هكذا «تتكالب» لوبيات العقار على هوامش عاصمة البوغاز
طنجة: محمد أبطاش
يشكل تكالب لوبيات و»مافيا» التعمير، على هوامش طنجة، نوعا من أكثر القضايا الرائجة أمام محاكم المدينة، حيث العشرات من الشكايات تتقاطر وتتجدد بشكل دوري، فيما تأتي شكايات مضادة ضد المالكين أحيانا بغية إرهاقهم، قصد الاستسلام. هذه واحدة من أبرز الطرق التي تلجأ إليها لوبيات العقار من أجل الضغط على أصحاب العقارات. السلطات المحلية وجدت نفسها في دوامة كبيرة، بعدما تم إقحام أسماء مسؤولين سامين من أجل التأثير على أصحاب الأراضي. ضمن هذا التحقيق، تقف «الأخبار» على جانب من حيل “مافيا العقار” بطنجة، وتستقصي حول الأوكار التي تنشط فيها هذه المافيا، كما تكشف الوجه المرعب لهوامش تدر الملايين على المتلاعبين بالعقار بالمدينة، بحكم انتشار الأمية والخوف، وهما العاملان المشجعان على نشاط لوبي العقار بمدينة البوغاز.
باعتباره حيا سكانيا، تضرب فيه الأمية أطنابها، فضلا عن الفقر وعوامل أخرى، فقد جعلت لوبيات العقار من “اعزيب ابقيو” وكرا لنشاطها، حيث حولت هذه الرقعة الجغرافية إلى ما يشبه مملكة مجرد المرور من محيطها يجعلك موضع تساؤلات الأعين المنتشرة في الحي وبمحيطه.
«اعزيب ابقيو».. عش الدبابير
حوالي الساعة الخامسة مساء، من يوم مشمس، بدأت ظلاله تخفت، والظلام يلوح في الأفق، وصلت «الأخبار»، إلى عمق «اعزيب ابقيو». لا شيء يكسر صمت المكان سوى مصنع للآجور يقع في وسط الحي، ومنه تنبعث أدخنة بعض منها يستقر في صدور قاطني المدشر. هنا بنيت العشرات من المنازل في ظروف غامضة، لكن عددا من سكان هذا الحي يفضلون السكوت ويعتبرونه أسلم لهم من فتح أفواههم التي قد تجلب لهم ما لا تحمد عقباه. وصول جريدة “الأخبار” إلى هذا المدشر، كما يحلو لقاطنيه تسميته، سرعان ما شاع خبره وامتد حتى وصل إلى الأطراف. بعد دقائق فقط، حلت سيارة من نوع «رونو كونغو»، وبدأت تلتف حول طرقات «اعزيب» من كل الجوانب، وحين الاستفسار قال دليل «الجريدة» باللكنة الطنجاوية إنه «مقدم الحومة»، وبعد دقائق أخرى ستحل السلطات التي يقع الحي في دائرة نفوذها، بحثا عن معلومات، حول “الضيف الغريب” الذي حل بالحي من غير أن توجه إله الدعوة. أمام هذا الوضع لم يجد صحافي الأخبار غير التساؤل باستغراب حول سبب حضور عون السلطة ثم رجالها في ما يشبه حالة استنفار.
