بعد الاعتراف بالمخاطر التي تشكلها تطبيقات وبرامج الذكاء الاصطناعي على البشر، أقر الاتحاد الأوروبي تشريعا غير مسبوق لتنظيم الذكاء الاصطناعي، مع تطبيق عدد من الغرامات على من يخرق بنود التشريع مع توفير وسائل كبيرة للمراقبة.
إعداد: سهيلة التاور
توصل الاتحاد الأوروبي إلى تشريع غير مسبوق على المستوى العالمي لتنظيم الذكاء الاصطناعي، ما يمهد الطريق للرقابة القانونية على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي وعدت بتغيير الحياة اليومية، وأثارت تحذيرات من مخاطر وجودية على البشرية.
وتغلب مفاوضون من البرلمان الأوروبي والاتحاد، المكون من 27 دولة، على خلافات كبيرة بشأن نقاط مثيرة للجدل؛ من بينها الذكاء الاصطناعي التوليدي، والاستعانة بالشرطة في تقنيات التعرف على الوجوه، ووقعوا على اتفاق سياسي مبدئي لما يعرف بـ “قانون الذكاء الاصطناعي”.
وكشف الاتحاد أن قانون الذكاء الاصطناعي الجديد، مبادرة تشريعية رائدة تهدف إلى تعزيز تطوير واعتماد الذكاء الاصطناعي “الآمن والموثوق” في السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي من قبل الجهات الفاعلة الخاصة والعامة.
وباعتباره أول اقتراح تشريعي من نوعه في العالم، يقول الاتحاد الأوروبي، إنه يسعى إلى أن يسهم القانون الجديد في وضع معيار عالمي لتنظيم الذكاء الاصطناعي في ولايات قضائية أخرى.
وركز المشرعون الأوروبيون على الاستخدامات الأكثر خطورة للذكاء الاصطناعي من قبل الشركات والحكومات، بما في ذلك تلك المستخدمة في إنفاذ القانون وتشغيل الخدمات الحيوية مثل المياه والطاقة.
وستواجه أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل تلك التي تشغل روبوت الدردشة “تشات جي بي تي”، متطلبات شفافية جديدة، كما أن على روبوتات الدردشة والبرامج التي تنشئ صورا متلاعبا بها مثل “التزييف العميق” أن توضح أن ما يراه الناس قد تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي، وفقا لما نقلته “نيويورك تايمز” عن مسؤولين أوروبيين والمسودات السابقة للقانون.
قواعد التشريع
يتضمن التشريع الجديد قواعد تضمن نوعية البيانات المستخدمة في تطوير الخوارزميات، والتحقق من أنها لا تنتهك قانون حقوق التأليف والنشر.
كما يُحدد المعايير لتسخير الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي والحماية من مخاطرها، مثل: أتمتة الوظائف أو نشر المعلومات المضللة عبر الإنترنت وتعريض الأمن القومي للخطر.
وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أن القانون لا يزال بحاجة إلى المرور ببعض الخطوات النهائية للموافقة عليه، لكن الاتفاق السياسي يعني أن الخطوط العريضة الرئيسية له قد تم تحديدها.
وأفادت الصحيفة بأن هذه اللوائح الجديدة لن تؤثر على كبار المطورين لأنظمة الذكاء الاصطناعي مثل “ميتا” و”غوغل” و”مايكروسوفت” و”أوبن إيه أي” فقط، بل ستطال التكنولوجيا التي ستستخدم هذه الأنظمة في القطاعات التعليمية والصحية والبنكية، وحتى الأنظمة التي قد تستخدم في المجالات القضائية والقانونية.
وركز صناع السياسات الأوروبيون على الاستخدامات الأكثر خطورة للذكاء الاصطناعي من قبل الشركات والحكومات، بما في ذلك تلك المستخدمة في إنفاذ القانون أو تشغيل الخدمات الحيوية في قطاعي الطاقة والمياه.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولي الاتحاد الأوروبي والمسودات السابقة للقانون، أن التشريع الجديد يفرض على الأنظمة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل “تشات جي بي تي” أو تلك التي تنشئ صورًا يتم التلاعب بها، توفير متطلبات أكبر للشفافية والكشف للناس أن هذا المحتوى النهائي تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي.
كما يفرض قيودًا على برامج التعرف على الوجه من قبل أجهزة إنفاذ القانون والحكومات، مع وضع استثناءات ترتبط بالسلامة والأمن القومي. وقد تواجه الشركات التي تنتهك اللوائح الجديدة غرامات تصل إلى 7 في المئة من إجمالي مبيعاتها العالمية.
وإذ أوضحت أن القانون الجديد مرحب به باعتباره اختراقًا تنظيميًا، إلا أنها أشارت إلى أنه يطرح أسئلة حول فعاليته لأن بعض اللوائح ستدخل حيز التنفيذ بعد 12 أو 24 شهرًا، وهي فترة زمنية طويلة بالنسبة للذكاء الاصطناعي الذي يشهد تطورًا متواصلًا.
ويفرض القانون الجديد، على المطورين الذين يستعلمون تقنيات الذكاء الاصطناعي، أن يظهروا بوضوح على ابتكاراتهم أنشئت بشكل اصطناعي، إذ يجب مثلا أن يتم الإشارة بوضوح إلى أن الصور المولدة اصطناعيا، تم تطويرها بواسطة الذكاء الاصطناعي.
ومن شأن، هذه الخطوة، أن تساعد على وجه الخصوص في مكافحة الاستخدام الضار لتقنيات “التزييف العميق”، التي تستخدم صور ومقاطع فيديو لأشخاص، بهدف إنشاء صور أو مقاطع “خيالية” بالصوت والصورة، وفقا لموقع “راديو فرانس”.
واتفق الاتحاد الأوروبي على تشريع غير مسبوق على المستوى العالمي لتنظيم الذكاء الاصطناعي، بعد ثلاثة أيام من المفاوضات المكثفة بين الدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي، حسب ما أعلن المفوض تييري بريتون.
وبالنسبة لأنواع الذكاء الاصطناعي التي تتفاعل وتتحاور مع البشر (مثل برامج الدردشة الآلية التي توجد الآن بشكل شائع عبر الإنترنت في مواقع الأعمال أو الإدارة)، ينبغي تعريفها بشكل واضح على أنها دردشة آلية، وإعلام المستخدم بشكل منهجي بأنه لا يتحدث إلى إنسان آخر.
أما بالنسبة لأنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدما، فسوف تخضع لقيود معززة. ويتعلق هذا بشكل خاص باستخدام الذكاء الاصطناعي في المجالات الحساسة، مثل الطاقة و التعليم، أو الموارد البشرية، وإنفاذ القانون.
ويفرض القانون الجديد على هذه المجالات، التأكد من عمل الأنظمة الموجهة لهذا المجال، تحت إشراف بشري عند إنشاء الأنظمة وأيضا نشرها.
وستحتاج الأنظمة الخاصة بهذه المجالات أيضا، إلى تزويد المنظمين بنتائج تقييمات المخاطر، وتفاصيل البيانات المستخدمة لتدريب الأنظمة، وضمانات بأن البرمجيات لن تتسبب في أضرار.
ويشمل القانون الجديد أيضا، تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل الحكومات في المراقبة البيومترية من قبل وكالات إنفاذ القانون، حيث ينظم المشروع تقنيات التعرف الآلي على الوجه.
ووضع المشرعون الأوروبيون، مجموعة من الضمانات والاستثناءات الضيقة لاعتماد تقنيات المراقبة البيومترية، من ضمنها بعض الحالات المتعلقة بتحديد هوية شخص يشتبه في ارتكابه إحدى الجرائم المحددة المذكورة في اللائحة (مثل الإرهاب، والاتجار، والاستغلال الجنسي، والقتل، والاختطاف، والاغتصاب، والسطو المسلح، والمشاركة في منظمة إجرامية، والجرائم البيئية).
وكالة أممية للذكاء الاصطناعي
حذر أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من التهديدات التي قد تشكلها أنظمة الذكاء الاصطناعي غير المضبوطة.
وقال غوتيريش “نحن بحاجة إلى فعل أي شيء ممكن للتأكد من أن التطور المستقبلي للذكاء الاصطناعي لا يدخل في المنطق الذي يلغي تماماً القدرة البشرية ويخلق وحشاً لن يتمكن أحد من السيطرة عليه”.
وأعرب المسؤول الأممي عن تأييده لإنشاء وكالة أممية متخصصة بالذكاء الاصطناعي “مستوحاة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، مشيراً إلى أن الدول الأعضاء فقط هي صاحبة القرار.
وقال الأمين العام للمنظمة إن مخاطر الأخبار المضللة قد ازدادت مؤخراً مع التطور التكنولوجي السريع على غرار الذكاء الاصطناعي التوليدي” الذي يسمح بإنتاج صور وفيديوهات مزيفة لكنها واقعية أكثر فأكثر”.
عقوبات وتحديات
ولضمان تنزيل بنود القانون الجديد، سيكون مكتب الذكاء الاصطناعي الأوروبي مسؤولاً عن القيام بدور “شرطي” الاتحاد الأوروبي في هذا الموضوع، مع توفير وسائل كبيرة للمراقبة والعقوبات.
ويمكن أن تتراوح غرامات خرق القانون بين 7 من إجمالي مبيعات الشركات المطورة عالميا، وما لا يقل عن 35 مليون أورو للجرائم الأكثر خطورة، أو بين 7.5 ملايين أورو أو 1.5 من إجمالي المبيعات.
ووفقا لصحيفة “نيويورك تايمز”، فإن تنفيذ التشريع الجديد لا يزال غير واضح، حيث سيشمل جهات تنظيمية من 27 دولة عضو بالاتحاد، بالإضافة أنه يتطلب استثمارات مالية مهمة، في وقت لا تزال فيه الميزانيات الحكومية الموجهة للمجال محدودة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه سبق، وأن واجهت تشريعات مماثلة لانتقادات بسبب سوء وعدم تكافؤ تطبيقها ببلدان الاتحاد، كما هو الشأن بالنسبة لقانون الخصوصية الرقمية المعروف باسم اللائحة العامة لحماية البيانات.