هزيمة بطعم المرارة
وانتهى المشوار بهزيمة الفريق الفرنسي لكرة القدم أمام نظيره البرتغالي بهدف نظيف، وذلك بعد تصعيد إعلامي وسياسي كانت فيه الغلبة لمشاعر الشوفينية والتمركز الفرنسي. فقد تم إحياء مصطلحات الأمة، الشعب، الوحدة، سعادة المجتمع إلخ.. وهي مفاهيم تترجم ضيقا للهوية. كما عملت الآلة الإعلامية الفرنسية على تشطيب دور المغاربيين وخلق أبطال جدد في شخص أنطوان غريزمان، الذي أصبح «السوبرمان» الفرنسي ومنقذ فرنسا من الهزائم. وعليه كرست عبارة «جيل غريزمان» لاعبين جددا لا يوجد بينهم ولو مغاربي واحد. لم يكن أمام فرنسا من حل سوى ابتكار يوتوبيا الفوز والامتياز. وعزز فوز الفريق الفرنسي على نظيره الألماني هذا الحلم الذي أفصح بالملموس عن شعبوية وشوفينية خاثرة في اللاوعي الفرنسي تجاه الخصم الألماني. غير أن هذه اليوتوبيا تبقى مجرد فقاعة لا تقدر أن تصمد أمام حقائق الواقع المتمثلة في الأزمات المزمنة التي ستطفو ابتداء من اليوم على السطح: أزمة الحكامة والنظام السياسي، أزمة النموذج الاقتصادي ممثلا في قانون الشغل الذي لا يزال موضع تخانق بين النقابات والحكومة، أزمة الشباب.. استبقت معاهد الاستفتاء اللقاء الرياضي بإجرائها لاستطلاع أظهر أن 81 في المائة من الفرنسيين يعتقدون أن الفوز سيحسن من معنويات الفرنسيين مقابل 34 في المائة يظنون عكس ذلك. ويسترجع بعض المحللين وضعية فرنسا عام 1998 لما فازت بكأس العالم لكرة القدم. حينها كان الرئيس جاك شيراك على رأس الجمهورية وكانت الانعكاسات جيدة على شعبيته وعلى اقتصاد فرنسا. من المستبعد أن يتكرر السيناريو نفسه اليوم؟ وذلك لأسباب تتعلق بخصوصية الظرفية، محليا، أوروبيا ودوليا، وهي ظرفية تتميز بأجواء الاختناق نتيجة الإرهاب، التشكيك في مصير أوربا، مشكل اللاجئين، إلخ… بل وحتى الحكومة الفرنسية لا تعتمد على الأورو لكرة القدم لشحذ همة ومعنويات الفرنسيين. وفي هذا الصدد صرح وزير المدينة، الشبيبة والرياضة، باتريك كانير، بأن هولاند لا يرتدي القميص رقم 10 في الفريق الوطني لكرة القدم. لذا فإن هزيمة فرنسا لن تنعش من معنويات الفرنسيين لا سياسيا ولا اقتصاديا أو اجتماعيا.
معطى آخر أفرزه هذا الدوري هو الفرنسيين من أصول برتغالية عادوا إلى أصولهم لمساندة الفريق الوطني البرتغالي، الشيء الذي يطرح معضلة الاندماج. كان البرتغاليون يقدمون في خطابات السياسيين وتحاليلهم كقدوة في الاندماج، وينصحون المغاربيين لأخذ العبرة منهم. اليوم تبين أنه لا مساومة على الأصول. فاليوم يعود شعب فرنسا منكسر الخاطر إلى مشاكله اليومية. فقد راود الجميع، وبالأخص الأحزاب السياسية، بما فيها اليمين المتطرف الذي يكره كرة القدم، بأن يجعل من الانتصار فرصة لنبذ الخلافات والالتئام مثلما حدث في المظاهرات التي أعقبت العمليات الإرهابية. في هذا الصدد، أعرب مانويل فالس عن رغبته في أن يتجمع الفرنسيون ويكونوا سعداء من حول قيم الجمهورية. هذا مع العلم أن علاقة الجمهور الفرنسي بفريقه علاقة فصامية تتراوح بين الكره والإعجاب.
أما على المستوى الاقتصادي، فإن التداعيات قد تمس بعض القطاعات من دون أن تخلق دورة اقتصادية شاملة. قدر بعض خبراء الاقتصاد العائدات بمليار أورو، وهو مبلغ هزيل مقارنة بالمبالغ الهائلة التي استثمرتها الدولة في الجهاز الأمني. غير أن القطاعات التي قد تستفيد على المدى البعيد من هذا الحدث هي قطاعات المطاعم، التجهيزات المنزلية، وبالأخص مبيعات أجهزة التلفزيون، ثم هناك الملاعب التي قد تستفيد من بيع التذاكر. في فرنسا كما هو الشأن في أغلب دول العالم، الكرة سياسة والعكس بالعكس. لما يتبادل الناس أطراف الحديث في الكرة أو لما يحجون لملاعب كرة القدم، فإنهم يمارسون بطريقة ما السياسة حتى وإن كانت لعبتا الكرة والسياسة لا تخضعان للقواعد نفسها. بعد الصراخ، الدموع، مزامير السيارات ورفع الأعلام، التي دامت لمدة شهر بأكمله، تستفيق فرنسا على حقيقة أن بطولة أمم أوروبا لكرة القدم 2016 لا تعدو كونها قوسا مفتوحا على العديد من المغامرات والمفاجآت، التي لن تكون جميعها عند حسن ظن الفرنسيين. كما سيعود الإعلاميون وبسرعة إلى مطرقة مواضيعهم المفضلة: الحجاب، العلمانية، الاندماج، الإرهاب الإسلامي.