هكذا بدأ الفرنسيون مخططات الري بحقول بني ملال وقصبة تادلة
يونس جنوحي
قادتنا الطريق صوب أراض قاحلة. وكانت جبال الأطلس المتوسط تلوح في الأفق، وفي سفحها تظهر بقعة أرض خضراء، بدا لنا أنها تزداد اتساعا كلما اقتربنا منها أكثر. تلك هي بني ملال.
عندما اقتربنا أكثر، اتضح لنا وجود سلاسل ساحرة من أشجار الزيتون، والمشمش والتوت، وغطاء كثيف من النباتات.
تدفقت المياه بحُرية على طول قنوات الري الصغيرة الممتدة على جانب الطريق. وبالقرب من بعضها كانت النساء يغسلن ثيابهن، ويحممن أبناءهن، وإذا ما كان ما رأيتُه صحيحا، فقد كُن يحممن أنفسهن أيضا.
لقد حُذرت سابقا ألا أشرب الماء من جداول الري المحلية، وبدا لي أن تلك النصيحة منطقية.
ما إن وصلنا إلى البلدة الصغيرة، حتى صارت المساحات الخضراء جذابة للغاية.
تمشيتُ في برودة جو المساء، في مقابل مجرى تيار الوادي الذي كان مصدر ثروة بني ملال. وصلتُ إلى منبع المياه، الذي كان في ظل قصبة شامخة في أعلى مرتفع صخري. انفجر تيار المياه من مغارة في سفح الجبل، مُشكّلا بذلك شلالا منهمرا.
وخلفه كانت هناك كُتل جبلية متداعية، تبدو مخيفة في المساء كلما ازداد الظلام سوادا.
في الشمال، وراء الواحة، امتد السهل القاحل الذي عبرناه في طريقنا إلى المدينة، وكان منظره مُنفرا أكثر من بعيد. لكن أضواء بني ملال لاحت متراقصة، بمرح، في الأسفل.
لذلك تمشيت في سعادة أسفل طريق الجبل، وأنا أفكر في عجائب ما يمكن أن يفعله الماء في أرض صحراوية. كان يتعين عليّ أن أسمع كلمة «الري»، تتردد في الحديث أكثر من مرة خلال اليومين المقبلين، لكن لم يشكل الأمر أي إزعاج لي أبدا.
كان يتوجب على محمد أن يعود إلى الدار البيضاء، للإدلاء بشهادة في قضية تتعلق بحادث مروري. بدا متخوفا من قدرتي على الاعتناء بنفسي، وكان يحس بالرعب عندما اقترحتُ أن أكتري دراجة لأتنقل بها!
لكن، كان يتعين عليّ استبدال هذه الرفيقة اللطيفة بسيارة من نوع «جيب».
من المؤكد أنني يجب أن أدرس تقنيات الري، إذ إن المشاريع المحلية كانت واسعة جدا، إلى درجة أنه تصعب معاينتها جميعا بدقة.
خلال رحلاتي، التقيتُ بمجموعات متنوعة من الموظفين في مجال الفلاحة، من خبراء زراعيين ومهندسين في مجال الري.
لقد أفادوني بشكل كبير، لكن الأمر استغرق مني مجهودا كبيرا، ونادرا ما كان هؤلاء الخبراء المتحمسون يفكرون في الإرهاق الذي يحتمل أن يصيب «ضحيتهم».
في منطقة قصبة تادلة لاحظتُ وجود سد صغير، أسفل قنطرة عشوائية، كان الناس يُسمونها «برتغالية» بالخطأ. كان السد بسيطا ومتواضعا فعلا. ولم يتم القيام بأي محاولة لوقف الوحل المتدفق إليه مع مياه وادي أم الربيع، وتم الاكتفاء بمجرد تحويل جزء من تلك المياه إلى قناة للري. لكني اكتشفتُ أن تلك القناة كانت بداية لاكتشاف خطة ري عجيبة.
في سنة 1927، قام مهندس فرنسي بتجربة بناء سد لتحويل جزء من مياه النهر إليه. لم تكن آفاق المشروع مشرقة، كانت المياه مالحة قليلا. أرض السهل لم تكن جيدة لتنفيذ المشروع، كما أنه لم يكن لديه مال!
ومع ذلك، فقد كانت تجاربه الأولى مواتية بما يكفي لجذب انتباه سكان المناطق العليا. استمرت التنمية المحلية بوتيرة متواضعة، ولكن في العام 1941 أنشئت إدارة خاصة لكي تتكلف بعملية الري في المنطقة.