هذه المرة قنبلة هيدروجينية
بتاريخ 10 يناير 2016م شجبت العديد من الدول الإعلان الذي قام به رئيس كوريا الشمالية (كيم يونج أون) الحفيد من سلالة العائلة الحاكمة منذ مطلع القرن الفائت، عن تفجير قنبلة هيدروجينية. هذه المرة أعلن الطاغية السمين أنها هيدروجينية حرارية وليست ذرية. ولكن ما هو الجديد في قوة القنبلة الجديدة إن صح أن نظام كوريا الشمالية الشمولي وصل إلى أسرارها؟ ثم كيف يمكن للعلم والتقنية أن تصل إلى جمهورية الجوع والفقر والخوف هذه؛ فيصنعوا مثل هذه القنبلة المكلفة؟ فالمعروف أن السلاح النووي سلاح الأغنياء، والكيماوي سلاح الفقراء (كما رأينا مع بشار البراميلي في مذبحة الغوطة الشرقية في 21 غشت 2013م حيث مات 1429 إنسانا من سلاحه الإجرامي منهم 426 طفلا وطفلة) أما البيولوجي فله حديث خاص، حيث أسر لي أستاذ للعلوم السياسية في مونتريال (كندا) أن حكومة كندا جهزت ملايين اللقاحات الجاهزة ليوم الفزع الأكبر، فيما لو قامت مجموعة إرهابية بتسميم مياه مدينة مونتريال بفيروس الجدري، الذي يمكن صناعته في مخبر بسيط في كاراج بيت منعزل في صقيع كندا القطبي.
هذا يذكرني أيضا بالحلم الأمريكي عام 1945م وهم يمضون في تصنيع السلاح الذري الانشطاري الأول، حيث خيل إليهم أنهم (مونوبول) أي محتكرون للتصنيع النووي، وأن منافسيهم في الاتحاد السوفيتي بقيادة ستالين لن يلحقوا بهم وينتجوا هذا السلاح المخيف قبل ربع قرن من الزمن. هذا ما صرح به الجنرال (ليزلي جروفز) قائد المشروع العسكري يومها وكان من الخاطئين، حيث توصل الروس بواسطة جاسوسهم فوكس (الثعلب) إلى نقل التقنية أولا بأول إلى مخابرات الكي جي وفريق العلماء الروس الذين فجروا أول سلاح نووي لهم بعد أقل من أربع سنوات على تفجير قنبلة هيروشما فوق رؤوس اليابانيين.
ومما اطلعت عليه أيضا تلك المقابلة الشهيرة التي تمت بين (نيلز بور) الدنمركي عالم الذرة و(ونستون تشرشل) السياسي البريطاني المعروف، والنقاش الذي دار بين الاثنين حول احتكار السلاح النووي، وكيف اقترح (نيلز بور) ألا تكون ثمة أسرار واحتكار لهذا السلاح (مونوبول) بل أن تتوزع وتطلع على أسراره دول أخرى، حتى لا يكون حكرا بين أيدي الغربيين فقط، مما أثار حفيظة ومخاوف تشرشل وكاد أن يأمر باعتقاله، وأظهر الوقت رجاحة رأي العلماء أكثر من السياسيين، وقصة (فعنونو) الاسرائيلي والعالم الباكستاني (خان) من الأدلة التي تقول: ليس من سر لن يعلم، ولا مكتوم لن يظهر كما جاء في الإنجيل.
كان منطق الجليلي (يسوع المسيح عليه السلام) أن ما أقوله لكم في السر قولوه في العلن، وما أهمس به في الآذان نادوا به من السطوح، وهل يوقد المصباح ويخبأ؟ أم يوضع لتهتدي به السفن من بعيد؟
لقد أظهرت حكمة التاريخ من خلال رحلة السلاح النووي أنها مضت في مراحل مخيفة وفي طريق مسدود يجب الرجوع عنه لأن نهايته هي الفناء. عكس حماقة إيران والسمين الكوري من بيانج يونج، خاصة في تطوير السلاح الهيدروجيني الحراري الذي هو تفجير أربع قنابل ذرية وليست واحدة، وهو التصنيع الذي قال به (إدوارد تيللر) الهنغاري الذي كان يضحك من شغل (روبرت أوبنهايمر) قائد المشروع العلمي، في ألامو جوردو، حيث كان يتم تصنيع السلاح الذري الأول، في معمل سري، تحت اسم برنامج مانهاتن.
ويومها انقسم العلماء إلى فريقين من أجل تصنيع هذا السلاح المخيف الأول في مدينة (أواك ريدج) بولاية تينيسي، والثاني في تكساس قريبا من الحدود المكسيكية، ومازال مكان الصناعة شغالا حتى اليوم في مشروع (الجينوم البشري) بعد أن تحول إلى مدينة علمية.
بعد نجاح أوبنهايمر في تصنيع القنبلة الذرية الأولى وإلقائها على رؤوس اليابانيين، سواء تلك التي صنعت في (ألامو جوردو) أو (أواك ريدج)، حيث تم تصنيع مادة البلوتونيوم، تصدع العالم من خبر قنبلة جو الأولى نسبة لجوزيف ستالين، فهرع البنتاجون ووزارة الدفاع الأمريكية يبحثون عن سلاح أشد هولا من قنبلة هيروشما؛ فرجعوا إلى (إدوراد تيللر) الذي كان يبشر بها، ولكن الرحلة لم تكن سهلة، ولا حمل القنبلة ممكنا أيضا على ظهر طائرة، ومن توصل إلى فك المعادلات الرياضية التي أوصلت إلى سلاح القنبلة الانشطارية شاب روسي لامع هو (ستانسيلوف أولام).
وحين جربت عام 1952م كانت القوة تفوق 13,7 ميجاطن أي أقوى من قنبلة هيروشيما بـسبعمائة ضعف. وكان فرح أمريكا كبيرا أنها مازالت الأقوى كما قالت يوما عاد «من أشد منا قوة».
ثم مشت رحلة الديناصورات البشرية والتسابق في التسلح شوطا أفظع بتكبير قوة التدمير، ثم تحويل النوعية إلى قنبلة (النترون) المزعومة النظيفة (التي تفتك بالبشر وتحافظ على البنية التحتية) ثم تصغير الحجم إلى استنباط صواريخ نقل ومنصات إطلاق ونفقات أنفقتها أمريكا بكل عبث حتى غرقت في الدين الإجمالي للبلد؛ نفقات قدر الخبير النووي لي بتلر أنها بلغت ستة تريليونات من الدولارات بتصنيع سبعين ألف رأس نووي بـ 116 نموذجا و65 نموذج قصف صاروخي يصل إلى أي مكان في العالم في وقت لا يتجاوز عشرين دقيقة، وهو الذي دفع جروباتشوف أن يكتب في كتابه (البروسترويكا) أننا مازلنا في عقلية الهراوة والغابة، مع أن الجنس البشري يعيش حاليا عصر الثورة المعرفية. وتصرفات (بوتين) الروسي في سوريا أو إعلان (كيم) الكوري السمين عن تطويره للسلاح الجديد، هو من هذا النسق المتخلف المنسلخ عن قانون التاريخ.
أعلن موقع (هافنجتون بوست العربي) في نفس يوم إعلان الطاغية الكوري تفجير سلاحه الهيدروجيني، نبأ تدمير تمثال مطلي بالذهب للطاغية ماوتسي تونج بعد أن رحل من الصين ويذكر التاريخ أنه وتحت حكمه قضى الملايين بالمسغبة والمجاعة حسب تقرير (يونج) الكاتبة الصينية في كتابها (البجعات البرية) في محاولات سخيفة للحاق بالغرب بإنتاج الحديد، كما زعم ماو فأرسل إلى الموت بالمجاعة ثلاين مليونا من الأنام، وقيل يوما أن عشرة بالمائة من الشعب الصيني مات جوعا بالثورة الثقافية المزعومة كما نرى في تجويع أهل مضايا على يد بشار البراميلي في سوريا والعالم يتفرج بعيني ضفدع.