هذه أسرار تجارة السيوف ذات الحجم الكبير والسكاكين الطويلة وتجار يسجلون وجود مستودعات سرية لصناعتها
حمزة سعود
السيوف والسكاكين الطويلة، يجري استخدامها بشكل كبير في الجرائم المرتبطة بسرقة المارة وسلبهم ما بحوزتهم من ممتلكات. هذه السكاكين يتم ترويجها في العديد من المحلات والمتاجر بالأسواق الشعبية وفق أثمنة في المتناول.
من أجل الحصول على سيف أو سكين من الحجم الكبير يتجاوز طوله 80 سنتيمترا أو أكثر، يتم اللجوء إلى الصناع المتخصصين في مجال الحِدادة، فبعد تحديد خصائص ومميزات الأداة، يمكن إعدادها خلال مدة زمنية وجيزة، داخل ورشات ومستودعات سرية لإنتاج هذا النوع من الأسلحة.
خلال إنجاز هذا التحقيق وقَفَت “الأخبار” عند حالة لشاب يستخدم سكينا من الحجم الكبير وبعض الأدوات الحادة، في تنفيذ جرائم مرتبطة بالسرقة وتهديد المارة، فيما رافقت “الأخبار” تجارا يسوقون سكاكين يبلغ طول شفرتها الحادة حوالي 40 سنتيمترا، وفق أثمنة لا تتجاوز 80 درهما. “الأخبار” تكشف في هذا العدد أسرار تصنيع وتسويق السكاكين الطويلة التي يجري استخدامها في ارتكاب الجرائم وسرقة المارة. مزيدا من التفاصيل في التحقيق التالي..
أول وجهة زارتها “الأخبار” خلال إنجاز هذا التحقيق، كانت أحد الأسواق المتخصصة في الحِدادة بمدينة الدار البيضاء. السوق يضم محلات تعرض مختلف المنتوجات المُصَنَعة من الحديد، أهمها الواجهات الأمامية للأبواب والنوافذ بالإضافة تجهيزات أخرى ومعدات من الحديد تتم صناعتها تحت الطلب.. “سوق الحدّادة” كما تعارف على تسميته التجار والعاملين في مجال صناعة الحديد، يقع في زُقاق، بمحاذاة شارع محمد السادس.
من أجل معرفة أسرار صناعة السكاكين الطويلة، كان لنا حديث مع أرباب بعض المحلات بالسوق. غالبية التجار أجمعوا على أن صناعة هذا النوع من السكاكين يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، بحيث أشارت بعض التصريحات إلى وجود إمكانية تصنيع بعض الأدوات الحادة داخل ورشات ومستودعات بالسوق.
في حديث مع أحد التجار المتخصصين في تصنيع المنتوجات الحديدية، كشف بأن عددا من الصناع باستطاعتهم صناعة سكاكين وخناجر “غير حادة” لفائدة الزبناء، مقابل أثمنة تتجاوز 300 درهم.. بعد الحصول على الأداة الحادة، يمكن شحذها لدى بعض المتخصصين أو اعتمادا على بعض الأدوات المتخصصة في شحذ السكاكين.
حسب ما وقفت عنده “الأخبار”، فصناعة الخناجر والسكاكين داخل محلات السوق، تمكن الحرفيين من تحقيق بعض الأرباح نظرا لسرية تصنيعها، في حين يستغرق الصناع حوالي 24 ساعة من أجل توفيرها لفائدة الزبناء.
وحسب شهادات العديد من التجار، فقد تَم أخيرا، ضبط وحدة إنتاج داخل السوق، تعمد إلى صناعة وإعداد الخناجر والسكاكين لفائدة شريحة من الزبناء.. التصريحات ذاتها، أفادت أن صانِعَين تلاحقهما عقوبات سجنية وغرامات مالية ثبت تورطهما في تصنيع أدوات حادة.
هذه السكاكين التي يتم إعدادها تحت الطلب، تُعَرِّض تجار وصناع السوق في حالة تصنيعها، لعقوبات سجنية، نظرا لاستخدامها في غايات مرتبطة بالسرقة والضرب والجرح أو التهديد.. أحد التجار أكد في حديثه مع “الأخبار” أن بعض الوحدات الإنتاجية والمحلات داخل السوق تتلقى طلبات من الزبناء مرتبطة بتصنيع عدد من الخناجر والسكاكين.
