هكذا استفادت دولي دول عائلة برادة وريشبوند عائلة التازي من ملايير دار الصانع
حسن أنفلوس
في الوقت الذي أخفقت فيه مؤسسة دار الصانع في تحقيق الأهداف المسطرة لتأهيل الصناعة التقليدية في مختلف فروعها، وفق رؤية 2015، أجزلت المؤسسة العطاء لشركات فاعلة في الصناعة التقليدية، بشكل سخي، يصل في مجمله إلى 80 في المائة من قيمة تحملات هذه الشركات.
عطاء المؤسسة التي يديرها عبد الله العدناني، لفائدة شركات الصناعة التقليدية، خاصة العملاقة منها والتي تستحوذ على حصص كبيرة في السوق المغربي، كشركة «دولي دول» الفاعلة في الأثاث التابعة لمجموعة برادة «بالموري ديفلوبمنت» سابقا، و«ريشبوند» لصاحبها كريم التازي، وأرتكو الفاعلة في الأثاث والزرابي لمديريها عز الدين كرافصي والبرنوصي فؤاد.
الدعم المالي العمومي الذي تستفيد منه شركات الصناعة التقليدية، يهدف في النهاية إلى الرقي بالصناعة التقليدية وتحقيق مردودية مشرفة للصناعة التقليدية المغربية سواء على مستوى الانتاج أو التصدير، غير أن الواقع هو أن أموال الدعم العمومي تذهب نحو حسابات هذه الشركات، دون تحقيق الأهداف المسطرة. ولعل التقارير المنشورة في هذا الباب، سواء تقرير المجلس الأعلى للحسابات أو تقارير المؤشرات الاستراتيجية التي تنشرها وزارة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، تؤكد الفشل الذي تتخبط فيه المؤسسات العمومية في تحقيق أهداف القطاع، وبالرغم من ذلك تستمر في دعم مقاولات لا تحقق أية تنمية سوى تنمية حساباتها المالية، في وقت تعرف فيه الصناعة التقليدية تدهورا مستمرا على عدة مستويات، وفق ما تعززه الأرقام المتوفرة.
«دولي دول» تستفيد لوحدها من 150 مليونا
إسوة بعدد من مقاولات الصناعة التقليدية، استفادت شركة دولي دول التابعة لمجموعة «برادة» (مجموعة بالموري ديفلوبمنت سابقا)، من دعم مالي من قبل مؤسسة دار الصانع بلغت قيمته 1.5 مليون درهم (150 مليون سنتيم) موزعة على ثلاث سنوات ما بين 2009 و2011، هذا في الوقت الذي تنتظر فيه الشركة من مؤسسة دار الصانع أن تفرج عن الدعم الخاص بالسنوات السابقة ابتداء من سنة 2012، حيث لم تتسلم دولي دول أي دعم من «دار الصانع» منذ هذه السنة فما فوق، علما أنها وضعت ملفا كاملا خاصا بالدعم.
ومن بين المقاولات التي تتلقى الدعم من قبل مؤسسة دار الصانع، توجد مقاولة «أرتكو» التي يديرها عز الدين كرافصي وفؤاد البرنوصي، والتي تم اختيارها كفاعل مرجعي في قطاع الصناعة التقليدية، المقاولة أنشئت في سنة 1990، تنشط في صناعة النسيج وصناعة الزرابي. وتتوفر على مكاتب لها بكل من الدار البيضاء والرباط ومراكش، بالإضافة إلى مدينة سلا حيث يتواجد مقرها الرئيسي. وتتعامل الشركة مع مجموعة من الزبناء المهمين، كمجموعة من الفنادق المصنفة، ومؤسسات عمومية وخاصة، وكذا بعض السفارات، تستفيد هي الأخرى من الدعم السخي لمؤسسة دار الصانع.
شركة أخرى تستفيد من دعم مؤسسة دار الصانع، ويتعلق الأمر بمجموعة «ريشبوند» التي يديرها كريم التازي بمعية أخية ناصر، التي تنشط بالإضافة إلى الأثاث، في مجموعة من القطاعات كالزيوت والأكسوارات، والعقار، وقطاعات خدماتية أخرى. ويصل رقم المعاملات السنوي لـ «ريشبوند» إلى 1.5 ملايير درهم.
وبالرغم من الدعم السخي الذي تمنحه مؤسسة دار الصانع لفائدة العديد من المقاولات والشركات، من بينها الشركات المذكورة، فإن أثر ذلك على واقع الصناعة التقليدية وتشجيعها بقي محدودا، بل ومنعدما في الكثير من الأحيان، ذلك أن التقارير التي وقفت عند واقع الصناعة التقليدية، ودور المؤسسات المشرفة عليها، ما زال يعيش وضعية شرود تام، في غياب آليات التتبع التي من المفروض أن تقوم بها المؤسسة المانحة للدعم، والوزارة الوصية على القطاع.
صادرات القطاع في تراجع
إذا كان العقد البرنامج «2006 – 2015» المسمى «رؤية 2015»، والذي يهدف إلى تنمية قطاع الصناعة التقليدية، قد وضع مجموعة من الأهداف منذ إطلاقه تحت إشراف الملك محمد السادس، فإن الوزارة الوصية ودار الصانع الذي يشتغل تحت وصايتها، وكذا الشركات المستفيدة من الأموال العمومية، لم تتمكن من تحقيق الأهداف المرجوة، بل إن الأرقام التي كشف عنها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، تؤكد أن القطاع في تراجع، سيما عند التصدير، الأمر ذاته تعززه المؤشرات الاستراتيجية الخاصة بسنة 2013، والذي نشرته الوزارة المعنية. وهكذا فقد سجل رقم معاملات صادرات منتوجات الصناعة التقليدية انخفاضا بلغت نسبته 0.8 في المائة بين سنتي 2012 و 2013، إذ سجل في سنة 2012 نحو 366 مليون و535 ألف درهم، ليتراجع في سنة 2013 إلى 363 مليونا و581 ألف درهم، وهو ما يعني تراجع معاملات منتجات الصناعة التقليدية عند التصدير بنحو 3 ملايين درهم في سنة واحدة.
وإذا كان رقم معاملات منتجات الزرابي التي تدخل ضمن الصناعة التقليدية ذات الحمولة الثقافية القوية، قد سجل ما بين سنة 2012 و2013 تطورا بنسبة 7.6 في المائة، فإن المنتجات الأخرى خاصة المرتبطة بمجال اشتغال الشركات المذكورة، قد سجلت انخفاضا في أرقام معاملاتها، وعلى سبيل المثال فإن المصنوعات الجلدية عرفت انخفاضا كبيرا بلغت نسبته 11.1 في المائة، لينتقل رقم المعاملات من 30 مليونا و964 ألف درهم في سنة 2012 إلى 27 مليونا و537 ألف درهم في سنة 2013. ونفس الأمر بالنسبة إلى الأغطية التي انخفض رقم معاملاتها بنسبة وصلت إلى 10.2 في المائة، منتقلا من 16 مليونا و123 ألف درهم في سنة 2012، إلى 14 مليونا و480 ألف درهم في سنة 2013.
فشل ذريع لرؤية 2015
وضعية التراجع الذي عرفه قطاع الصناعة التقليدية، ولا زال مستمرا، رصدها تقرير المجلس الأعلى للحسابات في الشق المتعلق بافتحاصه لمهام «دار الصانع» المؤسسة الموكول إليها تطوير القطاع تحت إشراف وزارة الطبيبة الوزيرة، فاطمة مروان.
ووقف التقرير المذكور على مشاركة «دار الصانع» في أنشطة التسويق والانعاش بالخارج، خاصة في الصالونات والمعارض التجارية بالخارج، والتي تدحل بالمناسبة ضمن الأمور التي تدعم فيها دار الصانع المقاولات التي تشارك في المعارض، حيث أوضح أن أنشطة مؤسسة دار الصانع، لم يكن لها أثر كبير في تنشيط صادرات الصناعة التقليدية، بالرغم من الارتفاع الملحوظ لكلفة الأنشطة بحوالي أربع مرات في طرف ست سنوات دون تحقيق النتائج المسطرة، بحيث انتقلت الكلفة من 8.53 مليون في سنة 2007 إلى 37.18 مليون درهم في سنة 2012.
والغريب في الأمر أنه في الوقت الذي تصرف فيه مؤسسة دار الصانع المال العمومي ذات اليمين وذات الشمال على أنشطتها، انخفض رقم معاملات التصدير، بنسبة كبيرة بلغت 37 في المائة خلال الفترة المذكورة. تقرير مجلس جطو رصد أيضا، وفي إطار رؤية 2015، أن إنجازات دار الصانع كانت دون مستوى الانتظارات، خاصة على مستوى الصادرات، بحيث سجلت انخفاضا قياسيا بلغ 55 في المائة في ظرف 7 سنوات. ولم تبلغ الانجازات سوى 5 في المائة خلال الفترة ما بين 2005 و2011 من الأهداف المسطرة لسنة 2015، ما يعني أن إنجازات المؤسسة بعيدة بنسبة 95 في المائة من تحقيق رؤية 2015، وهي على بعد أربع سنوات من إتمام السنة التي يجب أن تبلغ فيها 100 في المائة من الأهداف.
أموال سخية من دار الصانع
لم تتردد مؤسسة دار الصانع في منح دعم مالي سخي لفائدة مقاولات وجمعيات فاعلة في قطاع الصناعة التقليدية تحت مسمى تشجيع الصناعة التقليدية والترويج لها. زد على ذلك الدعم والمواكبة اللذين تقدمانه المؤسسة للمقاولات في المعارض الوطنية والدولية. الاختلالات التي رصدها تقرير المجلس الأعلى للحسابات في هذا الجانب كثيرة، إذ وقف التقرير عند الارتفاع الصاروخي لحجم الدعم والإعانات الذي تمنحه المؤسسة، دون أن تكون له انعكاسات واضحة. بحيث انتقلت قيمة المنح التي أفرجت عنها المؤسسة في عملية الاستشهار من 1.10 مليون درهم في سنة 2008، إلى 6.39 ملايين درهم في سنة 2012، أي ما يعني أن قيمة المنح تضاعفت ست مرات في غضون خمس سنوات، وهو ما يعادل ارتفاعا يفوق 480 في المائة. وفي هذا الباب سجل التقرير المذكور، غياب مؤشرات تتيح الوقوف على انعكاسات العمليات الاستشهارية على صورة الصناعة التقليدية ودار الصانع، وأخطر من ذلك أن التقرير أورد أنه لا وجود للشفافية في توزيع ومنح هذه الإعانات. وبالإضافة إلى التبذير الواضح للأموال العمومية من قبل مؤسسة دار الصانع، وفق تقرير المجلس الأعلى للحسابات، فإن أهداف العقد البرنامج «رؤية 2015» تبقى مستبعدة بالنظر إلى بطء وتيرة التقدم التي وقف عليها تقرير مجلس جطو، إذ كان عقد البرنامج يهدف إلى بروز ما بين 15 و20 فاعلا مرجعيا يقودون قاطرة قطاع الصناعة التقليدية، غير أن ذلك لم يتم تحقيقه. والفاعل المرجعي هو مقاولة مهيكلة في الصناعة التقليدية، تتوفر على مؤهلات عالية للتنمية، بحيث تمكنها من تحقيق رقم معاملات يتراوح ما بين 100 و200 مليون درهم في غضون 10 سنوات.
«دولي دول»: تلقينا دعما بـ 150 مليون درهم وننتظر الإفراج عن الدعم المستحق منذ 2012
أكدت شركة «دولي دول» أنها تلقت دعما من مؤسسة دار الصانع بقيمة 150 مليون سنتيم خلال السنوات ما بين 2009 و2011، مضيفة في أجوبتها على أسئلة «الأخبار» أن حجم المصاريف المخصصة للمنتجات المصنعة تقليديا من طرف الشركة أقل بكثير من المصاريف التي تخصصها المجموعة لمنتجاتها الأخرى.
وأوضحت أن حجم الدعم الذي تقدمه مؤسسة دار الصانع هو نسبة 80 في المائة من مجموع التحملات التي تصرف في التطوير والتعريف بالمنتجات المصنعة تقليديا، مشيرة إلى أن ما يسري عليها يسري على جميع الشركات المنخرطة في الشراكة الموقعة بين فيدرالية مقاولات الصناعة التقليدية ومؤسسة دار الصانع.
من جانب آخر، قالت الشركة في أجوبتها إنها لم تتسلم أي دعم من المؤسسة منذ 2012 بالرغم من وضعها بيانات الحسابات التي صرفتها في المواد المستعملة في منتجات الصناعة التقليدية التي تنتجها. وأرجعت الشركة تأخر تلقي الدعم الخاص إلى بطء في المسطرة المتبعة وما يتطلبه التدقيق في البيانات الموضوعة ضمن ملف طلب تمويل الدعم والنهوض بالمنتجات التقليدية من إبداع وإشهار وتوزيع. وضمن الأهداف التي سطرتها الشركة بخصوص الصناعة التقليدية، تطوير المنتجات وجعلها تستجيب لمتطلبات الزبناء على الصعيد المحلي والدولي، وكذا البحث عن أسواق جديدة للتعريف بالمنتجات التقليدية. وتقول الشركة إن معدل تحقيق الأهداف المسطرة من قبل «دولي دول» في مجال الصناعة التقليدية تبقى نسبة مشرفة بالمقارنة مع السنوات السابقة مع مسايرة كل ما تتطلبه السوق الداخلية والخارجية من منتجات مبتكرة في ميدان الصناعة التقليدية.
خارج التغطية
لأكثر من 15 يوما حاولت «الأخبار» ربط الاتصال بمؤسسة دار الصانع سواء عبر الهاتف، أو عبر الفاكس، للحصول على معلومات تتعلق باتفاقية الشراكة الموقعة مع المؤسسة ومدى فعالية تنزيلها وتتبعها، وكذا معايير صرف الدعم وقيمته والشركات المستفيدة، خاصة أن المعطيات تتعلق بشأن عام وأموال عمومية، غير أن مسؤولي المؤسسة على ما يبدو، خارج التغطية، ففي كل مرة، يحيلك مسؤول على مسؤول آخر. أكثر من هذا أن الوزارة نفسها تعيش على نفس الايقاع، حتى إن الوزيرة، فاطمة مروان حين الاتصال بها، وعدت بالاتصال بالقسم المعني بالموضوع، غير أن شيئا من ذلك لم يكن. أما مؤسسة دار الصانع التي تتخبط في مشاكل التدبير التي لا تنتهي، فإنها لم تجد من طريقة غير التماطل لأكثر من 15 يوما دون جواب.