شوف تشوف

الرئيسيةتقارير

هذه قصتي مع الكولونيل الإسباني «سيلفستر» الذي خرجت العرائش لاستقباله

نافذة: صدقا كان هذا الرجل عدو حياتي وكان أيضا صديقا لـ«زوگاسطي» لكن أعدائي رحلوا وزالوا الواحد تلو الآخر وبقيتُ صامدا

يونس جنوحي

«حدث مرة أن رجلا كان في حاجة شديدة للمال، وكان يهودي يملك الكثير منه. مقدار ثروة اليهود لا يمكن التكهن بها انطلاقا من مظهرهم أو ملابسهم.
كان بإمكان الرجل التوجه إلى «حزّان» اليهود وطلب الصدقة منه، لكن إذا لم يكن اليهودي يفتح محفظة نقوده سريعا، فإنه سيتعرض لضربات سريعة على رأسه، لكن إذا بلغتني شكوى من هذا النوع، فإنني أعاقب مرتكبها وأعيد المال لليهودي، لأن الرسول قال ما معناه أنه لم يأت لكي يهدم ويدمر وإنما لكي يبني، وقال أيضا إنه يجب أخذ كل ما هو جيد من أي دين وترك كل ما هو قبيح.

عندما حل الظلام وجن الليل، بحكم أن القمر كان متخفيا تلك الليلة، وكان هناك ضباب فوق النهر، أحضر اليهود الفوانيس وعلقوها على العصي حتى يستطيع الجنود رؤيتها.
كان الحزن يسيطر على المغاربة وكانوا مستسلمين لأنهم صدقوا كلام الباشا قبل طلوع الفجر. لكن مع شروق الشمس، رأوا لأول مرة قوات الجيش الإسباني وهم يجمعون خيامهم قرب وادي «الراس»، وكان هذا الأمر بفضل مساعدتي لهم.

بعد هذا بدأ ارتكاب الأخطاء، ولا أحد كان يستطيع تحديد مرتكبيها. ظننت أن الإسبان سيتبعون تعليماتي بحكم معرفتي، وأن القبائل ستعترف تدريجيا بحمايتها لهم.
لكن الحكومة الإسبانية أرسلت جيشا على رأسه «سيلفيستر» لقيادة القوات التي تم إنزالها من السفينتين. هذا الرجل لم يكن صبورا وأراد التقدم بسرعة كبيرة.
صدقا كان هذا الرجل عدو حياتي، وكان أيضا صديقا لـ «زوگاسطي».
لكن أعدائي رحلوا وزالوا الواحد تلو الآخر وبقيتُ صامدا.

مولاي عبد العزيز كان ضدي سابقا، ورحل عن الحكم. لقد أحرق منازلي، لكني أعدت بناءها من جديد.
لقد عاداني «سيلفيستر» بالطريقة نفسها، ومات برصاصته التي يحملها معه، وهو أمر محرم. بينما أنا بقيت حيا. إنها «البركة» التي تمنحني القوة.
عندما هبط «سيلفيستر»، علم أهالي العرائش أن الجيش لن يُلحق بهم أي أذى، بل، على العكس، أنفقوا أموالهم وأعمى «الدورو» بصيرة الناس، ووقفوا في ابتهاج لاستقبال الكولونيل، واصطف الفضوليون في الشوارع والأزقة لرؤيته.

رغب على الفور في التوجه نحو «لقْصْر»، وكان هذا منسجما مع أهدافي لأن القوات الفرنسية كانت تخيم في نواحي المدينة، وكانوا يراقبونها تماما كما تنظر سيدة ما إلى جوهرة جديدة.

أعطيت الأوامر إلى الباشا لكي يُجهز ويسهل الطريق، وأن يفرغ القرى من سكانها إن كان الأمر ضروريا ويرسلهم إلى أصيلة، لكن الناس كانوا هادئين وكانوا يقولون:
-إنهم جيش يؤدي الشريف أجرهم. حقا إنه عظيم.

كانت الأرض مستوية بين القْصْر والعرائش. إنها أغنى أرض في المغرب، والمكان الوحيد الذي توجد فيه محاصيل سوى غابة كبيرة ممتدة من الأشجار المباركة التي توفر العلاج. يقال إن المريض قد يشفى إذا جلس تحت أغصانها، واعتاد مرضى الجذام الخروج والعيش داخل الغابة على أمل أن تختفي تقرحاتهم.
لا يوجد مكان لشن هجوم مفاجئ، وهكذا وصل الإسبان في أمان إلى منطقة سيدي عيسى التي كانت في نفوذي.
كان من الجيد الانتظار قليلا في «القْصْر»، لأن كل شيء في المغرب يجب أن يتم ببطء.
إن خيال المغربي يشبه فانوسا يتأرجح في مهب الريح، وهكذا تبدو الحقيقة مشوهة أمامه.
«سيلفيستر» لم يكن صبورا. كان «فاتحا» يحلم بالنجاح، ولم يكن طموحه محدودا. تمت السيطرة على سوق الثلاثاء بمساعدتي.
كان القلق يسيطر على البلاد كلها، ولولا أنني لم أكن قويا كان ممكنا إراقة الكثير من الدماء».
علق سيدي بدر الدين، في مناسبة أخرى، على هذه القصة التي حكاها لي الريسوني، وقال لي:
-لقد لازمتُ الشريف طوال حياتي، وكانت هذه هي المرة الأولى التي رأيته فيها مضطربا، رغم أنه لم يقل أي شيء، ولا أحد كان يستطيع رؤية هذا الاضطراب على وجهه، لكنني علمتُ أنه كان قلقا لأن أحد أفراد عائلته مات، وعندما كان يقف أمام جثمانه وحيدا لوداعه، اعترف للميت بأنه قلق.
هل تعرفين بأمر هذا الطقس؟ إنه معروف في بلدنا، لكن، حسب درايتي، فإن الريسوني قام به مرة واحدة فقط في حياته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى