الإنسان اجتماعي بطبعه، يحب الاختلاط بالآخرين، ويشعره التواجد مع الآخرين بالاطمئنان والأمان، وتجعله الوحدة شخصا حزينا ومكتئبا. لكن، في بعض الأحيان، قد يكون هذا التواجد مع الآخرين وفي جماعات معينة مصدر ضيق حقيقي للشخص، عندما يجد نفسه مع أشخاص يضايقونه أو ينقصون منه أو تصدر عنهم بعض التصرفات التي تجعله يشعر بالعجز والإذلال وبالتنقيص، وقد يتطور الأمر إلى الإصابة بالاكتئاب وحتى التفكير في الانتحار.
التعرض للتنمر من بين أكثر التصرفات الاجتماعية إزعاجا ويسبب للشخص مشاكل خطيرة في حياته تصل به حد التفكير في الانتحار، فما هو التنمر؟ وما أنواعه؟ وما الشكل الجديد من التنمر الذي يسمى «التنمر الإلكتروني»؟
ما هو التنمر؟
التنمر هو أحد أشكال التصرف العدواني تجاه شخص ما، وعادة ما يكون التنمر من مجموعة تجاه شخص واحد وعادة ما يحدث في المدارس أو بين أطفال الحي، أو بين الزوجين. وعادة ما يكون هذا العداء لفظيا أو جسديا أو معنويا، بل ظهر شكل آخر من التنمر هو التنمر الإلكتروني.
التنمر سلوك مخيف للشخص الذي يتعرض له، لأنه يؤثر بشكل كبير على حياته، ويعيش هذا الشخص في خوف وقلق دائم ويفقد الشعور بالسعادة في حياته بسبب قلقه المستمر من التصرفات التي يتعرض لها، إما في الشارع أو في المدرسة أو حتى في المنزل.
أنواع التنمر
للتنمر أنواع كثيرة، منها التنمر الجسدي، أي تعرض الضحية للضرب والعنف، على غرار تعرض الشخص للضرب والركل من أقرانه أو لسرقة أغراضه وأخذها، أو تعريضه للإهانة والمضايقة، وتخريب أغراضه الخاصة.
والنوع الثاني من التنمر هو التنمر اللفظي، أي مناداة الشخص بألقاب تحط من قدره أو بألقاب تمس به، أو تستهدف معاناته من مرض أو إعاقة ما، وغيرها من الألفاظ التي تضر به نفسيا.
النوع الثالث من التنمر هو الذي يتعرض له الشخص في علاقاته، بمعنى إبعاده عن المجموعة أو عدم إشراكه في أي عمل أو أنشطة مشتركه، فضلا عن نشر الأكاذيب والإشاعات عنه. وعادة، فإن هذا النوع من التنمر تلجأ إليه الفتيات.
العدوان الإلكتروني
هناك نوع جديد من التنمر يسمى التنمر الإلكتروني، وبدأ هذا النوع الجديد من التنمر في الظهور بتطور التكنولوجيا وانتشارها في العالم، حيث لم يكن معها التنمر مقتصرا على المدارس أو الأحياء، بل تجاوز ذلك ليحدث عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وأصبح الشخص، اليوم، عرضة للتنمر عبر رسائل وتعاليق وحتى نشر أشياء عنه، أو تهديده عبر وسائل التواصل الاجتماعي..، بحيث يستخدم الشخص وسائل التكنولوجيا من أجل توجيه تهديدات للأشخاص. وهذا النوع من التنمر لا يتطلب مقابلة المتنمر للضحية وجها لوجه أو مهاجمته بشكل مباشر، والأخطر ما في الأمر أن أي شخص يمكنه التنمر على الآخرين دون حتى أن تكون له علاقة به أو أن يكون مضطرا للكشف عن هويته، بل إن الضحية قد يتعرض للتنمر من شخص مجهول الهوية أو من حساب باسم مستعار، والأخطر، أيضا، أن الضحية يكون تحت التهديد في كل دقيقة وكل ثانية حتى وهو داخل منزله، بحيث لا يشعر بالأمان أبدا، بل إن المتنمر قد يجبره على دخول مواقع التواصل الاجتماعي في كل دقيقة وثانية، حتى يبقى على تواصل معه، وقد يصل الأمر حد تهديده بإرسال صور ما أو تلقي الإهانات حتى عن بعد.
يمكن أن يتعرض الشخص، كذلك، لقرصنة حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي ولتهديدات إما عبر رسائل قصيرة أو مكالمات هاتفية، وغيرها من الوسائل الأخرى التي لم تظهر إلا مع ظهور التكنولوجيا الجديدة.
ويعتبر التنمر الإلكتروني أسهل أنواع التنمر، لأنه لا يتطلب مقابلة الضحية وجها لوجه أو أن يتحلى الشخص بقوة جسدية أو بإعجاب من حوله، إذ يكفيه الجلوس خلف شاشته وإرسال التهديدات، كما يحلو له، لأي شخص يرغب في أن يؤذيه أو يكن له الضغينة أو الكره.
