كان خياطو وخياطات فاس متمكنين جدا من فنهم لدرجة صاروا لا يرون معها أن لدى مصممي الملابس الفاخرة، ومبتكري أزياء الصالونات الراقية، ما قد يحسدونهم عليه.
ورغم أن غالبيتهم لم يترددوا على المدرسة، إلا أنهم كانوا بارعين في الكتابة على الأقمشة. مما أهلهم بكل جدارة أن يطلعوننا مبكرا على كل ما يموج به عالم الموضة الغربية. يعزو البعض هذه الموهبة، وهذا الاقتدار، إلى كونهم قد استلهموا فنهم في وقت مبكر جدًا من الآخر، وذلك من خلال الاحتكاك بالأجانب الغربيين الذين استقروا في المدينة الجديدة لفاس إبان فترة الحماية. لكن في رأيي، تعود تلك العبقرية لقرون من قبل، إذ المؤكد أن تشرب فاس للتراث الثقافي الأندلسي قد كان أسبق إلى التأثير فيهم من هذا العامل المستجد.
حي الملاح يفقد سكانه
منذ استقلال البلاد، بدأ حي الملاح يفقد سكانه الأصليين الذين غادروه مفضلين الإقامة بالمدينة الجديدة، أو الهجرة إلى خارج البلاد باتجاه البقاع المختلفة للعالم. جرى تغيير السكن بالنسبة لليهود ولباقي سكان المدينة العتيقة من المسلمين، في وقت متزامن، مما جعل الفئتان تعاودان العيش مرة أخرى جنبا إلى جنب بالمدينة الجديدة. إذ هكذا هي فاس، منذ البدء، كانت تحتضن ضيوفها بترحاب كبير وذراعين مفتوحين، دونما تمييز ديني أو اضطهاد بسبب العقيدة. فباستثناء المدارس والمعابد الدينية التي لها وضع خاص، كان سكان فاس مندمجين فيما بينهم، ويتقاسمون أطوار حياتهم اليومية معا (الجورة، التبادل التجاري، الأطباء والمستشفيات، الأفراح…إلخ).
لم يكن هناك ما يحول بين الرجال اليهود التقليديين، وبين وضع قبعتهم السوداء الصغيرة «لاكيبا»، أو طربوشهم المميز على رؤوسهم. ولم يكن المسلمون في المقابل يتهيبون التجول بالطربوش الفاسي الأحمر الخاص بهم. لكنهم كانوا جميعا، يهودا ومسلمين، يلبسون الجلابة نفسها كقاسم مشترك بينهم. علاوة على ذلك، لازالت بعض العائلات الفاسية العريقة تحمل نفس الأسماء التي كانت خاصة باليهود، وهذه ظاهرة تجد تفسيرها في إسلام العديد من العائلات اليهودية على مر التاريخ. وتفضيلهم الاحتفاظ في نفس الآن بالهوية.
كان الحاخامات يرتدون ملابس خاصة بهم كدلالة على السلطة الدينية التي يتمتعون بها، وكانوا يمارسون شعائرهم الدينية في حرية تامة. كما كانت لليهود دور العبادة الخاصة، بهم وهي عبارة عن بيع مزينة ومزخرفة بشكل رائع يخولها مظهرا فريدا من نوعه.
بدافع الفضول، كنت أذهب أحيانًا إلى داخل دور العبادة تلك، خارج أوقات الصلاة، لإلقاء نظرة عليها. كنت أتشجع على فعل ذلك، طالما أن الولوج إليها كان حرا لا تحده أية حواجز أو قيود من أي نوع…
كنا جميعًا، يهودا ومسلمين، على قناعة بأننا نصلي لنفس الرب، ومن ثمة أسست هذه القناعة للاحترام المتبادل وللتعايش المستدام فيما بيننا على قاعدة الالتزام بفضيلة التسامح وتقديس الحق في الاختلاف. كانت ملابسنا التقليدية ومجوهراتنا متشابهة جدًا، غير أنه يتعين علي من باب الإنصاف، أن أعترف بأن اليهود كانوا قد تألقوا تألقا مبهرا في جميع مهن الصياغة والحياكة.
بسبب هذا التميز الذي كان يشهد لهم به الجميع، ولأسباب أخرى إضافية، كان القصر الملكي يلجأ مرارا إلى طلب خدماتهم.
وبحكم إتقانهم لمهنة صياغة الحلي هاته، فقد تم تخصيص حي تجاري بأكمله لهم، لكي يتحفوا زبناءهم بعرض واسع من المجوهرات ذات الأشكال المختلفة والأحجام المتنوعة من البسيطة والصغيرة إلى الحلي الكبيرة الفاخرة جدا.
في صباح يوم كل سبت، لم يكن الرجال، ولا النساء، ولا حتى الأطفال، يفوتون الفرصة وبأعداد كبيرة، ليذرعوا الشارع الكبير مرتدين ملابسهم العصرية الجميلة المطابقة للموضة السائدة استعراضا وإبرازا منهم لأناقتهم اللافتة.
كان مكانهم المفضل الذي يختارونه عموما هو الضفة اليمنى لشارع محمد الخامس، التي يأمون إليها كي يلتقوا في ما بينهم في أجواء تخيم عليها السعادة والفرح.
كان اليهود ينفردون بعادات وتقاليد أخرى خاصة بهم، كانوا يمتنعون مثلا عن مشاركتنا في وجباتنا، لكن ذلك لم يكن ليمنعنا نحن من احترام خياراتهم وطقوسهم. فكلما كانوا يحلون ضيوفا عندنا، أو كان حرفيوهم يأتون لقضاء يوم بأكمله في منزلنا لحياكة أفرشتنا أو ستائرنا أو ملابسنا، إلا وكانت أمي، التي تعلم عادتهم تلك، تخصص لهم أواني جديدة لتسخين وطهي وجباتهم الغذائية وطبخ مشروباتهم من الشاي والقهوة.
كم كنا سعداء عندما قدموا لنا بدورهم الخبز الخالي من الخميرة ومعه معجنات فاخرة وجميلة الصنعة، لدرجة أننا كنا نحسبها من فرط إتقانها قطعا فنية.
بعد انتقالنا للإقامة بالمدينة الجديدة، اكتشفت أن كل جيراننا من اليهود يتمتعون بمستوى اجتماعي مريح للغاية، وأن أغلب المهن التي يزاولونها مرتبطة بقطاع الخدمات: رجال أعمال، تجار، وأطباء…إلخ.
زمن صناعة كل شيء باليد
كان للخياطات اللواتي نتعامل معهن، قاعات استقبال فسيحة وعملية، صممت أساسا كفضاء يجعلنا، ونحن ننتظر دورنا، نتبادل الأفكار، ونتعارف مع الآخرين. كنا نولي اهتمامًا كبيرًا لهيئتنا، وللهندام الذي نقدم به أنفسنا للناس خلال مثل تلك اللقاءات، كان بوسعنا أن نتردد عليهن طيلة أيام كل أسبوع باستثناء ما بعد ظهيرة يومي الجمعة والسبت. كانت تلك المواعيد المخصصة لقياس الملابس التي هي في طور الإعداد مثيرة جدا لأنها تركز على تفاصيل وتضاريس جسدنا، وبالتالي كانت تشكل إلى حد ما نوعا من التحفيز لنا كي نولي هذا الجسد العناية اللازمة التي يستحقها منا.
ونظرًا لأن آباءنا كانوا يتكفلون بنفقاتنا، فإننا لم نكن لنهتم كثيرًا بتكلفة تلك الملابس، لكن كان مطلوبا منا أن نهتم على الدوام بالحفاظ على أناقتنا بشكل كامل، حتى لا نتعرض لتوبيخ وتقريع الوالدين. ثم إنه في كثير من الأحيان، كانت تكتب لملابسنا حياة جديدة، داخل عائلة أخرى، أو على أبدان أفراد في الأسرة أصغر منا سنًا.
لم يسبق لأبي يوما أن رفض أداء فاتورة قدمتها له الوالدة. لقد كانت له ثقة مطلقة بها وباختياراتها. كان الاطلاع على مجلات الموضة، التي وضعتها الخياطات رهن إشارة الزبناء والعملاء، يقدح رغباتنا ويصعدها. بل ويغرينا أيما إغراء للسعي إلى الحصول على أكثر من صرعة واحدة للموضة. كانت الأقمشة الموجودة في السوق، عالية الجودة، وقمينة بحياكة نماذج مماثلة لتلك المنشورة في المجلات، كما كانت اللمسات السحرية لخياطينا على هاته الأقمشة، تبلغ من الإتقان ما يجعل أزياءنا، ودون أي مبالغة، تحاكي في جمالها وإتقانها أزياء أرقى دور الموضة بباريس.
لقد سبق لعماتي، اللواتي سبقننا إلى ارتداء أزياء هذه الصالونات الراقية بحكم عيشهن في الخارج، أن أصدرن بتجرد تام هذا الحكم لصالح لخياطاتنا. لذا أستطيع أن أقول بكل فخر إن معظم الفتيات من جيلي، بل وحتى من الجيل الذي سبقنا، قد ذقن بطريقتهن الخاصة طعم الموضة.
علاوة على ذلك، كانت قاعات الانتظار لدى خياطاتنا، من مثل السيدة ماير أو السيدة مرسيدس، أو غيرهما من الخياطات الماهرات، مملوءة عن آخرها لطول الوقت بالزبونات.
بمرور الأيام والسنين، وبشكل تدريجي ومتصاعد، ودون أن ننتبه لذلك، ستبسط الموضة سلطانها على الشباب، لتزج بهم رويدا رويدا في نفق نزعة استهلاكية واضحة. كان هذا المد قويا وجارفا، لدرجة لم يعد معها الآباء بالقادرين على المواجهة والممانعة. هكذا صارت الأسر تتغير وتستسلم لنزوات وهوى أطفالها. إذ كان يتعين على هؤلاء الأطفال فقط أن يصروا ويثبتوا ويتمسكوا بمطالبهم إلى آخر نفس ليحصلوا على ما يريدون.
كنا نشعر دائما بالرضا عن النفس أمام خياطاتنا، لأننا لم نكن نعاني معهن أبدا من أي ضغط للوقت مثلما يقع اليوم.
في مرحلة المراهقة، كانت بعض الفتيات الصغيرات، بما في ذلك أنا وأختي، يحببن ارتداء الفساتين الجميلة للذهاب إلى الإعدادية، أو للتجول في شارع محمد الخامس. كان هؤلاء الفتيات يبحثن في الحقيقة عن إظهار جمالهن وهن يرفلن في أزيائهن الجميلة، للآخرين، والتحديق فيما يرتديه هؤلاء الآخرون بطبيعة الحال.
كانت حصص نادي السينما في سينما الريكس بالمدينة الجديدة بفاس، والمسرحيات التي تعرض بسينما أمبير، مناسبات سانحة، ليس فقط للقاءات فكرية وثقافية قيمة، ولكن أيضا لإبراز أناقة المظهر من خلال ارتداء الملابس بشكل جميل وأنيق.
لقد انجذبنا وانبهرنا بعالم الموضة، الذي غذى مخيلاتنا بالأحلام الوردية، ونحن بعد صغار. فأنا مثلا تعلمت منذ نعومة أظافري، كيف أتعرف على نوعية الأنسجة والأقمشة، وكيف أفاضل بين المواد والأنواع والألوان. أتذكر الآن كيف كان يخلق لدي لمس الأقمشة الحريرية انبهارا لا أبلغ أن أصفه…، انبهارا، لا زال يخامرني إلى اليوم بمجرد رؤيتها.
أصل خيوط الحرير
لجأت بعض العائلات سواء المسلمة منها أو اليهودية، إلى استيراد الحرير في البداية من مدينة ليون الفرنسية، حتى يكون متاحا بكميات وفيرة لمختلف الحرفيين من الرجال والنساء، خصوصا وأن الطرازات والحياكات كن شديدات الطلب عليه، وذلك على الرغم من أن البعض منهن كن في الحقيقة يكتفين من هذا الطلب بتحويل خيوط الحرير إلى لفائف.
كانت النساء، مسلمات أو يهوديات، يمارسن حرفهن في المنزل. وكان النساجون بكل من المدينة العتيقة والملاح مأخوذين بتلك السلعة النبيلة، التي كانوا يستنبطون أو يستخرجون منها أقمشة للملابس التقليدية، وحتى ديباجا لقفاطين أو فساتين السيدات. لذلك كانت هناك أنواع كثيرة من المهن الخاصة مرتبطة بصناعة النسيج أنتجها هذا الارتفاع الكبير في الطلب.
كان جزء من هذا الحرير يتم تحويله إلى خطوط تزين الأزياء التقليدية. فالحرفيون لم يكونوا ماهرين فقط في صناعة تلك الخطوط، وإنما كانوا بارعين أيضًا في صنع الأحزمة والنعال والأحذية. كان فن التطريز الفاسي الذي ذاع صيته في الآفاق، وكذلك صناعة تلك الأقمشة التي تستعمل كأغطية للأفرشة المؤثثة لصالونات البيوت المغربية، يستهلكان بدورهما نصيبا مهما من مادة الحرير المستوردة.
لا يمكن أن ننسى أيضا كيف ساهم يهود صفرو بشكل كبير في تطوير القفاطين بفضل العقد أو تلك الأزرار المضفرة التي تمكنوا من ابتكارها.
انجذبت بشدة في طفولتي المبكرة إلى خيوط الحرير وإلى ألوانه، لذلك سعيت إلى أن أعرف كل شيء عنه. لكن والدي هو من أشبع في النهاية نهمي المعرفي بخصوص هذه المادة الثمينة بحكم أنه اكتسب الكثير من الخبرة فيها عن طريق التجارة.
سيذهب والدي إذن إلى حد شراء بعض دود القز لي، لكي أشاهد كيف تتخلق الشرانق التي يُستخرج منها هذا الخيط الرائع، ولكي أستخلص لي عبر ذلك دروسا في الملاحظة والصبر وفي حب هذه الكائنات الصغيرة والتعلق بها.
برغم هذه الدروس التطبيقية، كانت خيبة أملي كبيرة جدا، لأنني كنت قد اعتنيت كثيرا بتلك الحشرات حتى بلغت بها مرحلة الشرنقة النهائية، دون أن أستطيع مع كل ذلك المجهود، الحصول على الخيوط التي كنت راغبة فيها. هكذا سأقرر أن أدفن بداخلي ذاك الفضول آملة أن تسمح لي الظروف في المستقبل بزيارة البلد الذي يصدر هذه المادة السحرية.
لحسن الحظ أن هذا الحلم الذي داعب مخيلتي سيتحقق، ولو أن ذلك تم بعد سنوات طوال: لقد شاهدت بشكل مباشر جميع مراحل الغزل التي تسبق الحصول على الحرير، ورأيت بأم عيني كيفية التخلص من الشرانق عبر غمرها في حمام من الماء الساخن للتمكن من سحب خيوط الحرير منها. كانت هذه الشرانق لا تلبث أن تلين بعد تبليلها بالماء، ليتم تحريكها بعد ذلك بفرشاة صغيرة تقوم بتحرير الخيوط، ثم يجري ربطها بإطار الغزل ليُعمَدَ بعد ذلك إلى لفها على آلة الحياكة. لا تزال حرفة غزل الحرير مستمرة في العديد من الدول الآسيوية كتركيا وتايلاند، وإندونيسيا، وماليزيا، وعلى رأس كل هذه الدول جميعها دولة الصين، ومما لا شك فيه، أن هذه الثروة الطبيعية هي من كانت وراء اشتقاق تسمية طريق الحرير الشهير المعروف لدى المؤرخين.
وبحكم ترددي على عالم الأزياء الراقية، ولكون أناقة النساء كانت دوما تتصدر مقدمة اهتمامات العالم، فقد تعلمت أن أحب الابتكارات التي تهم الأقمشة الجميلة وتحويلاتها بالإضافة إلى فن التزاوج بين الألوان.
