شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف التاريخ

هكذا بدأت العلاقات المغربية الإماراتية

عادت إلى الأضواء بعد تعيين محمد بن زايد رئيسا للبلاد

يونس جنوحي

«اقترح العقيد القذافي على الشيخ زايد أن يرسل إليه نخبة من مهندسي البترول الأجانب، الذين اشتغلوا في ليبيا، حسب ما تشير إليه وثائق «ويكيليكس» التي رُفعت عنها السرية سنة 2012، فقد اعتذر الشيخ زايد بلباقة للقذافي ورفض العرض الليبي.

في الحقيقة لم يكن الشيخ زايد في حاجة إلى مهندسين أجانب عملوا في ليبيا، لأن بلاده كانت تعرف توافدا مهما لأكبر الشركات العملاقة في العالم للتنقيب عن البترول، والتي توظف أفضل المهندسين في العالم، لذلك كان العرض الليبي في غير محله. بالإضافة إلى أن الشيخ زايد، حسب ما رصدته الخارجية الأمريكية، كان يقيم وزنا كبيرا لصداقته مع الملك الحسن الثاني ولم يرد أن يمنح أفضلية للقذافي، خصوصا وأن الملك الحسن الثاني دعا وقتها في أكثر من مناسبة، ما بين 1968 و1975، إلى عقد قمم عربية وإسلامية في العاصمة الرباط ودعا إليها كل الزعماء العرب، واعتبر الشيخ زايد دائما ضيف شرف عنده».

 

 

++++++++++

ذكريات محمد بن زايد في الرباط..

في موسم سنة 1975 و1976، كان محمد بن زايد يقضي فترة دراسته بالمغرب، وكان يروج أن الأمر يتعلق بتشديد أبوي صارم من الشيخ زايد أثناء إعداده لابنه محمد، ثالث أبنائه وقتها.

عندما تعين محمد بن زايد سنة 2004 وليا للعهد بالإمارات المتحدة، عادت الصحافة الدولية، أولها «نيويورك تايمز»، لتقليب ذكريات محمد بن زايد في المغرب. وجاء وقتها حسب الصحيفة، أن محمد بن زايد كان عمره 14 سنة عندما أرسله والده الشيخ زايد رئيس دولة الإمارات، إلى المغرب لكي يكون بعيدا عن محيطه الأسري ومعارف والده من وزراء الدولة والمسؤولين الكبار، وكان بينهم مغاربة.

سبب هذا الإبعاد، رغبة الشيخ زايد في أن يحظى ابنه بمعاملة متساوية مع بقية التلاميذ الذين تقرر أن يدرس معهم بعد حصوله على الشهادة الابتدائية في أبو ظبي ومدينة العين.

الصحيفة قالت إن الشيخ زايد كان يريد أن يربي ابنه تربية عصرية لكنها لا تخرج عن «عادات» أهل البدو الذين كانوا يرسلون أبناءهم بعيدا لكي يدرسوا ويتمتعوا بشخصية مستقلة وقوية، ويتحملوا المسؤولية في سنوات مبكرة من حياتهم. وكانت تلك فعلا رغبة الشيخ زايد عندما فاتح الملك الراحل الحسن الثاني في الموضوع. إذ رغم حفاوة الاستقبال الذي أقيم لمحمد بن زايد، إلا أن والده رئيس الإمارات طلب من الملك الراحل الحسن الثاني ألا يحظى ابنه نهائيا بأية معاملة تفضيلية.

وظهر الأمر جليا عندما أنهى محمد بن زايد مرحلة الدراسة في المغرب، إذ بعد فترة قصيرة فقط  من عودته إلى الإمارات، أرسل إلى بريطانيا لكي يتلقى تكوينا عسكريا صارما للغاية. وتحدثت الصحيفة نفسها عن ممارسة محمد بن زايد لأنشطة الطلبة في بريطانيا بينها البحث عن عمل لضمان دخل يعين على مصاريف الحياة اليومية في بريطانيا. وكان ذلك اختيارا لمحمد بن زايد بصم على تجربة دراسته في الخارج.

مرحلة الدراسة في المغرب، لعبت دورا كبيرا في صقل شخصية محمد بن زايد وجعلته يصمد أثناء التكوين العسكري الصارم في لندن. وفوق كل هذا، كان قد راكم صداقة متينة جدا مع الملك محمد السادس عندما كان الاثنان يلتقيان بإشراف من والديهما الملك الحسن الثاني والشيخ زايد، خصوصا وأنهما أصبحا خلال فترة إقامة ابن زايد بالمغرب، زميلي تجربة الدراسة في أجواء مشابهة كان عنوانها الصرامة وتعليمات الأبوين لكي لا يحظيا بأي تعامل تفضيلي.

واليوم، بعد ما أصبح محمد بن زايد رئيسا لدولة الإمارات العربية المتحدة، عادت الصحافة الدولية لتنبش من جديد في أقوى ذكريات محمد بن زايد وعلاقه بالمغرب، خصوصا وأن المحللين الدوليين وكبريات الصحف الدولية، تحدثوا عن تقارب كبير في الرؤى والمواقف بين الملك محمد السادس ومحمد بن زايد، منذ أن كان الأخير وليا للعهد.

الجذور التاريخية والذكريات المشتركة لعبت دورا كبيرا في صناعة المواقف السياسية والاتفاقيات الثنائية بين المغرب والإمارات خلال السنوات الأخيرة، وهو ما أعاد أمجاد التقارب بين البلدين في أيام الملك الراحل الحسن الثاني والشيخ زايد.

نحنُ والإمارات..

منذ جلوس الملك الراحل الحسن الثاني على العرش في مارس 1961، والأنظمة الكبرى حول العالم، أولها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي وفرنسا ثم بريطانيا، تضع المغرب نصب عينيها، وتراقب السياسات الدولية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وفي نفس الفترة كان الشيخ زايد يتقوى دوره في إمارة أبو ظبي، حيث كان الرجل الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة للأمريكيين بعد اكتشاف كميات هائلة من النفط في المنطقة. ومع مضي السنوات، نجح الملك الراحل الحسن الثاني في جعل المغرب قطبا مهما في معادلة المباحثات والاتفاقيات التي تهم العالمين العربي والإسلامي، حيث دعا إلى أكثر من قمة عربية وإسلامية في الرباط وجالس كبار الحكام العرب الذين كانوا قد وصلوا إلى السلطة قبله منذ أيام والده الراحل محمد الخامس.

تأسست دولة الإمارات العربية المتحدة سنة 1971 وكان الشيخ زايد، أقوى رجال الاتحاد وأكثرهم تأثيرا، والمؤسس الفعلي لدولة الإمارات العربية، قد وصل لتوه إلى السلطة، وهو ما قوى التقارب بينه وبين الملك الحسن الثاني، خصوصا بعد المحاولة الانقلابية التي استهدفت الطائرة الملكية. إذ حدث تقارب كبير بين الرجلين أعلن فيه الشيخ زايد أنه يدعم مواقف الملك الحسن الثاني، وهو ما شكل ضربة موجعة للقذافي والهواري بومدين، وكلاهما كانا يحكمان بلدين بتروليين وكانا يطمحان لضم الشيخ زايد إلى النادي.

هذه الضربة التي تلقاها القذافي، تلتها ضربات أخرى، عندما اقترح الملك الراحل الحسن الثاني على صديقه الشيخ زايد أن يتكلف بإعداد أجهزته الأمنية والعسكرية، حيث توجهت خيرة الأطر المغربية إلى الإمارات أثناء بنائها خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

وطيلة هذه الفترة، وصولا إلى فترة نهاية حياة الملك الراحل الحسن الثاني، كان الرجلان يتبادلان الزيارات الودية والرسمية، حيث اعتاد الشيخ زايد في أغلب المناسبات أن يقضي عطله في المغرب.

صنع تنصيب محمد بن زايد، رئيسا لدولة الإمارات الحدث هذه الأيام، على اعتبار أنه كان يعتبر الرجل الثاني في الدولة منذ سنوات، خصوصا مع تدهور الحالة الصحية لرئيس الإمارات الراحل الشيخ خليفة بن زايد  وتواريه عن الأنظار بسبب المرض، وهو ما جعل وسائل الإعلام الدولية تهتم خلال الفترة السابقة بمحمد بن زايد بشكل أكبر، لكن تعيينه رئيسا للبلاد مؤخرا، أعاد اسمه إلى واجهة الصحف الدولية والمنابر المتخصصة في أخبار الشرق الأوسط، وتناولت علاقته بالمغرب، وعمق صداقته الشخصية والإنسانية مع الملك محمد السادس.

 

كيف حاول القذافي «التأثير» على صداقة الحسن الثاني والشيخ زايد

في بداية سبعينيات القرن الماضي، كان القذافي منزعجا جدا من التقارب بين الملك الحسن الثاني والشيخ زايد، مؤسس دولة الإمارات، حتى إنه حاول التأثير على تلك الصداقة. وقد انتبه ضباط الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى هذا الأمر، عندما رصدوا اهتمام القذافي بربط صداقة مع رئيس دولة الإمارات وقتها، في عز خلافه مع الملك الراحل الحسن الثاني، حيث كانت العلاقات بين المغرب وليبيا في أسوأ مراحلها، ووصلت حد القطيعة.

اقترح العقيد القذافي على الشيخ زايد أن يرسل إليه نخبة من مهندسي البترول الأجانب، الذين اشتغلوا في ليبيا، حسب ما تشير إليه وثائق «ويكيليكس» التي رُفعت عنها السرية سنة 2012، فقد اعتذر الشيخ زايد بلباقة للقذافي ورفض العرض الليبي.

في الحقيقة لم يكن الشيخ زايد في حاجة إلى مهندسين أجانب عملوا في ليبيا، لأن بلاده كانت تعرف توافدا مهما لأكبر الشركات العملاقة في العالم للتنقيب عن البترول، والتي توظف أفضل المهندسين في العالم، لذلك كان العرض الليبي في غير محله. بالإضافة إلى أن الشيخ زايد، حسب ما رصدته الخارجية الأمريكية، كان يقيم وزنا كبيرا لصداقته مع الملك الحسن الثاني ولم يرد أن يمنح أفضلية للقذافي، خصوصا وأن الملك الحسن الثاني دعا وقتها في أكثر من مناسبة، ما بين 1968 و1975، إلى عقد قمم عربية وإسلامية في العاصمة الرباط ودعا إليها كل الزعماء العرب، واعتبر الشيخ زايد دائما ضيف شرف عنده.

كانت هذه الإشارة كافية لكي تفهم الولايات المتحدة أن الصداقة بين المغرب والإمارات كانت متينة جدا. وفعلا، فقد ظهر الأمر جليا في السنوات اللاحقة، خصوصا سنة 1971 و1972، حيث كان الشيخ زايد أول داعم للملك الحسن الثاني، مع الملك الأردني، حيث اتصلوا للاطمئنان على سلامة الملك الحسن الثاني في المحاولتين الانقلابيتين. ومن بين ما جاء في أرشيف وثائق الاستخبارات المركزية الأمريكية، خصوصا في مذكرات العميل «ويليام بلوم» الذي وضع مؤلفا بعنوان «قصص الاستخبارات المنسية»، جاء فيه ما يفيد بأن العقيد القذافي كان منزعجا جدا من التقارب بين الملك الحسن الثاني والشيخ زايد، إذ استاء كثيرا عندما أخبره وزير خارجيته أن الشيخ زايد أخبر موفد ليبيا إليه، أنه ينوي زيارة الملك الحسن الثاني وقضاء عطلة قصيرة معه مباشرة بعد المحاولة الانقلابية الثانية التي استهدفت الطائرة الملكية في صيف سنة 1972. وأكد لمبعوث القذافي، أنه يرفض بالمطلق أن يتابع تطورات الأحداث من بعيد عندما يتعلق الأمر بصديق «مقرب وحميم» بحجم الملك الحسن الثاني.

عندما وصلت هذه المعلومات إلى القذافي ثار غضبه، خصوصا وأن الاتهامات وقتها كانت موجهة إلى ليبيا لأن القذافي أعلن صراحة عن تأييده للمحاولة الانقلابية، وكان معروفا أن العقيد كان سخيا جدا مع معارضي الملك الحسن الثاني في الخارج.

عملاء الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA  تحدثوا عن محاولات قام بها العقيد القذافي لعرقلة عقد نسخة من القمة العربية في الرباط، لكن الشيخ زايد تدخل بقوة وأجرى اتصالات مع ملكي المملكة العربية السعودية والأردن وحثهما على حضور القمة في الرباط، بل وأن يكونا أول الحاضرين حتى يقطعا الخط على القذافي الذي كان يخطط لنسف مشروع القمة، واقترح أن تُعقد في العاصمة الجزائر، على عهد الرئيس الهواري بومدين.

هذا الأخير كان بدوره سببا في أزمات دبلوماسية كبيرة بين المغرب والجزائر وصلت حد القطيعة سنة 1975، وكان مستاء بدوره من الشيخ زايد، لأنه كان أول زعيم عربي دعم فكرة «المسيرة الخضراء»، حتى أنه أرسل ابنه للمشاركة فيها باسمه، وممثلا لدولة الإمارات.

 

رجال الحسن الثاني الذين كانوا شهودا على علاقة ابن زايد بالمغرب

لا يمكن أن نتحدث اليوم عن علاقة الملك الراحل الحسن الثاني بالشيخ زايد، أو علاقة الملك محمد السادس بمحمد بن زايد، دون أن نثير سيرة رجال لعبوا دورا كبيرا في إرساء دعائم العلاقة الأخوية بين البلدين، والتي وصلت إلى قمتها في عز الأزمات التي عصفت بأنظمة عربية وإسلامية أو أثرت بشكل سيئ على أخرى.

أحد هؤلاء، الوزير أحمد العراقي، الذي كان وزيرا للخارجية ووزيرا أول في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.

كان أحمد العراقي، أحد أوائل مبعوثي الملك الراحل الحسن الثاني إلى دولة الإمارات، في عز الخلافات العربية بين الملك الحسن الثاني والعراق وسوريا، حيث كانت العلاقة بين الملك الحسن الثاني وصدام حسين وحافظ الأسد تخضع لمنطق المد والجزر وحسب سخونة الأحداث. لكن بالمقابل، استطاع سفراء الملك الحسن الثاني تقوية علاقته بالشيخ زايد، الذي كان يقيم اعتبارا كبيرا للملك الحسن الثاني ويسمع صوته في اللحظات الحرجة التي تأزمت فيها علاقات دول عربية كثيرة في ما بينها بسبب تداعيات الأحداث السياسية وصراع الأنظمة العربية.

وقبل أحمد العراقي، كان هناك عبد الهادي بوطالب، الذي كان يعرف الشيخ زايد جيدا من أيام المدرسة المولوية، حيث اطلع الشيخ زايد في واحدة من زياراته إلى المغرب نهاية الستينيات، على المدرسة المولوية وأعجب كثيرا بتاريخ المدرسة التي أسسها الملك الراحل محمد الخامس لكي يدرس بها الملك الحسن الثاني عندما كان وليا للعهد. وكان عبد الهادي بوطالب أحد مؤسسي تلك التجربة الفريدة إن لم تكن الأولى في العالم العربي والإسلامي، حيث تأسست المدرسة المولوية لتكون مدرسة حديثة لتكوين الملك المستقبلي للمغرب، في انفتاح على أساليب التدريس العصري العالمي، وحفاظا على التراث والموروث الإسلامي الذي يشكل أساس التربية.

وهكذا، أصبح عبد الهادي بوطالب، الذي كان خريجا لجامعة القرويين، ذا مكانة خاصة لدى الشيخ زايد، خصوصا وأنه نقل رسائل غاية في الحساسية من الملك الحسن الثاني إلى أبو ظبي، حيث كان يقيم الشيخ زايد، في عز الأزمات العربية، خصوصا بعد أزمة إمدادات النفط والصراع العربي الإسرائيلي وحرب الجولان، والانقلابات العسكرية.

بالإضافة إلى عبد الهادي بوطالب، كان امحمد بوستة، زعيم حزب الاستقلال بعد وفاة علال الفاسي سنة 1974، ووزير الخارجية لاحقا، قد تكلف بتمثيل الملك الحسن الثاني في مناسبات كثيرة، حضرها الشيخ زايد، كما أنه تكلف مرات كثيرة بمرافقة الشيخ زايد خلال الفترات التي حل فيها ضيفا على الملك الحسن الثاني خارج المحافل الرسمية، حيث كان من المعتاد وقتها أن يحل الشيخ زايد ضيفا على الملك الحسن الثاني، حيث كانت تقام على شرفه استقبالات ملكية في القصر الملكي، حضرتها شخصيات دولية ومغربية أيضا.

وفي المرحلة التي كان فيها محمد بن زايد، الرئيس الحالي للإمارات، تلميذا في المغرب يتابع دراسته الإعدادية، كان والده يتردد على الملك الحسن الثاني في زيارات غير رسمية للاطمئنان على المسار الدراسي لابنه، والحرص على ألا يكون هناك أي تدخل من الملك الحسن الثاني أو الوزراء المغاربة لكي يعاملوا ابنه معاملة تفضيلية دون بقية التلاميذ. وخلال تلك المرحلة، كان امحمد بوستة، يرافق الشيخ زايد في بعض تنقلاته داخل المغرب خلال الاستجمام أو عطل نهاية الأسبوع، حتى يكون حريصا على أن تكون إقامته في المغرب لائقة بحجم ضيف استثنائي يحظى بمكانة كبيرة لدى الملك الحسن الثاني.

 

عندما شارك محمد بن زايد في المسيرة الخضراء

في سنة 1975، وسنه لم يكن يتجاوز 14 سنة فقط، كان محمد بن زايد، الرئيس الحالي لدولة الإمارات العربية المتحدة، قد تعرف على ولي العهد وقتها الأمير سيدي محمد، حيث كان الشيخ زايد قد سجل إعجابه في إحدى زياراته إلى المغرب، بنموذج المدرسة المولوية التي كان ولي العهد الأمير سيدي محمد يتابع فيها دراسته، فأرسل ابنه محمد بن زايد لكي يصبح بدوره تلميذا في المغرب، بعد أن أنهى وقتها مرحلة الدراسة في مدينتي العين وأبو ظبي.

تزامن إذن وجود محمد بن زايد في المغرب مع انطلاق المسيرة الخضراء، واعتبر وقتها ممثلا لوالده الشيخ زايد، بحكم أن عددا من الدول العربية أرسلت من يمثلها في المسيرة الخضراء، من سفراء ودبلوماسيين وقناصلة وسياسيين أيضا. لكن الشيخ زايد كان الوحيد الذي أرسل ابنه ممثلا له ولبلده في المسيرة الخضراء، وهو ما اعتبر وقتها دليلا على عمق الصداقة التي كانت تجمع الملك الحسن الثاني والشيخ زايد.

وطبعا، كان وجود محمد بن زايد في وفد المسيرة الخضراء، حدثا استحق اهتمام الصحافة الدولية، حيث كتبت عنه وكالة الأنباء السويسرية، واهتمت بوجود الابن الثالث لمؤسس دولة الإمارات بين المشاركين، وهو ما لعب دورا كبيرا في الترويج للمسيرة الخضراء ومدى دقة تنظيمها.

في سنة 2004، أثير من جديد موضوع مشاركة محمد بن زايد في المسيرة الخضراء، عندما أصبح الرجل الثاني في الإمارات بعد إصابة أخيه الراحل بتداعيات صحية حالت بينه وبين مواصلة مهامه رئيسا للدولة. وقتها اهتمت الصحف الدولية، وعلى رأسها «نيويورك تايمز»، بالنبش في طفولة محمد بن زايد، الذي أصبح رسميا وليا للعهد في أبو ظبي، وتوقف المهتمون مليا عند قصة مشاركته في المسيرة الخضراء، ولو أنه لا تتوفر معطيات وافية في هذا الجانب، إلا أنهم تحدثوا عن مرحلة دراسة محمد بن زايد في المغرب، حيث أكدوا أن والده الراحل كان متمسكا باستصدار جواز سفر عادي لابنه حتى تتم معاملته بشكل عادي في المغرب عندما كان تلميذا هناك وعمره لا يتجاوز 14 عاما. وما يؤكد هذا المعطى أنه مباشرة بعد إنهاء مرحلة الدراسة في المغرب وجه الشيخ زايد ابنه محمد إلى التكوين العسكري في بريطانيا، وهو دليل على التكوين الصارم الذي اختاره الشيخ زايد لابنه، حيث تحدثت صحيفة «نيويورك تايمز» عن رغبة الشيخ زايد في أن يعتمد ابنه على نفسه خلال مرحلة دراسته، بل إنه لم يكن يرى أي مانع في أن يعمل ابنه مثل بقية الطلبة الأجانب حول العالم، لكي يؤمن مصاريف إقامته ويحتك بالطلبة من مختلف الخلفيات والثقافات، وهو ما أثر بشكل كبير على شخصية محمد بن زايد، الذي أصبح اليوم رئيسا للإمارات.