الآثار النفسية
سواء كان التنمر إلكترونيا وحقيقيا أو مباشرا، فإن نتائج التنمر النفسية تبقى نفسها ولا تتغير، وذلك لأن الشخص المعرض للتنمر يشعر بنفس الغضب والخوف، والتهديد واليأس والعزلة والخجل، إلى جانب إحساسه بالذنب لأنه يعتقد أن التنمر الذي يتعرض له ذنبه هو لأنه لا يستطيع الاندماج مع أصدقائه ولا يستطيع الدفاع عن نفسه، بل ويلوم شكله وتصرفات الغبية حسب اعتقاده، وقد يصل به الأمر حد التفكير في الانتحار.
يمكن أن يكون الضحية، أيضا، عرضة للإصابة بمشاكل نفسية حقيقة، من قبيل الإصابة بالقلق واضطرابات ما بعد الصدمة أو الإصابة بالاكتئاب، فضلا عن أن الضحية يكره مدرسته ويفكر في تركها حتى لا يتعرض للتنمر ممن حوله، وقد يلجأ الضحية إلى عادات سيئة أخرى من أجل الهروب من الواقع الذي يعيشه، حيث يصبح مدمنا على السجائر أو الكحول كما لو أنه ينتقم من نفسه ومن المجتمع بهذا التصرف، وأيضا حتى يستطيع الهروب من الضغط الذي يعيشه.
وأخطر من هذا أن الضحية يصدق ما يقال عنه، فينعزل عن الآخرين، ويصاب بفقدان الشعور بالذات، وقد يصاب باضطرابات في الأكل وصعوبة في اتخاذ القرارات.
التنمر الإلكتروني يعتبر أخطر من التنمر العادي، لسبب وجيه يتمثل في أنه يمكن أن يحدث في أي زمان ومكان، لأنه قد يحدث حتى في أكثر الأماكن أمانا بالنسبة للضحية أي في المنزل ولا تنفع العزلة أو البقاء داخله في حمايته من هذا التنمر، ويجد الضحية نفسه غير قادر على الهروب من الإذلال والإهانة التي يتعرض لهما، ما يزيد من قلقه وشعوره بالضيق، ويزيد بالتالي من خوفه مما سيأتي.
وكما ذكرنا سابقا، يعتبر التنمر الإلكتروني أصعب وأخطر، لأن الضحية لا يشعر بالأمان ولا يستطيع الهروب مما يتعرض له، علما أن المتنمر يمكنه قول ما يحلو له وفعل ما يريد دون الخوف من ردة فعل الضحية، وأيضا يمكن للمتنمر أن يهاجم الضحية بهوية مستعارة أو مجهولة، لهذا فهو يقول ما يريد ويفعل ما يشاء وقد يتمادى في مهاجمته للضحية.
اختيار الضحية
في العادة، يختار المتنمرون ضحاياهم بعناية، وعادة فالضحية يكون شخصا أضعف من الآخرين ومختلفا عنهم، وربما قد يكون مختلفا عرقيا أو حجما أو يعاني من إعاقة ما، أو أنه لا يتبع الموضة، أو يعيش بشكل مختلف عن البقية، أو أنه شخص جديد في المدرسة والحي، وحتى المتنمرين الإلكترونيين يختارون ضحاياهم بعناية، وعادة ما ينجذبون إلى الأشخاص الذين يشعرون بأنهم مختلفون.
في العادة، أيضا، يقوم المتنمر بهذا التصرف من أجل إثبات نفسه أمام الآخرين، واكتساب اهتمامهم، أو من أجل الهروب من مشاكله الخاصة، أو لأنه يعاني من مشاكل نفسية، أو بسبب الغيرة أو حتى يشعر بأنه أقوى. ومن المهم أن ندرك أن الأشخاص الذين يتنمرون على آخرين يعانون، بدورهم، من مشاكل نفسية كثيرة أو مشاكل في المنزل، ويلجؤون للتصرف بعدوانية لتفريغ غضبهم.
تصرف ضحية الاعتداء الإلكتروني
التنمر ظاهرة اجتماعية خطيرة للغاية وتزداد خطورتها عندما تكون إلكترونية، لأن الشخص لا يشعر بالأمان في حياته، لهذا فأول ما يجب القيام به، بالنسبة للأطفال الذين يتعرضون للتنمر، هو إبلاغ آبائهم بما يتعرضون له، ثم بعدها يجب تقديم شكاية للخلية الأمنية الخاصة بالجرائم الإلكترونية، فهناك شرطة مختصة في هذا المجال ويمكنها القبض على الشخص الذي يهاجم الضحية، حتى وإن كان يهاجم باسم مستعار أو مجهول، لأن هذا التنمر لا يقتصر على يوم أو أسبوع بل قد يستمر طويلا جدا، بل إن المتنمر قد يتمادى في ما يفعله وما يطلبه من الضحية، لهذا من المهم ردعه وإيقافه.
ومن المهم عرض الطفل على طبيب مختص من أجل أن يحاول إعادة ثقته في نفسه، حتى لا يشعر بأنه السبب في ما يتعرض له، سواء تعلق الأمر بالتنمر الإلكتروني أو التنمر العادي، مع شرح الوضع للطفل وتوضيح أن المتنمر شخص يعاني من مشاكل وليس العكس، ومساعدة الطفل حتى يتقبل نفسه ويخرج من القوقعة التي أدخل نفسه فيها ومساعدته، بالتالي، على استعادة الثقة بنفسه.