خلال إنجازنا لهذا التحقيق، وقفنا عند المراحل التي يسلكها الزبناء من أجل الحصول على السكاكين الطويلة من الحجم الكبير.. هذه الأدوات الحادة يتطلب إعدادها اقتناء قطع حديدية مسطحة يتجاوز طولها 90 سنتيمترا، قصد شحذها في ما بعد، وتثبيت مقبض في طرفها.
هذه العملية وحسب ما توصلت إليه “الأخبار” يعمد إلى اتباعها مجموعة من “الزبناء” الراغبين في امتلاك الأسلحة البيضاء من سيوف وسكاكين طويلة من الحجم الكبير. فيما يعتمد العديد من الراغبين في امتلاك أسلحة بيضاء على بعض المتخصصين في ترويج السيوف والسكاكين.
مستودعات لإنتاج السكاكين الطويلة
حسب تصريحات استقتها “الأخبار” من صناع في مجال الحِدادة، هناك مستودعات سرية ووحدات للإنتاج، تعمد إلى تصنيع سيوف وسكاكين طويلة ذات شفرات حادة، تحت الطلب.
المصادر ذاتها، أوضحت بأن هذه المستودعات، يمكنها صناعة سكاكين وسيوف يصل طولها إلى أزيد من متر واحد، فيما يتم تسويق هذا النوع من السكاكين، لفائدة شريحة معينة من “الراغبين” في امتلاك أسلحة بيضاء.
وأَسَر لـ”الأخبار” مجموعة من الصُناع في مجال الحِدادة، بوجود محلات لتصنيع مثل هذا النوع من الأسلحة البيضاء، إلا أن خطورتها، حسب نفس التصريحات، تَفْرضُ اعتماد السرية خلال جميع مراحل إنتاجها.
وتنقسم الأسلحة البيضاء ذات الشفرات الحادة، إلى سيوف وسواطير وسكاكين.. السكاكين بدورها تختلف بين سكاكين طويلة ونظيرتيها المتوسطة والصغيرة، هذه الأخيرة تستخدم بشكل كبير في اعتداءات على المارة وجرائم مرتبطة بالسرقة.
وحسب تصريحات الصُناع، فأسعار السكاكين الطويلة التي يتم صناعتها في بعض الوحدات الإنتاجية السرية، يحددها طول السكين وطبيعة شفرته الحادة.. فيما ينشط العديد من الصناع، حسب بعض التصريحات، في ترويج مثل هذا النوع من الأسلحة بأثمنة تتجاوز 200 درهم.
استثمار في الجريمة
سعيد، واحد ممن ينشطون في مجال السرقة والنشل، يبلغ حوالي أربعين سنة، يمتلك سلاحا أبيض من الحجم الكبير، ويستعمله في غايات مرتبطة بالسرقة والتهديد.. رافقته “الأخبار” خلال إنجاز هذا التحقيق، ليكشف خلال الحديث معه عن اعتماده على إخفاء السلاح الأبيض بشكل جيد، خلال تنفيذه مجموعة من عمليات السرقة.
(س.ب)، الذي أمضى عدة عقوبات سجنية، بعد عمليات سرقة واعتداءات على المارة، أشار إلى أن السكاكين الكبيرة، تعد من الأسلحة الأكثر تأثيرا وترهيبا في نفوس المواطنين، وأن العملية تستغرق بضع ثوانٍ للحصول على ممتلكات الضحية في حالة تهديده بسلاح أبيض من الحجم الكبير.
وأوضح نفس المتحدث، الذي تبدو على أجزاء كبيرة من يديه، آثار جروح عميقة تم رتقها في وقت سابق، بأنه اعتاد على استعمال السكاكين الكبيرة في مداهمة سائقي سيارات الأجرة، وتهديد المارة وسرقة ممتلكاتهم.
وأكد نفس المتحدث أنه، يعمد إلى استعمال مجموعة من الأسلحة البيضاء، مفيدا بأن أثمنتها تتراوح بين 100 و400 درهم، فيما أوضح بأنه يعتمد في شحذ هذا النوع من السكاكين على أدوات متوفرة في الأسواق المغربية.
وأوضح نفس المتحدث، بأن العديد من النشطاء في مجال ترويج السيوف والأسلحة البيضاء، يحققون أرباحا مالية جيدة، من خلال تصنيع هذه الأدوات الحادة في مستودعات سرية ووحدات للتصنيع، في حين تشير عدد من المصادر إلى أن هذه التجارة أصبحت تغري مجموعة من التجار والصناع.
مواقع إلكترونية مغربية تعرض أسلحة بيضاء للبيع
حسب ما وقفت عنده “الأخبار” فبعض المواقع الإلكترونية المغربية المتخصصة في المعاملات التجارية على الأنترنت، تعرض سيوفا وسكاكين طويلة يمكن الحصول عليها بعد اتباع إجراءات وخطوات بسيطة.
هذه المواقع الالكترونية، توفر أرضية لطرح منتوجات وسلع لفائدة الزبناء على الأنترنت.. من بين السلع المطروحة للبيع سكاكين مختلفة الأحجام بثمن لا يتجاوز 400 درهم تشمل سكاكين طويلة، ذات شفرات حادة.
ورصدت “الأخبار” صفحات على “الفيسبوك” تشجع على حمل الأسلحة البيضاء من الحجم الكبير، بالإضافة إلى بعض الأدوات الحادة التي يجري استعمالها لترهيب المارة وسلب ممتلكاتهم.
وتدعو بعض الصفحات الفيسبوكية المرتبطة بظاهرة “التشرميل”، التي يظهر من خلالها شباب في بعض الصور، يحملون أسلحة بيضاء من مختلف الأحجام، ويهددون بسرقة المواطنين وسلبهم ما بحوزتهم من ممتلكات، باستخدام التهديد والعنف. تدعو الشباب إلى امتلاك أسلحة بيضاء من الحجم الكبير.
من جهة أخرى، كشف تقرير أمريكي حديث، في وقت سابق بأن السياح الأجانب، يتعرضون بالمغرب إلى العديد من أشكال الجريمة أبرزها السرقة تحت التهديد بالأسلحة البيضاء، بالإضافة إلى نشل الحقائب اليدوية.
وصنف التقرير مدينة مراكش ضمن قائمة المدن التي تُسجل أكبر عدد من الجرائم ضد السياح باستخدام الأسلحة البيضاء، فيما جاءت مدينة الدار البيضاء في المرتبة الثانية متبوعة بمدينتي فاس ومراكش. وسجل التقرير ارتفاع نسبة التهديدات والمخاطر في المناطق الحضرية والسياحية.
وتوثق مجموعة من الفيديوهات التي يتم تداولها على الأنترنت حالات اعتداءات على المواطنين تحت التهديد بالسلاح الأبيض، فيما تبقى السكاكين الطويلة من بين أهم الأسلحة البيضاء الأكثر استعمالا في هذه العمليات.
وتُظهر مقاطع على الأنترنت، تعرض العديد من السياح الأجانب، لحوادث سرقة ونشل، تستخدم خلالها الأسلحة البيضاء والسكاكين الطويلة بشكل لا يترك الفرصة أمام الضحية للمقاومة أو محاولة الهروب، في حين توثق مجموعة من الفيديوهات مشاهدا دموية، تبرز أشكالا من جرائم السرقة في حق المواطنين والمارة.
وتفيد المعطيات المتوفرة، بأن السيوف والسكاكين الطويلة، تستخدم على نطاق واسع خلال حروب العصابات التي تدور في بعض الأحياء الشعبية بالمدن المغربية، فيما يعمد العديد من الشباب إلى التباهي بحملها في صور على حساباتهم الفيسبوكية تجسيدا لظاهرة “التشرميل”.
هنا تروج السكاكين الطويلة
عاينت “الأخبار” خلال زيارات ميدانية، لعدد من المحلات بالأسواق الشعبية، المتخصصة في ترويج الأثاث المنزلي، وجود سكاكين طويلة يبلغ طول شفرتها الحادة حوالي 40 سنتيمترا، معروضة للبيع، ومتاحة أمام “الزبناء” وفق أسعار في المتناول.
في حديث مع أحد التجار، أوضح بأنه يسوق سكاكين طويلة يبلغ طول شفرتها الحادة حوالي 40 سنتيمترا، بأثمنة لا تتجاوز 80 درهما، بالإضافة إلى تسويقه مجموعة من الأدوات ذات شفرات حادة.
وأفاد، نفس المتحدث بأن هذا النوع من “الأدوات المنزلية” تسوقه مجموعة من الشركات ذات علامات تجارية شهيرة، فيما تمكن هذه السلع، مجموعة من التجار من تحقيق أرباح مالية مهمة.
وتُفيد المعطيات المتوفرة، بوجود تجار يعمدون إلى تسويق سكاكين طويلة مختلفة الأحجام، لفائدة الزبناء بأسعار في المتناول، فيما يتمكن هؤلاء التجار من التَزود بهذه المنتوجات اعتمادا على أرباب محلات الجُملة.
وتبين خلال المعاينة التي أنجزتها “الأخبار” بأن مجموعة من المتاجر الكبرى، تعرض أدوات تستعمل في شحذ السكاكين الطويلة، فيما أسر مجموعة من أرباب “المجازر”، بوجود متخصصين في شحذ السكاكين الطويلة يعمدون إلى ترويج هذا النوع من السكاكين بشكل “شبه سري”.
وأفادت مصادر مطلعة، بأن مجموعة من المتخصصين في شحذ السكاكين يعمدون إلى ترويج سكاكين طويلة بأسعار تحددها طبيعة المُدية وطول شفرتها الحادة.
هذه عقوبات حاملي ومروجي الأسلحة البيضاء
يخصص القانون الجنائي، عقوبات سجنية وغرامات مالية، في حق حاملي السلاح الأبيض، أو خلال استعماله في التهديد أو ارتكاب جرائم مرتبطة بالسرقة أو الضرب والجرح، بحيث يُعتبر ترويج أو استعمال الأسلحة البيضاء من الجرائم والأفعال الإرهابية، في حالات الترهيب أو التخويف أو العنف أو المس الخطير بالنظام العام.
ويُجرم القانون الجنائي المغربي، امتلاك السلاح الأبيض وكافة أنواع الأسلحة التي تشكل خطرا على الأمن العام، بحيث يعاقَب بالحبس من ستة أشهر إلى سنة، وبالغرامة من 1200 إلى 5000 درهم، أو بإحدى العقوبتين فقط، كل من ضُبط في ظروف تشكل تهديدا للأمن العام أو لسلامة الأشخاص أو الأموال وهو يحمل جهازا أو أداة واخزة أو قاطعة، ما لم يكن ذلك بسبب نشاطه المهني أو لسبب مشروع.
وخَصص المُشرع مجموعة من البنود والمواد القانونية التي تجرم، حمل السلاح الأبيض، أو استعماله في ارتكاب الجرائم خاصة في حالات الضرب والجرح مع سبق الإصرار والترصد، بحيث تخصص عقوبات سجنية من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة من مئتين إلى ألف درهم.
وتتراوح العقوبات السجنية في الجرائم المتعلقة بالضرب والجرح بواسطة السلاح الأبيض، بين السجن من ستة أشهر إلى سنتين وألف درهم كغرامة مالية، فيما تصل أقصى العقوبات إلى المؤبد.
ويُجرم القانون استعمال السلاح خاصة في الحالات التي يترتب عنها جرح أو ضرب يطال الأطفال دون سن الخامسة عشرة، نتج عنه عجز أو ملازمة للفراش تتجاوز عشرين يوما، بالعقوبة السجنية من سنتين إلى خمس سنوات.
كما يُعاقب بالسجن من عشرة إلى عشرين سنة، وغرامة من 20 ألفا إلى 50 ألف درهم، كل من استعمل السلاح أو هدد باستعماله خلال التعذيب، كما تخصص نفس العقوبات السجنية في حق الأشخاص الذين استعملوا السلاح الأبيض في تعذيب نتج عنه فقدان عضو أو بتره أو الحرمان من منفعته.
ويُعاقب بالسجن من سنتين إلى عشر سنوات وغرامة من عشرة آلاف إلى مليوني درهم، كل من ارتكب جريمة بواسطة السلاح الأبيض، سواء كان ظاهرا أو مخبأ.
ويُخصص القانون الجنائي عقوبات سجنية تصل إلى المؤبد، في حالات الجرائم المرتبطة بالسرقة باستعمال السلاح الأبيض، سواء كان السلاح ظاهرا أم خفيا، فيما يعتبر تسليم سلاح إلى شخص ليست لديه الخبرة الكافية لحمله، أو لا يتمتع بقواه العقلية، من المخالفات المتعلقة بالنظام والأمن العام.