هكذا اتُهم المتظاهرون ضد الفساد في شوارع الجزائر بالعمالة للأمن المغربي
يونس جنوحي
بعد مقتل بوضياف في نهاية يونيو 1992، تحولت الجزائر إلى دولة بوليسية أكثر من السابق.
كان التجسس على الجميع شعار الجنرالات. تم توظيف مُخبرين جدد، رُفعت تقارير إضافية عن كل التحركات للتدقيق فيها. كان الجنرالات يُحسون أن الدولة قد تُخطف منهم في أية لحظة لذلك حرصوا على أن يبقوا في حالة تأهب قصوى حولت البلاد إلى «بالون» من الاحتقان.
مخبرون في كل مكان
يقول هشام عبود: «داخل أجهزة الأمن العسكرية أو التابعة للشرطة، كان أول ما يتم تعليم المخبرين القيام به، جمع المعلومات عن تحركات كل مواطن يتم الاشتباه فيه، مهما كانت مكانته الاجتماعية (..) في أيامنا هذه، بمجرد ما أن يقوم شخص بانتقاد السلطة في الجزائر، يُطرح السؤال أولا ما إن كان يستيقظ لصلاة الفجر. وما إن كان مسلما ممارسا لتعاليم الدين، ولا حاجة للذهاب بعيدا في البحث».
أي أن مجرد ممارسة الشعائر الدينية في الجزائر كان سببا كافيا لكي تعتقل الأجهزة السرية الشخص المعني بالبحث، والتحقيق معه وتعذيبه وجر آخرين يعرفونه إلى التحقيق بحثا عن أية صلة له بالإرهاب.
كان الشارع الجزائري يغلي جراء تلك السياسة العمياء التي مارسها الجنرالات بكثير من الشطط. إلى درجة أن الشباب الجزائري، خصوصا الجامعيين، كانوا يفرون إلى المغرب ليس بحثا عن فرص اقتصادية أفضل، ولكن فقط هروبا من المخبرين السريين الجزائريين الذين كانوا يُحصون أنفاسهم فقط لأنهم يُظهرون التزامهم الديني داخل الحرم الجامعي وخارجه.
استمر هذا الوضع داخل الجزائر إلى نهاية سنة 2000. فقد كان مجيء عبد العزيز بوتفليقة، كما يقول هشام عبود، أحد الأسباب التي جعلت مجموعات من الشباب يثقون في الشعارات التي رفعتها الدولة الجزائرية، في إطار طي صفحة الاغتيالات والاعتقالات الجماعية، ويرفعون شكايات ضد الجنرال نزار.
جنرال غاضب
غضب الجنرال نزار من تلك الشكوى التي رفعها ضده شبان جزائريون اتهموه بالتضييق والتورط في جرائم اختفاء وتعذيب زملائهم في الجامعات منذ 1992. والشكاية رُفعت في أبريل 2000.
فماذا كان رد الجنرال؟ اتهمهم بدوره خلال تصريح لصحيفة Liberté بالعمالة للأجهزة الأمنية المغربية والتونسية والتركية وأيضا السعودية.
لكن الجنرال نزار لم يشر بأصبع الاتهام إلى الأجهزة الأمنية الفرنسية، فقد كان يحتاج إلى دعمها في حال تحتم عليه مغادرة الجزائر سرا في أية لحظة في حال قام تمرد مفاجئ ضده داخل البلاد. كل شيء وارد. فالضغط الذي مارسه على الجزائريين لن يولد سوى الانفجار.
تكميم الأفواه
يقول هشام عبود إن سياسة تكميم الأفواه أصبحت أكثر عنفا منذ سنة 1982 على خلفية ما عرف وقتها بأحداث سطيف. إذ كانت الاعتقالات التي باشرها الجنرالات، وكان وقتها الشاذلي رئيسا للجمهورية، عشوائية وجرت آلاف الأبرياء إلى المعتقلات. ومنذ تلك الأحداث الأليمة والاعتقالات العشوائية والسرية لم تتوقف.
كان يتم نقل المشتبه فيهم إلى مكان اسمه «برج ادريس» حيث يُرمى المعتقلون بغض النظر عن علاقتهم بالمظاهرات، ويتم نسيانهم هناك.
يقول هشام عبود إن أحد الضباط قال له ذات مرة وهو يتحدث له عن تداعيات الاستنطاق وتعذيب المتهمين لاستخراج الاعترافات: «حتى لو عثرنا على المتحكم الرئيسي في المتظاهرين شخصيا، يتوجب علينا استنطاقه وطرح سؤال عمن يتحكم فيه بدوره».
هذا المثال يبقى بليغا. العناصر الأمنية التي كانت تتولى التحقيق مع المتهمين أو المشتبه فيهم، كانوا مدربين على طرح الأسئلة بدون منطق وبغض النظر عن الحقائق التي قد يقولها أي شخص تحت التعذيب.
كان الوضع في الجزائر سورياليا. إذ إن المجرمين الحقيقيين كانوا يضعون السلطة في جيوبهم، وكل من يحتج ضد غلاء المعيشة، يصبح هدفا للأجهزة السرية في وضح النهار.