 

أقدم الاتفاقيات العسكرية والأمنية بين المغرب والإمارات..

عندما كان الشيخ زايد يحكم إمارة أبو ظبي، خلال ستينيات القرن الماضي، وقبل أن تتأسس دولة الإمارات وتتحد في ما بينها وتختاره رئيسا للدولة  في دجنبر سنة 1971، كان الشيخ زايد يحظى بعلاقة وطيدة مع أكثر من دولة عربية. لكن المغرب كان أول دولة عربية وإسلامية تدعم تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة الشيخ زايد، حيث كان الملك الحسن الثاني قد اقترح على الشيخ زايد في أكثر من مناسبة أن يساهم في تأسيس جيش الإمارات وقطاعاتها الأمنية اللازمة لتأسيس الدولة، وهو ما تم بالفعل. وقد حظي هذا التقارب باهتمام كبير من وسائل الإعلام الغربية، ومخابراتها أيضا. إذ كان مزعجا لبعض الأنظمة أن يكون هناك تقارب كبير بذلك المستوى بين حاكمين عربيين، وصل حد مساهمة الملك الحسن الثاني في تأسيس الحرس الرئاسي الإماراتي، وتخصيص نخب أمنية رفيعة المستوى، اعتبرت من خيرة خريجي المعاهد العسكرية والأمنية المغربية لتأسيس الإدارات الأمنية للإمارات المتحدة.

حتى أنه لم يعد من الغريب اليوم، رؤية شخصيات مغربية بلباس مغربي تقليدي، في محافل التنصيبات العسكرية والاحتفالات بالأعياد الوطنية الإماراتية في قلب القصر الرئاسي، كما أن الأمنيين المغاربة الذين عملوا في الإمارات خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ساهموا في تأسيس أجهزة الحراسة لحكام الإمارات المشكلة للاتحاد، كما أسسوا أيضا نواة الحرس الرئاسي الذي كان يرافق الشيخ زايد.

وفي التسعينيات أيضا، أرسل الملك الراحل الحسن الثاني نخبة خريجي تدريب أمني مكثف لخيرة الأطر المغربية في مجال حراسة ومرافقة الشخصيات، لكي يختار منهم الشيخ زايد حراسه الخاصين. وحسب مصادر إعلامية، فإن «هدية» الملك الحسن الثاني للشيخ زايد ظلت ترافقه إلى آخر أيام حياته، حيث كان حرسه الخاص يشرف عليه أمنيون مغاربة مدربون في أرقى المعاهد الأمنية.

محمد بن زايد، فتح عينيه في هذا الجو «الأخوي» بين الملك الحسن الثاني ووالده الشيخ زايد، وقد أشاد في مناسبات كثيرة، وهو ولي للعهد، بالعلاقات المغربية الإماراتية، خصوصا في مجال التعاون العسكري والأمني.

تجدر الإشارة أيضا إلى أن مسؤولي الجزائر وليبيا، أيام القذافي والهواري بومدين، خصوصا سنة 1972، كانوا قد عرضوا على الشيخ زايد، حسب ما تشير إليه وثائق «ويكيلكس» أن يعقدوا اتفاقيات للتعاون في المجال العسكري، لكن الشيخ زايد بقي وفيا للصداقة بينه وبين الملك الحسن الثاني، خصوصا وأن مخابرات الولايات المتحدة الأمريكية ومخابرات الاتحاد السوفياتي رصدت تحركات لكل من ليبيا والجزائر في تمويل صراعات في إفريقيا وتزويد المقاتلين بالسلاح لدعم انقلابات عسكرية. لذلك بقي التقارب بين المغرب والإمارات، والذي يعود إلى ما قبل العرض الجزائري الليبي، مزعجا، وعلى مدى سنوات طويلة جدا..

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى