هذا هو موقف الملك محمد السادس من القضايا الإفريقية عندما كان عمره 21 سنة
عزيز الحور
كانت للاتحاد العربي الإفريقي المؤسس بين المغرب وليبيا أهداف على المستويين العربي والإسلامي، كما أسلف الملك في بحثه وأسلفنا في بيانه، بالإضافة إلى ما اعتبره الملك محمد السادس أنه كانت للاتحاد بين المغرب وليبيا أهداف أخرى على المستوى الإفريقي.
لقد كانت علاقة المغرب بإفريقيا دائما بين ثبات وتحرك، فالقارة الإفريقية لم تكن دوما على قلب واحد، إذ كانت هناك نزوعات وتيارات حكمت على العلاقات المغربية الإفريقية بعدم الاستقرار على حال، خصوصا أن المغرب عانى، في تاريخه المعاصر والراهن، من توتر مصطنع على حد توصيف الملك محمد السادس بنفسه، في بحثه المرتبط بملف الصحراء المغربية.
لكن الجغرافيا كمعطى ثابت كان يفرض على المغرب دوما التفكير في وضعه من داخل المنظومة الإفريقية، ورغم أن الملك الراحل الحسن الثاني كان يسعى إلى التخلص من هاته التبعية المكلفة حينها بالنظر تجاه أوربا إلى أبعد نقطة بما فيها طلب عضوية الاتحاد الأوروبي قبل الحصول على الوضع المتقدم، فإن الأوتاد التي كانت تشد الحبال المغربية إلى الأرض الإفريقية ظلت تجر البلد إلى أصله الإفريقي دوما.
وقد وعى الملك محمد السادس بهذا الواقع الذي لم يكن له ليرتفع أبدا، فاختار التقرب إلى إفريقيا عوض خيار الهروب إلى الأمام، ومواجهة واقعها بحكم تأثيره على القضية المغربية الرئيسية، وهي قضية الوحدة الترابية بشكل مباشر بدل التغاضي عنه. وهذا ما نلمسه في التوجه الملكي المثير للانتباه تجاه دول إفريقية، بدءا بالغرب الإفريقي الذي تجمع المغرب به روابط تاريخية وسياسية ودينية واجتماعية وثقافية واقتصادية ومتعددة.
والحاصل أنه من خلال قراءة بحث الملك محمد السادس الذي كتبه وعمره لم يكن يتجاوز 21 سنة يظهر أن اهتمام الملك بالقارة الإفريقية ليس وليد ظروف وسياقات الحكم بل مرتبط برؤية حقيقية متأصلة وتعود إلى مرحلة عمرية ومتقدمة. هذا ما يجعل من التوجه الإفريقي للملك، إن صح القول، قناعة حقيقية وليست مجرد تكتيك في إطار استراتيجية خارجية.
لقد تكررت طيلة أجزاء بحث الملك، كما رأينا وكما سنرى، إشارات إلى موقفه حينها من إفريقيا، سواء عبر تحليله لسياق تأسيس الاتحاد العربي الإفريقي، موضوع البحث، ومنظومته المؤسساتية، وأيضا رصده لأهداف هذا الاتحاد، ثم في مرحلة أخيرة من البحث ببيان أسس السياسة الخارجية المغربية والتي توجد القضايا الإفريقية في صلب اهتماماتها.
هنا، وفي هذا الجزء من البحث، والذي رصده الملك لكشف أهداف الاتحاد العربي الإفريقي الموقع بين المغرب وليبيا، يتحدث الملك عن تصور هذا الاتحاد للوضع في إفريقيا عبر ثلاثة محاور أساسية هي «مكانة ليبيا والمغرب في القارة الإفريقية» و«التوتر المصطنع في شمال غرب إفريقيا» و«قضايا التضامن العربي الإفريقي». وقد ارتبطت هذه الأهداف بطبيعة الاتحاد العربي الإفريقي كما يحمل عنوانه، والذي يقوم على فلسفة الانطلاق من المشترك العربي والإفريقي بين مغرب الحسن الثاني، الملك العلوي الذي ورث دولة كانت لها دوما علاقات مع إفريقيا تصل حد الولاء السياسي والديني، وليبيا القذافي، الرجل العسكري ذي النزوع النفسي نحو السيادة والطامح كي يصير «ملكا لملوك إفريقيا» كما ظل يلقب. وهذا ما يذهب إليه الملك في تمهيد لرصد أهداف الاتحاد العربي الإفريقي على المستوى الإفريقي بالقول: «لا ريب في أن تسمية اتحاد الدول بين المغرب وليبيا بالاتحاد العربي الإفريقي هو دليل على ما يوليه الطرفان من أهمية للعلاقات العربية الإفريقية، ومما يؤكد هذه الأهمية أن المادة الثالثة عشرة من معاهدة وجدة نصت في فقرتها الثانية على أنه يجوز للدول الأخرى المنتمية إلى «الأسرة الإفريقية» أن تنضم إلى هذه المعاهدة وأن تصير أعضاء في الاتحاد».
أبعاد الاتفاق المغربي الليبي الإقليمية والقارية والهوياتية جعلت منه اتفاقا غير مسبوق، لذلك يردف الملك، موضحا هذه الخصوصية، قائلا: «فالاتحاد العربي الإفريقي إذن مفتوح لعضوية الدول الإفريقية بنفس الشروط المقررة بالنسبة للدول العربية التي ترغب في الانضمام إليه. وكما قال جلالة الملك الحسن الثاني، فإن تسمية الاتحاد العربي الإفريقي هي ميزة تميزه عن الاتفاقيات العربية السابقة: «فلم يبق هذا الاتحاد بين دولتين عربيتين، بل أصبح الاتحاد بين كل دولة عربية أرادت أن تنضم إليه أو كل دولة تنتمي إلى الأسرة الإفريقية ولو كانت في الطرف الآخر من إفريقيا»»، يكتب الملك محيلا على خطاب للحسن الثاني بمناسبة الذكرى 31 لثورة الملك والشعب.
أول أهداف الاتحاد العربي الإفريقي، وفق تحليل الملك، هو تنسيق المغرب وليبيا جهودهما لحل مشاكل وقضايا إفريقية بحكم مكانتهما في القارة. يقول الملك في هذا الإطار: «والواقع أن كلا من المغرب وليبيا يحتلان مكانا خاصا في الإطار العربي والإفريقي، فكلاهما متداخل جغرافيا وبشريا وحضاريا واستراتيجيا مع العالم العربي ومع إفريقيا، وهما معا بسبب وزنهما السياسي والاقتصادي مؤهلان لكي يكونا طرفا فاعلا على الصعيد الإفريقي. وعلى هذا الأساس يمكن التنسيق بينهما في إطار الاتحاد العربي الإفريقي من أجل أحداث التفاعل المنشود بين الأمة العربية والقارة الإفريقية». لكن ما القضايا التي يمكن للمغرب وليبيا التدخل فيها قاريا؟
يوضح الملك هذه النقطة بقوله: «لا شك في أن أهم القضايا التي يمكن أن تكون منطلقا لهذا التنسيق هي قضايا التفرقة العنصرية والفصل العرقي، ورفض التدخل الأجنبي والوجود العسكري في إفريقيا، وشجب ممارسات المرتزقة في الاعتداء على الدول الإفريقية، وكذلك تدعيم التعاون العربي الإفريقي وتعميقه على كل المستويات».
يتابع الملك ذاكرا: «إن المغرب وليبيا بلدان منتميان إلى القارة الإفريقية لا يمكنهما عدم الاهتمام بالأحداث والتطورات التي تعرفها هذه القارة، لا سيما وأنها إحدى بؤر التوتر في العالم ويوجد بها الكثير من المشاكل المعقدة، وانطلاقا من ذلك يمكنهما المساهمة في العمل الجاد والمسؤول من أجل استكمال تحرير القارة وصيانة واستقلالها ووحدة ترابها وتعزيز استقرار أمن دولها».