لغم في مرمى اللوبيات
على طريق مزدوج تم إحداثه أخيرا، يقع منزل المواطن إدريس اسبياع، أحد الأسماء التي وصلت ملفاتها إلى القضاء، وأماطت اللثام عن جانب من طرق الاحتيال التي تلجأ إليها «مافيا العقار»، إذ تكشف حيثيات قضيته أن هذا المواطن يملك منزلا على قطعة أرضية محفظة ذات رسم عقاري عدد 61/47002 بمدشر «اعزيب ابقيو»، طريق تطوان فحص أنجرة. هذا المنزل الذي ظهرت به تشققات ستكشف عن أمور غير عادية تجري بهذا الحي. وتكشف الوثائق التي بحوزة اسبياع، في القضية الموضوعة أمام القضاء، أن البقعة الأرضية، تتكون من منزل من طابق لا تتجاوز مساحته 10 سنتيار 01 آر 00 هكتار، وهي في ملكية هذا المواطن، قبل أن يجد نفسه أمام تعرض مثير في سنة 2008 ليتم التشطيب عليه نظرا لعدم صحة هذا التعرض، وذلك بمقتضى نسخة تنفيذية من الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بطنجة بتاريخ 18/06/2013، تحت رقم 2013/43 في ملف يحمل رقم 1403/11/ 132. وفي سنة 2014 أصدرت المحكمة قرارا بعدم التعرض استئنافيا مؤرخة بـ 24/03/ 2014. وبالتدقيق في هذه الأرقام والسنوات يتضح أن طول الجلسات التي يستغرقها الملف، بسبب التحريات القضائية وتغيب المشتكين عن الجلسات، قد تؤدي أحيانا بالمالكين إلى الاستسلام أمام الأمر الواقع، بسبب التزامات المحامين والتنقلات وغيرها، مما يسهل على شبكات العقار الاستيلاء على البقع الأرضية بسهولة، حيث إن الصبر هو السبيل الوحيد لمواجهة هذه «المافيا» التي تراهن على الوقت، كما تشدد تصريحات من المدشر.
بالعودة إلى حالة المواطن اسبياع، فإن طريقا بمحاذاة منزله، سيميط اللثام، عن حقائق صادمة، إذ يشكل هذا المنزل لغما انفجاره قد يجر سلسلة ممن يقفون وراء الخرائط الهندسية، حيث إن الشركة التي أنجزت الطريق توصلت بمعطيات تفيد بأن كافة الإجراءات القانونية قد تمت في ظروف عادية، كما تم إعطاؤها الضوء الأخضر للاشتغال.
الخرائط الهندسية التي توصلت بها «الأخبار» ينعدم فيها أي منزل بجانب مشروع الطريق، في حين أن خرائط أخرى يوجد بها هذا المنزل، وهو ما أثار شكوك حتى إحدى اللجان التي بعث بها المجلس الجماعي السابق لمعرفة ما يجري، قبل أن تعود أدراجها، فيما تتواصل معاناة هذا المواطن، حيث لم يتم الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الطريق سيمر على بعد أمتار قليلة من أمام منزله، وهو ما تسبب له في تشققات وتصدعات. إدريس اسبياع أضحى الآن مهددا في أية لحظة بانهيار مسكنه من جهة الطريق العام، وهو ما يجعله وصغاره أمام خطر محدق يهدد حياتهم في أي لحظة، سيما وأن التساقطات المطرية الأخيرة أظهرت جانبا من خطورة الوضع، حيث التشققات غطت مساحة كبيرة من الجدران حتى بدت على شكل نوافذ صغيرة.
لم يقف اسبياع مكتوف اليدين بل وجه سيلا من الشكايات إلى المصالح الوصية للبحث في هذا الأمر واتخاذ الإجراءات اللازمة باعتبار أن الطريق العمومي لا يمكن أن يمنح الضوء الأخضر بإنجازه بوجود منازل السكان بمحاذاته، علما أن المنزل يقع في أعلى الأرض التي حفرتها الشركة، بسبب إهمال خصوصيات التربة الموجودة بجوانب المنزل. وكشف هذا المواطن لـ «الجريدة» أن السلطات المحلية سبق لها أن اكترت له بيتا مقابل إفراغ المنزل الذي تحيط بتشييده ظروف غامضة حول عملية الاقتناء، وكذا منح رخصة البناء، كما يمكن أن تجر التحريات أيضا الشركة، وهو الأمر الذي لا يزال ينتظر صدور حكم قضائي بشأنه يحسم المشاكل المرتبطة بهذا الملف.
الإهانة والترهيب
وسط «اعزيب ابقيو»، الذي تنخره الأمية والفقر المدقع، صادفت «الجريدة» سيدة تسكن وسط كوخ في حالة جد مهينة، وتحيط به منازل من طابقين بنيت في ظروف غامضة. وحسب هذه السيدة، فإن سبب مكوثها بهذا الكوخ، الذي سبق أن اشتعلت فيه النيران وكادت تجهز على أطفالها القاصرين، هو رفض السلطات المحلية منحها رخصة السكن، رغم أن بحوزتها عقدا ضمن في كناش الأملاك تحت رقم 306، صحيفة 221 عدد 297، بعد شرائها بقعة أرضية مساحتها 238 مترا مربعا، وفق العقد الذي يتضمن توقيع عدلين منتصبين للإشهاد بدائرة المحكمة الابتدائية بطنجة، والتي أدرجت هذه الشهادة بمذكرة الحفظ رقم 41 صحيفة 175 عدد 576 وصل 576/41.
وبحسب هذه السيدة التي تشتغل خادمة في البيوت، فإن هذا الرفض غير معقول، مشيرة إلى معاناتها الطويلة، سيما في فصل الشتاء، إذ قضت سنوات في هذا الكوخ «المهين». هذه السيدة تؤكد أنها تتوفر على تصاميم هندسية أنجزت من قبل مهندسين، فضلا عن وصل تسلمته بعدما وضعت طلب رخصة البناء يحمل توقيع سلطات الملحقة الإدارية التاسعة، المرجع عدد 167 م.ب.ت. بتاريخ 21 شتنبر 2015.
ورغم عدة مراسلات في الموضوع تقول هذه السيدة إن ملفها، ظل يراوح مكانه، لذا فإنها تنتظر من وزارة الداخلية إيفاد لجان تحقيق تفصيلية للبحث حول ما يجري داخل هذا الحي، مادامت لا تملك الموارد المالية الكافية لتتبع الملف أمام القضاء.
حالة أخرى صادفتها «الأخبار» هي حالة شاب، تذوق بدوره مرارة «المافيا»، والذي قام والده الطاعن في السن بالتنازل له عن بقعة أرضية، بعدما لم يعد قادرا على تتبع تفاصيل القضايا بمحاكم المدينة، بسبب أشخاص يقومون برفع دعاوى، بعض منها أصدرت فيها ابتدائية المدينة أحكاما، بالرفض نظرا لانعدام الاثباتات، إذ تكون هذه من الحيل الماكرة لمافيا العقار لإنهاك المالكين ودفعهم إلى الاستسلام.
حالة هذا الشاب بدأت تتعقد شيئا فشيئا، كلما وضع ملفا مفصلا بالمعطيات الدقيقة، والمحاضر القضائية، أمام مصالح معينة، ومن ضمنها المصالح الأمنية والسلطات المحلية. وقد تقدم بشكاية بسبب تعرضه للتهديدات والاعتداءات على ممتلكاته، حيث لا تزال الشكاية في إطار الأبحاث، كما كشف هذا الشاب الذي تقدم بسيل من الشكايات لعدد من المؤسسات من ضمنها وزارة الداخلية، أن هناك شبكة للمافيا تقوم وبمشاركة نافذين، بترهيب الساكنة، خصوصا الناشطين منهم، كما تلجأ هذه اللوبيات إلى التزوير والنصب والاحتيال والاستحواذ، بل التلويح بالقتل في حالة اقترابه من أرضه التي تم الاعتداء عليها، وذلك من أجل إعادة بيع هذه الأراضي بملايين الدراهم، ولو تطلب الأمر استعمال واستغلال النفوذ والسلطة، كما تشير إلى ذلك شكاية وجهها من قبل الساكنة إلى وزير الداخلية، بسبب إقحام اسمه في شهادة تم سحبها من المحافظة العقارية بني مكادة، قبل أن يتبرأ منها محامي أجرى خبرة في الموضوع. الخبرة فجرت الفضيحة حين كشفت عن كون هذا المطلب يشوبه غموض كبير، خصوصا عند ذكر بعض المناطق، حيث إن مدشر «اعزيب ابقيو» لم يكن يوما تابعا لجماعة البحراويين، بل هو في الأصل تابع لجماعة «اكوارت الأربعاء» «عين دالية» قبل أن تتم إعادته إلى جماعة الشرف مغوغة بعد التقطيع الجديد.
رئيس مقاطعة مغوغة الحالي اعترف أن هناك غموضا يلف منح الرخص، كما أقر بوجود العشرات من المنازل تنامت كالفطر في ظروف غامضة وبعض منها بنيت ليلا.
الودراسي.. تلاعبات وإرث ثقيل
من الواجهات الخفية بمدينة طنجة والتي لايزال إرث الماضي يثقل كاهلها، منطقة «كدية الودراسي» بحي مرس الدهاري الواقع في نفوذ مقاطعة بني مكادة. هنا سجلت أحداث لا تزال لها تبعات إلى حدود اللحظة، بسبب الشكايات الواردة في الموضوع. وجد السكان أرضا جماعية خصبة، بسبب أحداث الربيع العربي سنة 2011، فقاموا بتشييد منازلهم، في ظروف غامضة، دون الاستناد إلى أية تراخيص أو ملكيات، كما كان البناء العشوائي، أو كما يسمى محليا بـ «البناء الانتخابي»، إشارة إلى منتخب يحمل حيا بأكمله اسمه، دافعا وراء تشجيعهم على البناء إلى حين تقنين الملفات، حيث شكل ذلك عاملا آخر لتراميهم على أملاك جماعية، قبل أن تفطن السلطات لذلك وتشرع في عملية هدم مئات المنازل، بعض منها كلف أصحابها ملايين السنتيمات. الوثائق التي بحوزة هؤلاء والتي توصلت بها عدة مصالح بما فيها وزارة العدل والحريات، تقول إن ما جرى يعود إلى سنة 2012، بعدما اقتحمت السلطات المحلية الحي، نتيجة انتشار البناء العشوائي بالمنطقة، وشرعت في هدم المئات من المنازل التي شيد بعضها ليلا وفي ظروف غامضة على أرض جماعية، لكن الإبقاء على بعض المنازل إلى حدود اللحظة جعل ضحايا الهدم يطالبون بتطبيق القانون على الجميع، في ظل التشرد الذي يطاردهم منذ الواقعة. اسم محمد الحمامي رئيس مقاطعة بني مكادة عن حزب الأصالة والمعاصرة سابقا، ورد ضمن شكايات رائجة أمام القضاء وأخرى أمام مؤسسات حكومية. ويشير بعض تلك الشكايات إلى أن الحمامي طلب من السكان إنجاز تصميم هندسي، قصد احتواء الغضب، الأمر الذي جعلهم يدفعون حوالي 20 ألف درهم كمستحقات للمهندس الذي أجرى التصميم، حسب المعطيات المتوفرة، إلا أن تجاهل المسؤول السابق، لأصوات المواطنين حول خطوة التصميم الهندسي، دفع بهم للجوء إلى القضاء للبت في الأمر، وتحديد المسؤوليات، كما توضح ذلك شكاية وضعت خلال أبريل من السنة الجارية، ولا يزال الأمر يتفاعل وسط ردهات المحاكم وبين عدد من المصالح الإدارية وداخل نفوس عدد من السكان الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا يحتاجون إلى جبر ضررهم.
مسؤول عن التعمير في مقاطعة بني مكادة : هناك من تسلم رخصا بشكل غير قانوني إبان المجلس السابق
حملت «الأخبار» عددا من المشاكل التي يعانيها عدد من المواطنين إلى مسؤولي مقاطعة بني مكادة التي يسيرها حزب العدالة والتنمية. وقد صادفت «الأخبار» الرئيس محمد خيي خارج المقاطعة، والذي أحالنا على أحد نوابه المكلفين بالتعمير، والذي كان جد حذر في كلامه، حيث أكد أن الملف عرض عليهم كمقاطعة واطلعوا عليه، وأن الأرض هي للجماعة السلالية، مؤكدا أن مقاطعتهم لا تبث في الموضوع بحكم عدم الاختصاص، غير أن هناك مناطق بنيت في ظروف معينة على حد قوله. وبعدما وجهت له «الجريدة» سؤالا عن انتشار البناء العشوائي في واضحة النهار، وإمكانية وجود من أعطى الضوء الأخضر لهؤلاء، دعا إلى رفع الأمر إلى بقية المتدخلين الآخرين ومن ضمنهم السلطات المحلية.
وحول البناء العشوائي المستفحل بدون رخص، أكد المسؤول نفسه أن هناك من تسلم رخصا بشكل غير قانوني إبان المجلس السابق. وحول إمكانية تحميل مسؤولية ما يجري للمجلس المذكور، قال هذا النائب إننا «جئنا ننظر إلى المستقبل، والبحث في الماضي سيأخد منا جهدا».