اليهود ومستجدات الموضة
كان التجار اليهود في المدينة الجديدة، أو في قيسارية القطانين، يجدون كل الجد في تلبية طلبات زبائنهم وإرضائهم. وكانت الدار البيضاء، كما فاس، ومكناس قبلة الباحثين عن مستجدات الموضة.
كان بإمكاني أن أصير خياطة نظرا لولعي الكبير بالقصات الجميلة والموديلات المتفردة، لكن شغفي بالدراسة، كان أكبر من ذاك الولع. كنت غالبا ما أكتفي بالتنويه والثناء اللذين كنت أتلقاهما من صديقاتي ومعلماتي، تعبيرا وإعجابا منهن بالموديلات التي أقوم بتصميمها بالتعاون مع خياطاتي اليهوديات، اللواتي كن بالمناسبة يستمعن إلينا دائما، ويقدمن لنا أفضل النصائح في نفس الآن.
لطالما سحرني التطريز بالإبرة، وقد كان محتملا جدا أن أدمن ممارسة هذا الفن، أو اتخذه مهنة لي، لكني كنت بطيئة جدا خلال حصص الخياطة في المدرسة، وكنت بالخصوص غير منضبطة بالمرة مقارنة بالتلميذات الأخريات.
كانت قطع القماش تتحول إلى محض خرق ممزقة بين يدي الصغيرتين النحيلتين. وهو ما كان قد سبب لي عقدة نفسية آنذاك.
في الواقع، كان ذلك التعثر يعزى لكوني كنت الأصغر سنا في الفصل الدراسي، وذلك بسبب ولوجي إلى المدرسة في نفس العام الذي دخلت فيه إليها أختي البكر عائشة، مما كان طبيعيا معه أن لا تكون لدي تلك المهارة المطلوبة التي تيسرت لباقي زميلاتي. عشية الاستقلال، كان عدد التلاميذ بالمدارس قليلا، لذلك كنا ندرس في الفصل جنبا إلى جنب مع تلاميذ من مختلف الأعمار.
خلال دروس الخياطة، كنت ألاحظ أن التلميذات الأخريات كن بارعات جدا، ومتفوقات جدا، كان الفضل في ذلك يرد لأمهاتهن اللواتي كن قد بدأن بتلقينهن مبادئ هذه الحرفة في المنزل قبل الانتساب للمدرسة. لذلك كن مدربات وحاذقات، وكن ينجزن أعمالهن الصغيرة في رمشة عين داخل الفصل. وبحكم أنني كنت متخلفًة عن الركب، وغير قادرة على إدخال خيط في سم إبرة، فإني سرعان ما كنت أفشل وأشعر بالخيبة والإحباط.
حاولت جاهدة تخطي إخفاقي الذريع هذا في الخياطة، لكنه لازمني لفترة طويلة. وإن أنسى، فأنا لا أنسى أبدا تلك الواقعة التي طبعت أحداثها ذاكرتي عند امتحان نيل شهادة المدرسة الابتدائية:
كانت المرشحة الجالسة بجواري قد فرغت بسرعة من خياطة قطعة القماش التي بين يديها، ولاحظت أني لا أجيد استعمال كلتا يدي، وقدرت أنني سأحصل لا محالة على نقطة الصفر في الخياطة، مما سيؤدي بي لا محالة للرسوب. لازلت أتذكر إلى الآن كيف تعاطفت معي تلك التلميذة الشهمة، وكيف انقضت على قطعة القماش الصغيرة الخاصة بي، وكيف نفذت الغرز المطلوبة بسرعة مذهلة. لقد تضامنت معي تلك الزميلة، على طراوة عودها، وتمكنت من إنقاذي من ورطتي في اللحظات الأخيرة. الواضح أن ما فعلته معي كان غشا سافرا، لكنه ربما قد كان غشا من النوع الحلال!.
لسوء الحظ، لم تتح لي الفرصة أبدًا لرؤية تلك الفتاة الصغيرة مرة أخرى، لكي أتمكن من تقديم الشكر لها.