هذه هي المصاهرات التي صنعت عصابات سرقة ثروات الجزائر
يونس جنوحي :
بدأت تحالفات العسكريين الجدد، خلال ثمانينيات القرن الماضي، تتأسس بناء على الروابط العائلية. قام الجنرالات والكولونيلات وحتى موظفو الإدارة التابعة للجيش، بربط مصاهرات كثيرة. لا بد، إذن، أن حفلات زفاف كثيرة جرت في الظل، بعيدا عن أعين الإعلام الجزائري، وبعيدا عن أعين المواطنين أيضا..، لأن هذا النوع من الزيجات لم يكن يريد له أصحابه أن يعرف، إذ إن الآباء يزوجون أبناءهم لكي تصبح الإدارات امتدادا لسلطتهم. كما أن الحفلات التي جرت في ليالي العاصمة، خلال التسعينيات، صرفت فيها أموال طائلة لا يمكن للجنرالات تبرير مصادرها من أجورهم.
اشتراكية الكذب
يقول هشام عبود: «لا مجال للاندهاش عندما ترى أن نفس الرجال الذين مثلوا بالأمس الاشتراكية باعتبارها فرصة ثورية، يمثلون اليوم الليبرالية».
هذا الكلام يبقى صحيحا إلى حد بعيد، إذ إن الجنرالات أصبحوا هم ملاك السيارات الفارهة التي تدخل للجزائر، واحتكروا البقع الاستراتيجية المطلة على البحر على طول الشريط الساحلي، وصاروا ينافسون الأجانب والسياح على عيش حياة «الرغد» وما يشبه «العطل الدائمة».
كل هذا كان يقع والبلاد تمر بأزمات اقتصادية. ولم تكن للحكومة أية معرفة تذكر بمداخيل البترول وصفقات التسلح. كما أن هؤلاء الجنرالات، في الفترة التي كان فيها هشام عبود يشتغل من داخل مكاتب الجنرالات، قاموا بتسليح البوليساريو، ولم يكن سرا أن النظام وقتها كان يوجه قدرا من السلاح لتموين المرتزقة وتزويدهم بالعتاد.
وهكذا كانت هذه «الاشتراكية الثورية» مزورة، ظاهرها تمويل لحركة متمردة، وباطنها سيطرة على موارد الجزائر وعيش حياة «ليبرالية» في الظل.
زوجة الشاذلي
يقول هشام عبود إن زوجة الشاذلي بن جديد كان لديها هي الأخرى «فريق» تابع لها. زوجها، الرئيس الشاذلي، الذي كان أول رئيس جزائري يحاصره الجنرالات بعد تجربة أحمد بن بلة الذي أرسله الهواري بومدين إلى السجن قرابة 15 سنة وحكم الجزائر بدلا عنه بعد انقلاب لم يستطع أحد داخل البلاد استنكاره، كان يعيش موقفا لا يحسد عليه رغم أن الكثيرين كانوا يحسدونه على كونه محاطا بالجنرالات.
ما وقع أن الجنرال توفيق، كما يقول هشام عبود، كان في نفس الفريق مع عبد المالك بن جديد الذي ليس أحدا آخر سوى أخ الرئيس. وهما معا كانا في فريق زوجة الرئيس. وهذا الفريق ككل كان يشتغل في الخفاء والعلن لمراكمة الامتيازات تلو الأخرى والسيطرة على الشركات الوطنية دون أن يستطيع أحد في البرلمان ولا في الحكومة مُساءلة واحد منهم.
قدماء في «الحرفة»
كان الأمر، رغم وجود ظل سياسي وعسكري كاف لحماية الفريق، يحتاج إلى حنكة في ممارسة عملية السيطرة على الموارد المالية للدولة ومراكمة الثروة بشكل أسرع، والتأهب للهروب في حال وقع مكروه ما داخل البلاد.
ولهذا السبب تمت الاستعانة ببعض الأسماء الذين كانوا من خبراء الإدارة العسكرية. وكانت لديهم علاقات نافذة في ما بينهم، وكان بطبيعة الحال اسم زوجة الرئيس يفتح أبوابا موصدة كثيرة، خصوصا وأن اسم الجنرال بلخير كان لوحده جوازا يفتح حتى باب مكتب رئيس الجمهورية شخصيا.
يقول هشام عبود، أيضا، إن بعض الشخصيات، مثل عبد الله بلحوشات، محمد أطالعي، ومصطفى بنلوسيف، وبعض الضباط الآخرين، كانوا يمثلون فريق قدماء جهاز الـALN. بينما كان كل من مولود حمروش، الذي كان أمينا عاما للحكومة، ثم في رئاسة الجمهورية، والجنرال بلخير، كانا معا يشرفان على فريق آخر من التكنوقراط. وهذا الفريق لم يكن يعارض الجيش أو يتدخل في مجالات النهب التي ينشط فيها فريق زوجة الرئيس، لكنه كان يمارس أعمالا بعيدة في الظل، يشرف عليها المسؤولان عن الفريق ويحظيان بدعم سياسيين ورجال أعمال على الخصوص، لم يكونوا منخرطين في أي حزب سياسي في الجزائر.
بالإضافة إلى هذا، كانت هناك عائلات جزائرية تتولى لعب دور «ملتقى الطرق» الذي تجتمع فيه هذه الفرقة وتضم أعضاءها الجدد أو تعلن الزواج مع فريق آخر لتحقيق مكاسب اقتصادية من وراء هذه الشراكات. وأعطى هشام عبود المثال بعائلة «حْليمة»، زوجة الشاذلي بن جديد، والتي كانت تستغل روابط تاريخية وأدوارا قديمة من أيام الزوايا، لكي تشكل نقطة اجتماع تلتقي فيها هذه الفرق أو العصابات، لوضع حدود التخصصات.
وهكذا كان توزيع مجالات اللعب، والمصاهرات المثيرة للجدل والسرية في آن، هما المحرك الذي حرك كل عمليات سرقة ثروة الجزائريين على يد عصابة «مافيا الجنرالات».