شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

هذا «العجز» الأمريكي

 

حسام كنفاني

 

 

يمكن القول إن جولة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، انتهت إلى فشل، ومعها عادت مسألة الخلافات الأمريكية الإسرائيلية إلى الظهور إلى العلن، والتي يبدو أنها هذه المرة أعقد من المرات السابقة.

بلينكن، ومن خلفه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، كانا يمنيان النفس بالخروج بشيء إيجابي من جولة المفاوضات، وتقديم صورة مختلفة عن الموقف الأمريكي من العدوان على قطاع غزة. غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قطع الطريق على المسعى الأمريكي، بمسارعته لرفض المقترحات التي وضعتها «حماس»، في رد على مسودة باريس الهادفة لوقف مؤقت لإطلاق النار وتبادل الأسرى.

ورغم أن الولايات المتحدة بدت متفائلة برد «حماس»، وهو ما عبر عنه بلينكن نفسه قائلا إنه بينما «توجد بعض الأمور غير الواضحة في رد حماس، فإننا نعتقد أنه يخلق مساحة للتوصل لاتفاق»، إلا أن هذا الكلام جاء متأخرا، إذ سبقه رفض مطلق من نتنياهو للمقترح، وزاد عليه بتهديدات زيادة حد الهجمات، وهو ما بدأ فعليا بتنفيذه.

أظهر موقف نتنياهو فعليا العجز الأمريكي أمام إسرائيل، فرغم كل الدعم، منذ بداية العدوان، سواء بالسلاح أو استخدام الفيتو أكثر من مرة بمجلس الأمن والدفاع عن «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، إلا أن نتنياهو غير مستعد لتقديم ورقة قد تساعد بايدن بحملته الانتخابية. ومن الواضح أن حسابات نتنياهو في هذا الشأن معقدة، وبعضها مرتبط بالحملة الرئاسية الأمريكية نفسها، فإضافة إلى مخاوف رئيس الوزراء الإسرائيلي من انهيار ائتلافه الحكومي، في حال أبدى إيجابية في التعاطي مع مطالب «حماس»، يبدو أن نتنياهو يعول على عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وزيادة الدعم لإسرائيل في «حربها المصيرية»، كما فعل خلال ولايته الأولى، التي نقل فيها السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وأطلق ما سميت «صفقة القرن» التي فتحت باب التطبيع بين إسرائيل وعدة دول عربية. لا يبدو رهان نتنياهو هذا خاسرا لجهة التعويل على وصول ترامب، خصوصا أن كل المؤشرات تعطيه الأسبقية في المعركة الرئاسية، لكن الرهان سيكون خاسرا على توقعه ردة فعل ترامب تجاه إسرائيل عموما، ونتنياهو تحديدا، في حال واظب على الممارسات نفسها التي تفقد الولايات المتحدة ريادتها السياسية. وسبق لترامب أن وجه انتقادات حادة إلى نتنياهو في أكثر من مناسبة، كان آخرها في الأيام الأولى للعدوان على غزة، عندما اعتبر أن نتنياهو «مخيب للآمال»، وكان وصفه سابقا بعديم الوفاء.

تقرأ إدارة بايدن نيات نتنياهو وحساباته، ورفعت سقف الانتقاد عبر كلمة الرئيس الأمريكي، التي اعتبر فيها أن إسرائيل «تجاوزت الحد» في عدوانها على غزة. موقف كهذا لا يتجاوز لحظة الخطاب، ولا يمكن صرفه في تغيير السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل وعدوانها. وحتى وقف التسليح الأمريكي لدولة الاحتلال، الذي كان أساسيا في استمرار الحرب وارتكاب كل هذه الجرائم، لم يجرَ الحديث عن قطعه كجزء من ردة فعل «عقابية» ضد التعنت الإسرائيلي، بل جرت دراسة تقليصه، وهو ما لم يحدُث. وها هو نتنياهو اليوم ماض في العدوان واستهداف رفح وتهجير المهجرين الفلسطينيين منها، رغم معارضة الإدارة الأمريكية، التي من غير المتوقع أن تقوم بأي خطوات عملية، باستثناء التصريحات والانتقادات، لمنع الجرائم المرتقب حصولها برفح، ما يعني إثباتا لحالة العجز الأمريكي أمام إسرائيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى