل بعض الضباط، مهما قل شأنهم. لم أستفد من أي سكن اجتماعي مثل كثير من الجزائريين».

بهذه الكلمات يعلق هشام عبود على الفقرات التي سرد فيها تفاصيل اعتقاله وحياكة تهم ضده تقود بسهولة إلى حبل المشنقة في أي محكمة في العالم، طالما الأمر كان يتعلق بتهمة التخابر لصالح أجهزة سرية أجنبية والعلاقة مع منظمات متطرفة.

 

مرمى النيران

لا يتعلق الأمر هنا بحقل رماية أو تدريب على التصويب. بل يتعلق بسمعة الصحافي هشام عبود التي أصبحت في مرمى النيران سنة 2002، أسابيع بعد صدور مذكراته التي هاجم فيها جنرالات الجيش الجزائري وذكر بالأسماء رؤساءه ومرؤوسيه ومن يجري في فلكهم. إذ إن بعض المحسوبين على الجنرالات، أدلوا بتصريحات للصحافة الفرنسية يتهمون فيها هشام عبود بمراكمة ثروة كبيرة من وراء العمل في الجيش، بل وصل الأمر حد اتهامه بامتلاك شقتين فاخرتين في قلب باريس، لكن صحافيين فرنسيين دققوا في الأمر بسهولة ووجدوا أن تلك الادعاءات باطلة. ووصل الأمر أيضا حد محاولة بعض أوجه النظام الجزائري، بينهم موظف في سفارة الجزائر في باريس، رشوة صحافيين فرنسيين لكي يكتبوا مقالات للطعن في المعلومات الواردة في مذكرات هشام عبود بشأن «مافيا» الجنرالات.

كان هذا الأخير يتوقع أن يلجأ الجنرالات إلى هذا الأسلوب، لذلك قدم جردا بممتلكاته جاء فيه أنه لم يحصل على أي امتياز، وكما كان متوقعا، لم يُدل أي طرف رسمي جزائري بأي وثائق تُكذب ما صرح به عبود.

يقول: «في العاصمة الجزائر، اكتسبتُ شقة عن طريق أداء سومة لصحافي كان يملك مسكنين. وقد قمت بنفس الأمر بالنسبة للشقة التي سكنتها في أم البواغي. ورغم ذلك فإن الفرص التي تلقيتها كانت كثيرة. لكني حاولت دائما الحفاظ على نقاء ذمتي.

لم أطرد من الجيش مثل المشكوك في ذمتهم ونزاهتهم. لقد غادرت الجيش بمحض إرادتي وعن قناعة، وبعد أن تم توشيحي بميدالية الاستحقاق العسكرية».

 

إرث العسكر

حاول هشام عبود تخصيص حيز في هذه المذكرات للتعريف بتاريخ الجيش الجزائري والأشواط التي قطعها مؤسسوه خلال فترة الثورة الجزائرية، وتحركاتهم سنة 1962 لتأسيس الجيش. وهذا الأمر، أي الخوض في تاريخ الجيش الجزائري، لم يكن يعجب المسؤولين العسكريين وبالأخص الجنرالات الذين تربوا في ظل مؤسسي النواة الأولى للجيش.

فهشام عبود حظي بشرف التعرف على بعضهم في الجيش، ولاحظ أنهم بقوا كما دخلوا الجيش أول مرة، ومنهم من حصل على التقاعد بعد أزيد من أربعين سنة من الخدمة العسكرية، ولم يستطع توفير حتى شقة لأسرته، وهناك من اضطروا إلى مغادرة السكن الوظيفي لعائلات العسكريين بعد تقاعدهم رغم أنهم شاركوا في تأسيس الجيش الجزائري وحصلوا على فرص تدريب في فرنسا والاتحاد السوفياتي ومصر.

في حين أن بعض المحظوظين الذين لم يدخلوا مؤسسة الجيش إلا في سبعينيات القرن الماضي، وبشواهد جامعية، سرعان ما تدرجوا وتقربوا من محيط الجنرالات الذين يتحكمون في كل تفاصيل الترقيات والوضعية الإدارية لمن يعملون تحت إمرتهم، وأصبحوا يتقاضون أجورا خيالية. كان الوضع شبيها بقصة «الدجاجة التي تبيض ذهبا».

هذا دون إغفال الصفقات التي تبرمها المؤسسة العسكرية مع الشركات والمصالح العمومية، والتي تمول من صناديق المال العام الجزائري. يقول هشام عبود إن بعض العسكريين كانوا يتصرفون في الملايير دون حسيب أو رقيب ولم يكن أحد من الحكومة الجزائرية يملك صلاحية ولا حق التدخل لمساءلة المسؤولين عن الصفقات التي تبرم لصالح المؤسسة العسكرية بأموال خيالية.

هذا الأمر نتج عنه استقواء طبقة خاصة داخل الجيش، مقابل محو الطبقة القديمة للمناضلين الذين تأسس الجيش الجزائري على أكتافهم.

وانطلاقا من الفصل الذي أطلق عليه هشام عبود عنوان «النهر الذي تحول مجراه»، تبدأ سلسلة فضح ممارسات الجنرالات الذين بدا واضحا أنهم استحقوا عن جدارة لقب «المافيا» الذي اختاره عبود عنوانا لهذه المذكرات. فقد بدا واضحا أن النهر فعلا قد تم تحويل مجراه، من جعل الجيش رهن إشارة الصالح العام الجزائري، إلى العكس. أي أن الجزائريين أصبحوا مجرد حطب لتدفئة جيوب الجنرالات.

المال وحده كان يحكم داخل مؤسسة الجيش، إذ سرد هشام عبود كيف أن القبلية والانتماء إلى جهات جغرافية كان يتحكم في الانتساب إلى الجيش، وسرعان ما تغيرت القاعدة ليصبح المال هو المسيطر والمتحكم الأول والأخير في استقطاب الأسماء العسكرية إلى فرق بعينها، حيث أصبحت بعض الوظائف في الجيش حكرا على الذين يستطيعون تحويلها إلى كراس «مُدرة للدخل».

نافذة: يقول هشام عبود «لم أطرد من الجيش مثل المشكوك في ذمتهم ونزاهتهم لقد غادرت الجيش بمحض إرادتي وعن قناعة وبعد أن تم توشيحي بميدالية الاستحقاق العسكرية»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى