إعداد: أميمة سليم
في الماضي كان الأطفال يجلسون أمام التلفاز من أجل مشاهدة الرسوم المتحركة، أو يقرؤون قصصهم المفضلة قبل الخلود إلى النوم… إذ تنمي هذه العادات خيالهم وحس الإبداع لديهم… لكن في وقتنا الحاضر، ومع التطور التكنولوجي الذي عرفه العالم في السنوات الأخيرة، تغيرت معالم الطفولة، فأصبح الأطفال يمسكون الهواتف والألواح الإلكترونية ويقضون ساعات طويلة أمام هذه الشاشات التي تسبب الإدمان في غياب شبه تام لمراقبة الآباء.
في عدد هذا الأسبوع من «دليل الصحة النفسية» سوف نتطرق لموضوع إدمان الأطفال على الألعاب الإلكترونية وكيف يمكن مساعدتهم للتخلص من هذه العادات السيئة التي تتنافى مع جوهر مرحلة الطفولة.
الإدمان على الألعاب الإلكترونية
إن الاهتمام المتزايد للشباب بالألعاب الإلكترونية، سواء على الأنترنيت أو خارجها، يقلق الآباء الذين يخشون إصابة أطفالهم بالإدمان على هذه الألعاب. ومع ذلك، في مجال الإدمان السلوكي، لا يوجد إجماع على تعريف إدمان الألعاب الإلكترونية، ومن الصعب تحديد عوامل الضعف. لكن، من المعروف أن اضطرابات المزاج واضطرابات القلق وصعوبات التعامل مع الآخرين تعد من العوامل المساهمة، لكن اضطراب نقص الانتباه / فرط النشاط غالبا ما يتم تحديده كعامل خطر.
كما يمكن أن يشكل اللعب المفرط للألعاب الإلكترونية خطرًا حقيقا على الأطفال والشباب. لذلك فإن وضع بعض القواعد أمر ضروري لحمايتهم.
الفئة الأكثر قابلية لإدمان الألعاب الإلكترونية
يتعرض الشباب بشكل أساسي لإدمان الألعاب الإلكترونية. ومع ذلك، فإن حالات الإدمان المرضي الشديد نادرة جدا. يمكن اعتبار أن هناك إدمانا على ألعاب الفيديو عندما يقوم اللاعب بهذا النوع من النشاط بشكل مفرط، أي من حوالي ثلاثين ساعة في الأسبوع.
اكتشاف إدمان ألعاب الفيديو
هناك بعض العلامات التي يجب أن تنبه الآباء، لأن أعراض إدمان ألعاب الفيديو عادة ما تتكرر دائمًا. نلاحظ، على سبيل المثال، التراجع المفاجئ للنتائج الدراسية، وفقدان الاهتمام بأي نوع آخر من الأنشطة وتراجع أيضا في العلاقات الاجتماعية (الأصدقاء والعائلة). في الواقع، فإن ممارسة ألعاب الفيديو كجزء من الإدمان يستغرق معظم الوقت، لأن الطفل يكون غير قادر على تقليل الوقت الذي يخصصه للألعاب، ويكون ذلك على حساب الأنشطة الأخرى التي كان شغوفا بها، مثل الرياضة والسينما والموسيقى أو مجرد الخروج مع الأصدقاء. يميل الشباب في هذه الحالة إلى عزل أنفسهم ولا يرغبون في مغادرة منزلهم.
عندما ترى تغييرات في السلوك لدى طفلك، فمن المهم أن تتحقق من المصدر. قد يكون السبب بعيدا عن شغف الألعاب الالكترونية.
مخاطر إدمان الألعاب الإلكترونية
نلاحظ تداعيات على نوم اللاعب المدمن لأنه يميل إلى اللعب حتى في الليل مما يقصر وقت راحته. في بعض الأحيان يمكن أن يؤثر الإدمان أيضا على نظامه الغذائي.
يخاطر الطفل الهش الذي يعاني من إدمان على ألعاب الفيديو، في حالة عدم وجود دعم، بالدخول في معاناة نفسية ووحدة كبيرة. ينتج عن هذا انزعاج واضح. في حالات نادرة، يمكن أن يصبح مدمن الألعاب الإلكترونية حزينا أو عدوانيًا للغاية.
إذا لم يتم فعل أي شيء لتمكينه من التخلص من إدمانه، فإن الطفل يتعرض تدريجياً للفشل المدرسي وللعزلة عن المجتمع. كما يمكنه، على المدى الطويل، أن يفقد احترام الذات.
تبني رد الفعل الصحيح
كما رأينا، يمكن أن يكون لإدمان الألعاب الإلكترونية تداعيات كبيرة على الصحة العقلية والجسدية للمدمنين المرضيين الصغار، لكنه لا يزال غير شائع. إن الرد بأسرع ما يمكن، ضروري للحد من تأثير هذا الادمان. من ناحية أخرى، يجب أن يتحكم الآباء في الوقت الذي يقضيه الأبناء في اللعب.
كما أنه من الضروري كذلك، أن يحاوروا أطفالهم، حيث يجب التحدث عن الألعاب الالكترونية بكل أريحية وليس باعتبارها طابو. يعد حلا جيدا للاهتمام بهذه الظاهرة الجديدة كليا، وأن تظهر لطفلك أنك تشاركه نفس الاهتمام. قبل كل شيء، من الضروري تجنب السلطة الأبوية.
يمكن أن تكون لعبة الفيديو إيجابية إذا كانت مناسبة لسن الطفل أو المراهق، والوقت المخصص لها معقول. يجب ألا تتداخل ممارستها مع الحياة الأسرية والتعليم ووقت النوم ووقت الفراغ. يمكن أن يكون أيضا نشاطا تشترك فيه العائلة. عندما يلعب الطفل بمفرده، من المستحسن أن تكون المساحة المخصصة للعب توجد في الأماكن المخصصة لجميع أفراد الأسرة. وبهذه الطريقة لا يجد الطفل نفسه منعزلا أمام شاشته كما سيسهل تحديد الوقت الذي يقضيه في هذا النشاط.
يمكن للوالدين الذين يلاحظون العلامات المبكرة لإدمان أطفالهم على ألعاب الفيديو اللجوء إلى استشارة الطبيب. يمكن بعد ذلك رعاية الطفل من قبل طبيب نفسي متخصص في ممارسات الإدمان. في الواقع، يعتبر السلوك الإدماني أكثر شيوعا لدى البالغين منه لدى الأطفال. على أي حال، عندما نتعامل مع حالة متطرفة، فمن الأفضل اختيار إحالة الطفل المدمن إلى أخصائي في المشاكل السلوكية للمراهقين والأطفال.
يتطلب منع إدمان ألعاب الفيديو وضع قواعد حقيقية، ولكن ليست صارمة: فلا مجال لحظر لعب ألعاب الفيديو. يمكن تحديد وقت اللعب من ثلاثين إلى ستين دقيقة في اليوم، حسب عمر الطفل أو المراهق، يجب أن وقت اللعب معقولا وآمنا.
إدمان الألعاب الإلكترونية: كيف أساعد طفلي؟
اعترفت به منظمة الصحة العالمية كمرض منذ ماي 2019. إن إدمان ألعاب الفيديو أو «اضطراب الألعاب» يؤثر على أقلية من اللاعبين، أي ما بين 0.5٪ إلى 4٪، على أساس 2.5 مليار لاعب حول العالم. إذا كان طفلك يلعب ساعة واحدة في اليوم، فلا داعي للقلق! ولكن إذا كان يلعب أكثر، فهناك بعض العلامات التي يجب البحث عنها للتأكد من الاستقرار النفسي للطفل أو المراهق.
إضاءة حول مصطلح «الإدمان»
لطالما كان الإجماع على التعبير الذي يجب استخدامه لوصف الاستخدام المفرط للألعاب الإلكترونية موضوعا للنقاش.
وتم تعريف هذا الاضطراب كإدمان إلى جانب الإدمان على الكوكايين أو القمار. إذ يعتقد بعض العلماء أن هذا «اللعب» المفرط ليس إدمانا، وإنما هي أمراض موجودة مسبقا تدفع اللاعبين إلى حبس أنفسهم في اللعبة، في حين يرى البعض الآخر أن هذا الإدمان على ألعاب الفيديو أمر حقيقي وينبني على عوامل الخطر. وهو ما يقودنا إلى النقطة التالية: ما هي عوامل الخطر أو الأمراض الموجودة مسبقا التي يمكن أن تؤدي إلى إدمان ألعاب الفيديو؟
عوامل الخطر
على الرغم من عدم وجود دراسة نموذجية، فقد أظهرت بعض الدراسات مع ذلك أن إدمان القمار يتجلى بشكل أكثر تكرارا بين الشباب، مع وضع اجتماعي واقتصادي متواضع، الذين يتميزون بسمات اندفاعية وميل للإلهاء والمراوغة. نلاحظ أيضا ضعف جودة العلاقات الشخصية ومهارات أضعف في التأقلم. بالإضافة إلى ذلك، فإن الميل إلى الاكتئاب أو المزاج المكتئب، وكذلك القلق والرهاب الاجتماعي هي عوامل يجب وضعها في الاعتبار.
إشارات الإنذار
وضعت منظمة الصحة العالمية ثلاثة معايير تراكمية: فقدان السيطرة، وقضاء الكثير من الوقت في اللعب، والعواقب السلبية على الحياة اليومية، بالإضافة إلى فترة لا تقل عن 12 شهرا لإجراء التشخيص. بشكل ملموس، سوف يتخلى اللاعب تدريجياً عن مراكز اهتمامه وأنشطته ودائرته الاجتماعية لجعل اللعبة أولويته الوحيدة ومصدر المتعة الوحيد. ونتيجة لذلك، هناك انخفاض في الأداء المدرسي، واضطرابات الأكل والتركيز والنوم والقلق والعدوانية والحزن.
يتسبب إدمان ألعاب الفيديو أيضًا في حدوث خلل في نظام المكافأة: فكلما غذى الطفل هذا النظام أثناء اللعب، كلما تم تفعيل نظام المكافأة مع اللعبة فقط.
تبني السلوك الصحيح
الآن بعد أن قمنا بتقييم عوامل الخطر وعلامات الإنذار، من الضروري تبني السلوك الصحيح عند التطرق لموضوع الطفل أو المراهق.
-أظهر له اهتمامك
اطرح أسئلة بسيطة لمحاولة فهم شغف طفلك باللعبة، وإذا كنت تستطيع أن تشاركه في اللعب، العب معه! سوف تنسج رابطا جديدًا يتيح لك التواصل بسهولة أكبر، ولكن أيضا لتحديد ما يصنع طفلك في لعبة الفيديو، لتقديمه إليه لاحقا في أشكال أخرى. لا تتوقع نتائج بين عشية وضحاها، سوف يستغرق الأمر وقتًا حتى يخرج طفلك أو ابنك المراهق من فقاعته الافتراضية للقفز إلى العالم الواقعي.
-تحركوا معا
سوف يكون من الصعب عليه إعادة الاتصال، لكن شجعه حتى النهاية، وابحث عن أنشطة اجتماعية محتملة أخرى واحتفل بالانتصارات الصغيرة معا. علينا التأكد من أن اللعبة لم تعد الملاذ الرئيسي للمراهق، لذا تجب مساعدته على الاستمتاع خارج الشاشة، دون إزالة نشاطه المفضل فجأة.
-لا تقم بفصل الكمبيوتر أو الأنترنيت
قد يأتي ذلك بنتائج عكسية وعادة ما يولد العدوان. قد ينقلب عليك الطفل ويغضب منك لمصادرة «مصدر سعادته الوحيد». يمكن أن يتحول هذا الإحباط أيضا إلى إدمان آخر. البديل هو تثبيت شاشة اللعبة في غرفة المعيشة، وهذا سيولد القرب من العالم المحيط: إنه يلعب ولكنه ليس بمفرده.
-ضعوا حدودا معا
على سبيل المثال: يوم بدون لعبة فيديو. من المهم جدا أن تتخذ قرارات مع طفلك أو ابنك المراهق، وأن تسألهم عن آرائهم وتستمع إليهم: سيشعرون بالتقدير بهذه الطريقة وفي النهاية، ستكون قادرا على وضع حدود. إذا لم يوافق المراهق في هذا الوقت، فاستشر واطلب المساعدة الخارجية.
-ضع في اعتبارك أن ألعاب الفيديو لها جوانب إيجابية وسلبية
أظهرت الدراسات بشكل جلي فوائد ألعاب الفيديو في العلاج: يمكنها تطوير القدرات المعرفية ومهارات الانتباه والتركيز، كما أنها تحسن الذاكرة والتنسيق بين العين واليد والحدة والانتباه البصري. يتم تعزيز احترام الذات بشكل أكبر من خلال الألعاب التي تضم عدة لاعبين عبر الإنترنت، وهي الألعاب التي تعزز البعد الاجتماعي للانتماء إلى مجتمع المراهقين.
لا يتعلق الأمر بإضفاء روح شيطانية على لعبة الفيديو ولكن فقط لإظهار أن لعبة الفيديو، مثل أي شيء آخر، هي سيف ذو حدين ويجب أن تجد التوازن الصحيح حتى تستفيد منها.
فوائد ومخاطر ألعاب الفيديو
يتم دعم التطبيقات الإيجابية المستوحاة من هذه الألعاب في البرامج العلاجية أو التعليمية. وبالتالي فإن صفات الألعاب، بما في ذلك الألعاب العنيفة، تعتبر «معلمة جيدة».
الأهداف واضحة، مع مستويات متعددة من الصعوبة للتكيف مع أي لاعب، بغض النظر عن معرفته وقدراته والتكيف مع سرعته، تعلمك الألعاب أن تكون نشطا، وأن تمارسها بنفسك.
تؤدي التكرارات العديدة إلى الأتمتة، يتم تعزيز مهارات الإتقان من خلال اللعب، هناك مكافأة مع ردود الفعل الفورية، التعلم، الممارسات، حل المشكلات المختلفة في سياقات مختلفة، تعليم آلية نقل المعرفة، استنباط المفاهيم ذات الصلة، المرونة. يمكن أن تكون ممارسة ألعاب الفيديو مؤشرا على صحة عقلية جيدة.
لكن تم اكتشاف العديد من الآثار السلبية، على النوم والنظام الغذائي والسلوك الاجتماعي والجنسي والتعليم… لا تزال الآثار المحتملة على العنف والعدوان موضوع نقاشات عاطفية، يتم إعادة إحياؤها دائما من خلال اللعب. في النهاية، فإن خطر الإدمان الجديد يقلق بالفعل الآباء والأطباء.