هذا سبب فشل بوتفليقة وأحداث القبايل كانت صادمة
يونس جنوحي:
أحس عبد العزيز بوتفليقة بأنه محاصر طوال السنتين الأوليين لوصوله إلى الحكم. لم يلتزم معه الجنرالات بالاتفاق الأولي بينهم في ذلك الاجتماع السري الذي تحدث عنه هشام عبود. لم يتركوا له السياسة الخارجية والاقتصاد، على أن يتكلف الجنرالات، كما هو حال جيوش العالم، بالعسكر والأمن. بل فرضوا عليه مستشارين داخل القصر الرئاسي هما الجنرال محمد تواتي وبنعباس غزال، بالإضافة إلى الجنرال بلخير الذي كان يدير ديوان الرئيس. مثلث عسكري فرض على بوتفليقة أن يكون حذرا، ورئيسا بصلاحيات محدودة جدا، لكنه على الأقل في وضع أفضل من سابقيه.
في سنة 2001، أي بعد عامين على الوضع المتجمد لبوتفليقة في القصر الرئاسي، سوف تنفجر قنبلة أحداث منطقة القبايل.
كواليس..
يقول هشام عبود: «في يونيو 2001، جاءت أحداث القبايل التي انتشرت إلى مناطق أخرى في البلاد، في وقت كانت فيه علاقة بوتفليقة بالجنرالات تتمزق أكثر فأكثر، دون أن يتم إخبار الرأي العام المحلي أو العالمي بالدور الحقيقي الذي لعبه الجنرالات على أعلى مستويات السلطة الجزائرية في تلك الأحداث».
يضيف هشام عبود أن بوتفليقة لم يُطرد هذه المرة من القصر الرئاسي كما وقع لسابقيه في حالات مماثلة، حيث تم استغلال بعض الأحداث الإرهابية المفتعلة للعصف بالرئيس والتضحية به مقابل استمرار الجنرالات والأمنيين الكبار في مناصبهم. لقد كان العمر السياسي لعبد العزيز بوتفليقة أطول من سابقيه. وفي ذلك السياق، أي خلال أحداث يونيو 2001، قامت المافيا، كما يشرح لنا هشام عبود، بانقلاب كبير جدا. وكان بوتفليقة، في ولايته الرئاسية الأولى، قد سار على نهج من سبقوه. إذ إنه، حسب الصحافي هشام عبود، الذي يمثل صوته شريحة كبيرة من الجزائريين، لم يقدم للجزائريين أي شيء، ولم يدفع البلاد إلا لمزيد من الفوضى، رغم شعار «الوئام المدني» الذي رفع في بداية عهده.
بالنسبة لهشام عبود، فإن بوتفليقة «يستحق اللوم أكثر من أي رئيس آخر» للجزائر. والسبب أن بوتفليقة كانت تتوفر له ضمانات لم تتوفر لسابقيه، إذ كان الجنرالات في أزمة «مشروعية» في الجزائر وكانوا يحتاجون، لأول مرة منذ وفاة الهواري بومدين، إلى من يخرجهم من العزلة التي فرضوها على أنفسهم وعلى الجزائريين، أمام العالم.
إذ إن أنظمة كثيرة لم تكن تريد أن تربط اتصالات دبلوماسية مع بلد يقوده جنرالات متورطون في اغتيال رئيس البلاد على الهواء مباشرة. إذ إن وصول بوتفليقة إلى السلطة لم يُنس الرأي العام الدولي مأساة الرئيس بوضياف الذي كان اغتياله على المباشر إحدى أغرب النهايات التي تعرض لها رئيس دولة.
ورغم أن أعضاء مافيا الجنرالات كانوا يحتاجون إلى بوتفليقة أكثر مما كان هو في حاجة إليهم، فإن التقييم الذي خلص له هشام عبود مفاده أن بوتفليقة لم يكن في ولايته الأولى في حجم انتظارات الجزائريين وتطلعاتهم، ووصفه بأنه «لم يستطع الهروب من التلاعب، لأنه كان رهينة مطيعة».
كانت الحرب الأهلية التي دخلت فيها الجزائر قد أنهكت الاقتصاد وجعلت المواطنين يفقدون الأمل في النظام ككل، وعند مصيبة أحداث القبايل سنة 2001، كان هناك إجماع على أن الجنرالات متورطون في الموضوع، تماما مثل ما تورطوا في أحداث العُشرية السوداء.
يختم هشام عبود هذه المذكرات بآخر صفحات اختار لها عنوانا مثيرا، ويلخص الوضع برمته: «العدالة من أجل الجزائر».
حيث بدأ بالحديث عن معاناته الشخصية مع النظام الجزائري. إذ في خضم حديثه عن علاقته بالجنرال محمد بتشين وكيف غادر المسؤولية في مكتب الجنرال لكي يخوض غمار الصحافة وكيف تعرض لمضايقات أقبرت العناوين التي أشرف عليها، وكيف تطورت الأمور إلى صراع بين الجنرالات، جاء الدور على حكايته الشخصية، لنرى معه كيف غادر الجزائر بعد أن عاش بها تجارب دفعه الجنرالات بسببها إلى الرحيل.