شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

هدية مرفوضة..

 

 

يونس جنوحي

 

عندما يقرأ الناس عن مُحاسبة مسؤولين في مناصب عليا، وجرهم إلى المُساءلة دون أن تنفعهم الحصانة البرلمانية، ينتشر نوع من الارتياح في أوساط الرأي العام.

كل صباح نسمع عن اسم جديد يتوصل باستدعاء ويقضي ساعات في الرد على الأسئلة، ثم نسمع لاحقا عن إجراء في حقه، مثل سحب جواز السفر وإغلاق الحدود في وجهه وتجميد أرصدته، وطبعا نسمع عن حالات كثيرة تودع في السجن في انتظار المحاكمات.

ليس هؤلاء الذين يُساقون الآن إلى السجن هم أول من يجلسون وراء القضبان، هناك وزراء سابقون ومسؤولون كبار في وظائف سامية يقضون الآن عقوبات حبسية، بتهمة خيانة الأمانة والاختلاس وتبديد المال العام.

وقبل هؤلاء الذين يقضون العقوبات، هناك مسؤولون مغاربة قضوا عقوباتهم ومنهم من خرجوا من السجن وانزووا في الظل، نسيهم الجميع، وماتوا دون أن يتذكرهم أحد.

هناك دول لا يُمكن أن يُسجن فيها وزير سابق ولا مسؤول حالي، ومع ذلك تعطي الدروس للعالم في الديموقراطية. وهناك دول أخرى تورط رؤساؤها، مرة واحدة، في قضايا فساد وتسربت لهم تسجيلات بتلقي رشاوى لتعديل القوانين أو تمرير أخرى، في استغلال سافر للمنصب، وأُقيلوا ونُقلت أسماؤهم إلى مزبلة التاريخ.

إن دراسة جادة لرصد أسباب إقدام المسؤولين على ممارسات مماثلة تقضي على سمعتهم وعلى مسارهم السياسي، يجب أن تشمل عددا من القطاعات.

المغاربة اليوم يدفعون ثمن فساد بعض المنتخبين قبل عشرين سنة وأكثر. أولئك الذين تلاعبوا في تصميم الأحياء والقرى، ومنحوا رخص البناء بصورة عشوائية لشراء الأصوات الانتخابية، تسببوا اليوم في وجود مدن عشوائية جديدة في المغرب لا يمكن أن تنال نصيبها من التنمية، والسبب أنها لا تحترم التصاميم، ولا يمكن أن تُصلح إلا بهدمها وإعادة بنائها من جديد. وهذه الحالات تتكرر في أغلب مناطق المغرب شمالا وجنوبا. وأغلب المنتخبين الذين كانوا وراء هذه الكوارث انتقلوا إلى دار الحق، قبل أن تصلهم حملة المُحاسبة.

في زمن السيبة، وأيام المغرب بالأبيض والأسود، لم تكن محاسبة الوزراء والعمال والولاة تتم في المحاكم، أو تُحال ملفات مؤسساتهم على المجلس الأعلى للحسابات، بل يبت العلماء والقضاة في أمرهم، ويُعلن خبر عزلهم.

والعزل في زمن المخزن، قبل قرن ونصف أو قرنين من اليوم، كان يعني أن يلازم المسؤول السابق منزله وألا يغادره نهائيا لأي سبب من الأسباب، إلا إلى المقبرة. وهناك حالات كثيرة رصدها المؤرخون لموظفين سابقين في المخزن المغربي، كان يُقام لهم ويُقعد، وفي الأخير انتهوا متهمين بخيانة الأمانة وسرقة أموال الضرائب أو التعسف في ممارسة سلطتهم على الناس، وأدّبهم المخزن بعد وصول شكايات بشأنهم إلى القصر، وعاشوا معزولين تماما لما تبقى من حياتهم. وحتى عندما يموت واحد منهم، ولو بعد مرور سنوات على عزله ومصادرة أمواله، يشاع فورا أنه مات حُزنا وندما على ما اقترف من أفعال.

حُكي عن الملك الراحل محمد الخامس أنه توصل بشكايات بشأن أحد الباشوات سنة 1942، تفيد بأنه صادر أراضي بعض الفلاحين بدون حق، وسجلها باسمه وأصبح إقطاعيا كبيرا وانشغل بالفلاحة. وفي أول مناسبة حضر فيها هذا الباشا إلى القصر الملكي، وكانت العادة وقتها أن تُقدم الهدايا بمناسبة عيد المولد النبوي وعيد الأضحى، رُفضت الهدية التي قدمها هذا الباشا، والتي كانت عبارة عن حصان عربي أصيل، وأخبره المحيطون بالملك الراحل محمد الخامس أن السلطان لن يقبل حصانا إلا من صاحبه، وكان ذلك درسا بليغا لهذا الباشا.

كل الذين تمادوا في استغلال السلطة والإثراء غير المشروع كانت نهايتهم هي المحاسبة، سواء التفوا حولها في السابق أو حاولوا تجنبها سابقا، فإن النهاية واحدة. بقي فقط أن يأخذ الجميع العبرة. محاكمات المسؤولين ليست مسلسلا رتيبا على التلفزيون، إنها درس سياسي، يجب أن يُجبر الجميع على متابعته.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى