شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

هذه قصتي مع الأمريكي «بيرديكاريس» وسجنائي الأجانب كانوا يُعاملون جيدا

يونس جنوحي

«بما أن المْخزن لا يزال يحتجز أرضي وآخرين يأكلون أموالي، منحت نفسي حق تحقيق العدل الذي حُرمت منه بنفسي. اختطفتُ رجالا من قلب منازلهم. رجلا من هنا، وآخر من هناك، وآخر من المدينة، ثم آخر من السهول، واحتجزتهم عندي إلى أن أعادوا لي ما كان لي.

أحد ما أخذ أموالي عندما كنت في السجن، وكان يتفاخر بهذا الأمر في السوق ويقول للناس:

-هل ترون هذا الحزام الفضي وهذا الخنجر المرصع بالجواهر؟ لقد اشتريتها جميعا بذهب الريسوني.

ذات يوم، وقع بين يدي، لأنه لم يكن حريصا في الاحتياط من الأماكن التي يجب أن يكون فيها والأخرى التي يجب أن يتجنبها.

قلتُ له:

-أعد إليّ ما تبقى لك مما سرقته وسأطلق سراحك.

لكنه أقسم:

-لا أعرف شيئا عن هذا الأمر.

بعد ذلك أمرتُ العبيد بضربه بسوط، فجلدوه خمسمائة جلدة، لكنه لم يرد الاعتراف، بل إنه لم يبك ولم يصرخ.

عندما أغمي عليه، أخذوه بعيدا وغسلوا جروحه. في اليوم الموالي قلت له مجددا:

-أعاهدك أمام الله أن أطلق سراحك إذا أخبرتني أين خبأت أموالي.

لكنه لم يفتح فمه. أخذ خمسمائة جلدة أخرى، لكنه لم يتكلم، وأغمي عليه مجددا.

في اليوم الثالث أعدنا معه نفس الأمر، لكنه هذه المرة مات أثناء جلده بالسوط. قليلون فقط من الرجال تحدوا الريسوني بهذه الطريقة.

أرسل السلطان مرة أخرى قوات لمحاربتي، فاحتميت في منطقة بني عروس، حيث كان كل الرجال هناك أصدقاء لي.

وقعت المْحلة في «سوير» نواحي جبل الحبيب، ودُمرت المنطقة كلها بسبب القتال، فلجأ إليّ رجال القبائل المجاورة طلبا للحماية من المْخزن الذي أكل حصادهم وسرق ممتلكاتهم.

كان بإمكانهم الاستسلام للمْخزن والاستفادة من كرم السلطان، لكن لا أحد يقوم بفعل مشابه، ربما بسبب الخوف مني. في حياتي، لم أكن محبوبا دائما، وكنت في الغالب مكروها، لكن فوق كل هذا، كنت دائما مصدر خوف.

كنت أفكر:

-كيف يمكن أن أرد لرجال بني عروس ما خسروه بسببي؟ فبدأت أختطف الأجانب وأمنح مال الفدية إلى القبائل التي سلب المْخزن ممتلكاتها.

في الأخير، فكرتُ في اختطاف أوربي. رجل مهم، يجعل اختطافه العالم ينتبه إلى مساوئي وخطورتي. لذلك راقب رجالي الطرقات المؤدية إلى طنجة، وفي إحدى الليالي، عندما كان الظلام دامسا، تسللوا إلى دار رجل أمريكي، «بيرديكاريس». كان جالسا يقرأ، وإلى جانبه مصباح، ولم ينتبه لوجودهم.

اندفعوا عليه من النوافذ التي كانت مفتوحة، وجرجروه أرضا هو وقريبه الذي كان برفقته. وضعوا البنادق على عنقيهما واقتادوهما إلى مكان الخيول التي كانت تنتظر. وقبل شروق الشمس، كانوا عندي في بني عروس.

أخيرا يمكنني بهذه الطريقة التفاوض مع السلطان، وأن أظهر لدول أوربا أي نوع من الرجال ينتمي إليه الريسوني.

استقبلتُ «بيرديكاريس» في خيمة مفروشة بالسجاد وجلود الأغنام. كان العبيد في خدمته، وكانوا يحضرون له كل ما يطلبه. بعد ذلك تحدثت معه كأخ، وأخبرته بما فعله السلطان بي. في نهاية حديثي صافحني «بيرديكاريس» وقال لي:

– قمتَ بما هو صائب، ولو كنت في مكانك لقمتُ بنفس الأمر. من هذه اللحظة لم أعد سجينك، أنا مُحاميك.

بعد ذلك، كتب عددا من الرسائل إلى أوربا وأمريكا، وشرح الظروف والملابسات المحيطة بالحادث، وأرسلت لي عائلتُه عددا من الهدايا.

سجنائي كانوا ضيوفي وعاشوا في ظروف مريحة. كانوا يتمشون في الجبال، يمارسون الصيد ببنادقي، ففي «جبالة» يمكنك القيام بأنشطة كثيرة للترفيه».

بلاغة الشريف وقدراته الكلامية لا شك أنها نومت هذا الأمريكي مغناطيسيا، لأن «بيرديكاريس» كتب عن مرحلة أسره قائلا:

«الريسوني رجل متعلم بمعنى الكلمة. وأستطيع القول إنني لم أندم أو أتأسف نهائيا أنني كنت يوما سجينا لديه لبعض الوقت. وأعتقد أنني لو كنت مكانه لتصرفت بنفس الطريقة. إنه ليس قاطع طريق أو زعيم عصابة، وليس قاتلا، لكنه مناضل أُجبر على اللجوء إلى أعمال قطاع الطرق لإنقاذ أرضه وشعبه من الاستبداد».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى